مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
مدرسة قيام الليل1/2
نها المدرسة التي تخرج منها عظماء الإسلام، رهبان الليل وهم فرسان النهار، صفوا أقدامهم بين يدي الله في جوف الليل حيث لا يعلم بهم أحد إلا الله، وسقطت دموعهم على خدودهم تغسل قلوبهم.
لجؤوا إلى ربهم فرارًا وإنابة واعترافًا بحقه سبحانه عليهم، رجاء رضاه، فرضي عنهم، وأورثهم وضاءة في وجوههم، وأنوارًا في جوارحهم، واستقامة في أعمالهم، وإخلاصًا في قلوبهم، وفراسة في سرائرهم...

فهم يرون بنور الله سبحانه، ويتمتعون بلذة الصلاة في جوف الليل أكثر مما يتمتع أهل اللهو بأحب لهو إليهم، فصارت الصلاة في جوف الليل من أكبر القيم في حياتهم ومن أثبت الأعمال التي يداومون عليها، بل صارت كجزء لا يتجزأ من قلوبهم، فترى قلوبهم تضطرب شوقًا لصلاة الليل، وترفرف فرحًا بقدوم الليل لأنها ستقف بين يدي ربها مطمئنة خاشعة منيبة.


1ـ ليلُنا وليلهم، ما الفرق بينهما؟!
وإنا إذا أردنا مقارنة ليلنا بليل الصالحين، أصابتنا الصدمة الكبرى والفجعة الموجعة والألم الشديد.
فليلنا لهو وليلهم ذكر، وليلنا نوم وليلهم قيام، وليلنا لغو وليلهم سجود، وليلنا سهو وليلهم بكاء، وليلنا ضحك وليلهم توبة، {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنعام: 81].


إن حياتهم - رضي الله عنهم - كانت في الليل إشفاقًا وفي النهار إنفاقًا، وحالنا غطيط في الليل يسمعه القاصي قبل الداني، وشح بالنهار أوصلنا للصراع على الدرهم والدينار والجنيه والريال واليورو والدولار!! فأي فرق بين الحياتين؟! {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24].


إن أسرار القرآن كانت تبوح لهم في الليل، والخوف والرجاء يتسابقان إليهم في الدجى، أما نحن.. فالليل لنا مأوى المعاصي والذنوب، وقلَّ فينا تائب إذا أقبل الليل أن يتوب!
* في صحيح مسلم أن عائشة - _رضي الله عنها_ - سئلت: متى يقوم الرسول ’’_صلى الله عليه وسلم_’’؟ قالت: كان إذا سمع الصارخ وثب، تقول: وثب ولم تقل قام...


ونحن ما ننتفع بالصارخ - الديك - إلا إذا ذبحناه وشربنا مرقه؟! فلذلك ما أحبنا الديك!! وكأنه غيَّر موعد الصياح، أو أدركته هو الآخر الغفلة!


2ـ وصف أهل الليل من القرآن:
قال الله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ} [الزمر:9].
وقال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ. كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ. وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:15 - 18].
وقال تعالى: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ. يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: 113، 114].
وقال تعالى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ. تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ. فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 15ـ 17].


3ـ عقدةٌ أما لها من حل؟
* عن أبي هريرة _رضي الله عنه_ أن رسول الله ’’_صلى الله عليه وسلم_’’ قال: (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله تعالى انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقده كلها فأصبح نشيطًا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان) (1)، وفي رواية: (فيصبح نشيطًا طيب النفس قد أصاب خيرًا، وإن لم يفعل أصبح كسلانًا خبيث النفس لم يصب خيرًا)(2).
وعن جابر بن عبد الله _رضي الله عنهما_ قال: قال رسول الله ’’_صلى الله عليه وسلم_’’: (ما من ذكر ولا أنثى إلا على رأسه جرير معقود حين يرقد بالليل، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، وإذا قام فتوضأ وصلى انحلت العقد وأصبح خفيفًا طيب النفس قد أصاب خيرًا)(3).

قال الألباني رحمه الله: ’’في تفسير العقد أقوال، والأقرب أنه على حقيقته، بمعنى السحر للإنسان ومنعه من القيام، كما يعقد الساحر مَن سَحَره، كما أخبر بذلك المولى تعالى ذكره في كتابه: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} فالذي خُذِل يعمل فيه والذي وفق يصرف عنه’’(4).


