مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
الحركة الإسلامية استطاعت أن تحول احتجاجات 25 يناير إلى ثورة شعبية عارمة
أعد التقرير – د/ أحمد عبد الدايم – سمير العركى | 25-01-2012 13:19
ما بين الادعاء بركوبهم الثورة والتأكيد على أنهم صانعوها الحقيقيون عبر عقود طويلة من النضال ضد الحكومات الاستبدادية المتعاقبة تباينت الآراء واختلفت الاجتهادات حول حقيقة مساهمة الإسلاميين فى الثورة المصرية. فالبعض يميل إلى طمس الحقائق انطلاقا من تعصبات حزبية وفكرية فينفى أى مشاركة للإسلاميين فى الثورة بل ويتناسى تاريخا طويلا من التعذيب الممنهج ضد الحركة الإسلامية والمحاكمات العسكرية التى لم تنقطع طوال عهد النظام المخلوع.
• بيان الإخوان المسلمين فى 19 يناير أوضح أن الجماعة قد أعدت العدة بالفعل لثورة شعبية عبر المطالب العشرة

• التعامل الأمنى المتعجرف منع قيادات الإخوان من تصدر مشهد الثورة، ولكنه أفسح المجال أمام الشباب لتنظيم الثورة

• بيان 26 يناير يقطع بمشاركة الإخوان المسلمين منذ البداية، بعكس ما يتردد بأن مشاركتهم تمت فى 28 يناير.. فالبيان لم يؤيد ويثنى على الحركة السلميةً والجادَّةً والفعالةً.. بل أقر بأن الإخوان المسلمين شاركوا فى هذه الأحداث رافعين مطالب الأمة

• ازدادت وتيرة التصعيد الإخوانى ضد مبارك ونظامه فى بيان الأول من فبراير.. حيث رفض التفاوض مع النظام قطعياً، واعتبر أن الرئيس لم يعد له وجود بالنسبة لإدارة شأن الوطن لذا أعلن مبارك نيته فى عدم الترشح للرئاسة

• بيانات الإخوان المسلمين تلخص بالفعل كل أحداث الثورة وتفاعلاتها، ولحظات اليأس والانتصار.. ولا تعد مصدرًا لتأريخ سيرة الإخوان فقط، بل ترسم جزءاً مهماً من تاريخ مصر خلال فترة الثورة

• الحركة السلفية من أجل الإصلاح ’’حفص’’ شاركت بقوة فى أحداث الثورة وكانت أحد الداعين لاحتجاجات 25 يناير

• الدعوة السلفية أعلنت عدم المشاركة فى تظاهرات الخامس والعشرين من يناير لكنها أظهرت رضاها المبطن بها، بتأكيدها على عدم رضاها عن أى مظلمة، صغيرة أو كبيرة، أصابت الناس وأنها لا تحرم المظاهرات

• المؤتمر السلفى فى 8 فبراير يحذر من المساس بهوية مصر الإسلامية.. ويثنى على جهود الشباب المتظاهرين فى كل أنحاء مصر

• الشيخ محمد حسان من أوائل المشايخ السلفيين الذين نزلوا الميدان بأنفسهم، وجهده داخل الميدان وعلى القنوات الفضائيات وخطبه صبت جميعها فى الثورة وتشجيع الثوار.. ومن أوائل المشايخ السلفيين الذين طالبوا الرئيس بالتخلى عن منصبه

• الجماعة الإسلامية فوجئت بالثورة المصرية ولم تتعاف بعد من جراحاتها ولم تلملم شملها إضافة إلى الحصار الأمنى الشديد الذى ضرب على أعضائها المفرج عنهم

• لم يكن فى استطاعة الجماعة الإسلامية دعوة أبنائها للخروج الجماعى فى الثورة لأنها تعلم أنها ستكون أول الضحايا حال فشلها، كما أنها تعلم أن ضريبة الفشل قد يدفعها أعضاؤها المحكوم عليهم بالإعدام

• شباب الجماعة الإسلامية شاركوا بكثافة فى ميادين المحافظات ولعبوا دورًا كبيرًا فى موقعة الجمل

