أ. عائشة الحكمي
السؤال
مشكلتي هي عدم التَّركيز وعدم الفهم السريع، وأيضًا شتات ذهني، وأعاني من هذه المشكلة منذ أعوام، وعمري الآن 29.
ومن مشكلتي أني بطيء الفَهْم حتى في العمل، أو فهم أي درس، وأني كثير السَّرحان أثناء استقبال الدرس أو المعلومة.
سمعت عن دواء ’’الجنكة’’، أنَّه يساعد على الفهْم السَّريع وتنشيط الذاكرة، ويجعل الشَّخص سريعَ الفهْم والإدراك.
وأيضًا سمعت عن دواء ’’الجنسينغ’’، أنَّه يساعد على تنشيط الذاكرة وسرعة الفهْم أيضًا.
فأتمنَّى توضِّح لي أي دواء منهما مناسب لي؟ وإن لَم يكن، فهَلْ يوجد دواءٌ آخَر أفضل منهما؟
أتمنَّى منك الردَّ على سؤالي؛ لأني - والله - حائر في مشكلتي هذه.
ومنتظر منك الرد، وجزاك الله خيرًا.
الجواب
أخي الكريم، حيَّاك الله.
من المهم أن تعلم أنَّ المخَّ عضوٌ في غاية الحساسية بالنسبة للحالة الصحيَّة العامَّة للجسم؛ فإذا تأثَّر الجسم، تأثَّر المخُّ تبعًا لذلك في قدراته العقليَّة؛ كالذاكرة والتفكير ونحو ذلك؛ ولهذا اسمح لي - قبل الخوض في علاج المُشْكِلة - بأن أتوقَّف أوَّلاً عند الأسباب التي قد تؤدِّي إلى حدوث مثل هذا النَّوع من المشكلات.
من ذلك مثلاً:
• سوء النظام الغذائي، وعدم الانتظام في وجبات الطعام.
• تناول الأطعمة المسببة للحساسية.
• نقص الفيتامينات، وخاصَّة فيتامين B12 المرتبط نقصه بمشكلات الذاكرة.
• نقص ’’الثيامين’’ المعروف بـ’’فيتامين الأعصاب’’؛ لأن أي نقص - ولو كان بسيطًا - في هذه المادة يصاحبه خلل في أنشطة المخ.
• عدم توازن الهرمونات أو اضطراب إفراز الغدد، خاصَّةً نقصَ إفراز الغدَّة الدرقية، والغدَّة فوق الكلوية، والغدد جارات الدرقيَّة.
• سموم المعادن الثقيلة كالرصاص والزئبق.
• نقص حامض الفوليك.
• نقص سكر الدم.
• نقص الحديد (الأنيميا وفقْر الدم).
• التوتُّر والعوامل الاجتماعيَّة والعاطفيَّة: كالمشاحنات، والمنازعات المستمرَّة داخل البيت أو في مقرِّ العمل، أو المشكلات الماديَّة، أو الوقوع في الحب.
• الأمراض النفسيَّة: كالقلق المرضي، أو الوسواس القهري، أو الاكتئاب.
• سيطرة أحلام اليقظة على التفكير.
• الإرهاق الشديد.
• ارتفاع درجة الحرارة أو البرودة أو الرطوبة في المكان.
• نوعية الإضاءة.
• قلة ساعات النوم.
• الضوضاء والأصوات العالية في الجوار، أو المنبعثة من التلفاز أو الراديو، ونحو ذلك.
لهذا أنصحُك أوَّلاً بعمل الفحوصات اللاَّزمة، كفحص الدَّم والغدد، واختِبار الحساسية؛ للتَّأكد من عدم وجود أي سبب عضوي لهذه المشكلة، مع اتباع النصائح التَّالية:
• الإكثار من ذكر الله على كل حال؛ قال تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا} [الكهف: 24].
