الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ الله، وعلى آلِه وصحبِه ومَن اتبعَ هدَاه، أما بعد:
فقد طالَ الأمدُ على الأمةِ التي كانت عظيمَة عزيزَة قوية فازداد ضعفُها وتفرقها وعدم قُدرتِها على نُصرةِ قضاياها: الغزو الفِكريّ نخرَ عقول أكثر أفرادها، والحدودُ المُصطنعَة شتَّت شملها، والذين حكموها نِيابةً عن الكافرين تفنَّنُوا في إذلالِها وأبعدوها بالعصا والجَزرة عن مَصدرِ عِزتها، في وقتٍ تقدَّمَ فيه الكافرون وارتقوا وتطوروا وازدادوا قوةً وتماسُكًا وعُلوًا وتَبجحًا، حتى الروافِض انْشغلوا في تطويرِ قُدراتهم وتوسُّعِهم على حِسابِ أهل السُنَّة..
ضاعتْ مُقدسات الأُمَّة ودُنِّست، نُهِبت ثرواتُها وقُسِّمت، ذُبِحَت الأُمَّةُ وشُرِّدَت، فَضَعُفَت عن نُصرةِ المُستضعَفِين ووقفَت مِنهم مَوقِف المُتفَرجين، الصادقُونَ فيها يَبكُون ويَدعُون وإذا أرادُوا أنْ يَجودُوا بشيءٍ مِن أموالِهم يَختبِؤون ولو أمسَكتْ بهم حكوماتهم فإلى السجونِ يُساقُون؛ لِذَا فإنَّهم حتى عنْ إخراجِ كلماتِ النُّصرَةِ الصَّادِقة يعجَزون، هذا حالُ الصَّادِقِين وهم قِلّة في الأُمَّة، أما الأكثر فيها فلا يرفعُ بدينِه رأسًا ولا يرَى في ضياعِه بأسًا ولا يعرفُ عن الولاءِ والبَراء شَيئا، وغرِقَ أكثرُهم في الشَّهواتِ وعاشوا لأنفسِهم وذواتِهم وإشباعِ الرغبَات، فأين سيكون هؤلاء في أوقاتِ الأزمات؟ وكيف ستجدهم في الملمَّات؟!!
وفي ظِلِّ هذا الحالِ الكَئيب تَنمَّرَ على الأُمَّةِ المُتنمِّرون مِن النَّصارَى والهندوس وعُبَّاد بُوذا واليهود أحفاد القِردة والخنازِير والروافِض أحفاد ابن سَبأ وابن العلقَمِي... ففعلوا في الأُمَّةِ ما لا يُوصَف، والأمّةُ على كثرتِها لا تُحرِّكُ سَاكِنًا بل وتقِف موقِف المُتفرِّج على بعضِها كُلَّمَا أُصيبَ هذا البَعض بمُصَاب، ومع كلِّ حدَثٍ رهيبٍ فيها لا يُحسِن أكثرها إلَّا النِّياحَة إنْ فعلُوا، وأمّا الذين لا يُحسِنونَ إلَّا النَّقد فيظهرُوا مع كُلِّ حدَثٍ في الأُمَّةِ ليُركِّزوا على الجانِبِ السَّلبِيِّ فيه ويَنسوا أو يَتناسُوا أو يَجْبُنوا عن التركيزِ على أصلِ العِلَّةِ والمَرَض..!!
يا أُمتِي الغَالية كثيرَة العدَد مُترامِية الأطرَاف: كم مَرَّ مِن الزَّمنِ على القُدسِ والمسجدِ الأقصى وهو مُدنَّسٌ مِن اليهود؟! أين كُنتِ؟ وماذا فعلتِ؟! وما هو دوركِ البارِز في نُصرِة غزَّةَ حينمَا صالَ اليهودُ فيها وجالُوا وسَفكوا الدِّماءَ وانْتهكوا الأعراض؟!، لقد جَلستِ مُتفرِّجَة حاشَا الصّادقِين: مِنكِ مَن طالَب المُنْهَكِين في غزّةَ بالمَزيد؛ ليَشعُر بنَشوةِ الانْتصَار، وفيكِ مَن ينتظِر النَّتيجَةَ النِّهائيةَ وكأنّه يُشاهِد مُبارَاة كُرويّة لكنَّها دَمويِّة، بل ومِنكِ مَن يَنتقِد ويلمِز ويهمِز، ولنْ أَتحدَث هنا عن المُتصهينِين، بل أين كنتِ حينمَا صالَ وجالَ الروافِض في سُوريا وفعلوا في أهلِ السُنَّة الأفاعِيل؟!، بل وتَركتِ المَجالَ لظُهورِ الأحزابِ المُنحرِفَة التي زادَت الطِّين بِلَّة ثُمَّ انْشغلتِ في انتقادِها، وأين غِبتِ عن العراق واليمن وأفغانستان؟.. والأمثلةُ في هذا الباب كثيرة، فلقد غابَت الأُمَّة عن قضَايا الأُمَّة...
