( بَزْنسة) الدين والدعوة!!
إسلام عبد التواب / 29-03-2009
الفضائيات حولت بعض الدعاة إلى سلعة
الفضائيات حولت بعض الدعاة إلى سلعة
للدين تأثير طاغٍ على النفوس لا ينكر ذلك أحد، وهذا التأثير يستخدمه المصلحون والدعاة والعلماء في إصلاح شؤون المجتمع، والأخذ بيد أفراده إلى سلوك الطريق المستقيم، ولكن برز في السنوات الأخيرة عدة ظواهر تحول فيها الدين والتدين إلى بزنس يستخدمه رجال الأعمال في تحقيق المزيد من المكاسب المالية التي يمكن وصفها بالخرافية، ويقومون من أجله بفعل أي شيء بداية مما لا يُستَساغ وصولاً إلى الحرام المحض، وشاركهم في ذلك – للأسف – بعض الدعاة، والعلماء، والمؤسسات الإسلامية.
ويبدو أنَّ جُلُّ الظواهر التي سنتحدث عنها مرتبطة بظهور الفضائيات وبزوغها في العالم الإسلامي، وشَغْلِها جزءًا غير يسير من حياة المواطن المسلم، ومن هذه الظواهر:
أولاً: إنشاء الفضائيات الدينية:
وأنا لا أعني هنا كل الفضائيات بصورة عامة شاملة، ولكنني أتكلم عن لجوء العديد من رجال الأعمال الكبار إلى إنشاء قنوات فضائية ضمن باقة قنواتهم التي تشمل قنوات الأفلام والمسلسلات والأغاني، وكل هذه الباقات تقدم المحرمات المثيرة للشهوات، والتي ما تزال تلح على الشباب والفتيات والرجال والنساء في البيوت تدعوهم إلى الحرام، وتحببه إليهم، وهذا هو النهج الذي ارتضاه مؤسسو القنوات بحثًا عن نسب المشاهدة العالية، وبالتالي تقاطر الإعلانات عليهم حاملة إليهم عشرات الملايين من الجنيهات، ضاربين بالدين وأخلاقه وقيمه عُرض الحائط؛ فلماذا يسعى هؤلاء لإنشاء قنوات دينية؟
هل ليكفِّروا عن خطاياهم بإنشاء القنوات الأخرى؟
لو كانوا يريدون ذلك لأغلقوا تلك القت الي تبث السموم ليل نهار، ولكن الإجابة الحقيقية أنهم كما اجتذبوا الشرائح التي تبحث عن المحرمات؛ فإنهم يريدون جذب الشرائح الأخرى الملتزمة التي تريد الهداية؛ بحثًا عن مضاعفة نسب المشاهدة، وبالتالي الإعلانات، أي الأموال في نهاية الأمر؛ فالأمر كله بزنس!!
إنني هنا لا أعيب على العلماء والدعاة الذين يقدمون برامجهم في تلك القنوات؛ فهذه في النهاية نافذة جيدة لتوصيل الهداية والعلم للناس، ولكنني أعيب على مؤسسي تلك القنوات الذين لابد ان يفهموا أن الدين ليس للتجارة والتربح.
ثانيًا: عقود احتكار العلماء والدعاة:
إن مسؤولية هداية الناس هي مسؤولية العلماء في كل زمان ومكان، والعالم يقدم هذا العلم والهداية دون قيود، او هكذا ينبغي؛ فهو لا يقدم الدعوة والهداية لمن يدفع، ومن لا يدفع لا، ولكن بعض الفضائيات الدينية حتى غير المملوكة لرجال أعمال قامت بشيء غريب وغير مسبوق في مجال الدعوة الإسلامية، وهو توقيع عقود احتكار لبعض العلماء المحبوبين من جماهير المسلمين؛ حتى يقصروا برامجهم على تلك القنوات، وبالتالي يجتذبون المشاهدبن إليها.
وإثم هذا العمل لا يعود فقط – في رأيي – على أصحاب القنوات ومديريها، وإنما يعود كذلك على من وافقهم من العلماء والدعاة، الذين نطالبهم أن يرجعوا عن ذلك المبدأ؛ فقد كانوا – قبل ظهور الفضائيات – يحدثون تلاميذهم والناس جميعًا من خلال المساجد وأشرطة الكاسيت دون منع لأحد كان.
