سلفيو الإسكندرية: ننشغل بالسياسة ولا نشتغل بها
علي عبدالعال
غياب تام للسلفيين عن مشهد التغيير
في غمار الحراك السياسي الذي تشهده مصر حضر الجميع وغاب السلفيون، وفي جدل الشارع المصري حول الإصلاح كان لافتًا تصدر الإخوان المسلمين للمشهد وقيادتهم للمعارضة وحركة الشارع بدءًا من قضايا التعديلات الدستورية وانتخابات الرئاسة والبرلمان، وليس انتهاء بانتخابات المجالس المحلية في حين توارى تمامًا عن المشهد التيار السلفي الذي يكاد يتفق المراقبون على انتشاره وحضوره الواسع إن لم يكن الأوسع بين التيارات الإسلامية.
وإذا كان ذلك مفهومًا بحق بعض الاتجاهات والمدارس السلفية؛ نظرًا لطبيعة تصوراتها للسياسة ومجمل العمل السياسي برمته فقد جاء مستغربًا في حق المدرسة السلفية في الإسكندرية التي يُعِدّها الكثيرون أهم التيارات السلفية وأكثرها نضجًا في مصر، حيث عرفت تاريخيًّا بحركية قيادتها ورموزها البارزين منذ بداية العمل الطلابي في الجماعات في السبعينيات، كما عرفت أدبياتها وإنتاجها الفكري برغبة في الانفتاح ومحاولات للاشتباك مع القضايا والإشكالات الفكرية والسياسية المستحدثة، إضافة إلى ما تمتعت به من علاقات من بقية مكونات الحالة الإسلامية. فلماذا يخفت صوت المدرسة السلفية في الإسكندرية في لحظة مصيرية يحتدم فيها الجدل حول مستقبل البلاد؟ وهل يعكس غيابها تحولا في قناعتها وأفكارها؟ أم أن اعتزال السياسة صار الخيار المتفق عليه بين عموم السلفية في مصر؟
انشغال كامل بالسياسة
لعل المتتبع لأدبيات هذه الحركة، من خُطب وكتابات إلى كافة أشكال نتاجها الفكري -وهو كثير- يُدرك مدى الأهمية التي يوليها دعاة وعناصر وشيوخ المدرسة السلفية للسياسة العامة وشئون الحكم، ليس في مصر وحدها، بل وفي العالم أجمع، وربما جزء كبير من هذا الاهتمام يرجع إلى مدى إيمانهم بـ’’عالمية الإسلام’’ و’’الخلافة الإسلامية’’ كنظام حكم واحد يجمع كافة أقطار الأمة الإسلامية من مشرق الأرض إلى مغربها.
في مقال له بعنوان ’’حول الدولة المدنية’’ يتحدث د.علاء بكر -أحد أبرز دعاة الجيل الثاني من السلفيين في الإسكندرية عن الدعائم الثلاث التي تقوم عليها الدولة في المدينة الغربية الحديثة؛ وهي: (العلمانية أو اللادينية secularism، والقومية أو الوطنية nationalism، والديمقراطية أو حكم الشعب democracy)، ثم يرد على كل واحدة من هذه الثلاث بالترتيب: فـ’’الإسلام دين ودولة’’، و’’الإسلام يرفض استعلاء جنس على جنس أو قومية على قومية، ودعوة الإسلام دعوة عالمية، لا تنحصر في إقليم أو حدود أرضية أو جنس’’. و’’الإسلام يجعل الهداية في شرع الله تعالى ويستمد قوانين الأمة منه، في ظل ثوابت عقائدية وأخلاقية وتعبدية لا تتغير ولا تتبدل’’.
وفي تعليقه على انتخابات الرئاسة الأمريكية والتنافس المحموم بين المتسابقين الديمقراطيين عليها، يقول السيد عبد الهادي: ’’نحن لا يعنينا كثيرًا من يفوز بانتخابات الرئاسة، فالمعلوم أن الرئيس الأمريكي ليس إلا واجهة لتنفيذ توجيهات (المطبخ السياسي)’’.. ’’والذي يعنينا هو التنبيه على عداوة القوم للإسلام’’.. يتابع: ’’والعجب من العلمانيين وأذناب الغرب ممن ينبهر بديمقراطية هذا السباق، فيتمنى أن يكون للمرأة في مصر والدول العربية دورًا مثل (هيلاري)، فترشح نفسها للمناصب العليا، بل والأدهى أنه يستنكر لماذا لا يكون رئيس غير مسلم أو وزير أجنبي، فض الله فاه’’.
