في مارس من كل عام تتطلع الأنظار إلى عاصمة جديدة من العواصم العربية لتشهد مسرحا جديدا لا يحمل بين طياته جديدا لا من حيث الشخوص ولا من حيث الموضوعات ولا من حيث الأداء، في تكرار ممل للمشاهدين واللاعبين على السواء، بل وسئمت من ملالته الكراسي والميكرفونات.
إنها القمم العربية التي تستحق بجدارة وعن امتياز لقب قمم الخلافات، فما تعقد إلا على دبيب الخلافات التي تجهض أية محاولة للمصالحة أو التقارب، ولا تنفض إلا بمزيد من الخلافات ونكأ جديد لجراح قديمة لم تندمل رغم مرور عشرات السنين، فالجراح غائرة والعقول لم تبرح خانة الجمود على هذه الخلافات وكأنه عيب يشينها ذاك الانتقال ولا يزينها.
والقمة العربية هذه الأخيرة في الدوحة لم تكن بدعة من القمم، فعلى عُمد الخلافات عقدت وعلى منوال القمم السابقة انفضت، ومن البيانات التاريخية للقم السابقة اقتبست، فلم ترفع من طريق الأمة حجرا ولم تقل من عثراتها عثرة.
فالعنوان الذي التف حوله المجتمعون في الدوحة هو المصالحة، وكلهم ذلك الذي يظن أنه على أرضية صلبة يقف، فهو الذي ينظر بعين الرضى لمواقفه وأفعاله، وتصرفاته يحسبها راضية مرضية، فدار الجمع حول دندنات ولم يخطو على طريق المصالحة خطوة واحدة.
فالدول المحورية في المنطقة العربية باتت منقسمة إلى شطرين كبيرين، أحدهما تحت مظلة ’’الاعتدال’’ والآخر على أرضية ’’الممانعة’’، وكلاهما ينظر بعين الريب إلى الطرف الآخر، ولا يرضى إلا أن يتخندق في خندقه ويتحدث بلسانه ويمشى على دربه لا يلتفت.
ولم تفلح قمة الكويت ولا قمة الرياض أن تذيب قدرا من الجليد المتراكم بين الطرفين، ولن تفلح غيرها من القمم، لان كل طرف منهما يرى نجاته في موقفه،وفُقد الإحساس بمصالح الأمة،وتغلبت المصالح الآنية الشخصية الضيقة.
أما الدول الأخرى التي خرجت من أتون هذا الصراع فقد تمحورت حول ذاتها،ولم تخرج من حيزها الجغرافي الصغير، وباتت ترى مشاكل العالم العربي من منظار مشكلاتها وواقعها، ولم تبرح هذا الواقع بعد، ولم يعد يعنيها في صغير أو كبير عنوان المصالحة إلا إذا كان مدخلا لحل مشاكلها.
فعلى عتبة النزاع بين ’’الاعتدال’’ و’’الممانعة’’، والتمحور حول القضايا والمشاكل الذاتية ذُبحت المصالح العربية وضاعت المصالحة الحقيقة، ووقفنا مجددا أمام عناوين ضخمة ومضامين هزيلة لا تبرا القادة المجتمعين والمتغيبين معا من مسئوليتهم التاريخية أمام شعوبهم وأمتهم.
هذا ما كان عن العنوان الضخم الذي اندرجت تحته القمة، أما عن المعالجات فلم تكن أحسن حالا، فالملفات الضخمة التي طرحت على القمة، جاء تناولها بعيدا عن الجدية، قريبا من الدعاية الإعلامية، وتحسين الصورة الإجمالية والهاء الشعوب العربية.
فقضية الرئيس السوداني عمر البشير، وهي الأحدث في مسلسل الأزمات العربية، اكتفى المجتمعون بدعوته إلى القمة، وإظهار التضامن اللفظي معه دون أي مبادرة فعلية أو تحرك عملي لإنقاذ، لا نقول البشير فقط، بل السودان وأرضه وعروبته.
ورأينا بأم أعيننا حالة من البلادة وفقد القدرة على الحراك والتعامل خارج أطر الفاعلية ما زالت تغشى قادة الدول العربية، ومن حولهم المؤامرات قد دخلت طور الأفعال، بل وقارب بعضها على اكتمال حلقاته المتعددة منذ عشرات السنين.
فملف السودان هذا، قد عمل فيه معول التقطيع منذ سنين خلت، وليس من حراك فاعل لوقف هذا التمزيق لأكبر دولة عربية وإسلامية من حيث الموارد والمساحة، فقد اقتُطع الجنوب ووُضع على مشارف وهاوية الانفصال، وملف دارفور ينضح على نار هادئة ازداد لهيبها في الفترة الأخيرة تمهيدا لعملية السلخ التي دخلت مرحلتها الأخيرة.