إن العلم وكذلك العلماء ليسا سلعة يقوم بعض التجار باحتكارها، وإذا كان محتكر السلعة ملعون – كما قال رسول الله صلَّى الله علي وسلَّم؛ فكيف بمحتكر العلم والهداية؟!!
ثالثًا: تقديم أنصاف المتعلمين كنجوم (سوبر ستار):
وهذه نكبة أخرى لمجال الدعوة إلى الله قامت به الفضائيات التي حولت ذلك الميدان إلى بزنس؛ فبعدما كان الحديث في العلم والدعوة قاصرًا على العلماء المؤهَّلين لذلك - كما هو في كل تخصص قاصر على أهله كالطب والهندسة – فتحت تلك الفضائيات الباب على مصراعيه لأنصاف وأشباه المتعلمين ليخاطبوا الناس في الدين دون علم؛ فيَضلوا ويُضِلُّوا، وتمَّ هذا بنفس الأسلوب الذي يتبعه الغرب في صناعة النجوم؛ حيث لا أهمية لديه لعلم هذا المراد تلميعه، ولا قيمة ما يقوله – إن كان لديه ما يقوله أصلاً – ولكن المهم هو تقديمه إعلاميًّا بوسائل صناعة النجم؛ حتى يعجب الشباب، وخاصة الفتيات اللاتي يتسابقن على حضور البرامج واللقاءات التي يعقدها ذلك النجم، الذي صنعته الفضائيات من أجل البزنس لا غير.
رابعًا: المسابقات الهاتفية:
وهذه المسابقات التي يتم السؤال فيها عن أمر يسير وسهل، والإجابة من خلال اتصال هاتفي برقم معين تبلغ تكلفة المكالة إليه أضعاف المكالمة العادية، وهذه النوعية من المسابقات كانت تتم في مجالات تافهة، وقد حرَّمها العلماء كالشيخ القرضاوي والشيخ نصر فريد واصل بارك الله فيهما لأنها من القِمار، ولكن الطامة الكبرى أن الذي لا يرقبون خوف الله ادخلوها في القرآن، وغيره من المجالات الإسلامية؛ فصار هناك حول السروة التي نزلت فيها هذه الآية، أو سؤال عن الصحابي الذي فعل كذا، إلى آخر هذه الأسئلة.
ومن المؤسف أن وجدنا بعض المؤسسات الإسلامية التي تُعْنى بنصرة النبي محمد صلَّى الله عليه وسلَّم تقوم بتنظيم مثل هذه المسابقات من خلال بعض الفضائيات من أجل جمع الكثير من المال، ولكنه المال الحرام للأسف؛ فهل بمثل هذه الأموال يُنصَر الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم، أو يُنشَر الدين؟!!
خامسًا: التحقيق المزيف لكتب التراث:
التحقيق العلمي مسألة ضرورية لكتب التراث، والهدذ الرئيسي من عملية التحقيق، هو الوصول بالكتاب إلى الصورة التي كتبه صاحبه بها، أو أقرب ما يكون إلى ذلك؛ وذلك لأن كتب التراث هذه مرَّ على تأليفها مئات السنين، وفيها من الفوائد الكثير مما يحتاجه المسلم، ولكن – وبمبدأ البزنس أيضًا – يقوم ضعاف النفوس الذين حوَّلوا الدين تجارة بالقيام بعملية تحقيق مزيف لكتب التراث؛ حيث يأتون ببعض الباحثين الشباب، الذين يقومون بوضع معاني بعض الكلمات في الهوامش؛ ويعطونهم مبلغًا زهيدًا مقابل ذلك، ثم يضعون أسماءهم على هذه الكتب ككبار المحققين؛ فلا هم أفادوا الناس، ولا فعلوا شيئًا يستحقون عليه الشكر والثناء فضلاً عن الأجر والثواب من الله تعالى.
إن ظواهر بزنسة الدين كثيرة، وليست قاصرةً على ما ذكرته؛ فمنها سرقة شرائط العلماء والدعاة، وطباعتها وبيعها بمبلغ زهيد رغم وجود نسخ شرعية؛ وذلك ليس من أجل العلم، ولكن فقط للمكسب، وغير هذا كثير أيضًا، ولكن المقصود من المقال التنبيه على هذه الظاهرة؛ لنراجع أنفسنا؛ فالله عزَّ وجلَّ لن يقبل من أعمالنا إلا ما كان خالصًا لوجهه الكريم، ولا يقبل عملاً أُشرِك معه فيه غيره.
