مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
عملية إنتاج المربي2/2
نتابع في الحلقة الثانية من موضوع عملية إنتاج المربي تلمس العناصر الأساسية المطلوبة لإنتاج المربي الكفء، وهي: ثانياً: الشخصية السوية: فإنه يجب عند اختيار شخصية المربي وتأهيله أن يتصف بسواء الشخصية ووسطيتها، والشخصية السوية هي تلك الشخصية وسطية الانفعال، طبيعية التأثر، سلسة السمات، بادية التدين، قريبة التحاب، تبادلية المشاعر، فهي بالعموم ما ورد في الحديث ’’ المؤمن هين لين هش بش كالأرض الذلول ’’ فهو لا يحتاج إلى تكلف عند معاملته، ولا يشعر من يقترب منه بالشك أو الريبة أو الرغبة في التحفظ منه، يقترب منه الناس عند همومهم وغمومهم فيجليها عنهم ويبث إليه الناس مشكلاتهم ومعضلاتهم فيخففها عنهم، ليس بالفظ الغليظ ولا بالممازح التافه، بطيء الغضب، سريع الفيئة عن الغضب، جدير بثقة الناس فيه، أهل للصداقة والأخوة، والمربي إذا انتكست عناصر شخصيته ساء خلقه وفسدت طباعه ولم يعد قادراً على ممارسة دوره التربوي، فالغضوب مثلاً كثير فقد المحبين، والشكاك يفقد ثقة الناس به وفيه ويمنعهم من القرب منه، والموسوس يخشاه الناس ويتحفظون معه، والمتعالي المتكبر لا أنصار له ولا شيعة، والرعديد الجبان يستهين به الناس ويحتقرونه، وسريع التقلب مع أصدقائه وأقربائه لا صديق له دائم ولا حبيب له مقرب... وهكذا ثالثاً: العلم التطبيقي: روى مالك في الموطأ من حديث معاذ بن جبل: إنما العلم الخشية. فالعلم لا يصير علما إلا عند تطبيقه والعمل به، والذين يحفظون العلوم حفظا ثم لا يطبقونها هم أشبه ما ينطبق عليهم قوله سبحانه عن بني إسرائيل ’’ مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله..’’ كما أن هناك فرقا بين تحصيل العلم للاستظهار والامتحان، وبين تحصيله لتبليغه وتربية الناس عليه: فطالب العلم للامتحان يهتم أساساً بحفظ الألفاظ وضبط الاختلافات، ويغيب عنه الكثير من المعاني والدلالات بينما طالبه لتبليغه وتعليمه تكون بغيته الأولى فضل العلوم ورغبته الترسخ في فهم دلالاتها الخفية، وليس أقوى في ذلك من اتباع طريقة السلف في حفظ العلم عن طريق العمل به، كذلك فيجب أن يستمر المربي في العملية التعليمية بلا انقطاع أو توقف، فـإذا توقف كان إلى الجهل أقرب. قال سعيد بن جبير: ’’لا يزال الرجل عالماً ما تعلَّم، فإذا ترك العلم وظن أنه قد استغنى واكتفى بما عنده فهو أجهل ما يكون’’ ويجب على المربي أن يتقن العلوم المحتاج إليها إتقانا مناسبا (كعلم العقيدة، والفقه، والحديث) حتى إذا قام بدوره في التعليم لم يخطئ ولم يتعلم منه الناس خطأ. رابعاً: البيئة المناسبة للتربية: وأعنى بها تلك البيئة المتاحة أو المصنوعة والتي يمكنها أن تؤثر تأثيرا إيجابيا في تنمية شخصية المربي وتطوير صفاته. وتلك البيئة كما سبق إما أن تكون متاحة (كبيئة المسجد و المدرسة) أو مصنوعة (كبيئة الرحلات والمعسكرات والمخيمات وبيئات الكشافة والبيئات التي تفرضها الظروف الخاصة، وغيره) ولاشك أن للبيئة المنزلية أكبر الأثر على شخصية المربي سلبا وإيجابا، فالبيت الذي يسيطر عليه الجهل والخلق السيئ، وينتشر فيه الغضب والعصبية والتدافع بين أفراد الأسرة الواحدة والتسارع لكسب المال وغيره له أكبر الأثر السيئ على تكوين تلك الشخصية – حتى لو كانت شخصية سوية في أصلها – وعلى الضد فالبيت الذي يغلب عليه العلم والتدين ويتصف أهله بحسن الخلق وحسن العلاقة