فكم من اليسير على القارئ أن يقف هنا على إسقاطات الكاتب، من خلال نقده لما يجوز في شرائع الأمريكيين، بينما لا يجوز في السياسة الشرعية الإسلامية، والمحك يدور حول الحكم في تولي المرأة والذمي للولاية العامة بالدولة الإسلامية.
وفي مبحثه ’’المشاركة السياسية - وموازين القوى’’ يذهب الشيخ ياسر برهامي أحد شيوخ السلفية، إلى أن: ’’معظم السلفيين لا يشاركون في اللعبة السياسية ليس لأنه لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين كما يصرح بذلك العلمانيون (...)، بل إن أهل الإسلام عمومًا وأهل السنة وأتباع السلف خصوصًا يعتقدون شمولية الإسلام لكل جوانب الحياة، الفردية منها والجماعية، الوطنية منها والدولية، الاعتقادية والعبادية والأخلاقية، وجوانب المعاملات والسياسة والاقتصاد والاجتماع، وأنظمة الحياة كلها تحقيقًا؛ لقول الله تعالى: ’’قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ’’ (الأنعام 162 - 163)’’.
ويعلق السلفي عبدالمنعم الشحات على خبر نشرته صحيفة ’’المصريون’’ تتهم فيه شيخًا سلفيًّا -لم تسمّه- سأل عما يجري في غزة فقال ’’لا أتكلم في السياسة’’،: ’’جانب الصواب ذلك الشيخ السلفي؛ لأن هذه المسألة، لا سيما مع كثرة الشبهات فيها، لا بد أن تدخل في أولويات الدعوة إلى الله على منهج أهل السنة والجماعة’’.
ويتابع: ’’والأدهى من ذلك أن ينشر الخبر بصورة توحي أن هذا هو موقف (شيوخ السلفيين)، مما يخالف الحقيقة، ومن هنا يتضح أننا بحاجة أكبر إلى فهم أصول السياسة الشرعية قبل الخوض في أي عمل عام، ولو كان تحرير صفحة مقتطفات الأخبار في جريدة (الكترونية)’’.
وعلى موقع الحركة الرسمي على شبكة الإنترنت ’’صوت السلف’’ يمكننا أن نطالع ما يقرب من (100) مادة ومقالة كلها تندرج تحت باب ’’قضايا معاصرة’’، يمكنك أن تقتبس منها عناوين كالتالي ’’السياسة.. ما نأتي منها وما نذر’’، ’’تأملات ونظرات في وثيقة ترشيد العمل الجهادي’’، ’’الإعلام وصناعة الوهم’’، ’’الحجاب والمادة الثانية من الدستور’’، ’’مولد سيدهم 11 سبتمبر’’ ، ’’تعليق على تصريحات د.عبد المنعم أبو الفتوح’’، ’’مبادرة الجماعة الإسلامية وتصريحات أيمن الظواهري’’.
رفض العمل السياسي
ياسر برهامي
وهنا تتجلى الإشكالية التي تعكسها -فقط للوهلة الأولى- صورة الحركة أمام المشاركة السياسية الفعلية، خاصة إذا كان المجتمع المصري يمر بعدد من المحطات الجدلية (سياسيًّا، واجتماعيًّا، وثقافيًّا، واقتصاديًّا، وأمنيًّا) حتمًا سيكون لها تأثيرها على مستقبله واستقراره، مما كان يستدعي تحريك كل ما هو ساكن في نفوس الأفراد والجماعات، كالموقف من قضية ’’التوريث’’، والانتخابات (الرئاسية والبرلمانية)، وانتفاضة القضاة، ومرض رئيس الجمهورية، وسحل الصحفيين، والاعتقالات السياسية، والغلاء الفاحش للأسعار، وانتشار الفساد والرشوة والاحتكار والمحسوبية.