باحث مصري
.إسلام أون لاين
إسلام عبد التواب / 29-03-2009
الفضائيات حولت بعض الدعاة إلى سلعة
الفضائيات حولت بعض الدعاة إلى سلعة
للدين تأثير طاغٍ على النفوس لا ينكر ذلك أحد، وهذا التأثير يستخدمه المصلحون والدعاة والعلماء في إصلاح شؤون المجتمع، والأخذ بيد أفراده إلى سلوك الطريق المستقيم، ولكن برز في السنوات الأخيرة عدة ظواهر تحول فيها الدين والتدين إلى بزنس يستخدمه رجال الأعمال في تحقيق المزيد من المكاسب المالية التي يمكن وصفها بالخرافية، ويقومون من أجله بفعل أي شيء بداية مما لا يُستَساغ وصولاً إلى الحرام المحض، وشاركهم في ذلك – للأسف – بعض الدعاة، والعلماء، والمؤسسات الإسلامية.
ويبدو أنَّ جُلُّ الظواهر التي سنتحدث عنها مرتبطة بظهور الفضائيات وبزوغها في العالم الإسلامي، وشَغْلِها جزءًا غير يسير من حياة المواطن المسلم، ومن هذه الظواهر:
أولاً: إنشاء الفضائيات الدينية:
وأنا لا أعني هنا كل الفضائيات بصورة عامة شاملة، ولكنني أتكلم عن لجوء العديد من رجال الأعمال الكبار إلى إنشاء قنوات فضائية ضمن باقة قنواتهم التي تشمل قنوات الأفلام والمسلسلات والأغاني، وكل هذه الباقات تقدم المحرمات المثيرة للشهوات، والتي ما تزال تلح على الشباب والفتيات والرجال والنساء في البيوت تدعوهم إلى الحرام، وتحببه إليهم، وهذا هو النهج الذي ارتضاه مؤسسو القنوات بحثًا عن نسب المشاهدة العالية، وبالتالي تقاطر الإعلانات عليهم حاملة إليهم عشرات الملايين من الجنيهات، ضاربين بالدين وأخلاقه وقيمه عُرض الحائط؛ فلماذا يسعى هؤلاء لإنشاء قنوات دينية؟
هل ليكفِّروا عن خطاياهم بإنشاء القنوات الأخرى؟
لو كانوا يريدون ذلك لأغلقوا تلك القت الي تبث السموم ليل نهار، ولكن الإجابة الحقيقية أنهم كما اجتذبوا الشرائح التي تبحث عن المحرمات؛ فإنهم يريدون جذب الشرائح الأخرى الملتزمة التي تريد الهداية؛ بحثًا عن مضاعفة نسب المشاهدة، وبالتالي الإعلانات، أي الأموال في نهاية الأمر؛ فالأمر كله بزنس!!
إنني هنا لا أعيب على العلماء والدعاة الذين يقدمون برامجهم في تلك القنوات؛ فهذه في النهاية نافذة جيدة لتوصيل الهداية والعلم للناس، ولكنني أعيب على مؤسسي تلك القنوات الذين لابد ان يفهموا أن الدين ليس للتجارة والتربح.
ثانيًا: عقود احتكار العلماء والدعاة:
إن مسؤولية هداية الناس هي مسؤولية العلماء في كل زمان ومكان، والعالم يقدم هذا العلم والهداية دون قيود، او هكذا ينبغي؛ فهو لا يقدم الدعوة والهداية لمن يدفع، ومن لا يدفع لا، ولكن بعض الفضائيات الدينية حتى غير المملوكة لرجال أعمال قامت بشيء غريب وغير مسبوق في مجال الدعوة الإسلامية، وهو توقيع عقود احتكار لبعض العلماء المحبوبين من جماهير المسلمين؛ حتى يقصروا برامجهم على تلك القنوات، وبالتالي يجتذبون المشاهدبن إليها.
وإثم هذا العمل لا يعود فقط – في رأيي – على أصحاب القنوات ومديريها، وإنما يعود كذلك على من وافقهم من العلماء والدعاة، الذين نطالبهم أن يرجعوا عن ذلك المبدأ؛ فقد كانوا – قبل ظهور الفضائيات – يحدثون تلاميذهم والناس جميعًا من خلال المساجد وأشرطة الكاسيت دون منع لأحد كان.