• خروج مجدى حسين من المعتقل يوم 29 يناير، وتوجهه ببدلة السجن إلى ميدان التحرير، وإعلان اعتصامه فيه حتى رحيل ميارك، أجج موجة التصعيد التى انتهجها حزب العمل ضد مبارك ونظامه

• حزب العمل أول الحركات الإسلامية التى صعدت باتجاه تنحية مبارك وعزله عن الحكم فى اليوم الثالث للثورة، يوم 27 يناير.. مختلفة فى هذا عن بقية الحركات التى طالبت بهذا الأمر فيما بعد



ما بين الادعاء بركوبهم الثورة والتأكيد على أنهم صانعوها الحقيقيون عبر عقود طويلة من النضال ضد الحكومات الاستبدادية المتعاقبة تباينت الآراء واختلفت الاجتهادات حول حقيقة مساهمة الإسلاميين فى الثورة المصرية.

فالبعض يميل إلى طمس الحقائق انطلاقا من تعصبات حزبية وفكرية فينفى أى مشاركة للإسلاميين فى الثورة بل ويتناسى تاريخا طويلا من التعذيب الممنهج ضد الحركة الإسلامية والمحاكمات العسكرية التى لم تنقطع حتى قبل الثورة بقليل بل واعتراف أركان النظام السابق – كالفريق شفيق مؤخرا – أن ماحدث فى 25 يناير 2011 لم يكن سوى احتجاجات متكررة، ولكن انضمام الإخوان المسلمين لها حولها إلى ثورة حقيقية.

وفريق آخر يشتط فى الانتصار للإسلاميين فينسب إليهم الثورة دعوة وتحريكاً.. واليوم ونحن نحتفل بمرور عام على ثورة يناير كان لابد من قراءة موقف الحركة الإسلامية من الثورة اعتمادا على استنطاق الوثائق والبيانات وترتيباً للمواقف والاختيارات والأهم تفكيكاً لموقف الحركة إذ تباينت المواقف داخل الحركة تبعا لموقف كل فصيل وهو ما يستلزم تتبع موقف كل واحد من هؤلاء على حدة.

بيانات الإخوان المسلمين تأريخ للثورة المصرية

يشير البعض أن إعلان جماعة الإخوان المسلمين، كبرى الحركات الإسلامية فى مصر، فى بادئ الأمر عن عدم مشاركتها فى فعاليات يوم 25 يناير، قد ساهم فى ترسيخ المشاعر السلبية تجاه تلك الدعوات.. لكن بالرجوع إلى أرشيف الإسلاميين نجد أن هذا القول يجانبه الصواب، ويعد اصطياداً لموقفها المبدئى وجعله هو الموقف الرسمى لها.. فقبل انطلاق الثورة بثلاثة أيام، يوم 22 يناير، أعلن الدكتور محمد البلتاجى، القيادى فى الحركة، فى إذاعة صوت الأقصى عن مشاركة الإخوان المسلمين فى تظاهرات 25 يناير.

لكن لم يصدر عن الإخوان أى بيان رسمى مكتوب يعلن تلك المشاركة.. ومن ثم فليس لدينا أى بيان ورقى يؤرخ لهذا الموقف الصريح من المشاركة.. وهنا تظهر أهمية الاعتماد على التقنيات الحديثة فى التأريخ لموقف الإخوان.. فلو اعتمدنا على الأرشيف الورقى فقط سيبرز موقف الإخوان الرافض للمشاركة.. لكن الاعتماد على الأرشيف الإلكترونى يمدنا بمواقف قاطعة بشأن إعلان مشاركتهم فى الثورة.. فبالإضافة لتصريحات محمد البلتاجى خرج الدكتور عصام العريان يوم 23 يناير ببيان شفوى بثه موقع إخوان تيوب، أعلن فيه صراحة مشاركة الإخوان فى وقفة أمام القضاء العالى، مضيفاً بأنهم قرروا عدم منع الشباب الإخوانى فى القاهرة وبقية المحافظات، من المشاركة فيها.. بل إن هذا الأرشيف يكشف لنا أهمية البيانات المكتوبة وخلفياتها.. حيث أشار بيان عصام العريان الشفوى بأن من ضمن مهام شباب الإخوان خلال تلك التظاهرات، هو عرض ورفع مطالب الإخوان العشرة التى صدرت يوم 19 يناير، بهدف جمع التأييد حولها، وتعريف الناس بها، وتثقيف المتظاهرين بها.. وعلى هذا فإن أرشيفهم الإلكترونى وليس الورقى، يصب فى تأييد الأقوال التى رددتها الجهات المضادة لهم، خصوصاً الكنائس المصرية بأنواعها المختلفة، بأنهم كانوا أحد الأطراف الرئيسية فى الدعوة لتلك التظاهرات.