• الاستغفار وترْك الذنوب والمعاصي: قال الإمام الشافعي:
شَـكَـوْتُ إِلَـى وَكِـيـعٍ سُـوءَ حِـفْـظِـي فَـأَرْشَـدَنِـي إِلَـى تَـرْكِ الـمَـعَـاصِــي
وَأَخْـبَـرَنِــي بِــأَنَّ الـعِـلْــمَ نُــورٌ وَنُـورُ الـلَّــهِ لا يُـهْــدَى لِـعَـاصِــي
• اتباع النظام الغذائي الصحِّي المتوازن.
• تناول فيتامين B12: يعد البروتين الحيواني من أفضل مصادِر هذا الفيتامين؛ كاللحوم والأسماك، والدَّواجن والبيض، والكبد والحليب، ومشتقَّات الحليب.
• تناول ’’الكاروتين’’ المرتبط بالذاكرة القويَّة، ومن أهمِّ مصادره: الجزر، الكرنب، الكانتلوب.
• تناول الأطعمة الغنية بالحديد؛ كالكرنب والمقدونس، والكبد واللحم الأحمر، والدَّجاج والأسماك، والبيض والحليب، إضافةً إلى فيتامين C الذي يزيد من امتصاص الحديد، ويوجد بكثرة في الفلفل الأحمر والكرنب والمقدونس والحمضيَّات؛ كالبرتقال والليمون والجريب فروت.
• تناول الأطعمة الغنيَّة بحامض الفوليك؛ كالهليون والسَّبانخ، والكرنب والبروكولي، والسلمون ونخالة القمح.
• تناول الأطعمة الغنية بالثيامين (B1)؛ كالخميرة وبذور دوار الشمس، والعدس والأرز غير المقشور، والسَّبانخ واللوز النيء.
• تناول الأطعمة الغنيَّة بأحماض أوميغا 3؛ كالسلمون والتونة والسردين، وزيت السمك، وزيت كبد الحوت، وبذور الكتان.
• النوم الجيد المنتظم: حيثُ تشير إحدى الدراسات إلى أنَّ النوم هو من حاجات العقل وليس البدن.
• ممارسة الرياضة وخاصَّةً رياضةَ الهرولة: حيث يُعتقد بأنَّ زيادة استنشاق الأكسجين الذي يسبِّبه الركض يحسِّن من قدرة الجسم على إيصال كميَّة أكبر من الأكسجين إلى الدماغ.
• استنشاق بضع قطرات من الزيوت العطريَّة؛ كزيت الليمون: الذي يعمل على إنْعاش العقل، وزيادة التَّركيز، وتحسين الطاقة، وزيت العرعر: الذي يعمل على تجْلية العقل وتنبيهه وتنشيطه، كذلك زيت النيرولي بتأثيراته المقوية التي تعمل على تحسن التركيز والتفكير.
• قراءة الكتب التي تتطلَّب التفكير والتَّركيز: تجادلْ مع المؤلف وسجِّل ملاحظاتِك عليه، واستنتج بنفسك ما تراه مناسبًا.
• ابحث عن السبب الحقيقي للمشكلة وقم بعلاجه: سواء كان ذلك لأسباب عاطفيَّة أو نفسيَّة أو اجتماعيَّة أو ماديَّة، وعلى أيَّة حال إذا كان لديْك ما تقوله لنا - وأنت لم تتحدَّث بالصراحة التي يفترض أن يتكلَّم بها أصحاب المشكلات - فنحن هنا في (الألوكة) على الرحْب والسَّعة، ونرحب بك وبالجميع في أي وقت.
بالنسبة لسؤالك حول الجنكة والجنسنغ:
أوَّلاً: الجنكة - أو شجرة المعبد كما تسمَّى في بعض الأحيان - واسمها العلمي Ginkgo Biloba:
هي عشبة موطنُها الأصلي الصين، كان النَّاس إبَّان القرون الوسطى يعتقِدون بأنَّ هذه الشجرة جاءت من جنة عدْن!