ولم يعد الأمر متوقفا عند هذا الحد من تقسيم السودان الكبير إلى دويلات وعرقيات متنازعة، بل المخطط الآن ومن خلال الرغبة في محاكمة البشير يرمي إلى سودان برئيس جنوبي لا يعرف معنى العروبة ولا الإسلام؛ لإزالة هذا البلد من خارطة العرب والمسلمين كلية، في تكرار لتجارب مؤلمة ما زلنا نتجرع مرارتها حتى الآن.
هذه المؤامرة بكامل تفاصيلها حاضرة على مكاتب السادة الزعماء والقادة، وتعرفها الأمة معرفة يقينية وتراها رأي العين، ولا حراك لإنقاذ السودان ولا للدفاع عن البشير، في تكرار مذهل لتجربة العراق الذي سلمه الأعداء للشيعة، وهذا السودان من بعده للنصارى.
والعجب أن هذه المؤامرة حينما تكتمل حلقاتها سيتطاير شررها إلى الجوار كله، وسيصيب من بين من يصيب هؤلاء القاعدون خلف مكاتبهم لا يتحركون، حتى للدفاع عن كراسيهم في مواجهة الخطر القادم من الخارج، كما هو حادث في تجربة العراق حينما علا أمر الشيعة وتطاول بنيانهم على كل دول الخليج وقادته.
وإذا ما وصلنا إلى ختام القمة، فسنجده كبدايتها، لا يحمل بين طياته جديدا إلا تعدادا وحصرا لمصائب الأمة ونكباتها، وتعبيرا عن أجندات خاصة ومرواغة لفظية بينه ظاهرة للخروج من خلاف الصياغات والتعبيرات إرضاء لهذا الطرف أو ذاك، أو مناشدات ومطالبات متعددة في انتظار أن يمُن بها علينا غيرنا، هبه أو عطية، أو تأخذ الحمية غير العرب ليأتوا لنا بحق العرب من أعداء العرب، في عجز فاضح عن الحراك..أي حراك.
ونقف عند المحطة الأخيرة في القمة العربية، وهي تلاوة البيان الميت لينفض على إثر تلاوته الجمع على موعد جديد ووعد أكيد للشعوب وللأمة أنهم لن يبرحوا خلافاتهم ومشاكلهم.
.مفكرة الإسلام
إنها القمم العربية التي تستحق بجدارة وعن امتياز لقب قمم الخلافات، فما تعقد إلا على دبيب الخلافات التي تجهض أية محاولة للمصالحة أو التقارب، ولا تنفض إلا بمزيد من الخلافات ونكأ جديد لجراح قديمة لم تندمل رغم مرور عشرات السنين، فالجراح غائرة والعقول لم تبرح خانة الجمود على هذه الخلافات وكأنه عيب يشينها ذاك الانتقال ولا يزينها.
والقمة العربية هذه الأخيرة في الدوحة لم تكن بدعة من القمم، فعلى عُمد الخلافات عقدت وعلى منوال القمم السابقة انفضت، ومن البيانات التاريخية للقم السابقة اقتبست، فلم ترفع من طريق الأمة حجرا ولم تقل من عثراتها عثرة.
فالعنوان الذي التف حوله المجتمعون في الدوحة هو المصالحة، وكلهم ذلك الذي يظن أنه على أرضية صلبة يقف، فهو الذي ينظر بعين الرضى لمواقفه وأفعاله، وتصرفاته يحسبها راضية مرضية، فدار الجمع حول دندنات ولم يخطو على طريق المصالحة خطوة واحدة.
فالدول المحورية في المنطقة العربية باتت منقسمة إلى شطرين كبيرين، أحدهما تحت مظلة ’’الاعتدال’’ والآخر على أرضية ’’الممانعة’’، وكلاهما ينظر بعين الريب إلى الطرف الآخر، ولا يرضى إلا أن يتخندق في خندقه ويتحدث بلسانه ويمشى على دربه لا يلتفت.
ولم تفلح قمة الكويت ولا قمة الرياض أن تذيب قدرا من الجليد المتراكم بين الطرفين، ولن تفلح غيرها من القمم، لان كل طرف منهما يرى نجاته في موقفه،وفُقد الإحساس بمصالح الأمة،وتغلبت المصالح الآنية الشخصية الضيقة.