وربما كان طرحهم لموقفهم الأولى الرافض للمشاركة جاء تدعيما للثورة أكثر مما لو أعلنوا أنهم وراء التظاهرات.. فبهذا الموقف التكتيكى ضمنوا مشاركة كل القوى السياسية فيها، طالما أن الإخوان ليسوا وراءها.. ولعل تقاطرهم على ميدان التحرير وكل ميادين مصر، مشاركين بكثافة مع كافة القوى الوطنية فى الشارع خلال الثورة، وإرسالهم عدة رسائل طمأنة لقوى الداخل والخارج، بأنهم فى حال رحيل مبارك لن يرشحوا أحداً منهم لمنصب الرئاسة، وأنهم مع الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية، يعكس هذه التخطيط والترتيب المنظم لها.. وربما جاء موقفهم المبدئى، وسطاً بين الثورة والسلطة، هروباً من ضربات السلطة فى حالة التأكد بأنهم وراءها.. وربما جاء تعبيراً عن موقفهم المؤيد للتغيير، لكنه التغيير إلى الأفضل وليس إلى الفوضى.

ومع أن جماعة الإخوان المسلمين أعلنت أنها لم تتلق دعوة خاصة حتى تقرر المشاركة من عدمها فى مظاهرات 25 يناير، إلا أنها صرحت بأنها لا تزال تدرس الموضوع مع الجمعية الوطنية للتغيير.. فى حين أعلن عدد من شبابها ومدونيها مشاركتهم فى هذه المظاهرات، رغم ما تردد داخل قواعد الجماعة بأنها لن تشارك بشكل رسمى.. ومن جهة أخرى عبر التيار الإصلاحى داخل الجماعة بأن أعضاءها بالمحافظات سيشاركون فى الوقفات الاحتجاجية التى تنظمها القوى السياسية.. ولو دققنا النظر فى التصريح المبدئى لعصام العريان بعدم المشاركة، لوجدنا أنه فى ذات لم يقطع بهذا الأمر، حيث قال: ’’بأن الدعوة الموجودة على الفيس بوك عامة لكل الشعب، والإخوان جزء منه’’.

أما بخصوص موقف شباب الإخوان من التظاهرات، فقد أعلن الكثيرون منهم المشاركة.. ولعل ما رصدته الصحافة على لسان بعضهم، يعد خير دليل على تلك الموافقة الصريحة.. فقد رصدت مواقف بعض شبابهم بالإسكندرية، وهؤلاء قطعوا بأن مشاركتهم ستكون كثيفة لكنها بشكل غير رسمى، لأن الجماعة لم تمنعهم من المشاركة، ولأن الدعوة موجهة أكثر للشباب. وعبر كثيرون من مدونيهم عن تلك المشاركة لكن بشكل شخصى، دون تكليف من الجماعة، وقالوا بأنهم ينسقون مع الشباب من كافة التيارات السياسية حول شكل الوقفات الاحتجاجية، خصوصا فى ميدان التحرير والمناطق المجاورة حوله. وأن هناك مطالب سيرفعونها يوم 25 يناير، وأنهم سيقومون بحشد الناس من على المقاهى، والطلاب من المدارس والجامعات، للمشاركة معهم فى هذه الوقفات. وعبر التيار الإصلاح فى الجماعة بأن هناك الآلاف من إصلاح الجماعة سوف يشاركون فى مختلف المحافظات، من أجل المطالبة بالتغيير ولمواجهة التوريث.