لكن اختار السلفيون الإعراض عن المشاركة في اللعبة السياسية: ’’لأن معطيات هذه اللعبة -حسبما يرى الدكتور ياسر برهامي في مقاله ’’المشاركة السياسية’’- في ضوء موازين القوى المعاصرة عالميًّا وإقليميًّا وداخليًّا، لا تسمح بالمشاركة إلا بالتنازل عن عقائد ومبادئ وقيم لا يرضى أحدٌ من أهل السنة أن يضحي بها في سبيل الحصول على كسب وقتي، أو وضع سياسي، أو إثبات الوجود على الساحة’’. فهذه المبادئ أغلى وأثمن من أن تُبَاع لإثبات موقف أو لإسماع صوت بطريقة عالية، ثم لا يترتب على هذه المواقف في دنيا الواقع شيء يذكر من الإصلاح المنشود والتطبيق الموعود لشرع الله.
وفي مقاله ’’السياسة.. ما نأتي منها وما نذر’’ يوضح عبد المنعم الشحات: ’’إن الخلاف إنما هو في صلاحية المشاركة السياسية لأن تكون طريقًا لتطبيق دين الله عز وجل في الأرض’’، مضيفًا: ’’والدعوة السلفية ترى أن الخوض في جزئيات (السياسة) التي يعنيها هؤلاء هو نوع من تضييع الأعمار والأوقات’’.. لكن ’’هذا لا يعني خلو الخطاب السلفي من السياسة، بل الخطاب السلفي يتناول السياسة الشرعية من جهة التأصيل العلمي العقدي الذي يعرف عند السياسيين بالأيدلوجية’’. فالمسألة عند السلفيين شرعية في الأساس، بمعنى أنهم مقيدون بما يجوز ولا يجوز في الشرع، والأولوية تبقى لاستمرار الدعوة إلى الله؛ لأنها الغاية عندهم، والسياسة إنما هي فقط وسيلة الوصول إلى هذه الغاية.
وبالتالي ’’فموقفنا -كما يقول الشحات- هو تجنب (المشاركة السياسية) والتجنب هنا ليس سلبيًّا؛ لأنه مبني على أدلة شرعية، ومبني على ربط المسألة بالعقيدة، وبإمكانية النفع الذي يأتي من جراء هذه المسالك، لكن مع ذلك لو ذهب إنسان ينتخب الإخوان المسلمين فإننا لا نزجره’’؛ وذلك احترامًا للخلاف الفقهي في هذه المسألة: ’’لا سيما إذا كان المرشح أمامه معاديًا للإسلام أو من هؤلاء القوم الذين يستعينون بأمريكا التي تسنّ لنا السكين’’.
يقول الشيخ محمد إسماعيل المقدم: ’’ومن أبى إلا الدخول فلا نضلله؛ لأن دخوله مبني على اجتهاد ونظر، وهو أيضًا لا يجوز له أن يضلِّل من خالفه، والواجب علينا أن نعذر بعضنا بعضًا في المسائل الاجتهادية التي يسوغ فيها الخلاف’’.
السياسة والحكم
محمد إسماعيل المقدم
من أكبر الأسباب التي حملت السلف على موقفهم القاطع من المشاركة السياسية -على الأقل في الوقت الحالي- حصاد التجارب الإسلامية السابقة غير المشجع: ’’فالإخوان المسلمون لهم أكثر من سبعين سنة وهم يحاولون الدخول في البرلمانات وإحداث التغيير من خلالها ولم يفلحوا، حتى إن حسن البنا -رحمه الله- رشح نفسه في البرلمان مرتين، ولكن أجبر على التراجع’’.
وهناك أيضًا تجربة الجزائر التي فازت فيها ’’الجبهة الإسلامية للإنقاذ’’، ثم انقلب العسكر عليهم مدعومين من فرنسا -التي كان رئيسها يقول: ’’لو نجح الإسلاميون في الجزائر فسوف نحتلها’’. فالغرب يشجع الديمقراطية في بلاد المسلمين لأي اتجاه غير الاتجاه الإسلامي؛ لأن الديمقراطية لعبة غربية لا مكان فيها لأعداء الحضارة الغربية.
