يقودون المعارضة في ماليزيا ويتحالفون مع الرئيس بإندونيسيا.. قصة صعود الإسلاميين بجنوب شرق آسيا
ناخبون خلال الانتخابات الماليزية في عام 2022/رويترز، أرشيفية
تلقّى القادة السياسيون في إندونيسيا وماليزيا البلدين المسلمين الواقعين في جنوب شرق آسيا تذكيراً من ماليزيا مؤخراً بأنَّ المعركة لكسب قلوب وألباب الناخبين تتغيَّر، وأنَّ الاتجاه المحافظ الديني يكتسب أرضاً خاصة عبر دعم الناخبين الشباب.
ففي انتخابات الولايات الأسبوع الماضي في ماليزيا، عزَّزت المجموعات الإسلامية اليمينية المحافظة قبضتها على ثلاثة من مجالس الولايات الستة التي كانت مطروحة في الانتخابات.
وفي حين حافظ الائتلاف متعدد الثقافات لرئيس الوزراء أنور إبراهيم على الولايات الثلاث التي كان يسيطر عليها، فقد انتزع الإسلاميون منه مزيداً من المقاعد في ولاية سيلانغور، أغنى ولاية لا تزال تحت حكم الائتلاف، حسبما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
وتعكس النتيجة واقعاً سياسياً يسود المنطقة التي شهدت تسبُّب الجائحة والتباطؤ الاقتصادي العالمي في كبحٍ لعقود من نمو الدخل.
إندونيسيا توقف الاعتراف بالزواج بين معتنقي الأديان المختلفة ورئيسها يتحالف مع رجل الدين
في الجارة إندونيسيا، اضطرت حكومة الرئيس جوكو ويدودو لتقديم تنازلات سياسية للمحافظين دينياً ذوي النفوذ المتنامي في أكبر دولة إسلامية في العالم من حيث عدد السكان.
إذ أنهت المحكمة العليا في يوليو/تموز الماضي عملياً اعتراف الدولة بالزواج بين أصحاب الديانات المختلفة وسط ضغوط من المحافظين. وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، أصدرت البلاد أيضاً قانوناً شاملاً يُجرِّم ممارسة الجنس خارج إطار الزواج، في ما كان يمثل أكبر دليل على قوة المحافظين في التأثير على سياسات الدولة. وجعل جوكوي، وهو الاسم الذي يُعرَف به الرئيس، أحد رجال الدين المسلمين البارزين نائباً له خلال جهود ترشحه لولاية ثانية في عام 2019، وهو ما أثار قلقاً ممن يوصفون بـ"التقدميين" بشأن تأثير ذلك على السياسة.
وقال جوكوي عند إعلان النائب الذي سيترشح معه في انتخابات الرئاسة: "في رأيي، نحن نكمل بعضنا بعضاً: القومي والديني. هدفنا هو كل المواطنين الإندونيسيين".
يواجه أنور وجوكوي معضلة متزايدة، أنَّ صعود السياسات المحافظة يزيد الضغوط على حكومتيهما لإبراز مؤهلاتهما الدينية على حساب السياسات الاقتصادية التي تُحفِّز الأعمال والاستثمارات، حسب زعم الوكالة الأمريكية.
ماليزيا تلغي مهرجاناً بسبب قنبلة مثلية
وقبل انتخابات الولايات في 12 أغسطس/آب، ألغت حكومة أنور مهرجاناً موسيقياً لأنَّ أعضاء الفرقة البريطانية "1975" قاموا بقبلة مثلية الجنس على خشبة المسرح. وجعلت ماليزيا أيضاً امتلاك ساعات قوس قزح التي تبيعها مجموعة Swatch Group أمراً يستوجب العقوبة بما يصل إلى 3 سنوات في السجن بسبب مظهرها المثلي.
ويتجاهل تقرير الوكالة الأمريكية أن الطابع المحافظ سمة دائمة للسياسة في ماليزيا، وليس أمراً مستجداً بالنظر للطابع المحافظ للمجتمع وأهمية الانتماء الإسلامي بالنسبة للملايو الذي يمثلون الأغلبية في البلاد في مواجهة الأقلية الصينية الكبيرة التي جلبها الاستعمار البريطاني وتسيطر على اقتصاد البلاد.
وتراجعت الأسهم المرتبطة بالقمار والكحول في ماليزيا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بعد تحقيق الحزب الإسلامي الماليزي مكاسب انتخابية غير متوقعة، ويؤيد الحزب إقامة دولة دينية وهو أكبر حزب في "التحالف الوطني"، وهو كتلة من الأحزاب المحافظة بقيادة رئيس الوزراء السابق محيي الدين ياسين. وسعى المسؤولون في جزيرة بالي للنأي بأنفسهم عن قانون شامل للجنس يمكن أن يضر باقتصاد الجزيرة المعتمد على السياحة بعد تخفيف قيود الجائحة وانتعاش حركة السفر الدولي.
مزاعم بشأن تأثير ذلك على الاقتصاد
ويزعم بيتر مومفورد، الذي يشرف على تغطية منطقة جنوب شرقي آسيا في شركة Eurasia Group: "السياسات الاجتماعية الصارمة، مثل تلك التي أُعلِنَت في إندونيسيا مؤخراً، تهدد بتقويض جاذبية البلدان للاستثمارات الأجنبية المباشرة. سيتعين على الشركات التي تبيع وتنتج في هذه البلدان أن تكون مدركة للاتجاهات الاجتماعية لأنَّها تؤثر على سلوك المستهلكين وأيضاً في بعض الحالات على المتطلبات التنظيمية".
