مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
مفاهيم تربويّة في فقه الدعوة الإسلاميّة
مفاهيم تربويّة في فقه الدعوة الإسلاميّة
للدكتور موسى إبراهيم الإبراهيم

قراءة: محمد علي شاهين
ستة كتب قيّمة تشكّل موسوعة متكاملة في فقه الدعوة الإسلاميّة تناول مؤلفها الداعية الدكتور موسى إبراهيم الإبراهيم: في الأول: تأمّلات تربويّة في فقه الدعوة الإسلاميّة، وفي الثاني: الفقه الحركي في العمل الإسلامي المعاصر، وفي الثالث: حوار الحضارات وطبيعة الصراع بين الحق والباطل، وتناول في الرابع (موضوع قراءتنا): مفاهيم تربويّة في فقه الدعوة الإسلاميّة، وفي الخامس: ثقافة المسلم بين الأصالة والتحديات، وفي السادس: رسالة المعلّم المسلم في الحياة.

إنّها بحق تأمّلات داعية مخلص، وخلاصة تجارب خصبة أمضاها المؤلّف مقيماً ومهاجراً، ومراجعة نقديّة هادفة، ومحنة دعوة عاشها المؤلّف أكثر من ربع قرن، مريداً صادقاً، ومجاهداً صلباً، وقارئاً نهماً، ومفكّراً قديراً، وداعية متجرّداً.
Image
في القسم الأوّل الذي يستغرق نحو ثلث الدراسة: معالم أساسيّة في فقه الدعوة الإسلاميّة، يحدّد المؤلّف الأسس والمعالم الدعويّة التي لا ينبغي للداعية أن يغفل عنها وتتضمّن: البصيرة الواعية، والحال الصادق، ومعرفة العصر، وفقه الأولويات في ميدان الدعوة، وترك الفاضل والمندوب تأليفاً للقلوب، وفضائل الأعمال بحسب ما يحفّ بها من الأحوال، والهدف بين الواقع والأمل، وقفات حركيّة في فقه الدعوة الإسلاميّة، وفقه الحركة وفقه الأوراق، والتوازن في التربية الإسلاميّة، والعقليّة التحليليّة الناقدة، وكلمات في التقويم والنقد الذاتي، الإسلام حالة وليس فكرة ومقالة، وكلمات في المنهج، والاهتمام بشؤون المسلمين وآثاره التربويّة، والناس والتخطيط، وموقع التربية الروحيّة في الدعوة الإسلاميّة وتربية الدعاة، الولاء والبراء بين الفكرة والتطبيق، والعقبات على الطريق داخل مجتمع الدعاة، والتربية التي نريد، الأدب الذي نريد، والاعتدال في فهم الابتداع والاختلاف، والسنّة النبويّة التشريعيّة والعاديّة على ضوء مقاصد الشريعة، والشائعات دراسة وتحليل.

وفي القسم الثاني المعنون برسائل الإصلاح يطالعنا المؤلّف بعشرة رسائل يجعل كلّ واحدة منها فصلاً موجزاً في غاية الأهميّة للداعية، وفي مقدمتها: سنّة الله في الدعوة والدعاة تقتضي التغيير(إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم) وإلاّ فالاستبدال (وإن تتولّوا يستبدل قوماً غيركم ثمّ لا يكونوا أمثالكم)، ثم دعوة إلى إحياء دور العلماء الربانيين في الأمّة الإسلاميّة، والوفاء لمن كان سبباً في هدايتنا، ونقل هذه الأمانة إلى الأجيال، واقتفاء طريقة الدعاة المجدّدين في الدعوة، وحث حملة رسالة الإصلاح والتغيير على نبذ الاختلاف والفرقة وأن يعذر بعضهم بعضا فيما اختلفوا فيه، ولا عذر للقاعدين والمتساقطين على درب الأشواك والمنشغلين بمتاع الدنيا الفانية عن الآخرة الباقية، وأنّ رابطة الأخوّة هي أقوى من روابط الدم والقربى والنسب، وأنّ الصراع بين الحق والباطل ماض حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ثم يدعو الدعاة المهاجرين والغرباء للتواصل مع الأهل والوطن لأنّهم ما خرجوا إلاّ من أجل قضيّة عادلة، ولا بدّ من التعالي على الجراح والآلام والصبر على الشدّة والإيذاء، ويختم هذا القسم بمجموعة من الخواطر، ومنها هذه الخاطرة المدوّنة تحت عنوان: التعامل مع الرجال العظماء: لا تنس وأنت تتعامل مع الرجال العظماء أنّهم بشر قد يخطئون، وخطؤهم لا ينزل من مكانتهم، وعظمتهم لا تجعل خطأهم صواباً بحال من الأحوال.

