كيف : مصدر هموم
د . عبد الكريم بكار
شيء مهم أن نعرف ماذا نقول ، وأن نعرف ماذا نريد ؛ لأن كثيراً من الناس لا يعرفون ما الصواب الذي عليهم أن يتحدثوا عنه ، ولا الأشياء التي يريدون لها أن تتحقق . وأعتقد أن المفكر الذي تعود التفكير والتنظير والتعليل تنتهي مهمته عندما يشعر أنه وضع النقاط على الحروف فيما يجب أن يجلوه من مسائل ، وقل نحو ذلك في الداعية الذي جعل شعاره في التبليغ : ( قل كلمتك وامش ) فإنه يقنع بقول ما يود قوله . والأمة بحاجة إلى هذا وذاك ؛ لكن الإصلاح يتطلب في الحقيقة ما هو أكثر من ذلك : إنه يتطلب توفير الشروط والنظم والقوانين والأساليب والظروف التي تساعد الناس بطريقة أو بأخرى على الاستقامة وعلى الاستجابة لنداءات الدعاة وتوجيهات المربين ومناشدات المخلصين ...
توفير الأمور التي ذكرناها يعني توفير ( بيئة صالحة ) بأوسع ما تحمله هذه الكلمة من دلالات . دعونا نقول : إنه على مدار التاريخ كان لدينا نقص مريع في التنظير للبرامج والكيفيات والوضعيات والأطر التي تجعلنا ننتقل من مرحلة الكلام إلى مرحلة العمل ؛ في الوقت الذي نشكو فيه من فائض في القوة عما يجب فعله ، وعما يجب تركه والإقلاع عنه ، وربما كان ذلك بسبب تأثير من بعض المفاهيم الجاهلية والفلسفة اليونانية حيث الجنوح إلى الحلول النظرية وكراهة الانهماك في التقنيات وفي الأعمال اليدوية والتنفيذية ، وقد تركت هذه الوضعية أسوأ الآثار في قدرتنا على التخطيط للبرامج العملية وفي رصيدنا من الأطر والشروط التي تحوّل الكلام إلى خطوط حركة يومية ! وكم رأينا من الدعاة الذين ينتزعون الإعجاب عندما يتحدثون عن القيم والمبادئ والآمال والجراحات ؛ لكن سرعان ما يفقدون كل ذلك عندما يقال لهم : كيف يمكن تحويل هذه الأفكار الجميلة إلى واقع معيش ؟!
السؤال عن ( كيف ) يشكّل مصدر همّ وقلق وإثارة للكبار الذين انتهوا من تحديد ملامح الوضعية التي يجب أن تكون فيها الأمة ، وباتوا يشعرون بضرورة الانتقال إلى إيجاد الآليات والوسائل التي تساعد الناس على الارتقاء نحو الوضعية المنشودة .
المصلحون المدركون لتكاليف ذلك ومشاقه لا يكفّون عن طرح الأسئلة ومحاولة الإجابة عليها ، ومن تلك الأسئلة :
- كيف نستطيع أن نحول دون استثمار التفوق المعنوي والمادي بطرق غير مشروعة ؟ - كيف يمكن أن نجمع بين مستوى جيد من الحرية الفردية والعدالة الاجتماعية ؟
- كيف نستطيع جعل الناس يبصرون الخط الضيّق الذي يفصل بين النجاح واللصوصية ، والخط الفاصل بين الزهد وبين العجز والعيش على هامش المجتمع ، والخط الفاصل بين القوة والثقة بالنفس وبين البغي والأنانية ... ؟
- كيف نستطيع أن نستفيد من تقدم الغرب دون أن نغرق في ثقافته ؟
- كيف نستطيع تحقيق معنى الأمة الواحدة في ظل العولمة حيث السعي إلى تمزيق كل الروابط التي تقوم على العقيدة ؟
- كيف يمكن أن نوجه النقد إلى بعض إنجازاتنا التاريخية دون أن نشعر بالاغتراب وتشتت الجذور ؟
- كيف يمكن للخطاب الدعوي أن يجمع بين الجاذبية والالتزام ؟
- كيف يمكن الحفاظ على التألّف الروحي في ظل حياة مترفة ؟
- كيف يمكن أن نضبط مقادير الضغط الاجتماعي على نحو لا يؤدي إلى شيوع النفاق والفساد الداخلي ؟
إن التساؤل حول هذه الأمور هو بداية لا بد منها لتطوير حساسيتنا نحوها .
ومهما ظننا أن الأجوبة والسبل العملية التي نكتشفها جيدة وموائمة فإن التطبيق وحده هو المحك الذي يكشف عن مدى صوابها ونجاعتها ، وإن كل حل عملي وكل إطار تطبيقي يمكن أن يفقد مع الأيام فاعليته واتزانه ، ويصبح في حاجة إلى تعديل واتزان جديد ؛ وذلك لأن العناصر المشكّلة للبيئة في حالة من التغير الدائم ، مما يجعل الحلول والأطر المقترحة لا تحتفظ بملاءمتها .
لنحاول الخلاص من التلهي بشرح ما بات معروفاً للصغير والكبير ، والضرورة إلى تحويله إلى شيء ملموس يسعد الناس بالعيش في ظلاله . ولله الأمر من قبل ومن بعد .