وما أسرع ما تلتهم (الديمقراطية) إذا وقفت في طريق العسكر، ففي تركيا مثلاً لديهم انتخابات حرة، وليس عندهم التزوير الذي يحدث في عالمنا العربي، لكن عند ساعة الحسم وأمام أي اختراق إسلامي لا مانع لقطع الطريق أمام هذه الديمقراطية ويُحل البرلمان. كما حدث في عهد رئيس الوزراء الأسبق ’’نجم الدين أربكان’’، وكما يحدث الآن مع حكومة حزب ’’العدالة والتنمية’’.
في محاضرته التي ألقاها بعنوان ’’حول دخول البرلمان’’، يقول الشيخ محمد إسماعيل المقدم -وهو أبرز علماء الدعوة السلفية- ’’ونحن نتعرض لموضوع الساعة وهو ما يتعلق بالعمل السياسي في المفهوم الإسلامي فلا ينبغي أن ننحصر في مفهوم (الحكم)، فإذا قلنا: العمل (السياسي في الإسلام) فلا نعني فقط ما يتعلق بالحكم، وإنما مصطلح العمل السياسي أوسع بكثير من مجرد الحكم، فالسياسة تشمل قيادة الناس، والاهتمام بالأمور العامة، وشئون الحكم منها، وعلاقة الدول بعضها ببعض، وغير ذلك، ومن المسلّمات التي لا يقول بعكسها إلا من ليس له حظ في الإسلام أن الإسلام دين ودولة’’.
وهنا يشير إلى أن السياسة أعم من ممارسة شئون الحكم؛ إذ إنها تتسع لتشمل كل ما يهم شئون المسلمين في دينهم ودنياهم، من حراسة الدين، وصيانة الشرع، وحماية التراث، والدفاع عن العقيدة، ونشر العلم الشرعي. فمن أعظم وظائف الدولة الإسلامية وظيفة حراسة الدين، ثم سياسة الدنيا بالدين، وحراسة الدين تكون بأساليب كثيرة جدًّا، لا تتوقف على الحكم وحده، فالحكم يبقى فقط جزئية من جزئيات ما دام الهدف هو أن يظل الطريق معبّد أمام الدعوة إلى الله.
--------------------------------------------------------------------------------
صحفي من أسرة إسلام أون لاين
.عن إسلام اون لاين
علي عبدالعال
غياب تام للسلفيين عن مشهد التغيير
في غمار الحراك السياسي الذي تشهده مصر حضر الجميع وغاب السلفيون، وفي جدل الشارع المصري حول الإصلاح كان لافتًا تصدر الإخوان المسلمين للمشهد وقيادتهم للمعارضة وحركة الشارع بدءًا من قضايا التعديلات الدستورية وانتخابات الرئاسة والبرلمان، وليس انتهاء بانتخابات المجالس المحلية في حين توارى تمامًا عن المشهد التيار السلفي الذي يكاد يتفق المراقبون على انتشاره وحضوره الواسع إن لم يكن الأوسع بين التيارات الإسلامية.
وإذا كان ذلك مفهومًا بحق بعض الاتجاهات والمدارس السلفية؛ نظرًا لطبيعة تصوراتها للسياسة ومجمل العمل السياسي برمته فقد جاء مستغربًا في حق المدرسة السلفية في الإسكندرية التي يُعِدّها الكثيرون أهم التيارات السلفية وأكثرها نضجًا في مصر، حيث عرفت تاريخيًّا بحركية قيادتها ورموزها البارزين منذ بداية العمل الطلابي في الجماعات في السبعينيات، كما عرفت أدبياتها وإنتاجها الفكري برغبة في الانفتاح ومحاولات للاشتباك مع القضايا والإشكالات الفكرية والسياسية المستحدثة، إضافة إلى ما تمتعت به من علاقات من بقية مكونات الحالة الإسلامية. فلماذا يخفت صوت المدرسة السلفية في الإسكندرية في لحظة مصيرية يحتدم فيها الجدل حول مستقبل البلاد؟ وهل يعكس غيابها تحولا في قناعتها وأفكارها؟ أم أن اعتزال السياسة صار الخيار المتفق عليه بين عموم السلفية في مصر؟
انشغال كامل بالسياسة
لعل المتتبع لأدبيات هذه الحركة، من خُطب وكتابات إلى كافة أشكال نتاجها الفكري -وهو كثير- يُدرك مدى الأهمية التي يوليها دعاة وعناصر وشيوخ المدرسة السلفية للسياسة العامة وشئون الحكم، ليس في مصر وحدها، بل وفي العالم أجمع، وربما جزء كبير من هذا الاهتمام يرجع إلى مدى إيمانهم بـ’’عالمية الإسلام’’ و’’الخلافة الإسلامية’’ كنظام حكم واحد يجمع كافة أقطار الأمة الإسلامية من مشرق الأرض إلى مغربها.
