لماذا جعلت التقويم معضلة بالتعليم الجامعي؟
قبل الجواب عن السؤال، لابد أولا من التعريف بالتقويم.
أولا: تعريف التقويم:
التقويم: عملية تقيس مدى تحقق الأهداف التربوية في مرحلة من مراحل العملية التعليمية التعلمية. وهو أنواع؛ فإن كان في بدء العملية التعليمية التعلمية، فهو التقويم التشخيصي. وإن كان مصاحبا للعملية التعليمية التعلمية، فهو التقويم التكويني. وإن كان في آخر الحصة، فهو التقويم المرحلي. وإن كان في آخر الدورة، أو السنة، فهو التقويم النهائي. وإن كان في آخر سلك، فهو التقويم الإشهادي؛ لأنه مرتبط بتسليم شهادة. وهناك أنواع أخرى، لا داعي للتفصيل فيها؛ لأنها غير مقصودة في هذاالسياق.
ثانيا: عودة للسؤال:
نعود الآن للجواب عن السؤال الذي صدرنا به المقال، فنقول:
التقويم: معضلة؛ لأنها ممتدة في الزمان، وطرق تجاوزها، صعبة ومكلفة؛ بسبب تعدد أسبابها، وعدم الوعي بخطورة استمرارها، وعدم الرغبة في تجاوزها من طرف الكثير من الأساتذة، والكثير من الطلبة.
لا بد أولا أن نشير إلى أن التقويم؛ هو أحد أركان المنهاج التربوي. لا بد كذلك أن نلمح إلى أن المقصود من التقويم؛ هو تجويد المنظومة التربوية بكل مكوناتها.
ثالثا: أنواع التقويم:
من المعلوم أن التقويم فيه أنواع متعددة من أهمها:
1- التقويم التشخيصي: الذي يكون في بداية السنة لمعرفة المدخلات المتعلقة بالطلبة؛ من حيث مستوياتهم المعرفية، والخصائص النفسية والعقلية، والفروق الموجودة بينهم.
ويمكن اللجوء إلى هذا النوع من التقويم في بداية كل حصة؛ لمعرفة المكتسبات السابقة للطلبة، وربط المعارف السابقة، بالمعارف اللاحقة، والكشف عن التمثلات التي ينبغي توظيفها في بناء الدرس الجديد.
2- التقويم التكويني: الذي يصاحب العملية التعليمية التعلمية من بدايتها إلى نهايتها؛ ويكون الغرض منه تقديم الدعم الآني للطلبة، وتجويد تعلماتهم. ويظهر هذا النوع من التقويم كذلك عقب القيام بفرض، أو امتحان؛ من خلال الوقوف على مواطن القوة، ومواطن الضعف، وتقديم الدعم اللازم للطلبة.
ومعنى هذا أنه يتعين بعد القيام بالامتحانات؛ جمع الأخطاء التي ارتكبها الطلبة، وتصنيفها، ومعرفة أسبابها، والبحث بعد ذلك على طرق تجاوزها وعلاجها.
هذا الأمر للأسف غير موجود بالجامعة. تنجز الامتحانات، ثم تعلق النتائج. ويطوى بعد ذلك ملف الامتحانات، ليعاد فتحه بعد أشهر في الدورة الموالية، وهكذا تسير الأمور منذ سنوات وعقود.
ولذلك لا يقوم التقويم بوظيقته الأساس في المنظومة التربوية بالجامعة؛ المثمثل في قياس المخرجات، وتجويدها، ومراجعة المنظومة، إذا ثبت أنها لا تحقق الأهداف المسطرة.
3- التقويم النهائي: هو التقويم الذي يكون في آخر الدورة. ويكون الغرض منه معرفة مدى تحقق الأهداف التي أطرت المواد المدرسة. هنا يقع الإشكال الكبير؛ ومفاده أن الكثير من الأساتذة في الجامعة يعتقدون أن المقصود من التقويم، هو الجانب المعرفي، فيركزون في أسئلتهم على المعرفة: ما هو؟ ما هي؟ اذكر…، اكتب…
رابعا: أسباب المعضلة
السبب في هذا الخلط؛ يرجع إلى عدم استحضار الأهداف التربوية في تدريس المواد المقررة. فكل أستاذ يدرس مادته من خلال محاور اختارها، وليس من خلال
أولا: الأهداف المسطرة في الملف الوصفي. هذه الأهداف ينبغي أن تشمل ما هو معرفي، وما هو مهاري، وما هو قيمي سلوكي.