في ماليزيا، يقود الناخبون الشباب الاتجاه نحو المحافظة، مثل فردوس محمد دين (22 عاماً)، المقتنعة بفكرة السياسة القائمة على الدين. تتذكَّر فردوس أنَّها أُعجِبَت ببث تلفزيوني لمنافس أنور، رئيس الوزراء آنذاك محيي الدين، رفع فيه يديه بالدعاء طلباً للحماية من الله في ذروة كوفيد 19.
وقالت فردوس، وهي سائقة لتوصيل المواد الغذائية في ولاية سيلانغور: "محيي الدين هو الشخص الأفضل لقيادة البلاد، لقد منحنا المساعدة خلال الجائحة، وأعتقد أنَّه إسلامي أكثر من الآخرين".
ومع أنَّ محيي الدين خسر في مواجهة أنور في الانتخابات العامة، فإنَّه يعتمد على أصوات الملايو أمثال فردوس، وهم مسلمون من أجل العودة إلى السلطة في نهاية المطاف. ويمكن أن يضغط التأثير المتنامي لهذه المجموعات المحافظة على الناخبين الشباب على أنور لتعديل سياساته بهدف اجتذابهم.
وقال أنور الخميس الماضي، 17 أغسطس/آب، مشيراً إلى المحافظين المتدينين: "يحدث هذا في أوروبا وأمريكا حيث يُحرِز اليمين المتطرف تقدماً في الحياة السياسية. وظيفتنا هي إقناعهم بأنَّنا مخلصون".
وقال إبراهيم سفيان، مدير مركز Merdeka لاستطلاعات الرأي، وهو المركز الذي أصاب في توقعاته بشأن نتيجة الانتخابات، إنَّه مع تعمُّق القلق بشأن المشكلات الاقتصادية، "يبدو أنَّ الناخبين الشباب هنا قد وجدوا عزاءً روحياً في الأحزاب اليمينية واقتنعوا بخطابها المجتمعي".
تجدر الإشارة إلى أنور محمد كان يعد من رجال رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد وكان ينظر له باعتباره خليفته المرجح، قبل أن يحدث خلاف بينهما ثم عادا للتحالف مجدداً، ومهاتير ينظر له كسياسي محافظ يتبنى أيدولوجية قريبة للإسلاميين وإن كان لا ينتمي لحركات الإسلام السياسي بشكل الشائع.
التعليم الديني ساعد على زيادة نفوذ الإسلاميين
وأعطت الاضطرابات والإحباطات الاقتصادية التي تراكمت خلال حالات الإغلاق المرتبطة بفيروس كورونا الإسلام السياسي زخماً جديداً في ظل تركيزه على المجتمع والهدف المشترك.
يتعلَّق جزء من هذا بالتعليم الديني، الذي يبدأ مبكراً في إندونيسيا وماليزيا. إذ أسس الحزب الإسلامي الماليزي وأدار دور حضانة إسلامية منذ الثمانينات في ولايتي كيدا وترينغانو، اللتين فاز فيهما الحزب الإسلامي في الانتخابات التي جرت السبت الماضي. ووفقاً للحزب، يُشغِّل الحزب اليوم 2497 دار حضانة في أرجاء ماليزيا، ارتادها في عام 2022 نحو 125065 طالباً بعمر 4 إلى 6 سنوات.
ووفقاً لدينا زمان، المؤسسة المشاركة في مركز أبحاث "إيمان للأبحاث" في ماليزيا، فإنَّ كثرة المدارس الدينية الحكومية والخاصة والدولية في البلاد قد أدَّت إلى زيادة النزعة المحافظة الدينية بين الملايو. وقالت: "أتت هذه الظاهرة من أسف الآباء الذين يشعرون أنَّ نظامنا التعليمي المحلي يُضعِف أبناءهم"، مضيفةً أنَّ تحسين المدارس العامة قد يعالج هذا.
ووفقاً لخالد صمد، مدير الاتصالات في حزب الأمانة الوطنية، وهو حزب منشق عن الحزب الإسلامي الماليزي ومتحالف مع أنور، المشكلة ليست الإسلام بحد ذاته، بل إساءة استغلال الدين كأداة سياسية لتصوير الخصوم باعتبارهم "أعداء للإسلام" على حساب أفكار السياسة وبناء الأمة.
ويقول تقرير الوكالة الأمريكية: "من الصعب مواجهة (الرسالة البسيطة التي تعود إلى القرن الخامس عشر) التي يعتمد عليها الحزب الإسلامي الماليزي بأنَّ الإسلام مُحاصَر وأنَّ الانتخابات هي معركة للمسلمين من أجل المقاومة".
رئيس وزراء ماليزيا يأمر باعتقال من يستخدم العرق لزرع الفتنة
وأصدر زعماء ماليزيا وإندونيسيا تحذيرات من السماح للأحزاب السياسية التي تركز على الدين باكتساب قوة أكثر من اللازم. إذ ينتقد الرئيس الإندونيسي "سياسات الهُوية" بصفة منتظمة. ومنح قائد ماليزيا، أنور، الضوء الأخضر لاعتقال الأفراد الذين يستخدمون الدين والعرق لزرع الفتنة.
وقال في مقابلة جرت في يناير/كانون الثاني الماضي بعد فترة قصيرة من توليه منصب رئيس الوزراء: "لستُ ضد المُثُل الإسلامية، ولستُ حتى ضد وجود الإسلام في السياسة. لكنَّني أرفض فكرة استخدام الدين من أجل تعزيز قوتك وإساءة استغلال هذا الوضع".
*عربي بست