فهي عقد يعقدها الشيطان على مؤخرة رءوس الناس إن هم ناموا، وهدف الشيطان ومراده أن ينام الناس طول ليلهم فلا يقوموا ليذكروا الله سبحانه بالليل أو ليقيموا الصلاة.


وهذه العقد التي يعقدها الشيطان على مؤخرة الرأس، إنما تؤثر فيمن خذل ولم يوفق للطاعة، وهي لا تؤثر فيمن هدي ووفق للطاعة، وأمام كل إنسان نائم ثلاث عقد كثلاث جدر تحول بينه وبين النشاط والعبادة وطيب النفس.


فالأولى تنحل إذا استيقظ فذكر الله فور استيقاظه، والثانية تنحل إذا هو قام من فوره فتوضأ، والثالثة تنحل إذا هو كبر وبدأ في صلاته، وإذا انحلت عقده الثلاث أصبح نشيطًا بغير مُعوق ولا مُثبط ولا مُكسل ولا مُثقل، وأصبح طيب النفس بغير اكتئاب ولا هم ولا ضيق ولا حزن، فيسهل عليه عندئذ أن يصيب من الخير ويفعل الصالحات.


وإن لم يفعل وظل نائمًا فضيع وقت الليل وجوفه وضيع وقت السحر ثقلت مهمته للقيام لصلاة الفجر وصعبت عليه، فإن لم يقم ليصلي الفريضة فلا عجب عندئذ أن يصبح خبيث النفس قد طالته الهموم والأحزان، وقد ضاق صدره واسود وجهه وصعبت عليه الطاعات، بل يكاد أن يضيق من الصالحات ثم هو لم يصب خيرًا.


فمن تأمل في هذا الحديث العظيم وجد أنه هدية من رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يهديها لكل عبد صالح فيعلمه ما لا يمكن أن يتعلمه بغير الوحي، ويزيح له الستار عما يحدث له بغير أن يرى أو يشعر ويرشده للتغلب على تلك المعوقات ويدله على مفتاح النشاط وطيب النفس والإقبال على الله.


فأي إخلاص في نصح الأمة هذا الإخلاص، وأي حرص على هدايتها هذا الحرص؟ والله إني لأحبك يا رسول الله فوق نفسي وأهلي ومالي والناس أجمعين، _صلى الله عليه وسلم_.


قال الله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128].
4 ـ النبي ’’_صلى الله عليه وسلم_’’ يدعونا لقيام الليل، فهل من مجيب؟
* عن أبي هريرة _رضي الله عنه_ قال: قال رسول الله ’’_صلى الله عليه وسلم_’’: (أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل) (5).


* وعن عبد الله بن سلام _رضي الله عنه_ قال: أول ما قدم رسول الله ’’_صلى الله عليه وسلم_’’ انجفل الناس إليه، فكنت فيمن جاءه، فلما تأملت وجهه واستبنته، عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، قال: فكان أول ما سمعت من كلامه أنه قال: (أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام) (6).


* وعن أبي هريرة _رضي الله عنه_ قال: قال رسول الله ’’_صلى الله عليه وسلم_’’: (رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء) (7).


* وعن علي _رضي الله عنه_ أن النبي ’’_صلى الله عليه وسلم_’’ طرقه وفاطمة ليلاً، فقال: (ألا تصليان؟)(8).
5ـ النبي _صلى الله عليه وسلم_ وقيام الليل:


* عن عائشة _رضي الله عنها_ قالت: كان النبي ’’_صلى الله عليه وسلم_’’ يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقلت له: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: (أفلا أكون عبدًا شكورًا) (9).
* وعن أنس _رضي الله عنه_ قال: كان رسول الله ’’_صلى الله عليه وسلم_’’ يفطر من الشهر حتى نظن أن لا يصوم منه، ويصوم حتى نظن أن لا يفطر منه شيئًا، وكان لا تشاء أن تراه من الليل مصليًا إلا رأيته ولا نائمًا إلا رأيته’’(10).
* وعن عائشة _رضي الله عنها_ أن رسول الله ’’_صلى الله عليه وسلم_’’ كان يصلي إحدى عشرة ركعة - تعني في الليل - يسجد السجدة من ذلك قدر ما يقرأ أحدكم خمسين
آية، قبل أن يرفع رأسه، ويركع ركعتين قبل صلاة الفجر، ثم يضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المنادي للصلاة’’(11).