ولم يكن الإعلان عن المشاركة شكلياً، بل بالرجوع للأرشيف الصحفى نجد أن هذه المشاركة قد تم توثيقها رسمياً.. ففى القاهرة على سبيل المثال، تجمع عشرات النواب السابقين، غالبيتهم من جماعة الإخوان، أمام دار القضاء العالى فى قلب القاهرة، فى حين خرج الألوف من الشباب، ضمنهم شباب الإخوان، فى مظاهرات حاشدة الساعة الواحدة ظهرًا يوم 25 يناير 2011، احتجاجًا على أوضاعهم المعيشية.. واستمر هذا التدفق الإخوانى خلال جمعة الغضب يوم 28 يناير التى سقط فيها أول شهيد من شبابهم، الشهيد مصطفى سمير الصاوى.

ورغم أن الدعوة لمظاهرات 25 يناير 2011 قد انطلقت فى 14 يناير، إلا أن بيان الإخوان الذى صدر قبلها فى 12 يناير لم يتضمن إشارة من قريب أو بعيد بأن لهم يداً فى تسريب تلك الدعوة. بل علق على الأحداث الجارية فى تونس وغيرها، مطالباً الاستجابة لمطالب الشعوب، داعياً النظام المصرى بتغليب مصالح وأمن الوطن والمواطنين على مصالح المنتفعين والعابثين بمقدراته، مديناً الطريقة التى قتل بها سيد بلال وتعاملات الشرطة مع المواطنين.. لكن بمتابعة صفحات شباب الإخوان على الفيس بوك نجد هناك استجابات لتك الدعوات.. حيث شارك العديد من شبابهم فى تدويرها على المتعاملين مع أصدقاء الفيس من كل الطبقات والفئات.. وهذا يشى بأن القيادة الرسمية لم تشترك فى التخطيط والدعوة للثورة، وتركت المسألة تسير شباب فى شباب.. وجاء بيان 15 يناير الذى حيا فيه الإخوان المسلمون الشعب التونسى على انتصاره فى الجولة الأولى فى صراعه من أجل الحرية والكرامة، ملمحين بأن يعى النظام المصرى درس زين العابدين بن على، ليتجنب الاقتراب أيضاً من الدعوات المنتشرة على الفيس بوك.

ويعد بيان الإخوان فى 19 يناير هو البيان الأهم.. فرغم أن الكثيرين لا يهتمون به، إلا أن صدوره، متضمنا عشرة مطالب لتجنب الثورة الشعبية، يشير إشارة واضحة بأنهم قد أعدوا العدة بالفعل للقيام بهذا الثورة، وحشد الناس حولها. فقد تبلورت مطالبهم فيه حول الآتى: أن ارتفاع حالات الانتحار الحادث فى مصر، رغم اعترافهم بحرمته الشرعية، يعتبر نوعاً من الاحتجاج على الممارسات الحكومية الخاطئة، محملين النظام الحاكم وزرها. داعين لإلغاء حالة الطوارئ، وحل مجلس الشعب المُزوَّر، وإجراء تعديلات دستورية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وإصلاح منظومة التعليم والصحة، وحل مشكلة الفساد المستشرى فى الصناديق الخاصة، والتقليل من مخصصات الوزراء وكبار رجال الدولة، ووقف ضخ الغاز والبترول للصهاينة، وإعادة النظر فى أسعار الأراضى المخصصة لبعض رجال الأعمال والفاسدين وسدنة النظام، وإعادة النظر وفورًا فى السياسة الخارجية المصرية، وخاصةً بالنسبة للصهاينة، والإفراج والعفو العام عن جميع المعتقلين السياسيين، والاستجابة الفورية للمطالب الفئوية وحرية تكوين الأحزاب السياسية، ومحاكمة المفسدين، وإلغاء تدخل الجهات الأمنية فى كل الشئون الداخلية فى الجامعات والمدارس والنقابات والأوقاف والجمعيات الأهلية والمنظمات الحقوقية، معتبرين إياها بمثابة الحد الأدنى لتفادى الثورة الشعبية ضد النظام. والمطالع لتفاعلات الثورة فى الميادين المصرية المختلفة يجد أن تلك المطالب قد تم رفعها بالفعل، وعلقت فى شكل يافطات ووزعت فى شكل منشورات على جماهير المتظاهرين.. وهذا يشير بأنهم كانوا بمثابة العقل المدبر والمخطط الذى يحرك الثورة، ويعبر عن المتطلبات الرئيسية التى تنادى بها الجماهير. بل إن المتفحص لهذا البيان ومناشدات التظاهر التى انتشرت على الفيس بوك خلال الفترة من 20 -24 يناير يجد هناك تشابهات واقتباسات كثيرة من هذا البيان.. وكأنه كان مقصوداً إصدار هذا البيان فى هذا التوقيت لالتفاف الناس حول أهداف كبيرة وصريحة وواضحة يدافعون عنها.

