هناك من يرون أعمالهم على عكس ما هي عليه، حيث يرون ما يقومون به من شر خيرا محضا، ومن جور إنصافا صرفا، ومن ضلال هدى خالصا، ومن سيئة حسنة صريحة، بل ويرونها أفضل مما يقوم به غيرهم، وما هم عليه من قوة وثراء وجبروت، لأكبر دليل على ذلك، سواء كانت أعمالهم هذه في مجال العقائد والإيديولوجيات أو في مجال مقتضيات الحياة ومتطلبات المعيشة، وكل ما يعملونه من عمل، يحسبون أنهم محسنون في صنعه، وأنهم على شيء من الحق، قال تعالى في سورة المجادلة آية 18 ( ويحسبون أنهم على شيء ) بل من هؤلاء أيضا من يفسد في الأرض ويسفك فيها الدماء، ويعتقد أنه يفعل الصواب، بل ويعتقد بأن ما يقوم به هو من مصاف الأمور العظيمة والمهمة. ويا لها من انتكاسة في العقل والفكر، وزوغان في البصر، أن يظن المبطل أنه محق، والمخطئ أنه مصيب، والضال أنه مهتد، وأن يرى قبيح عمله روائع يجب إن يشدو بها، قال الله تعالى ( قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ) الكهف 104 نزلت هذه الآية في أهل الكتاب، ولأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فإنها تنطبق على كل فرد أو جماعة من أبناء أمة الإسلام، أو من غيرها من الأمم، طالما حادوا عن الصواب وانقادوا للشيطان، وأطاعوه فيما يزينه ويحسنه لهم من أعمال وما يسبقها من فكر وعزم، ويحسبون أنهم يحسنون صنعا، بل وعلى هدى أيضا، قال تعالى في سورة الأعراف آية 30 ( إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون ) فليس من كان على بصيرة من ربه، يميز بها بين الحق والباطل، وبين الصواب والخطأ، وبين الرشاد والغي، كمن زين له الشيطان سوء عمله فرأى السيئة حسنة والباطل حقا، واتبع ما تمليه عليه أهواؤه، قال تعالى ( أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم ) محمد 14
بداية تزين الشيء يعني: تحسينه وتجميله في عيون من يراه، وما يتبع ذلك من ترغيب النفس فيه وإقبالها عليه، فمن الناس من حسن لهم أعمالهم السيئة فرأوها حسنة، وحببت إليهم، فاستمروا على فعلها، ويرتكبون ما يرتكبونه من قبائح، ظنا منهم أنها محاسن، وما هذا إلا لمشيئة الله عز وجل، فهو وحده الذي يضل من يشاء إضلاله، ويهدي من يشاء هدايته، قال تعالى ( أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء ) فاطر 8 وقال جلا وعلا في سورة النمل آية 4 ( إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم ) فالله عز وجل بين لعباده السيئ من الحسن وعرفه لهم، فإن هم اختاروا القبيح وأحبوه ورضوه لأنفسهم، زينه سبحانه وتعالى لهم، وأعماهم عن رؤية قبح أعمالهم، عقوبة لهم. وكل ظالم وفاجر وفاسق لا بد أن يريه الله تعالى ظلمه وفجوره وفسقه قبيحا، فإذا تمادى فيه، ارتفعت رؤية قبحه من قلبه، فرآه حسنا عقوبة له. قال عز وجل ( كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم يرجعون فينبئهم بما كانوا يعملون ) سورة الأنعام 108 أي زينا لكل أمة عملهم، من الخير والشر، والطاعة والمعصية، ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم ويجازيهم بما كانوا يعملون، ولا يمكن لبشر مهما أوتي من الفطنة والذكاء، والعلم والفهم، أن يحيط علما، بحكمة الله تعالى في خلقه وأمره، وقضائه وقدره، ولقصور مدارك البشر، تجدهم يحسبون أعمالهم السيئة حسنة. وعلى الجانب الآخر فقد حبب الله تعالى الإيمان وزينه في قلوب عباده الذين آتاهم رشدهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، قال تعالى ( ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون ) الحجرات 7