كل مادة تدرس بلا أهداف، فإنها تسير بلا بوصلة. ومن سار في الطريق بلا بوصلة؛ تاه، واضطرب، وخرج عن المقصود، ولم يحقق شيئا مما يريد.
مرة أخرى أكرر هذا السؤال الجوهري: ما المقصود من التقويم؟
هل المقصود منه هو أن نعرف من الناجح، ومن الراسب، ومن المستدرك؟
هل المقصود من التقويم، هو الجزاء المتعلق بالنقطة؟
هذه مقاصد وسطى، أما المقصود الأساسي من التقويم؛ فهو الوقوف على مواطن القوة، ومواطن الضعف للطالب، والأستاذ، والمنظومة.
يخطئ من يعتقد أن التقويم يقصد به الطلبة فقط. هذا خطأ شائع بين الكثير من الأساتذة؛ سواء في التعليم المدرسي، أو في التعليم الجامعي.
التقويم متعلق بجميع أطراف العملية التعليمية التعلمية؛ التي تشمل الطلبة، والأساتذة، والوزارة، والمنظومة برمتها من بدايتها، إلى نهايتها.
ولذلك ما ينبغي أن نقف عند النقطة، ومعرفة الناجح والراسب. المقصود الأساس من التقويم؛ معرفة مسار المنظومة التربوية، ومدى تحقيقها للأهداف المسطرة. المقصود من التقويم؛ تصحيح أخطاء المنظومة، وتقديم العلاج اللازم لتخطي العوائق. المقصود من التقويم؛ تجويد المنظومة التعليمية التعلمية.
إذا لم يقم التقويم بهذه العمليات؛ فإن النتيجة هي وقوف المنظومة التعليمية التعلمية، ودخولها في نفق الاجترار، والتكرار، والركود. وهذا ما تتسم به المنظومة التربوية الجامعية في الكثير من جوانبها.
لا بد من قول الحقيقة، وإن كانت مرة!!
لا بد من الصراحة، وإن كانت مرفوضة من قبل الكثير!!!
واقع الحال في الجامعة المغربية: الكثير من الأساتذة يدرسون حسب قناعاتهم، بعيدا عن الأهداف المسطرة في الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والقانون الإطار، والقانون:01.00، والضوابط البيداغوجية الوطنية لسلكي الإجازة والماستر.
ينبغي استحضار الأهداف التربوية في التدريس بقوة؛ سواء في بداية السنة، أو في بداية كل درس على حدة. ينبغي الاتفاق على أهداف عامة بين الأساتذة، تؤطر عملهم منذ البداية إلى النهاية. وينبغي عقد جلسات دورية لضبط المسار وفق الأهداف المسطرة؛ لأن المشكلة الكبيرة تكمن في التنزيل، ومدى الالتزام بما سطر من أهداف.
ينبغي استحضار الأهداف بقوة في بناء اسئلة الامتحانات، وأن لا تقتصر الأسئلة على ما هو معرفي فقط، بلا بد من أن تشمل كذلك ما هو مهاري، وما هو قيمي سلوكي. ولا بد كذلك أن تكون الأسئلة مصحوبة بسلم التنقيط.
للأسف الشديد الشديد؛ ما زالت الكثير من الامتحانات في التعليم الجامعي، خاليا نهائيا من سلم التنقيط. وهذا مخالف لقواعد وضوابط بناء الامتحانات كما هو معروف في علم التقويم.
هنا يطرح سؤال آخر: لماذا يطرح الكثير من الأساتذة بالجامعة، أسئلة الامتحان بدون سلم التنقيط؟؟؟؟؟
الجواب سهل وواضح وميسر: الكثير من الأساتذة لم يتلقوا تكوينا بيداغوجيا في بداية مسارهم.
في غياب التكوين البيداغوجي، يستعين الأستاذ بما هو موجود في المحيط الجامعي. وكل أستاذ يتعامل مع الامتحان بحسب فهمه، وما هو مشاع ومتدوال. والأدهى والأمر عندما يعتقد الكثير من الأساتذة في الجامعة، أن الضوابط الموجودة في التقويم خاصة بالتعليم المدرسي. أما التعليم الجامعي؛ فينبغي أن يكون حرا طليقا. هذه الحرية الزائدة عن الحد، رجعت على التعليم الجامعي بالركود، والاجترار، والتقليد، والبعد عن الجودة المطلوبة.