وفي القسم الثالث من الكتاب يتحدث المؤلّف عن الدور الحضاري للمساجد في الأمّة الإسلاميّة، في مجال التربية، وفي مجال العلم والمعرفة، وفي مجال الجهاد في سبيل الله ؛ وعن أهميّة الخطابة في الدعوة الإسلاميّة، وخاصّة منبر الجمعة الذي يجب أن يبقى مناراً لقول الحق وتوجيه الأمّة وتوعيتها، وعن الفرق بين الخطيب الموظّف الذي ينتهي دوره بانتهاء الخطبة، والخطيب الداعية الذي يعرف حكمة الجمعة والمقاصد التشريعيّة منها، ثم يتحدّث عن فن الإلقاء وسحر البيان وعن أهميّة آداب التحدّث وذلك بالتحبّب إلى الناس، ومخاطبة العقل والعاطفة معاً، والاستعانة بالقصّة والمثل، وحسن اختيار الألفاظ والتعابير، وبراعة الاستهلال، واستخدام النبرة الخطابيّة المناسبة للموضوع، والبعد عن السجع المتكلّف، والبعد عن الانفعال، والتحدّث بالفصحى والبعد عن العاميّة، وإتقان الشواهد من القرآن والسنّة، وأن يخاطبهم على قدر عقولهم، وأن يوزّع النظر إلى كافّة المستمعين، وأن يبتعد عن كثرة الحركة، وألاّ يطيل الخطبة إلى درجة الملل، ولا بأس بأن يلخّص الخطيب في نهاية الخطبة أهم النقاط التي مرّ عليها فالبلاغة في الإيجاز.