وللشيطان دور في تزيين الأعمال، قال تعالى في سورة الحجر الآيات 39 -42 ( قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منه المخلصين قال هذا صراط علي مستقيم إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين ) الحجر 39- 42 قال إبليس: لأحسن لهم في الأرض حب الدنيا وإيثارها على الأخرى، وأحبب الشهوات إلى نفوسهم حتى يتبعوها، ولأزين لهم المعاصي والسيئات، وأحسن لهم القبيح، وأجمل لهم المنكر، وأصرفهم عن طاعتك، ولأعملن على إضلالهم إلا عبادك منهم المخلصين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن إبليس قال يا رب وعزتك وجلالك لا أزال أغوي بني آدم مادامت أرواحهم في أجسامهم فقال الرب وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني ) وهذا إصرار من الشيطان على غوايته للناس أجمعين، إلا عباد الله المخلصين منهم، ويقابله من المولى عز وجل مغفرة لمن تاب وأناب وعاد إلى ربه مستغفرا. وقال عز وجل ( وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون ) الأنعام 43 وقال ( وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم ) الأنفال 48 وقال ( وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون ) النمل 24 وقال تعالى ( أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا ) فاطر 8 والشيطان ليس له سلطان على الذين آمنوا، إنما سلطانه على الذين يتولونه، قال تعالى ( إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون ) النحل 99 -100
والكفر هو أسوأ السوء، وهو مع سوئه مزين لأصحابه، فما أعظمه من ضلال، وما أشده من انحراف واعوجاج، حين يكون أسوأ السوء، وأقبح القبح، وشر الشر، حسنا في نفس صاحبه، قال تعالى في سورة الأنعام آية122 (كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون ) ويزين الشيطان أعمالهم لهم، حتى يستحسنوها ويروها حقا، ويصير ذلك عقيدة في قلوبهم، وصفة راسخة ملازمة لهم، فيرضوا بما هم عليه من الشر والقبح، وقال تعالى ( زين للذين كفروا الحياة الدنيا ) البقرة 212 حسن لهم الحياة الدنيا وما فيها من الشهوات والملذات، وما فيها من متع زائلة، وملذات منقطعة، وأحبوها وتهافتوا عليها، تهافت الفراش على النار، وصارت متعها وشهواتها كل تفكيرهم، زينت لهم في أعينهم وقلوبهم، فرضوا بها واطمأنوا بها، وصارت أهواؤهم وإرادتهم وأعمالهم كلها، لها فأقبلوا عليه، وأكبوا على تحصيلها، وعظموها وعظموا من شاركهم في صنيعهم، وقال تعالى ( بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل ) الرعد 33 أي زين للكافرين مكرهم وما هم عليه من ضلال وصد عن إتباع طريق الرسل، وقال تعالى ( ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون ) الأنعام 43 وقال تعالى ( تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك وزين لهم الشيطان أعمالهم ) النحل 63 لقد أرسلنا رسلا إلى أمم كثيرة من قبلك واستحوذ الشيطان على نفوس هؤلاء المرسل إليهم، وحسن لهم ما عملوه من الكفر والتكذيب وعبادة غير الله، وصار وليهم في الدنيا فأطاعوه واتبعوه وتولوه، وجعلهم يقفون من رسلهم موقف المكذبون لأقوالهم، المعرضون عن إرشاداتهم، المحاربون لدعواتهم، وزين لهم أفعالهم السيئة القبيحة وأعمالهم الخبيثة، وكل ما كانوا يعملونه من المعاصي ويأتونه من الشرك، وزعموا أن ما هم عليه هو عين الصواب، وهو الحق المنجي من كل مكروه، وأن ما دعت إليه الرسل فهو بخلاف ذلك، وعلى سبيل المثال لا الحصر، زين لقوم إبراهيم عبادة الأصنام ولقوم لوط فعل الفاحشة ولقوم شعيب الغش في الكيل والميزان، ولقوم عاد وثمود ما كانوا عليه، قال تعالى ( وعادا وثمودا وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل ) العنكبوت 38 وقال تعالى في سورة النمل آية 24 على لسان الهدهد في وصف حال ملكة سبأ ( وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم ). وفرعون رمز الطغيان البشري، ومثل لأشد أنواع الكفر، الذي ادعى الربوبية لنفسه، حين قال: ما علمت لكم من إله غيري، زين له حين عتا وتمرد قبيح عمله فرآه حسنا، وصد عن سبيل الحق، وإيهام الناس أنه محق وموسى مبطل، قال تعالى ( وكذلك زين لفرعون سوء عمله ) غافر 37. فعاقبه الله وجنوده بالغرق، وجعل