“الصوم لي وأنا أجزي به”
إن الصوم ركن من أركان الإسلام الخمسة التي لا يكتمل إسلام المرء إلا به، كتبه الله تعالى عزوجل على الأمة المحمدية كما كتبه على من سبقها من الأمم كما قال الله تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ“[1].
فهو من أعظم الطاعات التي يتقرب العبد بها إلى الله سبحانه وتعالى، ويثاب المسلم عليه ثوابا لا حدود له، وبه تغفر الذنوب، وبه يقي الله العبد من النار وبه يستحق العبد دخول الجنان من باب خاص أعد للصائمين وإليه أشار الرسول صلى الله عليه وسلم “إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم…“[2].
وبه يفرح العبد عند فطره وعند لقاء ربه كما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه[3].
الصوم في اللغة هو مطلق الإمساك والإمتناع عن شيء معين، وتركه والإقلاع عنه كالأكل أو الشرب أو الحركة أو الكلام. ومنه قوله تعالى عن مريم البتول عليها السلام: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا[4]،
وشرعا الإمساك عن شيء يعتبر مفطرا من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مع نية الصوم من إنسان هو أهل للصوم وهو المسلم العاقل البالغ الخالي من الحيض والنفاس.
وأما مشروعية الصوم فقد ذكر الإمام الزرقاني رحمه الله أن فرض صيام رمضان كان بعد مضي ليلتين من شهر شعبان في السنة الثانية من الهجرة.
قيل الصوم عموم وخصوص وخصوص الخصوص. فصوم العموم هو كف البطن والفرج وسائر الجوارح عن قصد الشهوة. وصوم الخصوص هو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام. وصوم خصوص الخصوص هو صوم القلب عن الهمم الدنية وكفه عما سوى الله بالكلية ولذا قال حبيبنا صلى الله عليه وسلم: زكاة الجسد الصوم[5].
وقد أحطنا علما بأن للصوم فضائل لا تحصى وقد يكتفي في فضل بهذا الحديث الشريف: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله عز وجل يقول: “كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به” وفي رواية “الصوم لي وأنا أجزي به“[6]. قد خص الله سبحانه وتعالى جزاء الصوم لنفسه لأنه لا يطلع على الصوم إلا الله تعالى بخلاف سائر العبادات فإنه يطلع عليها جميع من دب ودرج في هذا الكون.
وقد ذكر العلماء توجيهات عديدة في معنى هذا الحديث القدسي والمشهور منها معنيان.
الأول: أنه لم تجر عادة من يعبدون من دون الله أن يصرفوا شيء من الصيام إلى معبوداتهم، فهناك عبدة الأصنام والكواكب والقمر والنار فكل ما يعرف من أنواع العبادات قدمت لتلك المعبودات لكن لا يعلم ولم يذكر التاريخ أحدا صرف عبادة الصوم إلى غير الله تعالى عز وجل.
الثاني: إن الإنسان يكون له خصومة في الدنيا فإذا جاء يوم القيامة فتكون الذنوب ما بين العباد بعضهم لبعض وهؤلاء لا بد فيه القصاص لأن الله تعالى يقول: وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [7]، قال بعض أهل العلم أن ما يمكن أن يؤخذ للغريم من غريمه ينال من جميع الحسنات إلا الصوم وهو يبقي محفوظا له ولا يسلط له الغرماء يوم القيامة وإنما يقتص له من حسنات أخر كالصلاة والصدقة والزكاة وبر الوالدين وما إليها فالصوم هو العمل الوحيد الذي لا يؤخذ منه للغير لأن الله تعالى قال الصوم لي وأنا أجزي به.
وبين الرسول صلى الله عليه وسلم فضيلة الصوم وشهر رمضان فقال: لو يعلم الناس ما في شهر رمضان من الخير لتمنت أمتي أن يكون رمضان السنة كلها ولو أذن الله للسموات والأرض أن تتكلما لشهدتا لمن صام رمضان بالجنة.
وقال أيضا: ليس من عبد يصلي في ليلة من شهر رمضان إلا كتب الله له بكل ركعة ألفا وخمسمائة حسنة، وبنى له بيتا في الجنة من ياقوت حمراء له سبعون ألف باب، لكل باب منها مصراعان من ذهب وله بكل سجدة يسجدها شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام.
وروي عن الإمام الزهري رحمه الله تعالى: أن تسبيحة واحدة في شهر رمضان أفضل من ألف تسبيحة في غيره.
الصوم من العبادات العظيمة التي تحمل أجمل أسرار العبودية وأكملها من إخلاص وصدق ومحنة وتضحية والصوم يشتمل أيضا على كثير من الحكم والمصالح التي يجنيها العبد في الدارين، منها:
- تحقيق التقوى التي بها صلاح الدنيا والعاقبة.
- كسر شهوة النفس الضعيفة أن تعتاد على الظفر بكل الملذات والفوز بكل الطيبات فضلا عن المحرمات.
- السلامة من الشيطان بتضييق مجاري الدم عليه فتقل وساوسه أو تنكسر.
- الإحساس بفقر المحتاجين وحاجة البائسين في الجوع.
- التذكير بقيمة النعم الكثيرة عند غيابها أو عدم القدرة على التنعم بها حال وجودها.
- إستشعار الفرق الجلي بين نعيم الدنيا الزائل ونعيم الجنة السرمدي.
7- تطهير النفس من الأنانية والبطر وتهذيبها بعبادة الله تعالى وغير ذلك من الحكم الباهرة التي يمكن تلمسها واستشعارها من الصوم.
نسأل الله تعالى أن يعيننا في شهر رمضان على الصيام والقيام والذكر وتلاوة القرآن، وأن يتقبل منا ومن جميع المسلمين صالح الأعمال. آميــــــــــــن.
[1]سورة البقرة، رقم الآية 183
[2]صحيح البخاري، كتاب بدء الوحي، ج 3، ص 32
[3]صحيح مسلم، باب فضل الصيام، ج 3، ص 158
[4]سورة المريم، رقم الآية 26
[5]سنن ابن ماجة، كتاب الصيام، ج2، ص 631
[6]صحيح مسلم، باب فضل الصيام، ج3، ص158
[7]سورة الكهف، رقم الآية 49
*نقلاً عن موقع منار الإسلام