مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
النخبة والأحداث العالمية الجارية
د. عبدالله بن إبراهيم الطريقي

مصطلح النخبة مصطلح حديث، وإن كانت جذوره اللغوية قديمة إلا أنه أصبح يطلق على الصفوة المختارة من فئات المثقفين.
ولن أخوض في أدبيات هذا المصطلح و إطلاقاته، ولكني أحدد مقصودي به ثم أنطلق فوراً إلى الموضوع.
فالذي أعنيه بالنخبة هنا : صفوة المجتمع المسلم من العلماء و المفكرين ، على اختلاف تخصصاتهم أيا كانت وظائفهم الاجتماعية : قضاء ، أو فتيا، أو تعليماً،أو تأليفاً،أو بحثاً، أو خطابة، أو حسبة ، أو ما أشبه، من أهل القيادة الفكرية و العلمية.
فكل هذه الشرائح ذات شأن وأثر بالغين في المجتمعات المسلمة ، ولا سيما إذا كان فيهم الأمير والوزير و المدير.
ترى ما دورها تجاه الأحداث العالمية الجسام ، سواء حدثت في بلاد المسلمين ، أم في غيرها ؟ الواقع أنه دور كبير ، يعول عليه جمهرة الناس أو هكذا يفترض.
فحينما تقع معضلة من المعضلات ، أو نازلة من النوازل فإنهم يواجهونها بما يناسبها وبما يليق بهم وبمكانتهم واستقراء تاريخهم يؤكد ذلك .
ولعل أول نازلة عظيمة تواجهها النخبة في المجتمع المسلم وفاة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثم ما تبعها من ارتداد بعض أحياء العرب ، وتكالب العدو على دولة المدينة .
فما الذي صنعته النخبة ممثلة بكبار الصحابة أبي بكر وَ عمر وَ عثمان وَ علي وَ طلحة وَ الزبير وَ سعد وَ خالد بن الوليد وَ عائشة بنت أبي بكر ونحو هؤلاء ؟ لقد وقفوا من هذه الأحداث والنوازل مواقف معتدلة ومتعقلة ، مستلهمة من تعاليم الوحي، ثم مصلحة الأمة.
ولم يصاحب ذلك شيء من التهويل و البهرجة ، أو إصدار الأحكام الجزاف ، التي كثيراً ما نسمعها من بعض نخبنا المعاصرة حينما تنزل بالمسلمين نازلة.
مواقف متباينة
ما أكثر ما يحل بالمسلمين أو بالمجتمع الدولي المعاصر من الكوارث و الفواجع ، والنوازل .
- ومنها على سبيل المثال: الاحتلال اليهودي لفلسطين وإقصاء التشريع الإسلامي عن ميدان التطبيق في بلدان مسلمة كثيرة ، ومثل ذلك اختطاف الطائرات والتفجيرات – كما حدث في واشنطن وَ نيويورك .
ويقف الناس تجاه هذه الأحداث مواقف متباينة ينحو أكثرها نحو التطرف نتيجة التفسير السطحي للحدث ، حيث اختلاط المفاهيم ، وضياع الحقائق، واختلال المعايير التي يوزن بها، لأنها تعتمد على وسائل الإعلام الغربية أو على الجهات الرسمية .
ومن هنا تكون أدوات الاستقبال العقلانية وَ الوجدانية عند تلك الفئات على أنواع:
أ- القلب الفارغ.
ب- القلب المريض .
ت- القلب الساذج.
ث- القلب المتردد.
ج- القلب الحي المتيقظ.
وقد ترى - أخي القارئ – في هذا التقسيم ما لا ينسجم مع العنوان ، فالحديث عن صفوة المجتمع، فكيف تكون قلوب الصفوة فارغة أو مريضة أو ساذجة أو مترددة؟
وهي ملحوظة في مكانها ، لكنني أزعم أن الصفوة ليست على قلب رجل واحد ، بل فيها الناضج وفيها الساذج ، وفيها وثيق عرى الإيمان ، وفيها رقيق عراه ، فالنضج الثقافي والعلمي نسبي وليس مطلقاً . فإلى التعليق على هذه القلوب: أما أصحاب القلوب الفارغة فقلوبهم جاهزة لاستقبال المعلومات الأولى عن أي حدث يكون، والتي غالباً ما يكون مصدرها الإعلام الغربي على حد قول الأول : فصادف قلباً خالياً فتمكنا.