أما الدول الأخرى التي خرجت من أتون هذا الصراع فقد تمحورت حول ذاتها،ولم تخرج من حيزها الجغرافي الصغير، وباتت ترى مشاكل العالم العربي من منظار مشكلاتها وواقعها، ولم تبرح هذا الواقع بعد، ولم يعد يعنيها في صغير أو كبير عنوان المصالحة إلا إذا كان مدخلا لحل مشاكلها.
فعلى عتبة النزاع بين ’’الاعتدال’’ و’’الممانعة’’، والتمحور حول القضايا والمشاكل الذاتية ذُبحت المصالح العربية وضاعت المصالحة الحقيقة، ووقفنا مجددا أمام عناوين ضخمة ومضامين هزيلة لا تبرا القادة المجتمعين والمتغيبين معا من مسئوليتهم التاريخية أمام شعوبهم وأمتهم.
هذا ما كان عن العنوان الضخم الذي اندرجت تحته القمة، أما عن المعالجات فلم تكن أحسن حالا، فالملفات الضخمة التي طرحت على القمة، جاء تناولها بعيدا عن الجدية، قريبا من الدعاية الإعلامية، وتحسين الصورة الإجمالية والهاء الشعوب العربية.
فقضية الرئيس السوداني عمر البشير، وهي الأحدث في مسلسل الأزمات العربية، اكتفى المجتمعون بدعوته إلى القمة، وإظهار التضامن اللفظي معه دون أي مبادرة فعلية أو تحرك عملي لإنقاذ، لا نقول البشير فقط، بل السودان وأرضه وعروبته.
ورأينا بأم أعيننا حالة من البلادة وفقد القدرة على الحراك والتعامل خارج أطر الفاعلية ما زالت تغشى قادة الدول العربية، ومن حولهم المؤامرات قد دخلت طور الأفعال، بل وقارب بعضها على اكتمال حلقاته المتعددة منذ عشرات السنين.
فملف السودان هذا، قد عمل فيه معول التقطيع منذ سنين خلت، وليس من حراك فاعل لوقف هذا التمزيق لأكبر دولة عربية وإسلامية من حيث الموارد والمساحة، فقد اقتُطع الجنوب ووُضع على مشارف وهاوية الانفصال، وملف دارفور ينضح على نار هادئة ازداد لهيبها في الفترة الأخيرة تمهيدا لعملية السلخ التي دخلت مرحلتها الأخيرة.
ولم يعد الأمر متوقفا عند هذا الحد من تقسيم السودان الكبير إلى دويلات وعرقيات متنازعة، بل المخطط الآن ومن خلال الرغبة في محاكمة البشير يرمي إلى سودان برئيس جنوبي لا يعرف معنى العروبة ولا الإسلام؛ لإزالة هذا البلد من خارطة العرب والمسلمين كلية، في تكرار لتجارب مؤلمة ما زلنا نتجرع مرارتها حتى الآن.
هذه المؤامرة بكامل تفاصيلها حاضرة على مكاتب السادة الزعماء والقادة، وتعرفها الأمة معرفة يقينية وتراها رأي العين، ولا حراك لإنقاذ السودان ولا للدفاع عن البشير، في تكرار مذهل لتجربة العراق الذي سلمه الأعداء للشيعة، وهذا السودان من بعده للنصارى.
والعجب أن هذه المؤامرة حينما تكتمل حلقاتها سيتطاير شررها إلى الجوار كله، وسيصيب من بين من يصيب هؤلاء القاعدون خلف مكاتبهم لا يتحركون، حتى للدفاع عن كراسيهم في مواجهة الخطر القادم من الخارج، كما هو حادث في تجربة العراق حينما علا أمر الشيعة وتطاول بنيانهم على كل دول الخليج وقادته.
وإذا ما وصلنا إلى ختام القمة، فسنجده كبدايتها، لا يحمل بين طياته جديدا إلا تعدادا وحصرا لمصائب الأمة ونكباتها، وتعبيرا عن أجندات خاصة ومرواغة لفظية بينه ظاهرة للخروج من خلاف الصياغات والتعبيرات إرضاء لهذا الطرف أو ذاك، أو مناشدات ومطالبات متعددة في انتظار أن يمُن بها علينا غيرنا، هبه أو عطية، أو تأخذ الحمية غير العرب ليأتوا لنا بحق العرب من أعداء العرب، في عجز فاضح عن الحراك..أي حراك.
ونقف عند المحطة الأخيرة في القمة العربية، وهي تلاوة البيان الميت لينفض على إثر تلاوته الجمع على موعد جديد ووعد أكيد للشعوب وللأمة أنهم لن يبرحوا خلافاتهم ومشاكلهم.
.مفكرة الإسلام