* وعن عائشة _رضي الله عنها_ قالت: ما كان رسول الله ’’_صلى الله عليه وسلم_’’ يزيد - في رمضان ولا في غيره - على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثًا، فقلت يا رسول الله: أتنام قبل أن توتر؟ فقال: (يا عائشة، إن عينيّ تنامان، ولا ينام قلبي)’’ (12).


* وعن عائشة _رضي الله عنها_ أن النبي ’’_صلى الله عليه وسلم_’’ كان ينام أول الليل ويقوم آخره فيصلي(13).
* وعن جابر _رضي الله عنه_ قال: سئل رسول الله ’’_صلى الله عليه وسلم_’’: أي الصلاة أفضل؟ قال: (طول القنوت)(14).


* وعن حذيفة _رضي الله عنه_ قال: صليت مع النبي ’’_صلى الله عليه وسلم_’’ ذات ليلة، فافتتح البقرة فقلت: يركع بعد المئة، ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مُترسِّلاً، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع فجعل يقول: (سبحان ربي العظيم)، فكان ركوعه نحوًا من قيامه، ثم قال: (سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد)، ثم قام طويلاً قريبًا مما ركع، ثم سجد فقال: (سبحان ربي الأعلى) فكان سجوده قريبًا من قيامه(15).

6ـ ثواب قيام الليل وأجره:
* عن أبي مالك الأشعري _رضي الله عنه_ عن النبي ’’_صلى الله عليه وسلم_’’ قال: (إن في الجنة غرفًا يُرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها الله لمن أطعم الطعام وأفشى السلام وصلى بالليل والناس نيام) (16).
* وعن جابر _رضي الله عنه_ قال: سمعت رسول الله ’’_صلى الله عليه وسلم_’’ يقول: (إن في الليل لساعة، لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله تعالى خيرًا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة) (17).


* وعن أبي أمامة الباهلي _رضي الله عنه_ عن رسول الله ’’_صلى الله عليه وسلم_’’ قال: (عليكم بقيام الليل؛ فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم) (18).


* عن أبي سعيد _رضي الله عنه_ قال: قال رسول الله ’’_صلى الله عليه وسلم_’’: (من استيقظ من الليل وأيقظ أهله فصليا ركعتين - زاد النسائي: جميعًا - كتبا من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات) (19).


* وعن أبي الدرداء _رضي الله عنه_ عن النبي ’’_صلى الله عليه وسلم_’’ قال: (ثلاثة يحبهم الله ويضحك إليهم ويستبشر بهم: الذي إذا انشكفت فئة قاتل وراءها بنفسه لله عز وجل، فإما أن يقتل، وإما أن ينصره الله ويكفيه، فيقول: انظروا إلى عبدي هذا كيف صبر لي بنفسه؟ والذي له امرأة حسنة وفراش لين حسن فيقوم من الليل، فيقول: يَذَرُ شهوته ويذكرني ولو شاء رقد، والذي إذا كان في سفر وكان معه ركب فسهروا ثم هجعوا، فقام من السحر في ضراء وسراء) (20).


* وعن ابن مسعود _رضي الله عنه_ عن النبي ’’_صلى الله عليه وسلم_’’ قال: (عجب ربنا من رجلين: رجل ثار عن وطائه ولحافه، من بين أهله وحبِّه إلى صلاته، فيقول الله جل وعلا: أيا ملائكتي، انظروا إلى عبدي ثار عن فراشه ووطائه من بين حبه وأهله إلى صلاته، رغبة فيما عندي، وشفقة مما عندي. ورجل غزا في سبيل الله وانهزم أصحابه، وعلم ما عليه في الانهزام، وما له في الرجوع، فرجع حتى يهريق دمه، فيقول الله لملائكته: انظروا إلى عبدي، رجع رجاءً فيما عندي، وشفقة مما عندي حتى يهريق دمه) (21).


* وفي رواية: (إن الله ليضحك إلى رجلين: رجل قام في ليلة باردة من فراشه ولحافه ودثاره فتوضأ ثم قام إلى الصلاة، فيقول الله عز وجل لملائكته: ما حمل عبدي هذا على ما صنع؟ فيقولون: ربنا رجاء ما عندك، وشفقة مما عندك، فيقول: فإني قد أعطيته ما رجا وأمنته مما يخاف...) (22).


