مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
رسالة اعتذار.. لأدبائنا الكبار
رسالة اعتذار.. لأدبائنا الكبار
- مريم عبدالله النعيمي
لماذا هي الرواية كنز ثمين لدى غيرنا، ولدينا مجرد أوراق تكبس في كراريس تباع بدراهم قليلة ليعود ربحها مبالغ بسيطة ثم يكون الاحتكار ومنع الحقوق ومنع النسخ وإعادة الطباعة وقائمة من الممنوعات والكتاب حي ميت، موجود ومفقود، مطبوع لكنه غير موجود، في أحجية عجيبة لا يعرفها إلا أفذاذ الناشرين العرب الذين يسارعون اليوم لترجمة الغث والسمين من الكتابات الغربية،
بقلم مريم عبدالله النعيمي

من هم رواد القصة الإسلامية المعاصرة؟ ما هي عناوين قصصهم ورواياتهم؟ كم عدهم؟ ما حجم إنتاجهم؟ ما هي أعمار الأحياء منهم وماذا عن الراحلين؟ ما علاقة الجيل الجديد بهم؟

أين توجد إصداراتهم؟ ما هي أشهر القصص والروايات المتداولة بين أيدي الشباب والكبار لهم؟ كم تطبع من تلك الروايات في كل طبعة؟ هل ترجمت رواياتهم إلى لغات العالم؟ ما هي مكانة كاتب القصة والرواية الإسلامية اليوم في عالمنا العربي؟ هل هناك من يحتفي بهم ويقدمهم إلى القراء بالطريقة التي يستحقونها؟

ثم هل نحن بحاجة إلى قصص وراويات إسلامية حتى نفتح هذا الموضوع ونناقشه من حيث الفكرة والمبدأ؟

أيضا لماذا يحتفي العالم الغربي، والشرقي غير العربي برموزه من الروائيين وكتاب القصة، ولماذا تعاد طباعة كتبهم عشرات المرات؟

ما هو السر في انتشار روايات عالمية بلغ عمرها عشرات السنين وما هو السر في تقلص انتشار قصص إسلامية لا يزيد عمرها عن الثلاثة عقود؟

لماذا تحرص دول العالم المتقدم على توفر القصص العالمية التي ظهرت في بدايات انطلاق عصر النهضة وفي القرون التالية بين أيدي الأجيال وعلى أن تكون خالدة، ثم لا نرى بالمقابل حرقة أو اهتماما أو مبالاة بالتسويق لقصص إسلامية الطابع ذات معايير أدبية أصيلة لتكون أيضا متوفرة في أيدي الأجيال الجديدة من أبناء العرب؟!!

لماذا يعرف شباب بريطانيا والولايات المحتدة الأميركية وناشئتها الصغار (تشارلز ديكنز)، في حين لا تعرف نفس الشريحة العمرية من أبناء العرب والمسلمين كاتبا كبيرا اسمه نجيب الكيلاني؟!!

لماذا يتم تداول روايات (ليموني سنيكت) بين أيدي الملايين من أطفال أميركا والغرب، ولا يتم تداول سلسلة (قصص من التاريخ) لمحمد حسن الحمصي بين أبناء العرب والمسلمين؟

لماذا تتداول قصص (أجاثا كريستي) بين أيدي الملايين من شباب بريطانيا وأوربا، بينما لا يعرف شبابنا كاتبا عملاقا اسمه (محمود شيت خطاب )؟!!

لماذا تتوافر في أسواقنا بسخاء رواية (كوخ العم توم) للكاتبة الأميركية (هارييت ستاو)، التي عكفت على تأليف روايتها خلال العامين 1851م-1852م، ويندر تداول أي قصة من قصص الأديب العبقري داود سليمان العبيدي رحمه الله؟!!

