بين تقديس النص البشري والنص السماوي
21/03/2009
محمد بن ناصر الحزمي
لو جئت الى (قاضي، محامي، أكاديمي) وتقول له من غير المعقول أن يكون التصرف الفلاني صحيحا فمن الفور يحتج بالنص القانوني فإذا لم تقتنع وتقول له ولكن هذا النص القانوني لم يناسب عقلي فسيظنك مجنونا بلا عقل ولو جئت إلى مؤرخ وسرد لك قصة تاريخية فقلت له أنها قصة غير معقولة ولم تدخل إلى عقلي فسيقول لك هذه نصوص تاريخية سجلها ودونها الكثيرون ولو جئت إلى الاقتصادي وأنكرت عليه اللبرالية الاقتصادية المفرطة ودورها في تنمية الاقتصاد لا ستشهد لك بنصوص نظرية ( آدم سميث) وان قلت له من غير المعقول بتاتاً أن يكون ماركس ينكر أهمية مفهوم الملكية الفردية في تنمية الاقتصاد وتحفيز الإنتاج، ماركس عقلية ضخمة فكيف يمكن أن يقول كلاماً ساذجاً كهذا؟ فيستغرب تساؤلك وإنكارك العقلي، ويحتج عليك بنصوص ماركس، ويرى أن هذه الحجة كافية جدا للبرهنة!! وإذا جئت إلى السياسي لتجادله في قضية ما فسيعود بك إلى نصوص الاتفاقيات والمواثيق الدولية أعجبتك أو لم تعجبك واذا منعك الشرطي من تجاوز لإشارة حمراء فقلت له من غير المعقول ان تمنعني فانا مستعجل فسيقول لك أنت تخالف القانون وإذا رأيت مسؤلا ينهب مالا عاما ستصرخ انه خرق نصوص الدستور والقانون وتجد الاتهامات المتبادلة بين الاحزاب الحاكمة والمعارضة هي اختراق الدستور والقانون و............الخ هذه نظرة الناس الى النصوص التي يدونها البشر، يأخذونها بحذافيرها وان لم تناسب هواهم وقيدت حرياتهم وهذا ليس عيبا فان منهج ’’الاحتكام للنص’’ في الشرعيات هو منهج أسسه القرآن .. ولذلك لما جاء اليهود إلى النبي وحاوروه في حكم بعض الأطعمة، ونسبوا لشريعة موسى ما ليس منها، فأرشد الله نبيه إلى أن يجعل البرهان هو ’’الاحتكام للنص’’ فقال سبحانه لنبيه: (قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) ولما تحاور مشركوا قريش مع النبي صلى الله عليه وسلم فنسبوا لله الولد –تعالى الله عن ذلك- فأرشد الله نبيه إلى أن يكون مسار البرهان هو ’’الاحتكام للنص’’ فطالبهم بنص يثبت ذلك، فقال الله سبحانه: (فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) ولكن العيب أن نجعل من نصوص الشريعة محل شك وريب وتردد وإحجام ، وسخرية بالاحكاام ، بحجة تحكيم العقل بدلا من النص الصحيح ، فهل يعود ذلك الى الشك بان النص ليس من عند الله أو من فم رسوله وهذا يحتاج بحث اخر ؟ اما نحن فنؤمن ايمانا جازما ان هذا الوحي القراني والنبوي هو من عند الله تعالى وفي هذا المعنى يقول العالم الفرنسي موريس بوكاي في مؤلَّفه: ’’التوراة والإنجيل والقرآن والعلم’’، يقول: ’’وهكذا فإنه يبدو لنا أن القرآن هو الوحي المكتوب الذي لا شك فيه والذي كان معصوماً من كل خطأ علمي’’. ويقول في موضع آخر: ’’والوحي القرآني وقد لحق بالوحيين اللذين سبقاه، ليس فقط خالياً من التناقض في النصوص الذي هو ظاهرة كتابات الناس المختلفين في الأناجيل، بل إنه يُبرِز - للذي يمارس اختباره وتحليله بموضوعية كاملة في ضوء العلم - ذاتيته الخاصة به، وهي الاتفاق التام مع النظريات العلمية الحديثة’’.فهذه شهادة عالم أوروبي منصف في كتاب علم وبحث، يعتمد الوثائق ويرتكز إلى الفكر المجرد، فالعبرة في الشريعة الإسلامية، إنما هي بالنص الشرعي فقط، هو وحده الذي يؤخذ منه الحكم الشرعي، ويؤخذ منه دليل الحكم الشرعي.ولذلك فإنّ الفقهاء والمجتهدين والقضاة والمفسرين، وهم يعالجون هذه النصوص تفسيراً واستنباطاً وتفريعاً، لا يخرجون عن إطار هذه النصوص ومقاصدها الكلية، فدورهم وهم ينظرون من خلال النصوص الشرعية الموجودة في الواقع، مقصور على كشف الحكم وإظهاره للناس، لا إنشائه وإيجاده من عند أنفسهم .وهذه النصوص تستجيب لإعطاء الحكم الشرعي لكل واقعة وقعت وستقع في الحاضر والمستقبل، مصداقاً لقوله تعالى: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى’’ للمسلمين) اذا فمن هذا المنطلق ايهما اولى بالتقديس والاتباع ؟ ولماذا نقدس النصوص البشرية ولا نحترم ونطبق النصوصو السماوية ؟ والى لقاء اخر ان شاء الله.