* وعن عمرو بن عنبسة _رضي الله عنه_ أنه سمع النبي ’’_صلى الله عليه وسلم_’’ يقول: (أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله تعالى في تلك الساعة فكن) (23).

* وعن عبد الله بن عمرو بن العاص _رضي الله عنه_ما قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ : (من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمئة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقَنْطرين) (24).


7ـ تحذير النبي ’’_صلى الله عليه وسلم_’’ من ترك الصلاة بالليل:
* عن ابن مسعود _رضي الله عنه_ قال: ذكر عند النبي ’’_صلى الله عليه وسلم_’’ رجلٌ نام ليلة حتى أصبح، قال: (ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه) (25).


* وعن عبد الله بن عمرو بن العاص _رضي الله عنه_ما قال : قال لي رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: (يا عبد الله، لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل فترك قيام الليل) (26).


* وعن أبي هريرة _رضي الله عنه_ قال: قال رسول الله ’’_صلى الله عليه وسلم_’’: (إن الله يبغض كل جعظري جواظ، صخاب في الأسواق، جيفة بالليل، حمار بالنهار، عالمٌ بأمر الدنيا، جاهلٌ بأمر الآخرة) (27).
* وعن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_م عن أبيه أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قال: (نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي بالليل)، قال سالم: فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً(28).


8ـ ليل الصالحين(29):
قال الفضيل بن عياض: أدركت أقوامًا يستحيون من الله في سواد الليل من طول الهجعة، إنما هو على الجنب، فإذا تحرك قال: ليس هذا لك، قومي خذي حظك من الآخرة.
قال الحسن: ما نعلم عملاً أشد من مكابدة الليل ونفقة المال، فقيل له: ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوهًا؟ قال: لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نورًا من نوره.
وعن ثابت البناني قال: ما شيء أجده في قلبي ألذ عندي من قيام الليل.
وكان شداد بن أوس إذا دخل الفراش يتقلب على فراشه لا يأتيه النوم، فيقول: اللهم إن النار أذهبت النوم، فيقوم فيصلي حتى يصبح.
قال عمرو بن ذر: لما رأى العابدون الليل قد هجم عليهم، ونظروا إلى أهل الغفلة قد سكنوا إلى فرشهم ورجعوا إلى ملاذهم من النوم، قاموا إلى الله فرحين مستبشرين بما قد وهب لهم من حسن عادة السهر وطول التهجد، فاستقبلوا الليل بأبدانهم وباشروا الأرض بصفاح وجوههم، فانقضى عنهم الليل وما انقضت لذتهم من التلاوة، ولا ملَّت أبدانهم من طول العبادة، فأصبح الفريقان وقد ولَّى عنهم الليل بربح وغبن، أصبح هؤلاء قد ملوا النوم والراحة، وأصبح هؤلاء متطلعين إلى مجيء الليل للعادة، شتان ما بين الفريقين.
وقال مالك بن دينار: لو استطعت أن لا أنام لم أنم، مخافة أن ينزل العذاب وأنا نائم، ولو وجدت أعوانًا لفرقتهم ينادون في منار الدنيا كلها: يا أيها الناس: النار، النار.
وقال إبراهيم بن شماس: كنت أعرف أحمد بن حنبل وهو غلام، وهو يحيي الليل.
وكان عمرو بن دينار يجزئ الليل ثلاثة أجزاء: ثلثًا ينام، وثلثًا يدرس حديثه، وثلثًا يصلي.
وكان طاوس إذا اضطجع على فراشه يتقلى عليه كما تتقلى الحبة على المقلاة، ثم يثب ويصلي إلى الصباح ويقول: طيَّر ذكر جهنم نوم العابدين.