ومع كَآبَةِ هذا المَشهَد انتهزَ الروافِضُ الفُرصةَ لِيمسحُوا مِن ذاكِرةِ العَوام ما فعلوه في الأُمَّة، وليُلمِّعُوا صُورتهم البَشِعَة، ويُحقِّقُوا مَصالِحهم الخاصّة التي يُقدِّمُوا مِن أجلِها الدِّماءَ ويَسفِكُوها، وليَركبُوا المَوجَةَ ويَتصدرُوا الأُمَّةَ في وقتٍ غابَت فيه الأُمَّة، ألَا يكونُ في هذا كُلِّه فِتنة لِطلَبةِ العِلمِ فَضلًا عن العَوامِ يا أُولِي الألبَاب؟!، وفِعلًا انقسَمَ النّاسُ على انْقِسامِهم، وتَفرقُوا على تَفرُّقِهم، واختلَفوا في مَواقِفِهم بل حتى في مَشاعِرِهم، انْظروا إلى فَرحةِ النّاس في سُوريا وغيرِها حينمَا قَتلَ يهود قادَة الحِزب اللبناني، وانْظروا إلى فَرحةِ أهل غزَّة وغيرِهم بصوارِيخ إيران الفارِسية التي أُطلِقَت على يهود، أهلُ السُنَّة في سُوريا يرفعُون صُور النِّتن ياهو ويُثنون عليه؛ لأنّه قتلَ قاتِلَهم وسافِك دَمهم..!!، وأهلُ السُنَّة في غزّة وغيرِها يرفعُون صور حسن نصر الله ويَمدحونَه؛ لأنّه نَصرَهم ووقفَ معهم وقت خذلان الأُمَّة لهم..!!
فِتنَةٌ عَمياءٌ صَمَّاء تحتاجُ إلى الكَثيرِ الكَثيرِ مِن الحِكمَةِ وانْتِقَاءِ الألفَاظِ والكَلِماتِ بَل والأوقاتِ المُناسِبة للتَّلفُّظِ بها، ومُخَاطَبَةِ النّاس على قَدْرِ عقولِهم، وتوسيعِ دائرةِ الإعذَار، والتّوقُّف عن تَراشُق التُّهَم وعن السُباب والشتائِم والغضب للنّفس وعن كُلِّ ما يزيد الأُمّة تفرُّقًا، اتَّقوا اللهَ في أنْفسِكُم وفي المُسلمين..
ورغم ذلك لا أظنُّ أنه يُوجَد مِن بين أهلِ السُنّة الصَّادِقين طُلابَ عِلمٍ أو عَوام مَن هو مُتوجِّهٌ إلى مُعتقَد الشِّيعة الفَاسِد، فعقيدةُ الروافِض ومَن شَابههم لا يُمكِن أنْ تُستَسَاغ عند سُنِّيٍّ شَمَّ رائِحَةَ العِلم، ومُلخَّصُ ما يدورُ الآن لا يَخرُج عنْ بابِ السِّياسَة الشَّرعيّة فهو مُنحصِرٌ في المَوقِفِ مِن القِتالِ الدائِر بين الشِّيعةِ واليَهود الذي إنْ استمرَّ سيؤولُ بإذنِ اللهِ تعالَى إلى مَصلحةِ أهلِ السُنَّة..
وإنَّنَا بحاجةٍ مَاسَّةٍ إلى تَوازُنٍ شَرعِيٍّ وعقلِيٍّ عند تناول أيِّ قضيَّةٍ مِن قَضايا الأُمَّةِ المُعَاصِرَة والتي مِنها هذه القَضيّة؛ حتى لا نَرَى في المُقابِل مَشاهِد التَّأييد للنِّتن ياهو ولليهود لأنَّهم قتلوا قادَة الحِزب الشِّيعي، ولِئلَّا يَتطور الأمر فنرَى مَن يُؤيِّد عودَة اليهود إلى المَدينةِ النَّبويّة بِحُجةِ حِمايتها مِن الشِّيعة، ولِئلَّا يَصُب الكَلام والطَّرح في مَصلحةِ الحُكَّام الخَونَة المُوالِين لليهودِ والنَّصارَى وهم في الحَقيقةِ لا سُنّة ولا شِيعة، فانْظرُوا إلى المآلاتِ يرحمُكم الله، وبيِّنوا الحقَّ بهدوءٍ وتَوازُنٍ مع انْتقاءِ أحسن الألفَاظ وفقكُم الله؛ لِئلَّا يكون فيمَا تَطرحُون فِتنة للنّاسِ في هذا الظَّرفِ العَصِيب..
فيا أهلَ العلمِ وطلبته، أيها الدعاةُ الصَّادقون، يا أصحابَ الغَيرَةِ في الأُمَّة:
الوقت وقت جمع الكلِمة على كلمةِ التوحيد، وتوحيد الصَّف على الكِتابِ والسُنّة، ومُواجهة الأعداء بكلِّ قوةٍ وسَبيل، والسَّعي لإعادةِ عِزّة الأُمّة وكرامتها وأمجادها، وعدم ترك المَيدان للمُنحرفين والمُبالَغَة في تمجيدِهم..
رفقًا ببعضِكم البَعض، ذروا الجِدال العَقيم، أغلقِوا مَنافِذ شياطِين الجِن والإنْس، العدل والتجرّد والإنْصاف يرحمكم الله..
لا الذي شَكرَ الشيعةَ الروافِض على موقفِهم مِن غزّةَ مُتشيِّع، ولا الذي ذمَّهم على عقائدِهم الفاسِدة وولوغِهم في دماءِ المسلمين مُتصهين، وخلافُكم هذا يُمكِن ضبطه وتوجيهه فلا تُشعِّبُوه وفقكم الله.
حفظَ اللهُ الأُمّةَ مِن كُلِّ سُوء، ورَدَّ اللهُ أهلَ السُنّة إلى مَكانتِهم رَدًّا جميلًا، اللهمَّ أبرِم لهذه الأُمَّةَ أمْر رُشدٍ يُعَزّ فيه أهل الطاعة ويُهدَى فيه أهل المَعصية ويُنتقَم فيه مِن أهلِ الكُفرِ والنِّفاقِ والطُّغيان.