إن العلم وكذلك العلماء ليسا سلعة يقوم بعض التجار باحتكارها، وإذا كان محتكر السلعة ملعون – كما قال رسول الله صلَّى الله علي وسلَّم؛ فكيف بمحتكر العلم والهداية؟!!
ثالثًا: تقديم أنصاف المتعلمين كنجوم (سوبر ستار):
وهذه نكبة أخرى لمجال الدعوة إلى الله قامت به الفضائيات التي حولت ذلك الميدان إلى بزنس؛ فبعدما كان الحديث في العلم والدعوة قاصرًا على العلماء المؤهَّلين لذلك - كما هو في كل تخصص قاصر على أهله كالطب والهندسة – فتحت تلك الفضائيات الباب على مصراعيه لأنصاف وأشباه المتعلمين ليخاطبوا الناس في الدين دون علم؛ فيَضلوا ويُضِلُّوا، وتمَّ هذا بنفس الأسلوب الذي يتبعه الغرب في صناعة النجوم؛ حيث لا أهمية لديه لعلم هذا المراد تلميعه، ولا قيمة ما يقوله – إن كان لديه ما يقوله أصلاً – ولكن المهم هو تقديمه إعلاميًّا بوسائل صناعة النجم؛ حتى يعجب الشباب، وخاصة الفتيات اللاتي يتسابقن على حضور البرامج واللقاءات التي يعقدها ذلك النجم، الذي صنعته الفضائيات من أجل البزنس لا غير.
رابعًا: المسابقات الهاتفية:
وهذه المسابقات التي يتم السؤال فيها عن أمر يسير وسهل، والإجابة من خلال اتصال هاتفي برقم معين تبلغ تكلفة المكالة إليه أضعاف المكالمة العادية، وهذه النوعية من المسابقات كانت تتم في مجالات تافهة، وقد حرَّمها العلماء كالشيخ القرضاوي والشيخ نصر فريد واصل بارك الله فيهما لأنها من القِمار، ولكن الطامة الكبرى أن الذي لا يرقبون خوف الله ادخلوها في القرآن، وغيره من المجالات الإسلامية؛ فصار هناك حول السروة التي نزلت فيها هذه الآية، أو سؤال عن الصحابي الذي فعل كذا، إلى آخر هذه الأسئلة.
ومن المؤسف أن وجدنا بعض المؤسسات الإسلامية التي تُعْنى بنصرة النبي محمد صلَّى الله عليه وسلَّم تقوم بتنظيم مثل هذه المسابقات من خلال بعض الفضائيات من أجل جمع الكثير من المال، ولكنه المال الحرام للأسف؛ فهل بمثل هذه الأموال يُنصَر الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم، أو يُنشَر الدين؟!!
خامسًا: التحقيق المزيف لكتب التراث:
التحقيق العلمي مسألة ضرورية لكتب التراث، والهدذ الرئيسي من عملية التحقيق، هو الوصول بالكتاب إلى الصورة التي كتبه صاحبه بها، أو أقرب ما يكون إلى ذلك؛ وذلك لأن كتب التراث هذه مرَّ على تأليفها مئات السنين، وفيها من الفوائد الكثير مما يحتاجه المسلم، ولكن – وبمبدأ البزنس أيضًا – يقوم ضعاف النفوس الذين حوَّلوا الدين تجارة بالقيام بعملية تحقيق مزيف لكتب التراث؛ حيث يأتون ببعض الباحثين الشباب، الذين يقومون بوضع معاني بعض الكلمات في الهوامش؛ ويعطونهم مبلغًا زهيدًا مقابل ذلك، ثم يضعون أسماءهم على هذه الكتب ككبار المحققين؛ فلا هم أفادوا الناس، ولا فعلوا شيئًا يستحقون عليه الشكر والثناء فضلاً عن الأجر والثواب من الله تعالى.
إن ظواهر بزنسة الدين كثيرة، وليست قاصرةً على ما ذكرته؛ فمنها سرقة شرائط العلماء والدعاة، وطباعتها وبيعها بمبلغ زهيد رغم وجود نسخ شرعية؛ وذلك ليس من أجل العلم، ولكن فقط للمكسب، وغير هذا كثير أيضًا، ولكن المقصود من المقال التنبيه على هذه الظاهرة؛ لنراجع أنفسنا؛ فالله عزَّ وجلَّ لن يقبل من أعمالنا إلا ما كان خالصًا لوجهه الكريم، ولا يقبل عملاً أُشرِك معه فيه غيره.
باحث مصري
.إسلام أون لاين