بين أفراده ليعتبر بيئة تربوية مناسبة للتطوير. وعلى أية حال فينبغي توفير ما يمكننا أن نسميه محاضن تربوية للشخصيات المأمول تخريجها كمربين والمرجو تطوير وتأهيل صفاتهم للقيام بذاك الدور الهام. خامسا: المهارات الخاصة: فإن الأعمال الهامة والمؤثرة التي تنتظر عمل المربي وتأثيره لا يمكن أن تؤتي ثمارها بدون صفات مهارية تتميز بها شخصية ذاك المربي المنوط به العملية التربوية التعليمية ومن هنا كان لزاما على القائم بهذا الدور من أن تتوافر فيه تلك المهارات، ومن أهمها: 1- مهارة فهم الشخصيات وتصنيفها ومعرفة مفاتيحها: وهي مهارة هامة وصعبة في نفس الوقت حيث تتطلب تفهما للتنوع الشخصي والفروق الفردية بين الناس وطبيعة التغيرات المرحلية وصفات وميزات كل مرحلة عمرية، كما تتطلب تفهما لنتاج المزج بين طبيعة المجتمع الذي تتفاعل معه تلك الشخصية وصفاتها الداخلية وما ينتج عن ذلك من تكوينات نفسية قد تؤثر على اختيارات وقرارات كل شخص على حده، ومن هنا تختلف أساليب التعامل مع الشخصيات وتختلف مفاتيح الشخصيات التي على أساسها يتم التوجيه والنصح وتتم عمليات التفريغ الوجداني وغيره..وقد كان النبي _صلى الله عليه وسلم_ ينصح رجلاً يسأله عن النصح بشي يناسب مفاتيح شخصيته في حين ينصح آخر سأله نفس السؤال بنصح مختلف تماما لأن شخصيته مختلفة ومفاتح توجيهه مختلفة ففي الصحيح أن رجلا سأل النبي _صلى الله عليه وسلم_ نصحاً، فقال له:’’ لا تغضب ’’ ثم سأله آخر فقال له: ’’ قل آمنت بالله ثم استقم ’’. ثم سأله آخر، فقال له: ’’أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك ’’.. وهكذا 2- مهارة الحب: وأقصد به مهارة كيف تجعل المتربي يحبك أيها المربي.. كيف تجعله يتعلق بك (لا أعنى بصورة شخصية بحتة) ولكنني أعنى كيف تدخل إلى قلبه لتدخل كلماتك وتوجيهاتك إلى قلبه فور سماعه إياها.. فالحب هو مقدمة القبول للنصح والتوجيه، والنبي _صلى الله عليه وسلم_ لما أراد أن ينصح معاذ بن جبل وكان رديفه على حمار قال له – كما في الصحيحين:’’ يا معاذ والله إني لأحبك فلا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ’’..إن الحب وبلا شك يمثل الخطوة الأولى والهامة في توطيد العلاقة الناجحة بين المربي والمتربي.. والذين يتصفون بالشخصيات الجامدة الغير محبوبة لا يمكن أن يقوموا بعمل المربي.. فالنفعيون والشخصانيون والمنطوون على أنفسهم والذين لا يفرقون بين معاملة الناس حسب اختلاف نوعياتهم.. أولئك يتحتم عليهم الفشل الذريع ولاشك في العملية التربوية.. 3- مهارة التوجيه والنصح وبث الدافعية للإنجاز: وهي مهارة أخرى ولاشك، قد يستهين بها البعض إلا أن العملية التربوية لا تتم بدونها، فكثير هم الذين يتصفون بالعلم ويجمعونه من أطرافه ولكن قليل هم الذين يستطيعون بثه للناس، وأمتنا لا تشتكي من قلة الخطباء ولا الناصحين ولا الموجهين.. فهم كثر.. إنما تشتكي الأمة ممن يسمع لهم وتفتح لهم القلوب ويعلمون كيف ينصحون الناس ويوجهونهم ويدفعونهم نحو إيجابية السلوك.. ولنا نموذج عملي فائق النجاح من فعله _صلى الله عليه وسلم_ يوم أن جاءه شاب يسأله أن يرخص له في الزنا..فما زال النبي _صلى الله عليه وسلم_ به حتى قال: ’’ لقد جئتك يا رسول الله وما من شيء أحب إلى قلبي من الزنا وأنا الآن لا أبغض شيئا بغضي له ’’ فانظر إلى المعلم العظيم والمربي المكرم _صلى الله عليه وسلم_ كيف هدى الله به الأمم..
.المسلم
أضافة تعليق