لماذا هي أيدي فتياننا وفتياتنا خالية الوفاض من أي رواية أو قصة إسلامية هادفة بينما تكاد تنوء أكتاف شباب الغرب والشرق غير العربي بقصص وراويات لأدباء كبار ظهروا في القرون المتأخرة بل قبلها، كأمثال ويليام شكسبير الذي ظهر في القرن السادس عشر وما زالت مسرحياته تغذي فكر شباب بريطانيا حتى لحظة كتابة هذه السطور؟!!

لماذا هي القصة والرواية شيء ذو قيمة أدبية وقيمية لدى دول العالم المتحضر بينما تعاني الرواية والقصة الإسلامية من جفاء وتجافي حتى كاد سوق القصة الإسلامية أن يخلو من مبدعين جدد وكتاب يضيفون لما سبق من إبداع شيئا جديدا يستحق الحفاوة والتقدير؟!!

الأسباب عميقة ولها جذور في البيئة الفكرية والنفسية لدور النشر العربية الذاهلة عن أولوياتها والتي أصبح لها رغبة لا تقاوم في المزيد والمزيد من الترجمة للعربية على حساب الاحتفاء بأدبائنا وكتابنا ممن عرضت أسماؤهم عليكم وسكّت عن غيرهم إما لغفلة مني، وإما لضيق المقام!!

لا يخفى أن القصة الإسلامية تضرب بجذور انتمائها إلى منهج القرآن الكريم في التربية والتهذيب والبيان والتعليم والقصة ذات المنهج الفكري الصحيح إذا توفرت لها أدوات توصيل جيدة ولغة سليمة تحولت إلى طاقة إيجابية يشرق بها فكر المتلقي، وتزيل عنه اللبس ولربما الأحزان، فكم من قصة في الصبر غسلت آلاما وكفكت دموعا، وكم من قصة في الشجاعة أطلقت في نفس قارئها قوة للخير ما كان يظن انه يمتلكها على الإطلاق!!

الحديث عن القصة الإسلامية وعن كتابها الكبار يحتاج لحديث مطول ولقراءة إجمالية للأثر الذي تركته في نفس القراء، ولكن أكتفي ببعض الشواهد والأمثلة التي وقفت عليها من خلال تجربة شخصية، تؤكد بأن لدينا أدباء كبارا، لم نوفهم حقهم ولم نعر إنتاجهم الثمين ما يستحق من الانتشار والتسويق!!

قصة (حديث الشيخ) للراحل الكبير داود سليمان العبيدي رحمه الله قصة نفيسة، كتبت بلغة هي السلاسة والطلاقة والبيان، وظهرت في الأسواق في الثمانينات، ولاقت استحسانا كبيرا وكنت واحدة ممن جذبها لغة الكاتب ودقة معالجته للموضوع الذي تناوله. كان ذلك في الثمانينيات، ثم مرت الأعوام وبدأت رحلتي في البحث عن إصدارات إسلامية تناسب جيل الشباب.

بطبيعة الحال، كانت مؤلفات داود سليمان العبيدي على رأس أية قائمة أرشحها للمعلمات ليقمن بتعريفها للطالبات، فقصص هذا الأديب الراحل ينبغي أن تكون خالدة، لكن جاءت الصدمة تتلوها الصدمة، إذ ما من مكتبة في الإمارات تبيع أيا من كتب الأديب الكبير!!

وظللت منذ تلك الفترة أضع قائمتي في الروايات والقصص الإسلامية المعاصرة، ليكون الجواب لدى مكتباتنا العتيدة هو أنه لا توجد نسخة واحدة يمكن شراؤها أو الدعوة إليها من بين عشرات العناوين لقصص إسلامية هادفة، كان من المفترض تعريف الطلبة والطالبات بها!!