ويعد بيان الإخوان المسلمين فى 23 يناير بمثابة أول إشارة مؤكدة لعزمهم على الاشتراك فى مظاهرات 25 يناير. فقد استنكر البيان استدعاء مسئولى الإخوان المسلمين بالمحافظات وتهديدهم بالبطش والاعتقال والمواجهة العنيفة، وربما الدامية فى حالة نزولهم إلى الشارع لإعلان مطالبهم الشعبية التى أعلنوها فى بيان 19 يناير، مؤكدين بأن ملف الجماعة ملف سياسى، ولا ينبغى أن يكون بيد الأمن.. وبأن أسلوب التهديد والوعيد لا يمكن أن يخيفهم؛ لأنهم يعملون لله من أجل تحقيق مصلحة الأمة.. ومن ثم فإن تعامل السلطات مع بيان 19 يناير، معتبرين إياهم منظمين لمظاهرات 25 يناير، ومهددين لهم ومتوعدين، هو الذى جعلهم يصدرون هذا البيان لينزع عنهم، وربما عن المتظاهرين، حالة الخوف التى قد تحدث عند القيام بالتظاهر.. والمرجح أن البيان جاء تشجيعاً للدعوات المنتشرة على الفيس بوك.. وربما كان التعامل الأمنى المتعجرف معهم، هو الذى منع اشتراك القيادات الكبيرة منهم فى مظاهرات 25 يناير.. وحصرها فقط فى الشباب، معتبرين أن تعامل الأمن مع الشباب سيكون سهلاً وميسرًا عن تعاملهم مع ذوى الخبرة والقيادات الإخوانية.

ويأتى بيان 26 يناير ليقطع بمشاركة الإخوان المسلمين فى مظاهرات 25 يناير، بعكس ما يتردد بأن مشاركتهم تمت فى 28 يناير.. فبيان 26 يناير لم يؤيد ويثنى على الحركة السلميةً والجادَّةً والفعالةً التى تَصًدرها الشباب المصرى فى القاهرة وبعض المدن الأخرى فقط.. بل أقر بأن الإخوان المسلمين شاركوا فى هذه الأحداث رافعين مطالب الأمة. وتقدموا عبر البيان بخالص العزاء لأسر الشهداء من المواطنين ورجال الشرطة الذين سقطوا فى هذه الأحداث، وأكدوا بأن حركة الشعب المصرى يوم 25 يناير كانت سلميةً وناضجةً ومتحضِّرةً؛ ودعوا لاستمرارها حتى حل مجلس الشعب المزور، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وحتى ينزل النظام فى مصر على إرادة الناس ويسارع بإجراء الإصلاحات المطلوبة. وذكروا بأن الإخوان المسلمين، كونهم هيئة إسلامية جامعة، وأن أبناءهم من نسيج المجتمع المصرى، فهم يشاركونه دائمًا أفراحه وأتراحه ويعيشون همومه، ويدعون أنفسهم وأبناءهم وإخوانهم فى الوطن، من المسلمين وغير المسلمين، إلى التعاون على البر والتقوى، وتحقيق العدل، وأن يكون الجميع على قلب رجل واحد، ضد الظلم والجور والفساد والتزوير، وبسلمية وجدية وواقعية، دون إضرار بالمؤسسات أو الممتلكات العامة والخاصة، وأن تصبر الجماهير على ذلك حتى تتحقَّق مطالب الشعب المشروعة.. وهذا البيان يقطع بأن الإخوان كانوا أحد فرسان المشهد الثورى منذ البداية. فلا يعقل أن يقدموا طرحاً مثل هذا بغير اشتراك فى تخطيطه، والاختفاء عنه لجمع الناس حوله ضماناً لنجاحه.. بل لعل تصديرهم للشباب فى واجهة المشهد، كان غرضه تجميع الشعب المصرى كله حول الفكرة. فلو تصدروا المشهد من بدايته، لشعر غير المسلمين على الأقل بالقلق.