ونتيجة لذلك لن تجد لدى هذه الفئة اختلافاً كبيراً في الفهم والتفسير عما عند الرجل الغربي ، ومثل هؤلاء الإمعات ليسوا إلا مجرد أرقام محسوبة على المسلمين ، لا يهمهم أمر دينهم ولا أمتهم في شيء ، وربما جرهم تأثرهم بالإعلام الغربي إلى التعاطف مع الغرب ، وتأييد قضاياه دون اكترث بقضايا أمتهم.
وأما أهل القلوب المريضة ، وأعني ’’ بالمريضة’’ هنا:ضعف الوازع الديني ، واهتزاز الضمير الإنساني ، وتقديم المصالح الشخصية على غيرها ، فإنهم لايجدون ضيراً في التعاطف مع العدو والميل إليه وممالأته، هذا مع خذلان المسلمين وإسلامهم لعدوهم ، سواء بدافع الإعجاب بالعدو ، أو الرهبة منه .
وقد يقوم أحدهم مقاماً خطيراً – من خلال منبر مسجد، أو لاقط إذاعة وتلفاز ، أو بواسطة قلم – فيتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً ، يمجد بها العدو و يدافع عنه ، ويستهول أية نازلة تنزل به ، ويعلن الحداد على الوفيات ، ويتظاهر بالحسرة والتباكي ، هذا مع إصدار شهادة مصدقة بحسن سيرتهم وسلوكهم ، ثم شهادة أخرى مصدقة بشششذوذ كل فرد أو طائفة من المسلمين تجاهد من أجل البقاء وتدافع عن نفسها أسباب الفناء ، وإعلان البراءة من هذه الطائفة وأنها لا تمت إلى الاسلام بصلة ، فرحماك يارب!!
وأما أهل القلوب الساذجة : فهم مثار العجب والاستغراب حقاً ، حيث يلحظ لديهم الجرأة في الأحكام ، والخوض فيما لا يفقهون وقد يقوم أحدهم مقاماً ذا شأن، فيصدر أحكاماً خطيرة بدون وعي أو فقه أو ورع!!
بل إنك تجد مفارقات عجيبة عند أمثاله فهو يتوقف حينما يسأل عن مسألة خلافية ، مثل: الطلاق بالثلاث هل يعد طلقة واحدة أم ثلاثاً؟ ولكنه عندما تواجهه قضية مصيرية للأمة المسلمة كقضية فلسطين أو قضية التفجيرات فإنه يسارع إلى الحديث عنها وإصدار الأحكام بشأنها مسارعة إلى الخيرات ، ولكن بما يشفي صدور المجرمين و الملحدين و الكفرة ويغيظ قلوب المؤمنين و المستضعفين!!
ولا أدري كيف يغيب عن بال هؤلاء أدبيات دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله – في مجال الولاء و البراء؟!
ثم لا أدري أين هؤلاء من النوازل التي تنزل بالمسمين كاحتلال اليهود لفلسطين واضطهاد المسلمين في الشيشان وَالبوسنة والهرسك وَ الفلبين وَغيرها؟! هل هذه القواصم أثارت شجونهم كما ثارت للنوازل البعيدة؟
ألا ما أعجب هؤلاء الذين اختلطت عليهم الأوراق ، فتساوت لديهم الأديان ، ولم يميزوا بين أولياء الرحمن وَ أولياء الشيطان ، وأصبح عندهم المسلم المذنب أو الغالي في بعض تصرفاته مهدر الكرامة ، مهين الجانب ، شريراً، مخرباً إرهابياً.لا يصلح معه الحوار ، ولا يستحق أن يعامل كإنسان!!
بل لابد من البطش به واتخاذ كافة أسباب القوة لاجتثاثه.
