مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
في انتظار جان مونيه العربي
تاريخ النشر:يوم اللإثنين ،30 مارس 2009 2:21
حدى مشكلات العمل العربي المشترك أنه يفتقد رجلا مثل جان مونيه، وفي غياب نموذج هذا الرجل، فإن كل عمل عربي ـ حتى إذا كان على مستوى القمة، التي تعقد اليوم في الدوحة ـ سيظل يدور في حلقة مفرغة ولن يغادر نقطة الصفر، هذا الكلام ليس رأيي وحدي، لكن سبقني إليه وزير الخارجية الألماني السابق يوشكا فيشر، الذي كتب مقالا في العام الماضي تحت عنوان «الحاجة إلى جان مونيه عربي». وقال فيه إن ظهور مثل هذا الرجل في العالم العربي أصبح ضرورة لأنهم لا يزالون بحاجة إلى رمز يتفانى في الدفاع عن توحدهم ولا ينشغل إلا بتحقيق ذلك الحلم، الذي لم يعد مستحيلا بعد نجاح تجربة الاتحاد الأوروبي، وهو ما اعتبر الوزير الألماني السابق أن ظروف تحقيقه أفضل منها في القارة الأوروبية، بحكم التجانس اللغوي والثقافي في العالم العربي، الذي افتقرت إليه أوروبا.
صاحب الفضل في تعريفي بجان مونيه هو الباحث اللبناني الأستاذ رغيد الصلح، الذي كتب عنه مقالا في صحيفة «الحياة» اللندنية نشر في 30 /10 من عام الماضي (2008) بمناسبة احتفال أوروبا بعيد الميلاد المائة والعشرين للرجل، الذي يوصف بأنه «أبو الاتحاد الأوروبي» و«مواطن الشرف الأوروبي الأوحد»، ولأنني أحد الذين يتعلقون بحلم الوحدة العربية فقد احتفيت بالمقال واحتفظت به في أوراقي، لسبب لم أحدده في حينه، ربما لأننا أصبحنا بحاجة إلى شهادات تؤيد حقنا في أن نقيم اتحادا عربيا يجمع شتات هذه الأمة، التي يزداد تمزقها حينا بعد حين.
لقد استولى «الحلم الأوروبي» على عقل وقلب جان مونيه منذ التحق بالحياة العامة وحتى يوم وفاته، ولأنه ظل يدافع عن ذلك الحلم طوال الوقت، ولأنه تجاوز في أنشطته ونظرته إلى حدود بلده الأصلي فرنسا، فقد أسند إليه عقب الحرب العالمية الأولى منصب نائب الأمين العام لعصبة الأمم وعمره لم يزد على 31 عاما، وخلال الحرب العالمية الثانية انضم إلى الجنرال ديجول وتحول إلى شخص رئىسي في مقاومة الاحتلال النازي، ونقل عنه في عام 1943 قوله: «إن أوروبا لن تعرف السلام ولن تذق طعم الرخاء إذا لم تسلك طريق الاتحاد فيما بينها»، وهذا الرأي لم يكن مجرد شعار أطلقه واحتفظ به، ولكنه أصبح برنامج العمل اليومي لجان مونيه ومحور حياته، حتى قال عنه أحد رؤساء الحكومة الهولندية، جيل زيتلسترا «لم أعرف رجلا مثل مونيه في إصراره على التركيز في حياته على هدف واحد، أما هو فقد قال عن نفسه: كل ما أنجزته في كل مفصل من مفاصل العمر، كان نتيجة خيار واحد وواحد فقط، وهذا التركيز حماني من بعثرة جهودي وإضاعتها».
هذا التركيز حين اقترن بإرادة قوية وقدرة استثنائية على الإقناع، فإن ذلك مكنه من إخراج السوق الأوروبية المشتركة إلى النور، رغم المعارضة القوية من بعض الدول، وفي مقدمتها بريطانيا، التي انسحب مندوبها من اجتماعات التحضير لها ذات مرة، وقال ساخرا: «سوف أعود بعد سنوات إلى مثل هذه الاجتماعات، وسأجدكم تواصلون إثارة ذات القضايا التي تتحدثون فيها الآن».
لقد نجح مونيه في صنع الأساس لبناء الاتحاد الأوروبي، وتغلب على العقبات الجمة، التي وضعت في طريقه، وكان منها اتهامه بالتعاون مع النازيين، وكان يردد دائما أن «الشعوب لا تقبل على التغيير إلا عندما يتحول إلى حاجة، وهي لا تعرف تلك إلا عندما ترزح تحت وطأة الأزمات»، المدهش أن هذه العبارة نقلها عن حاكم عربي قال إنه التقاه ذات مرة وحدثه عن تجربته في الحكم، لا نعرف من هو ذلك الحاكم، لكننا نعرف جيدا أننا غارقون في الأزمة، وأننا أشد ما نكون حاجة إلى جان مونيه عربي ينذر حياته للعمل من أجل تحقيق الحلم العربي المؤجل والمجهض، وللأسف فيبدو أن انتظارنا سيطول إلى أجل لا يعلمه إلا الله.
.الشرق القطرية
أضافة تعليق