وقيل للأحنف: إنك كبير، والصوم يضعفك، قال: إني أعده لسفر طويل، وكانت عامة صلاة الأحنف بالليل، وكان يضع أصبعه على المصابيح ثم يقول: حَسِّ، ويقول: ما حملك يا أحنف على أن صنعت كذا يوم كذا؟
وذكر الذهبي عن أسد بن عمرو، أن أبا حنيفة رحمه الله صلى العشاء والصبح بوضوء - واحد - أربعين سنة.
وذكر الذهبي عن موسى بن طريف: كانت الجارية تفرش لعلي بن بكار(30)، فيلمسه بيده ويقول: والله إنك لطيب، والله إنك لبارد، والله لا علوتك الليلة، وكان يصلي الفجر بوضوء العتمة.
وفي كتاب الزهد للإمام أحمد: وكان عثمان - _رضي الله عنه_ - يصوم النهار ويقوم الليل إلا هجعة من أوله.
وقـال الذهبي: قال محمد بن يحيى بن منده: لم يُحدِّث ببلدنا منذ أربعين سنة أوثق من أحمد بن مهدي(31)، وصنف ’’المسند’’ ولم يعرف له فراش منذ أربعين سنة، صاحب عبادة، رحمه الله. ....


( يتبع ...)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري رقم 1091، أبواب التهجد، ومسلم 776/ مسافرين/ باب ما روي فيمن نام الليل حتى أصبح، وقافية الرأس: مؤخرة الرأس.
(2) أخرجه ابن ماجه وهو صحيح. (انظر: صحيح الترغيب والترهيب رقم 609).
(3) رواه ابن خزيمة في صحيحه، وهو صحيح. (انظر: صحيح الترغيب والترهيب رقم 610)، والجرير: هو الحبل.
(4) صحيح الترغيب والترهيب للألباني، ص252، ج1.
(5) رواه مسلم 2/ صيام/ 821/ ح202.
(6) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، ورواه ابن ماجه وإسناده صحيح، (صحيح الترغيب والترهيب رقم 613)، وانجفل يعني أسرع.
(7) رواه أبو داود والنسائي وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم 621.
(8) متفق عليه (وطرقه: يعني أتاه ليلاً) البخاري 3/ ح1127/ فتح، ومسلم 1/ مسافرين/ 206.
(9) متفق عليه، البخاري 8/ ح4836/ فتح، ومسلم 4/ منافقين/ 2171/ ح79.
(10) رواه البخاري 3/ ح1141/ فتح.
(11) رواه البخاري 2/ ح994/ فتح.
(12) متفق عليه، البخاري 3/ ح1147/ فتح، ومسلم 1/ مسافرين/ 5090/ ح125.
(13) متفق عليه، البخاري 3/ ح1146/ فتح، ومسلم 1/ مسافرين/ 510/ ح129.
(14) رواه مسلم 1/ مسافرين/ 520/ ح165. (والقنوت يعني القيام).
(15) رواه مسلم 1/ مسافرين/ 536، 537/ ح203.
(16) رواه ابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم 614.
(17) رواه مسلم 1/ مسافرين/ 521/ ح166، ورواه أحمد في مسنده.
(18) رواه الترمذي وحسنه الألباني (ترغيب برقم 620).
(19) رواه أبو داود 2/ ح1309، والنسائي وابن ماجه وصححه الألباني (ترغيب 622).
(20) رواه الطبراني وحسنه الألباني (صحيح الترغيب والترهيب برقم 625).
(21) رواه أحمد وحسنه الألباني (ترغيب 626).
(22) رواه الطبراني وحسنه الألباني (ترغيب 626).
(23) رواه الترمذي وصححه الألباني (ترغيب 624).
(24) رواه أبو داود وحسنه الألباني، وقال الألباني: ’’قال الحافظ: من سورة تبارك إلى آخر القرآن ألف آية والله أعلم. (ترغيب جـ1، ص262، حديث رقم 635).
(25) متفق عليه (البخاري 6/ ح3270/ فتح)، ومسلم (1/ مسافرين/ 537/ ح205).
(26) متفق عليه (البخاري 3/ ح1152/ فتح)، ومسلم (2/ صيام/ 814/ ح185).
(27) رواه ابن حبان وحسنه الألباني (ترغيب رقم 645).
(28) متفق عليه (البخاري 3/ ح1122/ فتح)، ومسلم (4/ فضائل/ 1927/ ح140).
(29) هذه الآثار: راجع فيها: تهذيب سير أعلام النبلاء، روضة الزاهدين، أين نحن من أخلاق السلف.
(30) قال الذهبي: علي بن بكار: الإمام الرباني العابد أبو الحسن البصري الزاهد، مات سنة 207هـ.
.المسلم
أضافة تعليق