بدنه عبرة إلى يوم الدين لمن على شاكلته من البشر. ومن صور تزيين الشيطان للأعمال، ما كان عليه العرب في الجاهلية من تحريم أربعة أشهر من السنة عددا لا تحديدا، بأسماء الأشهر التي حرمها الله، فيؤخرون بعضها أو يقدمونه، ويجعلون مكانه من أشهر الحل ما أرادوا حسب حاجتهم للقتال، وقد وصف القرآن الكريم فعلهم هذا بأنه زيادة في الكفر، يضل به الشيطان الذين كفروا، قال تعالى ( إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين ) التوبة 37 ومن تلك الصور أيضا، قوله عز وجل في سورة الأنفال آية 48 ( وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني برئ منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب ) أي واذكروا حين حسن الشيطان للمشركين ما جاؤوا له وما هموا به، وقال لهم لن يغلبكم أحد اليوم، فإني ناصركم، فتهيأوا لذلك، ولما تقابل الفريقان المشركون ومعهم الشيطان، والمسلمون ومعهم الملائكة، نكص الشيطان على عقبيه مدبرا، وقال للمشركين إني براء منكم، إني أرى ما لا ترون من الملائكة الذين جاؤوا مددا للمسلمين، إني أخاف الله، فخذلهم وتبرأ منهم، وذهب ما حسنه لهم هباء منثورا. وفي مقام آخر قال تعالى ( بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء ) الفتح 12 وزين لهم الشيطان أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا، فقد توهموا أن الرسول والمؤمنين سيقتلون على يد أعدائهم، ولن يعودوا إلى أهليهم أبدا، وهذا الظن الفاسد في قلوبهم وتمكينه من نفوسهم، جعلهم يقبعون في ديارهم، ويعتذرون اعتذارا كاذبا بانشغالهم بأموالهم وأهليهم، وتعمدوا الكذب وتفوهوا بالكلام الذي لا تؤيده قلوبهم، وقد ذمهم الله وتوعدهم بسوء المصير لظنهم هذا، وقال تعالى فيمن زين لهم الشيطان قتل أولادهم ظلما وعدوانا، وقالوا في هذا قتل البنت خشية العار، وفي قتل الولد خشية الحاجة والفقر، قال عز وجل في سورة الأنعام آية 137 ( وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ) فنهاهم الله عن ذلك، وقال ( ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ) الأنعام 151.
وفي إخباره عز وجلا عن طبيعة الإنسان إذا مسه ضر، من مرض أو مصيبة، اجتهد في الدعاء، وسأل الله في جميع أحواله، قائما قاعدا مضطجعا، ولما يكشف الله عنه الضر، ويدفعه عنه، يستمر في غفلته معرضا عن ربه، كأنه لم تنزل به كروب، ومستثني من ذلك من رزقه الله الهداية والسداد والتوفيق، قال تعالى (كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون ) يونس 12 وفي الحديث الشريف ( تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ) وفي حديث آخر ( من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد فليكثر من الدعاء عند الرخاء ) وعن من يحسبون بخلهم ومنعهم ما عندهم، مما آتاهم الله من فضله، من مال وجاه وعلم وغير ذلك، ومما أمرهم ببذل ما لا يضرهم منه لعباده، فبخلوا به وأمسكوه وضنوا به على عباد الله، وظنوا أنه خير لهم، بل الأمر على عكس ظنهم، فهو شر لهم في دينهم ودنياهم وعاجلهم وآجلهم، قال تعالى ( ولا يحسبن الذين يبخلون بما أتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ) آل عمران 180
ولقرناء السوء، بما لديهم من قدرات ووسائل، والتي من شأنها أن تصد الإنسان عن الطريق المستقيم، وعن طريق الحق والصواب، دور في تزيين أعمال وزخرفة أقول أقرنائهم، قال تعالى ( وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والأنس إنهم كانوا خاسرين ) فصلت 25 أي هيأنا لهؤلاء قرناء فاسدين يلازمونهم، فزينوا لهم قبائح أعمالهم. فما بالكم إذ كان هذا القرين هو الشيطان ذاته، فمن يعرض عن ذكر الله، ولم يهتد بهدايته، ولم يخف عقابه، يجعل له شيطانا في الدنيا مصاحبا وملازما له، يغويه فيمنعه الحلال ويبعثه على الحرام، قال تعالى ( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ) الزخرف 36 ومن يكن الشيطان له صاحبا وملازما فساء صاحبا ( ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا ) النساء 38 وقال تعالى ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) الزخرف 67 أي كل صداقة وصحابة لغير الله فإنها تنقلب يوم القيمة عداوة، وقال تعالى ( ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم اتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا ) الفرقان 27 -29