وربما كانت التصريحات التى انطلقت من الكنائس المصرية قبيل بدء مظاهرات 25 يناير بثلاثة أيام، تشى بأن قرارهم بأن يكونوا فى مؤخرة المشهد، كان قرارا صائبا.. يؤكد هذا ما رصدته التقارير اليومية عن تصدر الإخوان المسلمين وشبابهم فى القاهرة ومختلف المحافظات لمظاهرات الثلاثاء 25 يناير، وفى جمعة الغضب فى 28 يناير.

ولم تصدر بيانات عن الإخوان المسلمين من 26 حتى 29 يناير، ربما انشغالاً بحشد الناس على النزول فى جمعة الغضب وما تلاها.. ولعل الدور الذى قاموا به فى الأقاليم، يقطع بهذا الاهتمام بتفاعلات الثورة وأحداثها.. ولعل هذه الجدية فى المشاركة وهذا الانغماس فيها، هو الذى جعل مبارك يصدر فى يوم 29 يناير قراراً بتعيين عمر سليمان نائباً لرئيس الجمهورية، ويكلف أحمد شفيق بتشكيل حكومة بدلاً من حكومة نظيف التى أقيلت. بما يعد انقلاباً فى سياسات مبارك التى تبناها طيلة فترة حكمه.

وربما كانت تلك التغييرات فى سياسات مبارك هى التى جعلت الإخوان يمسكون بزمام المبادرة حتى النهاية. فمع أن بيانهم فى 29 يناير يكشف بأنهم كانوا لا يزالون مترددين فى اعتبار ما حدث ثورة، إلا أن هذا البيان تحديداً، قد استخدم المصطلحين معاً، الانتفاضة السلمية المباركة والثورة المباركة.. فالبيان استهل بتحية شباب مصر وشعبها الحر فى طول البلاد وعرضها على الانتفاضة السلمية المباركة، وعلى الدور الوطنى فى حماية المؤسسات والممتلكات العامة والخاصة. وقدم التحية إلى الجيش المصرى فى الحفاظ على أمن مصر وحماية مكتسبات الشعب. ثم راح يؤكد بأن ما حدث هو ثورة تلقائية سلمية وطنية ترفض الظلم وتطالب بالحرية والإصلاح الشامل.