في مقال له بعنوان ’’حول الدولة المدنية’’ يتحدث د.علاء بكر -أحد أبرز دعاة الجيل الثاني من السلفيين في الإسكندرية عن الدعائم الثلاث التي تقوم عليها الدولة في المدينة الغربية الحديثة؛ وهي: (العلمانية أو اللادينية secularism، والقومية أو الوطنية nationalism، والديمقراطية أو حكم الشعب democracy)، ثم يرد على كل واحدة من هذه الثلاث بالترتيب: فـ’’الإسلام دين ودولة’’، و’’الإسلام يرفض استعلاء جنس على جنس أو قومية على قومية، ودعوة الإسلام دعوة عالمية، لا تنحصر في إقليم أو حدود أرضية أو جنس’’. و’’الإسلام يجعل الهداية في شرع الله تعالى ويستمد قوانين الأمة منه، في ظل ثوابت عقائدية وأخلاقية وتعبدية لا تتغير ولا تتبدل’’.
وفي تعليقه على انتخابات الرئاسة الأمريكية والتنافس المحموم بين المتسابقين الديمقراطيين عليها، يقول السيد عبد الهادي: ’’نحن لا يعنينا كثيرًا من يفوز بانتخابات الرئاسة، فالمعلوم أن الرئيس الأمريكي ليس إلا واجهة لتنفيذ توجيهات (المطبخ السياسي)’’.. ’’والذي يعنينا هو التنبيه على عداوة القوم للإسلام’’.. يتابع: ’’والعجب من العلمانيين وأذناب الغرب ممن ينبهر بديمقراطية هذا السباق، فيتمنى أن يكون للمرأة في مصر والدول العربية دورًا مثل (هيلاري)، فترشح نفسها للمناصب العليا، بل والأدهى أنه يستنكر لماذا لا يكون رئيس غير مسلم أو وزير أجنبي، فض الله فاه’’.
فكم من اليسير على القارئ أن يقف هنا على إسقاطات الكاتب، من خلال نقده لما يجوز في شرائع الأمريكيين، بينما لا يجوز في السياسة الشرعية الإسلامية، والمحك يدور حول الحكم في تولي المرأة والذمي للولاية العامة بالدولة الإسلامية.
وفي مبحثه ’’المشاركة السياسية - وموازين القوى’’ يذهب الشيخ ياسر برهامي أحد شيوخ السلفية، إلى أن: ’’معظم السلفيين لا يشاركون في اللعبة السياسية ليس لأنه لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين كما يصرح بذلك العلمانيون (...)، بل إن أهل الإسلام عمومًا وأهل السنة وأتباع السلف خصوصًا يعتقدون شمولية الإسلام لكل جوانب الحياة، الفردية منها والجماعية، الوطنية منها والدولية، الاعتقادية والعبادية والأخلاقية، وجوانب المعاملات والسياسة والاقتصاد والاجتماع، وأنظمة الحياة كلها تحقيقًا؛ لقول الله تعالى: ’’قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ’’ (الأنعام 162 - 163)’’.
ويعلق السلفي عبدالمنعم الشحات على خبر نشرته صحيفة ’’المصريون’’ تتهم فيه شيخًا سلفيًّا -لم تسمّه- سأل عما يجري في غزة فقال ’’لا أتكلم في السياسة’’،: ’’جانب الصواب ذلك الشيخ السلفي؛ لأن هذه المسألة، لا سيما مع كثرة الشبهات فيها، لا بد أن تدخل في أولويات الدعوة إلى الله على منهج أهل السنة والجماعة’’.