وخلاصة الحديث أن الشيطان لم يترك مجالا من مجالات الحياة يخوضه الإنسان فردا أو جماعة، إلا وزين له سوء عمله فيراه حسنا، فيعجب بنفسه وبكل ما يصدر عنها، ويفتن بكل ما يتعلق بذاته، وينتابه شعور بأنه لا يخطئ أبدأ وأنه دائما على صواب، فلا يراجع نفسه في شيء ولا يحاسبها على أمر، وبالتالي لا يطيق أن يراجعه أحد في عمل يعمله، أو في رأي يراه، وبهذا يتمادى فيما هو عليه من ضلال، إلى ما شاء الله، أما الذي يكتب الله له الهدى، فهو على النقيض من ذلك فهو دائم مراقبته لله في أقواله وأفعاله، ودائما نفسه اللوامة مستيقظة لتحركاته تنبه لتصرفاته، ودائما يخشى ربه ويخاف سوء الحساب، ويدرأ بالحسنة السيئة، وهذا هو مفترق الطرق بين الهدى والضلال، وبين الفلاح والبوار. كما بينت الآيات، ما أشرنا إليه في أول المقال، في أن ما هو عليه البعض ممن عصوا الله، من مال وبنون وبحبوحة من نعم الله، ليس لخير فيهم يستحقونه، ولا لرضا من الله عليهم، ولا تكريما لهم، فليس الأمر كما يظنون، وإنما هو إملاء واستدراج لهم، لكنهم لا يحسون ذلك، قال تعالى ( يحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات ) المؤمنون 55 وقال تعالى ( ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادا إثما ولهم عذاب مهين ) آل عمران 178 وقال عليه الصلاة والسلام ( إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم وأن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الدين إلا لمن أحب فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه )
وأخيرا فإن كل ما يعود بالنفع والخير على الإنسانية أجمع وعلى كل كائن حي، وعلى الكون بمحتوياته، سواء كان عمل من أعمال البر في أي من أبوابه، أو اكتشاف شيء كان مجهولا في أي من التخصصات العلمية والأكاديمية، أو اختراع فكرة جديدة قابلة للتطبيق على أرض الواقع، يعد من الأعمال الصالحة، فإذا قام بها غير المسلم، فإن الحق يخبرنا في محكم تنزيله، أن صاحبه يستفيد منها في الدنيا، يجازى ويكافأ عليه فيها، فتتحقق له منافعه التي يرجوها، وما له في الآخرة من نصيب، قال تعالى ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون ) هود 15- 16 والمسلم يجاز علي أعماله تباعا لنيته، فإذا قام بها لإبراز مهاراته أو تفوقه أو للحصول على مغنم دنيوي، سواء كان منصب أو ترقية أو غيرهما من الامتيازات، فهو أيضا يجازى ويكافأ عليها في الدنيا، بما يناسب مجهوده وبما يراه أصحاب الأمر في ذلك، أما إذا كانت نيته التعبد والتقرب لله سبحانه وتعالى، وطمعاً في نيل رضاه والحصول على الأجر والثواب، فيكون سببا في سعادته في الدنيا ودخول الجنة في الآخرة. فمن الشروط الواجبة في كل عمل سواء كان عملا دينيا أو دنيويا: أن لا ينفصل عن الإيمان بكل شعبه، وموافقا لما شرع الله. وأن يكون متقنا، ذلك لكون الإتقان من أشكال الإحسان، والذي هو الرتبة الثالثة من مراتب الدين الإسلامي، والتي تتضمن الإسلام ثم الإيمان ثم الإحسان، وأن يكون العمل خالصا لوجه الله الكريم وابتغاء مرضاته، وبإخلاص النية لله، بتجرد الإنسان من حظوظ النفس، التواقة إلى الذكر والشهرة والمدح والثناء من الناس، وليس عليه جناح أن يبتغي من فضل الله ونعمه مع ذلك أيضا، للاستعانة به على طاعة الله، وفي ذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ).
*نقلاً عن موقع منار الإسلام للأبحاث والدراسات