وتحول الأمر إلى شبه عقدة، فالمشتغل بالعمل التربوي لا يستطيع بسهولة أن يتنازل عن قائمته الخاصة من الكتب، والتي يرى أنها تساعد في تحقيق أهداف تربوية وعليه فقد ظللت أطرق أبواب المكتبات الخاصة في الإمارات، ليكون رجع الصدى والصمت المطبق هو الجواب الوحيد على كافة المحاولات والاتصالات الدائمة لجلب عدد من النسخ إلى هذه المكتبة الخاصة أو تلك!!

بعد سنين طويلة، قضت الأقدار أن يصلني من الكويت طرد بريدي به كتاب مسحوب من الحاسوب يحمل قصة (حديث الشيخ)، فعلمت حينها أن أحدهم قد قام مشكورا بتنزيل القصة على مواقع الانترنت وكانت خطوة هامة، ونبأ سعيدا لكافة المهتمين بإصدارات هذا الكاتب الفذ.

وبدأت تجربة خاصة للتأكد من صدق الحكم، ومن قيمة الفكرة التي أروج لها، ومن جديد اقترحت على المعلمات البحث على الشبكة عن قصة يسار (بطل قصة حديث الشيخ)، أو حديث الشيخ، فإذا حكمت المعلمة بعد قراءتها للقصة بأنها قد عثرت على صيد نفيس، فمن الواجب أن تبادر بالترويج للقصة التي لم يعد لها وجود في أسواق الدولة منذ سنوات وسنوات، ولكن أصبح لها حيز على شبكة الانترنت!!

بعدها، بدأت ردود الأفعال تتوالى من مختلف العناصر التي شاركت في لقاءات تربوية مختلفة، فالجميع دون استثناء أبدى إعجابه بموضوع قصة يسار وبلغة الكاتب وأناقة أسلوبه وعمق المعاني التي عالجها.

ولم تتوانى الشريحة المستهدفة من المعلمات عن تقديم الشكر العميق، لأنها تعرفت على قصة حديث الشيخ وعلى كاتب كبير، هو داود سليمان العبيدي رحمه الله.

كما أن العديد من المعلمات الفاضلات قمن بتوزيع نسخ تم نقلها من الحاسوب وطباعتها وتغليفها ثم تعميمها على الطالبات، وللحق كانت تجربة قدمت بعض العزاء للتربويات الباحثات عن القصص الهادفة الموجهة لفئة الطلبة والطالبات.

حاليا يقوم المكتب الإسلامي للطباعة والنشر بطباعة كتاب (حديث الشيخ)، كما يقوم بطباعة ونشر كتاب (جبل التوبة) للكاتب نفسه. ولكن هل هذا يحل المشكلة ويشعرنا بأن مجد الرواية الإسلامية قد عاد على أيدي هذا الناشر العربي أو ذاك؟!!

الجواب بالمطلق لا وألف لا، فلا يفرحنا كثيرا وجود قصص إسلامية ذات قيمة أدبية وأخلاقية كبيرة تطبع بالثلاثة آلاف نسخة فقط!!

إن هذا الرقم من عدد النسخ متواضع جدا لدرجة تثير الخجل، وتؤكد من جديد بأن الناشر العربي مغيب عن أدواره، وبأن حساباته ضيقة جدا بحجم ضيق واقعنا الثقافي، وبأن مرآته لا تكاد تكشف له العيوب والثقوب من احتكاره لطباعة كتب جدية لا يكاد يبيع منها كل ثلاثة أعوام إلا ثلاثة آلاف نسخة!!

أي خبر مفرح هذا، بل أي خبر محزن كهذا يشعرنا بالخيبة حين نعلم بأن الروايات الإسلامية ذات المعايير الأدبية العالية قد بيع منها في عشر سنين ما هو أقل من عشرة آلاف نسخة!!

في أي باب نصرف هذا الخبر الهزيل، ومن أي ركن للفشل نقرأ مثل هذه الأرقام المخيبة للآمال!!


