وبعد:
يحتل التعليم الابتدائي مكانة أساسية ومهمة جدا في المنظومة التعليمية في الدول المتقدمة؛ لأنه هو الأساس الذي تبني عليه جميع الأطوار التعليمية؛ سواء المدرسية، أو الجامعية.
ولذلك توجه للطور الابتدائي العناية الفائقة، والاهتمام الكبير؛ سواء من حيث تكوين الأساتذة بمراكز التكوين التربوي، أو من خلال التكوين المستمر الذي يواكب مسار الأساتذة طيلة عملهم؛ أو من حيث الإدارة التربوية التي تتوفر على الأطر الكافية المتخصصة في علم النفس التربوي، وعلم الاجتماع التربوي، وعلم النفس اللغوي، وباقي التخصصات التي تساعد التلاميذ على تجاوز الصعوبات التي تظهر في هذا الطور؛ أو من حيث البنية الإدارية، وتوفر الوسائل التعليمية الكافية.
يقع هذا في الدول المتقدمة!!!
أما من حيث واقع التعليم الابتدائي في التعليم العام بالمغرب؛ فعادة ما تجد الإدارة التربوية تتكون من المدير، والحارس، وفي بعض الأحيان، قد تكون هناك كاتبة. هنا تنتهي الإدارة التربوية. فلا يوجد لا متخصص في علم النفس التربوي، ولا متخصص في علم النفس الاجتماعي، ولا يوجد من يساعد الإدارة التربوية، في دراسة المشاكل التي قد يعاني منها بعض التلاميذ؛ كالمرتبطة بفرط الحركة، وضعف التركيز، أو عسر القراءة، أو الصعوبات المتعلقة بالسمع، أو بالنظر، أو الصعوبات والأمراض النفسية.
يترك التلاميذ يواجهون الصعوبات لوحدهم، وتعظم هذه الصعوبات وتتعقد؛ خصوصا عندما تكون الأسرة غير مثقة، وفقيرة. وقد لا ينتبه الأستاذ للكثير من الصعوبات التي يعاني منها الكثير من التلاميذ؛ لأنهم غير مؤهلين لمعرفة أعراضها، والمساعدة في تجاوزها.
التكوين في مراكز التكوين التربوي سريع جدا، ولا يؤهل الأساتذة، لاكتساب الضروري من علم النفس التربوي، وعلم التدريس، وعلم الاجتماع التربوي، وغير ذلك مما يحتاجونه في الوضعيات التعليمية التعلمية؛ خصوصا على المستوى النفسي السيكولوجي.
التكوين المعرفي والتربوي لأساتذة التعليم الابتدائي؛ ينبغي أن يكون دقيقا وقويا، وأن يأخذوا الوقت الكافي في التكوين؛ لأن إصلاح صعوبات التعلم في الابتدائي أسهل وأيسر. علاج الأمراض والصعوبات في بداية ظهورها؛ يتم في الغالب الأعم بسهولة ويسر.
أما عندما تترك الأمراض والصعوبات بدون علاج، وتنمو وتتعقد قي الطور الإعدادي والتأهيلي؛ فإنه يصعب التغلب عليها، وتظل مع التلاميذ طيلة حياتهم في الغالب الأعم.
يفترض أن تغير الوزارة الوصية، والمجتمع؛ النظرة إلى التعليم الابتدائي، وأساتذة هذا الطور. النظرة الآن هي نظرة دونية. واقع الحال يؤكد هذه النظرة، ولم لم يفصح عنه بالمقال.
هذا خطأ جسيم، وتمثل عليل مريض!!!!
الطور الابتدائي؛ ينبغي أن يكون ضمن أولى الأولويات في أي إصلاح تروي. فلا يختار له من الأساتذة، إلا الأكفاء المتميزون. ولابد في نظري أن يشترط في تدريس هذا السلك، الحصول على الماستر في المجال التربوي، وأن يكون الإطار الذي يتخرج به أساتذة التعليم الابتدائي هو السلم الحادي عشر.