وفي القسم الرابع من الكتاب، مفاهيم تربويّة للشباب المسلم، يهمس المؤلّف في أذن الآباء والمربين فيقول: إنّ الأمّة بحاجة إلى المثل العمليّة المخلصة الصادقة التي تفرض على الناس الثقة بها وبالمبادئ التي تدعو إليها، ويتساءل: ماذا نريد من الشباب ؟ وماذا يريد منّا الشباب ؟ فيقول: نريد من شبابنا أن يكونوا من أهل العزم، ويحقّقوا ما عجزنا عن تحقيقه، ويريد منّا الشباب أن نكون جادين في مشروعنا الإصلاحي الحضاري، وقدوة صالحة لهم، وأن نتمتّع بإرادة صادقة، وأن نمنحهم الثقة ونشاركهم الرأي، وأن نفتح لهم صدورنا، وألاّ نلزمهم بنمط تفكيرنا، وأن نعدل بالكلام إلى الإنجاز ؛ وينظر نظرة متأنية في واقع المسلمين اليوم ويشير إلى أهم السلبيّات، فيتحدث عن الوهن والغثائيّة، وعن الفرقة والذلّة، وفقد الاهتمام بحال المسلمين، ويبيّن دور الشباب المسلم في إصلاح الواقع وترشيده من خلال فهم الإسلام والعمل به، والتطلّع إلى معالي الأمور والترفّع عن سفاسفها، والتحرّق لحال المسلمين وواقعهم المرير، والسير على منهاج واضح ؛ ويحدّد أهم الأهداف التي يتطلّع إليها المسلم بشكل عام والشباب بشكل خاص على النحو التالي: التحقّق بالعبوديّة الكاملة لله تعالى وحده، ونصرة الإسلام ورفع لوائه، وتحرير الأرض الإسلاميّة، ثم يشير إلى الوسائل التي يمكن من خلالها الوصول إلى الأهداف الكبرى وهي: فهم الإسلام، والعمل به، والدعوة إليه، والصبر على مشاق الدعوة، وتحرير الولاء والبراء لله ولرسوله وللمؤمنين ؛ ويبيّن أهميّة الآفاق التربويّة للشباب المسلم من حيث سمو الهدف، وسلامة الطريق، وتصحيح الخلل، والتمسّك بالثوابت، والاستفادة من تجارب الآخرين وحكمتهم، والاقتداء بالنبي، وأن يربط الماضي بالحاضر ؛ ولا يضن المؤلف على الشباب المسلم في ديار الاغتراب بالنصائح والوصايا، وذلك بالارتقاء بالروح، واستغلال همّة الشباب، والتسلّح بالعلم، والعناية بالجسد، ومحاسبة النفس، والعودة للوطن لخدمة دينه وأبناء وطنه؛ ويلفت نظر طلاب الجامعة الجدد إلى أهميّة التعليم الجامعي من حيث بناء الشخصيّة المستقلّة، والتخصّص العلمي، والمشاركة الاجتماعيّة، ويدعوهم للاستفادة من الوقت وارتياد المكتبات؛ ولا يبخل المؤلّف بتقديم النصح والإرشاد لولده، وكلّ أبناء المسلمين أحباؤه وأبناؤه ؛ ولا يكتفي المؤلّف ببيان المفاهيم العامّة بل يقترح منهجاً تربويّاً عمليّاً يغطي مراحل الدراسة الابتدائيّة والمتوسّطة والثانويّة.

وفي القسم الخامس من الكتاب يستعرض المؤلّف مفاهيم تربويّة للمرأة المسلمة، موضّحاً أنّ الإسلام دين الرجل والمرأة جميعاً، وكل من الرجل والمرأة يكمّل بعضهم بعضاً بإعمار الأرض، وأن الذكر يختلف عن الأنثى من حيث المواهب والطاقات والاستعدادات، ويحمل واضعي المناهج التربويّة مسؤوليّة مراعاة هذه الفروق، كتعليم المرأة الأحكام الفقهيّة المتعلقة بها، وبناء شخصيّة المرأة المسلمة، والعناية بثقافتها، ويقدم نصائحه لبنات المسلمين.

ويختم المؤلّف كتابه بتقديم شذرات وقطوف من مشكاة النبوّة، وينقل إلى القارئ رقائق مختارة تستحق التوقف عندها، لعدد من الصالحين والرجال الربانيين والأعلام المعاصرين، تدل على سعة اطلاعه على التراث، وغوصه في عالم اللآلئ، وحسن تذوقه لفن القول.

قارئ الكتاب لا يشعر بالملل وهو يقلّب الأفكار على غزارتها وسرعة تدفقها، ويشعر بالراحة والاطمئنان لأنها خرجت من القلب، ويحسّ من طرف خفي أنّه يقرأ لرجل رباني تتلمذ في مدرسة الدعوة على رسائل الإمام الشهيد حسن البنا، وعلى تذكرة الدعاة للبهي الخولي، في مطلع عصر الصحوة.

صدرت الطبعة الأولى للكتاب عام 1426/2005 عن دار الأعلام بعمّان، في أربع وعشرين ومائتين صفحة من القطع العادي، في طبعة أنيقة وغلاف جذّاب.

وهو من الكتب النافعة التي لا تغني قراءتها عن اقتنائها، لأن أفراد الأسرة المسلمة بحاجة لأن ينهلوا من هذا المعين الصافي.

جزى الله الأخ الدكتور موسى إبراهيم الإبراهيم ومتّعه الله بالصحة وجعل هذا العمل في صحيفة أعماله.
.موقع الرشد
أضافة تعليق