إننا إذا اتفقنا أن عدد الطلبة والطالبات العرب في المدارس والجامعات اليوم يزيد على العشرين مليونا وهم أكثر من ذلك بكثير فماذا تفعل عشرة آلاف نسخة في هذا الخضم الهائل من أبناء جيل لم يعد لهم رموزهم من الأدباء والمثقفين الإسلاميين!!

إن رواية مثل رواية (كوخ العم توم) قد بيع منها في بلد المنشأ أي في الولايات المتحدة الأميركية منذ صدورها إلى اليوم عشرات الملايين من النسخ تظهر لنا الفرق الهائل بين جد الناشر الغربي وقصور أدوات الفهم لدى الناشر العربي!!

إن الناشر الغربي يظهر لنا كعملاق ضخم يعرف أدواته جيدا، ويقيس حجم السوق جيدا، وله أولوياته التي لا يتنازل عنها فروايات تشارلز ديكنز، وفيكتور هوجو، وأجاثا كريستي، و إرنست همنغواي وعشرات الأسماء الكبرى هي أسماء خضراء لا يمكن بحال إسقاطها من أي طبعة فاخرة أو مهرجان للنشر والتسويق!!

هؤلاء الكتاب الغربيين هم في حساب الناشر الغربي فوق المساومات، وأكبر من أن يتجاوزهم الزمن وإنتاجهم أقيم من أن يأتيه البلى أو يتقادم فتقل قيمته بالتقادم، أو يتحول عنه السوق!!

أما إنتاج أدبائنا الإسلاميين فلا قيمة ولا وزن أكثر من طباعة ثلاثة آلاف نسخة ينوء بها الناشر العربي في المعارض الدولية فإذا تخلص من حمله ونالته بعض الأرباح ابتسم واستراح، وفكر وقدر، ثم قرر وقرر بأن ذائقة القارئ العربي قد تغيرت، وأن أبناء اليوم لم يعودوا يرغبون بقراءة قصص مر عليها بعض العقود!!

فلماذا إذن لم يسأم الأبناء و الأحفاد، وأحفاد الأحفاد في دول العالم الغربي من قراءة رواية البؤساء على سبيل المثال، أو احدب نوتردام أو الشيخ والبحر، رغم أن ألعاب الانترنت ولدت في أرضهم، والبلاي ستيشن play stationخرج من عقر دارهم، ولعبة الوي wiiوكافة الإصدارات الرقمية من عالم الألعاب إنما ظهر اغلبها من هنا،ك فلماذا يلعب الولد عندهم ساعات ثم هو يتناول رواية لفيكتور هوجو ويتسلى بها قبل أن ينام، بينما صدر حكم كامل ليس فيه استئناف ولا نقض أن جيل اليوم جيل ألعاب وتسلية، ولن يكون له أي نوع من الصلة بقراءة الكتب الهادفة والقصص النظيفة!!

وكيف يكون متاحا لملايين الطلبة غير العرب الإطلاع على الإنتاج الأدبي لكتابهم الذين ظهروا منذ قرون ونحن لا يتاح لأبنائنا أن يتعرفوا على أدبائهم العرب الذين بعضهم ما زال حيا وبعضهم قد رحل عن دنيانا منذ عقود قليلة فقط؟!!

لماذا هي الرواية كنز ثمين لدى غيرنا، ولدينا مجرد أوراق تكبس في كراريس تباع بدراهم قليلة ليعود ربحها مبالغ بسيطة ثم يكون الاحتكار ومنع الحقوق ومنع النسخ وإعادة الطباعة وقائمة من الممنوعات والكتاب حي ميت، موجود ومفقود، مطبوع لكنه غير موجود، في أحجية عجيبة لا يعرفها إلا أفذاذ الناشرين العرب الذين يسارعون اليوم لترجمة الغث والسمين من الكتابات الغربية، بعد أن دقوا إسفينا في فكرة التسويق لأدبائنا الإسلاميين، الذين طالهم من التقصير والإجحاف الشيء الكثير!!
.مجلة العصر
مقالات اخرى
أضافة تعليق