ولابد أن ينتقى الأساتذة المكونون بمراكز التكوين التربوي، وأن يخضعوا باستمرار للتكوين المستمر، للإطلاع الدائم على المستجدات في المجال السيكولوجي، والمجال التربوي الديداكتيكي، والمجال التواصلي.
إذا لم يتم التجديد على مستوى مراكز التكوين التربوي، فلا أمل في الإصلاح. لقد ظلت مراكز التكوين التربوي لعقود بلا إصلاح حقيقي بالمغرب. لا يمكن أن يكون تكوين أساتذة التعليم الابتدائي قويا، ومراكز التكوين التربوي على حالها القديم.
التعليم الابتدائي بالمغرب؛ يحتاج إلى إصلاح جذري حقيقي؛ تغير من خلاله التمثلات الاجتماعية لهذا الطور، والتمثلات الاجتماعية لأساتذة هذا الطور.
التعليم الابتدائي ينبغي أن نجعله في قمة المنظومة التعليمية؛ لأن إصلاحه إن تم بالشروط المذكورة؛ فإن أثاره ستكون إيجابية على جميع الأطوار التي تأتي من بعده.
الإدارة التربوية في التعليم الابتدائي؛ ينبغي أن تكون على غرار الإدارة التربوية في التعليم الإعداي، والتأهيلي. لايعقل، ولايقبل؛ أن تظل
الإدارة التربوية بالتعليم الابتدائي، تتكون فقط من المدير، وكاتبة في أحسن الأحوال. هذا ظلم كبير، واستهانة عظمى بمكانة هذا الطور في النظام التعليمي.
ينبغي إعادة النظر في المواد المدرسة، والكتب المقررة في هذا الطور. المواد كثيرة، والكتب مشحونة بمعارف ثقيلة. التركيز على الشحن المعرفي، ليس هو الحل. محفظات التلاميذ في الطور الابتدائي، لا يستطيع التلاميذ حملها، وفي بعض الأحيان قد تفوق وزن بعضهم. مواد كثيرة، ومضمون ضخم كثيف؛ في المقابل نجد المخرجات في الغالب ضعيفة إلى هزيلة!!!!!
التعليم الابتدائي في الدول المتقدمة يركز على القيم، واكتساب الضروري من مهارات الحساب، ومهارات التفكير، والمهارات اللغوية.، والمهارات الحياتية.
ينبغي إعادة النظر جذريا في طرق تعليم اللغات في التعليم الابتدائي. التركيز في تعليم اللغات ينبغي يبدأ من تمكين التلاميذ من مهارة الاستماع. بها يكون البدء.
ثم ننتقل إلى تمكين التلاميذ من مهارة التحادث، ثم مهارة القراءة، ثم مهارة الكتابة. مهارة الكتابة ينبغي أن تؤخر. وينبغي التخفيف من القواعد النحوية. يقتصر في هذا المجال، على الضروري، بدون استطرادات مملة؛ تدفع الكثير من التلاميذ للإعراض عن تعلم اللغات، جملة وتفصيلا.
يحتاج الأستاذ في التعليم الابتدائي إلى أخذ حظ وافر من تعلم علم النفس اللغوي؛ الذي يدرس نظريات تعلم اللغات. لايمكن تطوير المهارات اللغوية للتلاميذ بدون الاستعانة بهذا العلم.
ينبغي أن يفسح المجال الكافي، للتلاميذ للتحدث باللغات في وضعيات ممتعة ومختلفة. يمكن أن يعتمد على التشخيص، والحوار، قي تقوية المهارات اللغوية.
على المستوى البيداغوجي؛ يمكن الاستعانة ببيداغوحية اللعب؛ لأن التعلم في الوضعيات الممتعة والمرحة، يكون أقوى وأدوم. ساحات المؤسسات الابتدائية بالتعليم العام؛ تخلو في الغالب الأعم من وسائل اللعب.
خلاصة القول: إذا لم يصلح التعليم الابتدائي؛ فلا تنتظر أصلاحا في باقي الأطوار التعليمية.
والحمد لله رب العالمين.
*نقلاً عن موقع منار الإسلام للأبحاث والدراسات*