[email protected]
*نيوزيمن
21/03/2009
محمد بن ناصر الحزمي
لو جئت الى (قاضي، محامي، أكاديمي) وتقول له من غير المعقول أن يكون التصرف الفلاني صحيحا فمن الفور يحتج بالنص القانوني فإذا لم تقتنع وتقول له ولكن هذا النص القانوني لم يناسب عقلي فسيظنك مجنونا بلا عقل ولو جئت إلى مؤرخ وسرد لك قصة تاريخية فقلت له أنها قصة غير معقولة ولم تدخل إلى عقلي فسيقول لك هذه نصوص تاريخية سجلها ودونها الكثيرون ولو جئت إلى الاقتصادي وأنكرت عليه اللبرالية الاقتصادية المفرطة ودورها في تنمية الاقتصاد لا ستشهد لك بنصوص نظرية ( آدم سميث) وان قلت له من غير المعقول بتاتاً أن يكون ماركس ينكر أهمية مفهوم الملكية الفردية في تنمية الاقتصاد وتحفيز الإنتاج، ماركس عقلية ضخمة فكيف يمكن أن يقول كلاماً ساذجاً كهذا؟ فيستغرب تساؤلك وإنكارك العقلي، ويحتج عليك بنصوص ماركس، ويرى أن هذه الحجة كافية جدا للبرهنة!! وإذا جئت إلى السياسي لتجادله في قضية ما فسيعود بك إلى نصوص الاتفاقيات والمواثيق الدولية أعجبتك أو لم تعجبك واذا منعك الشرطي من تجاوز لإشارة حمراء فقلت له من غير المعقول ان تمنعني فانا مستعجل فسيقول لك أنت تخالف القانون وإذا رأيت مسؤلا ينهب مالا عاما ستصرخ انه خرق نصوص الدستور والقانون وتجد الاتهامات المتبادلة بين الاحزاب الحاكمة والمعارضة هي اختراق الدستور والقانون و............الخ هذه نظرة الناس الى النصوص التي يدونها البشر، يأخذونها بحذافيرها وان لم تناسب هواهم وقيدت حرياتهم وهذا ليس عيبا فان منهج ’’الاحتكام للنص’’ في الشرعيات هو منهج أسسه القرآن .. ولذلك لما جاء اليهود إلى النبي وحاوروه في حكم بعض الأطعمة، ونسبوا لشريعة موسى ما ليس منها، فأرشد الله نبيه إلى أن يجعل البرهان هو ’’الاحتكام للنص’’ فقال سبحانه لنبيه: (قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) ولما تحاور مشركوا قريش مع النبي صلى الله عليه وسلم فنسبوا لله الولد –تعالى الله عن ذلك- فأرشد الله نبيه إلى أن يكون مسار البرهان هو ’’الاحتكام للنص’’ فطالبهم بنص يثبت ذلك، فقال الله سبحانه: (فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) ولكن العيب أن نجعل من نصوص الشريعة محل شك وريب وتردد وإحجام ، وسخرية بالاحكاام ، بحجة تحكيم العقل بدلا من النص الصحيح ، فهل يعود ذلك الى الشك بان النص ليس من عند الله أو من فم رسوله وهذا يحتاج بحث اخر ؟ اما نحن فنؤمن ايمانا جازما ان هذا الوحي القراني والنبوي هو من عند الله تعالى وفي هذا المعنى يقول العالم الفرنسي موريس بوكاي في مؤلَّفه: ’’التوراة والإنجيل والقرآن والعلم’’، يقول: ’’وهكذا فإنه يبدو لنا أن القرآن هو الوحي المكتوب الذي لا شك فيه والذي كان معصوماً من كل خطأ علمي’’. ويقول في موضع آخر: ’’والوحي القرآني وقد لحق بالوحيين اللذين سبقاه، ليس فقط خالياً من التناقض في النصوص الذي هو ظاهرة كتابات الناس المختلفين في الأناجيل، بل إنه يُبرِز - للذي يمارس اختباره وتحليله بموضوعية كاملة في ضوء العلم - ذاتيته الخاصة به، وهي الاتفاق التام مع النظريات العلمية الحديثة’’.فهذه شهادة عالم أوروبي منصف في كتاب علم وبحث، يعتمد الوثائق ويرتكز إلى الفكر المجرد، فالعبرة في الشريعة الإسلامية، إنما هي بالنص الشرعي فقط، هو وحده الذي يؤخذ منه الحكم الشرعي، ويؤخذ منه دليل الحكم الشرعي.ولذلك فإنّ الفقهاء والمجتهدين والقضاة والمفسرين، وهم يعالجون هذه النصوص تفسيراً واستنباطاً وتفريعاً، لا يخرجون عن إطار هذه النصوص ومقاصدها الكلية، فدورهم وهم ينظرون من خلال النصوص الشرعية الموجودة في الواقع، مقصور على كشف الحكم وإظهاره للناس، لا إنشائه وإيجاده من عند أنفسهم .وهذه النصوص تستجيب لإعطاء الحكم الشرعي لكل واقعة وقعت وستقع في الحاضر والمستقبل، مصداقاً لقوله تعالى: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى’’ للمسلمين) اذا فمن هذا المنطلق ايهما اولى بالتقديس والاتباع ؟ ولماذا نقدس النصوص البشرية ولا نحترم ونطبق النصوصو السماوية ؟ والى لقاء اخر ان شاء الله.
[email protected]
*نيوزيمن