تعمل هذه النبتة على تنشيط عمليَّات التحوُّل الغذائي في المخ، وتَحسين الدَّورة الدمويَّة، وتوارُد الأكسجين للمخ والقلب والأطراف؛ ولذا تعدُّ بالفعل منشِّطًا قويًّا للذِّهن؛ إذ تعمل خصائصُها الفعَّالة على تحسين الذَّاكرة، ومعالجة نقْص التركيز وضعْف الذَّاكرة.
لا تستعمل البذور؛ لأنَّها قد تكون سامَّة وتسبب التهيج؛ بل يقتصر على استِعْمال الأوراق في صورة كبسولات صيدلانيَّة تُباع في محلات الأغذيَّة التكميليَّة، ولا يُنصح باستعمالِها للأطفال والمسنِّين والحوامل والمرضعات، كما يتعارض استعمالُها مع الأدوية المسيلة للدَّم كالأسبرين، ويحذر من استعمالها قبل الخضوع للعمليَّات الجراحيَّة؛ لأنَّها قد تزيد من النزيف بسبب خواصِّها المميعة للدَّم، ولا تستعمل لمدَّة تزيد عن شهريْن متواصلين، والأهمُّ أن يكون ذلك تَحت إشراف الطبيب.
ثانيا: الجنسنغ Ginseng:
له عدَّة أنواع، أشهرُها: الجنسنغ الكوري، والسيبيري، والأمريكي، ولكل نوعٍ خصائصه، لكن أفضلها وأكثرها تأثيرًا وفائدة هو الجنسنغ الكوري.
الجزء المستعمل منه هو الجُذور، ويستعمله الكوريون على نطاق واسع لعلاج عددٍ كبير من الأمراض، بدءًا من نوبات الصُّداع وانتهاءً بوقْف انتشار الأورام السَّرطانية، ومن أشهر استِعْمالاته الصيدلانيَّة استعماله كمقوٍّ عام لرفْع مناعة الجسم، وكذلك لتحسين الذاكرة وزيادة التركيز.
لا ينصح باستعمالِه للحوامل والمرضعات، والأطفال تحت سنِّ 12 عامًا، ولا للبُدناء؛ لأنَّه فاتح للشهيَّة، وأيضًا يحذر من استعماله لمرضى الربْو، وقصور القلب، والكلى، كما يَجب تجنُّب تناوله مع القهوة أو الشاي المحتوي على كافيين، ولا لأكثر من أربعةِ أسابيعَ متواصلةٍ؛ لأنَّه قد يسبب الأرَق وارتفاع ضغط الدم.
يتعارض استعمال الجنسنغ أيضًا مع الأدوية المسيلة للدَّم، والأدوية المخفِّضة للسكر، وأدوية الاكتئاب، من نوع مثبطات الإنزيم المؤكسد للأمينات الأحادية Mono-Amine Oxidase Inhibitors - MAOI.
ويتمُّ تناوُله بأكثرَ من صورةٍ؛ كأكل الجذور طازجة كما يؤكل الجزر، أو مخلَّلة، أو مطبوخة مع الطعام، أو في صورة كبسولات صيدلانيَّة، أو أكياس ’’شاهي’’، ونحو ذلك.
ختامًا:
ينسب للقمان الحكيم قولُه: ’’يا بني، جالسِ العُلماء وزاحِمْهم بركبتَيْك؛ فإنَّ الله يُحيي القلوب بنور الحكمة، كما يُحيي الأرض الموات بوابل السماء’’.
أدعو الله معلِّم إبراهيم أن يعلِّمك، ومفهم سليمان أن يفهمك، وأن يفتح عليْك من فتوح العارفين والعلماء والصَّالحين، آمين.
دمت بخير، ولا تنسَنا - يا أخي - من صالح دعائك.