ويتابع: ’’والأدهى من ذلك أن ينشر الخبر بصورة توحي أن هذا هو موقف (شيوخ السلفيين)، مما يخالف الحقيقة، ومن هنا يتضح أننا بحاجة أكبر إلى فهم أصول السياسة الشرعية قبل الخوض في أي عمل عام، ولو كان تحرير صفحة مقتطفات الأخبار في جريدة (الكترونية)’’.
وعلى موقع الحركة الرسمي على شبكة الإنترنت ’’صوت السلف’’ يمكننا أن نطالع ما يقرب من (100) مادة ومقالة كلها تندرج تحت باب ’’قضايا معاصرة’’، يمكنك أن تقتبس منها عناوين كالتالي ’’السياسة.. ما نأتي منها وما نذر’’، ’’تأملات ونظرات في وثيقة ترشيد العمل الجهادي’’، ’’الإعلام وصناعة الوهم’’، ’’الحجاب والمادة الثانية من الدستور’’، ’’مولد سيدهم 11 سبتمبر’’ ، ’’تعليق على تصريحات د.عبد المنعم أبو الفتوح’’، ’’مبادرة الجماعة الإسلامية وتصريحات أيمن الظواهري’’.
رفض العمل السياسي
ياسر برهامي
وهنا تتجلى الإشكالية التي تعكسها -فقط للوهلة الأولى- صورة الحركة أمام المشاركة السياسية الفعلية، خاصة إذا كان المجتمع المصري يمر بعدد من المحطات الجدلية (سياسيًّا، واجتماعيًّا، وثقافيًّا، واقتصاديًّا، وأمنيًّا) حتمًا سيكون لها تأثيرها على مستقبله واستقراره، مما كان يستدعي تحريك كل ما هو ساكن في نفوس الأفراد والجماعات، كالموقف من قضية ’’التوريث’’، والانتخابات (الرئاسية والبرلمانية)، وانتفاضة القضاة، ومرض رئيس الجمهورية، وسحل الصحفيين، والاعتقالات السياسية، والغلاء الفاحش للأسعار، وانتشار الفساد والرشوة والاحتكار والمحسوبية.
لكن اختار السلفيون الإعراض عن المشاركة في اللعبة السياسية: ’’لأن معطيات هذه اللعبة -حسبما يرى الدكتور ياسر برهامي في مقاله ’’المشاركة السياسية’’- في ضوء موازين القوى المعاصرة عالميًّا وإقليميًّا وداخليًّا، لا تسمح بالمشاركة إلا بالتنازل عن عقائد ومبادئ وقيم لا يرضى أحدٌ من أهل السنة أن يضحي بها في سبيل الحصول على كسب وقتي، أو وضع سياسي، أو إثبات الوجود على الساحة’’. فهذه المبادئ أغلى وأثمن من أن تُبَاع لإثبات موقف أو لإسماع صوت بطريقة عالية، ثم لا يترتب على هذه المواقف في دنيا الواقع شيء يذكر من الإصلاح المنشود والتطبيق الموعود لشرع الله.
وفي مقاله ’’السياسة.. ما نأتي منها وما نذر’’ يوضح عبد المنعم الشحات: ’’إن الخلاف إنما هو في صلاحية المشاركة السياسية لأن تكون طريقًا لتطبيق دين الله عز وجل في الأرض’’، مضيفًا: ’’والدعوة السلفية ترى أن الخوض في جزئيات (السياسة) التي يعنيها هؤلاء هو نوع من تضييع الأعمار والأوقات’’.. لكن ’’هذا لا يعني خلو الخطاب السلفي من السياسة، بل الخطاب السلفي يتناول السياسة الشرعية من جهة التأصيل العلمي العقدي الذي يعرف عند السياسيين بالأيدلوجية’’. فالمسألة عند السلفيين شرعية في الأساس، بمعنى أنهم مقيدون بما يجوز ولا يجوز في الشرع، والأولوية تبقى لاستمرار الدعوة إلى الله؛ لأنها الغاية عندهم، والسياسة إنما هي فقط وسيلة الوصول إلى هذه الغاية.