والعجب لا ينتهي ! إذ ترى بعضاً من هؤلاء وسابقيهم يقومون بالدفاع عن الأنظمة الغربية وكيان الغرب وكأنهم يتحدثون عن بلد مسلم يحتكم إلى شريعة الله كهذه البلاد الطيبة ( المملكة العربية السعودية ) !!
فاللهم لا شماتة .
وأما أصحاب القلوب المترددة :
فهم فئة من النخب المثقفة ، لا تملك القدرة على الاستقلالية في التفكير ، وليس لديها المعايير الكافية لمعرفة الحق من الباطل ، والصواب من الخطأ ، فيتلقون المعلومات من مصادر متعارضة ثم لا يملكون تمييزها وتصفيتها ، ومن ثم يبقون في (حيص بيص) فإذا ما تحدثوا عن النوازل أو الأحداث الكبيرة خاضوا مع الخائضين ، وأعطوا رأياً متناقضاً ليس له زمام ولا خطام.
فقضية فلسطين - مثلاً – في نظر هؤلاء قضية تخص الفلسطينيين ، وعليهم أن يحلوا مشكلتهم مع اليهود ويتصالحوا معهم ، ولا يجوز لهم أن يزجوا بأطفالهم في مواجهة اليهود !! لأن اليهود وإن كانوا مغتصبين لكنهم فرضوا وجودهم ، ولديهم نظام ديمقراطي يكفل التعايش بين سائر أهل الأديان .
وقضية التفجيرات في أمريكا يعرضها المتردد كالآتي:
إن أمريكا دولة حضارية لا تستحق مثل هذا العمل ( التفجيرات) لأنه ظلم وعدوان.
فإذا قيل له إن أمريكا لم تسلك مسلك العدل في سياستها الخارجية ، إذ تجنح مع بعض الدول الإرهابية كإسرائيل وتدعمها، الأمر الذي جر عليها مثل هذه الويلات،
قال:هذا صحيح لكنه لا يبرر أعمال التخريب في عقر دارها ، فأمريكا دولة صديقة و حليفة لأكثر العرب ، فلا يليق أن يطول هذا الحليف شيء من الأذى ، وهي دولة راعية للسلام فكيف نجعلها ساحة للخوف وَ الحرب؟
وكأن مثل هذا يرى أن ما سوى الغرب ليس أهلاً للسلام ولا للقيادة ، ولا للتقدم. وأما أهل القلوب السليمة و الضمائر الحية:
فهم العدول الثقات ، الذين يملكون عقولاً صحيحة ، ويختزنون علماً نافعاً وهم الربانيون حقاً – وليس غيرهم – يقولون كلمة الحق لا يخافون في الله لومة لائم ، سواء عن طريق الفتوى أو القضاء أو الكتابة أو الحوار...الخ.
وحينما يتحدثون عن قضايا كبيرة تهم المجتمع الدولي فإنهم يأخذون في اعتبارهم قواعد و ثوابت ينطلقون منها .
ويأتي في مقدمتها :
1) موالاة الله و رسوله و المؤمنين.
2) موالاة المسلمين كلهم ، بحسب قربهم وبعدهم من الحق .
3) البراء من المشركين على اختلاف مللهم .
4) مناصرة المسلمين وَ التعاون معهم على البر وَ التقوى.
5) ثم التعاون مع غير المسلمين على البر و التقوى مما ليس فيه إثم أو هدم أصل.
6) الانتصار للمظلوم أياً كان .
7) تخذيل الظالم و الأخذ على يده .
8) عدم تسليط الكفار على المسلمين مهما كانت مخالفتهم.
9) عدم تكفير أهل القبلة ، أو شن الحروب عليهم.
10) محبة الخير للناس و شمولهم بالرحمة العامة.
ومن هنا تأتي أحكامهم موزونة ، وآراؤهم ثاقبة وإن لم تجد آذاناً صاغية .
غير أن الحق باق إلى قيام الساعة .
وأخيراً أقول : قد يأتي على الناس زمان – كزماننا هذا – الساكت فيه خير من الناطق.
فيا للهول!!
والله ولي التوفيق.
.نوافذ
أضافة تعليق