خامسا: طرق العلاج
كيف يمكن أن نتجاوز معضلة التقويم في التعليم الجامعي؟
في نظري يمكن تجاوز هذه المعضلة، من خلال الخطوات التالية:
الخطوة الأولى: التحسيس بوظيفة التقويم في المنظومة؛ من خلال دورات للتكوين المستمر، يشارك فيها الأساتذة. إذا لم تبدأ الوزارة الوصية بإيلاء الاهتمام بالبيداغوجية الجامعية، فلن تنجح هذه الخطوة.
لقد تأخرت الجامعة المغربية كثيرا عن اللحاق بركب البيداغوجية الجامعية. نعم تأخرت الجامعة المغربية كثيرا في هذا السياق.
لا بد من تخصيص أشهر كافية للتكوين، قبل أن يلتحق الأستاذ بالتعليم الجامعي؛ حتى يكون في مستوى التدريس وفق النظريات الحديثة.
الخطوة الثانية: تدريب الأساتذة على صياغة الأسئلة وفق الصنافات البيداغوجية الحديثة، ووفق الضوابط المعروفة في علم التقويم. التقويم عملية دقيقة ومعقدة، وليست بتلك السهولة التي يتصورها الكثير من الأساتذة.
الخطوة الثالثة: استحصار الأهداف التربوية في العملية التعليمية التعلمية؛ سواء في بداية السنة، أو في بداية كل درس. ما ينبغي للأستاذ أن يملل من تكرار التركيز على الأهداف؛ فمنها المنطلق، وإليها الرجعى.
نعم هي المنطلق، وإليهاالرجعى!!!!
الأهداف التربوية؛ هي البوصلة التي توجه الفعل التعليمي منذ بدايته، إلى نهايته. وهي الأساس الذي عليه يقوم التقويم. الربط بين الأهداف التربوية، والتقويم؛ ينبغي أن يكون واضحا وقويا عند الأساتذة.
الخطوة الرابعة: بعد كل امتحان؛ ينبغي أن تجمع أخطاء الطلبة، وأن تصنف، وتعرف أسبابها، وطرق علاجها. وتستصحب في التدريس في الدورة الموالية.
يمكن أن نختار مجموعة من أوراق الامتحان في كل مستوى من المستويات، وندرسها من خلال شبكة؛ ترصد مواطن القوة التي ينبغي أن تعزز، ومواطن الضعف التي ينبغي أن تتجاوز.
الخطوة الخامسة: نتائج الرصد بعد الامتحانات؛ ينبغي أن يستفيد منها الطلبة، والأساتذة، والوزارة. وهذا يقتضي أن تكون هناك خلية على مستوى كل مؤسسة جامعية، وخلية على مستوى كل جامعة؛ حتى تجمع الملاحظات من مختلف المؤسسات؛ ليتم الاستفادة منها في تحسين المخرجات في الجامعة على المستوى الوطني. التقويم الآن في صورته الحالية؛ لا يحرك ساكنا، ولا يغير شيئا، ولا يحسن المخرجات.
الاجترار، ثم الاجترار، ثم الاجترار؛ هو الغالب على المنظومة التربوية الجامعية.
الخطوة السادسة: التنسيق بين الأساتذة الآن ضعيف إلى ضعيف جدا. لا بد أن تكون هناك اجتمعات شهرية في كل مسلك؛ للتنسيق بين الأساتذة مع استحضار الأهداف التربوية؛ لأنها البوصلة التي تقويم المسير، وتعدل العوج، وتضمن السير باعتدال واقتصاد.
لكن هناك عائق قد يقف دون تحقيقةهذا المبتغى؛ هو كثرة الاختلاف بين الأساتذة. وهذا عائق عظيم. فكيف السبيل إلى لتجاوز هذا العائق.
الخطوة السابعة: التنسيق بين الأساتذة الذين يدرسون المادة الواحدة؛ من حيث صياغة الأسئلة، ومراعاة مدى شمولها لما هو معرفي، وما هو مهاري، وما هو قيمي سلوكي. وضرورة إرفاق الامتحان بسلم التنقيط، وعناصر الإجابة. هذه الشروط لابد منها؛ حتى نضمن الجودة، والعدالة، والمصداقية، والشفافية في الامتحانات.
لا أدري، ما السبب الذي يجعل طائفة من الأساتذة لا يصرحون بسلم التنقيط؟؟؟؟؟؟؟؟
ولا أدري كيف يتم التصحيح عند غياب سلم التنقيط؟؟؟؟؟؟؟؟
والحمد لله رب العالمين.
*نقلاً عن موقع منار الإسلام للأبحاث والدراسات*