د . عبد الكريم بكار
شيء مهم أن نعرف ماذا نقول ، وأن نعرف ماذا نريد ؛ لأن كثيراً من الناس لا يعرفون ما الصواب الذي عليهم أن يتحدثوا عنه ، ولا الأشياء التي يريدون لها أن تتحقق . وأعتقد أن المفكر الذي تعود التفكير والتنظير والتعليل تنتهي مهمته عندما يشعر أنه وضع النقاط على الحروف فيما يجب أن يجلوه من مسائل ، وقل نحو ذلك في الداعية الذي جعل شعاره في التبليغ : ( قل كلمتك وامش ) فإنه يقنع بقول ما يود قوله . والأمة بحاجة إلى هذا وذاك ؛ لكن الإصلاح يتطلب في الحقيقة ما هو أكثر من ذلك : إنه يتطلب توفير الشروط والنظم والقوانين والأساليب والظروف التي تساعد الناس بطريقة أو بأخرى على الاستقامة وعلى الاستجابة لنداءات الدعاة وتوجيهات المربين ومناشدات المخلصين ...
توفير الأمور التي ذكرناها يعني توفير ( بيئة صالحة ) بأوسع ما تحمله هذه الكلمة من دلالات . دعونا نقول : إنه على مدار التاريخ كان لدينا نقص مريع في التنظير للبرامج والكيفيات والوضعيات والأطر التي تجعلنا ننتقل من مرحلة الكلام إلى مرحلة العمل ؛ في الوقت الذي نشكو فيه من فائض في القوة عما يجب فعله ، وعما يجب تركه والإقلاع عنه ، وربما كان ذلك بسبب تأثير من بعض المفاهيم الجاهلية والفلسفة اليونانية حيث الجنوح إلى الحلول النظرية وكراهة الانهماك في التقنيات وفي الأعمال اليدوية والتنفيذية ، وقد تركت هذه الوضعية أسوأ الآثار في قدرتنا على التخطيط للبرامج العملية وفي رصيدنا من الأطر والشروط التي تحوّل الكلام إلى خطوط حركة يومية ! وكم رأينا من الدعاة الذين ينتزعون الإعجاب عندما يتحدثون عن القيم والمبادئ والآمال والجراحات ؛ لكن سرعان ما يفقدون كل ذلك عندما يقال لهم : كيف يمكن تحويل هذه الأفكار الجميلة إلى واقع معيش ؟!
السؤال عن ( كيف ) يشكّل مصدر همّ وقلق وإثارة للكبار الذين انتهوا من تحديد ملامح الوضعية التي يجب أن تكون فيها الأمة ، وباتوا يشعرون بضرورة الانتقال إلى إيجاد الآليات والوسائل التي تساعد الناس على الارتقاء نحو الوضعية المنشودة .
المصلحون المدركون لتكاليف ذلك ومشاقه لا يكفّون عن طرح الأسئلة ومحاولة الإجابة عليها ، ومن تلك الأسئلة :
- كيف نستطيع أن نحول دون استثمار التفوق المعنوي والمادي بطرق غير مشروعة ؟ - كيف يمكن أن نجمع بين مستوى جيد من الحرية الفردية والعدالة الاجتماعية ؟
- كيف نستطيع جعل الناس يبصرون الخط الضيّق الذي يفصل بين النجاح واللصوصية ، والخط الفاصل بين الزهد وبين العجز والعيش على هامش المجتمع ، والخط الفاصل بين القوة والثقة بالنفس وبين البغي والأنانية ... ؟
- كيف نستطيع أن نستفيد من تقدم الغرب دون أن نغرق في ثقافته ؟
- كيف نستطيع تحقيق معنى الأمة الواحدة في ظل العولمة حيث السعي إلى تمزيق كل الروابط التي تقوم على العقيدة ؟
- كيف يمكن أن نوجه النقد إلى بعض إنجازاتنا التاريخية دون أن نشعر بالاغتراب وتشتت الجذور ؟
- كيف يمكن للخطاب الدعوي أن يجمع بين الجاذبية والالتزام ؟
- كيف يمكن الحفاظ على التألّف الروحي في ظل حياة مترفة ؟
- كيف يمكن أن نضبط مقادير الضغط الاجتماعي على نحو لا يؤدي إلى شيوع النفاق والفساد الداخلي ؟
إن التساؤل حول هذه الأمور هو بداية لا بد منها لتطوير حساسيتنا نحوها .
ومهما ظننا أن الأجوبة والسبل العملية التي نكتشفها جيدة وموائمة فإن التطبيق وحده هو المحك الذي يكشف عن مدى صوابها ونجاعتها ، وإن كل حل عملي وكل إطار تطبيقي يمكن أن يفقد مع الأيام فاعليته واتزانه ، ويصبح في حاجة إلى تعديل واتزان جديد ؛ وذلك لأن العناصر المشكّلة للبيئة في حالة من التغير الدائم ، مما يجعل الحلول والأطر المقترحة لا تحتفظ بملاءمتها .
لنحاول الخلاص من التلهي بشرح ما بات معروفاً للصغير والكبير ، والضرورة إلى تحويله إلى شيء ملموس يسعد الناس بالعيش في ظلاله . ولله الأمر من قبل ومن بعد .