رِحْـلَـةُ الأَسَـى
ـ ـ ـ ـ
د. جهاد الكريمي
ـ ـ ـ ـ
تنـاهـى العَنـا واسْـوَدَّ عيـشٌ ومَرْبَـعُ
وأَجْـفَـلَـت الشُّوْرى وضـلَّ التَّـوَقُّـعُ
وجاسَ العِـدا في مَهْدِ«هودِ بن شالخٍ»
وداسُـوا حِمـاها واستباحُـوا وروَّعُوا
فلمْلَمْـتُ أحـلامـيْ وزاديْ وسِلْعَتـيْ
وسـافـرتُ والآمـالُ رَحْـلٌ ومِخْـدعُ
وسابَقْتُ أنفـاسيْ إلى رحلـةِ الأسـى
يُهَدْهِـدُنِي قلـبٌ إلى اللهِ يَضْـرَعُ
وغـايةُ مـا يَبْغِـي امْـرؤٌ: عِـزُّ نَفْسـهِ
وهل بعْـدَ سِتْـرِ الحـالِ يُغْنـي التَّوسُّعُ!
ومـا للفتـى في العيـشِ إلا نصيـبُهُ
وإنْ جَـدَّ مَسْعـاهُ وطـال التَّطَلُّـعُ
فَرُعْتُ بِخَطْـبٍ خَلَّـفَ الرُّوْحَ مُـزْعـةً
وألْفَيْـتُ خُسْـرانًا لِما كُنْتُ أجْمـعُ
وهـذا قضـاءُ اللهِ يا بِنْتَ صـالـحٍ
له الأمـرُ في الحالَيْـنِ يُعْطي ويَمنعُ
لِمَ اللـومُ يا بنـتَ المَغـاوِيْـرِ! إنَّمـا
يُـلامُ امـرؤٌ كَـلٌّ عـن السَّعْـيِ إمَّعُ
ومـا أنـا بِالْعِـيِّ(1) الكسـولِ عن الذُّرا
ومـا أنـا مَنْ يُعْطـى الفُتـاتَ فيَقْنـعُ
ولكنَّـنيْ فـذٌّ جَسـوْرٌ مُثـابِـرٌ
إذا رُمْـتُ فَوْزًا نِلْتُـهُ حيـثُ يَقْبـعُ
وقد سُحْتُ في الآفـاقِ أشْتارُ(2) بُغْيَتِيْ
وحقَّقْتُ إرْبِيْ حيـن خـابَ التَّجَمُّـعُ
وأيُّ امْـرئٍ نـال الأمـانيْ جميعَـها؟!
لَعَمْـرُكِ هـذا المستحيـلُ المُمَـنَّـعُ!
يخيْـبُ الفتـى حيـنًا، وحيـنًا يَنـالُها
على مَضَـضٍ، والدهـرُ خِصْـبٌ وبَلْقَـعُ
ولـو أنَّ كُـلّ النـاسِ لاقٍ مَـرامَـهُ
لمـا عَـزَّت العليـا وَطـابَ التَّـرَفُّـعُ
ومَهْـرُ العُـلا خَـوْضُ الرَّزايا وسَوْغُهـا
ولا يَـرْتَقِـيْـها ذو الخُـدُوْرِ المُمَتَّـعُ
تـذلُّ العَواصِـيْ لامْـرِئٍ ذي شكيْـمةٍ
إذا اقْتَحَـمَ الأخطـارَ لا يَتَضعْـضَـعُ
ومنْ يَرْعَـوِ عن حُلْمـهِ إثْـرَ خيبـةٍ
وييـأسْ فإنّ اليـأسَ نَصْـلٌ مُمـزِّعُ
ومن يَصْطَبِرْ يظفرْ، وإنْ هِيْضَ(3) وانْثَنَى
سيكْسُـوْهُ بعْدَ الكَسْـرِ تـاجٌ مُرصَّـعُ
(1) العي: الذي لا يهتدي لمراده.
(2) أشتار : أجني.
(3) هيض وانثنى: انكسر.