وبالتالي ’’فموقفنا -كما يقول الشحات- هو تجنب (المشاركة السياسية) والتجنب هنا ليس سلبيًّا؛ لأنه مبني على أدلة شرعية، ومبني على ربط المسألة بالعقيدة، وبإمكانية النفع الذي يأتي من جراء هذه المسالك، لكن مع ذلك لو ذهب إنسان ينتخب الإخوان المسلمين فإننا لا نزجره’’؛ وذلك احترامًا للخلاف الفقهي في هذه المسألة: ’’لا سيما إذا كان المرشح أمامه معاديًا للإسلام أو من هؤلاء القوم الذين يستعينون بأمريكا التي تسنّ لنا السكين’’.
يقول الشيخ محمد إسماعيل المقدم: ’’ومن أبى إلا الدخول فلا نضلله؛ لأن دخوله مبني على اجتهاد ونظر، وهو أيضًا لا يجوز له أن يضلِّل من خالفه، والواجب علينا أن نعذر بعضنا بعضًا في المسائل الاجتهادية التي يسوغ فيها الخلاف’’.
السياسة والحكم
محمد إسماعيل المقدم
من أكبر الأسباب التي حملت السلف على موقفهم القاطع من المشاركة السياسية -على الأقل في الوقت الحالي- حصاد التجارب الإسلامية السابقة غير المشجع: ’’فالإخوان المسلمون لهم أكثر من سبعين سنة وهم يحاولون الدخول في البرلمانات وإحداث التغيير من خلالها ولم يفلحوا، حتى إن حسن البنا -رحمه الله- رشح نفسه في البرلمان مرتين، ولكن أجبر على التراجع’’.
وهناك أيضًا تجربة الجزائر التي فازت فيها ’’الجبهة الإسلامية للإنقاذ’’، ثم انقلب العسكر عليهم مدعومين من فرنسا -التي كان رئيسها يقول: ’’لو نجح الإسلاميون في الجزائر فسوف نحتلها’’. فالغرب يشجع الديمقراطية في بلاد المسلمين لأي اتجاه غير الاتجاه الإسلامي؛ لأن الديمقراطية لعبة غربية لا مكان فيها لأعداء الحضارة الغربية.
وما أسرع ما تلتهم (الديمقراطية) إذا وقفت في طريق العسكر، ففي تركيا مثلاً لديهم انتخابات حرة، وليس عندهم التزوير الذي يحدث في عالمنا العربي، لكن عند ساعة الحسم وأمام أي اختراق إسلامي لا مانع لقطع الطريق أمام هذه الديمقراطية ويُحل البرلمان. كما حدث في عهد رئيس الوزراء الأسبق ’’نجم الدين أربكان’’، وكما يحدث الآن مع حكومة حزب ’’العدالة والتنمية’’.
في محاضرته التي ألقاها بعنوان ’’حول دخول البرلمان’’، يقول الشيخ محمد إسماعيل المقدم -وهو أبرز علماء الدعوة السلفية- ’’ونحن نتعرض لموضوع الساعة وهو ما يتعلق بالعمل السياسي في المفهوم الإسلامي فلا ينبغي أن ننحصر في مفهوم (الحكم)، فإذا قلنا: العمل (السياسي في الإسلام) فلا نعني فقط ما يتعلق بالحكم، وإنما مصطلح العمل السياسي أوسع بكثير من مجرد الحكم، فالسياسة تشمل قيادة الناس، والاهتمام بالأمور العامة، وشئون الحكم منها، وعلاقة الدول بعضها ببعض، وغير ذلك، ومن المسلّمات التي لا يقول بعكسها إلا من ليس له حظ في الإسلام أن الإسلام دين ودولة’’.
وهنا يشير إلى أن السياسة أعم من ممارسة شئون الحكم؛ إذ إنها تتسع لتشمل كل ما يهم شئون المسلمين في دينهم ودنياهم، من حراسة الدين، وصيانة الشرع، وحماية التراث، والدفاع عن العقيدة، ونشر العلم الشرعي. فمن أعظم وظائف الدولة الإسلامية وظيفة حراسة الدين، ثم سياسة الدنيا بالدين، وحراسة الدين تكون بأساليب كثيرة جدًّا، لا تتوقف على الحكم وحده، فالحكم يبقى فقط جزئية من جزئيات ما دام الهدف هو أن يظل الطريق معبّد أمام الدعوة إلى الله.
--------------------------------------------------------------------------------
صحفي من أسرة إسلام أون لاين
.عن إسلام اون لاين