وفى هذا السياق جاء بيانهم فى 31 يناير، مستهلاً بأنهم، وهم فى وسط الحركة الشعبية المباركة، يعلنون رفضهم التام لتشكيل الحكومة الجديدة برئاسة أحمد شفيق، ويدعون الشعب إلى الاستمرار فى فعالياته، وأن يتحرك فى مسيرات حاشدة فى جميع أنحاء القطر المصرى، لإجبار الرئيس وحزبه ووزرائه وبرلمانه على ترك السلطة.. بما يعد تصعيداً فى فترة حرجة من عمر الثورة المصرية.. فرفضهم لحيل النظام بتغيير الحكومة، يشى بأنهم أمسكوا باللحظة التاريخية التى حان فيها خنق النظام. بل إن تأكيدهم فى نهاية البيان على الوحدة والتناصر بين جميع القوى السياسية والوطنية والشباب، وتقديم المطالب الشعبية العليا على المطالب والشعارات الخاصة، والتعبير عن تقديرهم للموقف الجليل للجيش المصرى، يعد تحريضاً مباشراً على فض الصلة بين مبارك والجيش، ودفعه للانحياز للشعب الذى يمنح الشرعية ويحجبها عن أى مؤسسة.. وذلك بغرض ألا يستجيب الجيش لمحاولات النظام استخدامه ضد أهله وإخوانه وشعبه.. ومن ثم فإن بيانات الإخوان كانت حريصة على استقطاب كل القوى الوطنية لإبعادها عن مبارك وعزله بعيداً عن أعوانه.. فى الوقت الذى راحت تجمع كل الأطراف والقوى السياسية لتتضافر معاً لإسقاطه.. وهو الذى جعله يقدم على تقديم تنازل جديد.. حيث كلف عمر سليمان فى 31 يناير بإجراء حوار مع كافة القوى السياسية.. وهذا يدل على أن أول قناعات مبارك السياسية بعدم تسمية نائب له قد سقطت. فضلاً عن تكليفه بدور مهم مع الثوار.

وتزداد وتيرة التصعيد الإخوانى ضد مبارك ونظامه فى البيان الذى صدر فى الأول من فبراير. حيث رفض التفاوض مع النظام قطعياً، واعتبر عدم وجود شرعية له برئيسه وبرلمانه وحزبه وحكومته، وأن الرئيس لم يعد له وجود بالنسبة لإدارة شأن الوطن.. بل إنه استناد على المادة 3 من الدستور، التى تنص على أن ’’السيادة للشعب وحده، أعلن البيان تنحية الرئيس، وإنهاء الوجود القانونى لمجلسى الشعب الشورى. واعتبر رئيس المحكمة الدستورية العليا منوطاً به مهام رئيس الجمهورية.. وأعلن إلغاء حالة الطوارئ، واقترح تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية لتسيير شئون البلاد، وإجراء انتخابات برلمانية حرة ونزيهة، على أن يقوم البرلمان المنتخب بإجراء التعديلات الدستورية اللازمة لإجراء انتخابات رئاسية عامة حرة مباشرة. ومن ثم فإن لغة التصعيد الشديدة التى حملها البيان تشى بأن قرار تنحية مبارك عن الحكم أصبح هو القرار الرئيسى الموجود على المائدة الإخوانية.

ويبدو أن البيان كان له أثر فى خطاب مبارك فى الأول من فبراير، حينما أعلن عن نيته بعدم ترشحه مرة أخرى للرئاسة، فانسحب مئات المتظاهرين من التحرير للإيجابيات التى حملها الخطاب.. لكن إصرار الإخوان على رحيل مبارك قبل حلول الجمعة التالية، هو الذى غير الحسابات مرة أخرى، وأعاد الناس للاحتشاد حول طلب واحد وهو تنحى الرئيس. فلم يظل الإخوان مرابطين فى ميدان التحرير فقط، بل ظلوا كذلك فى كفر الشيخ والمنيا والبحيرة وغيرها.. ناهيك عن رفضهم الدعوة الموجهة إليهم بالحوار مع نائب رئيس الجمهورية.. ومن ثم فإن موقف الإخوان الرافض لبقاء مبارك على رأس السلطة تحت أى شكل كان، هو الذى أربك الحسابات، وغير الأجندات لغير الوجهة التى رسمها النظام لنفسه.. اعتماداً على تعاطف الناس مع تأثير الخطاب الإنسانى.

وفى البيان الإخوانى المؤرخ بـ 2 فبراير بلغ التصعيد حدا لا مثيل له. فقد رفض ما عرضه الرئيس مبارك فى خطابه الأول من فبراير جملة وتفصيلاً. مستنداً على المسيرات المليونية الأعظم فى تاريخ العالم، والتى جرت يوم الثلاثاء الأول من فبراير. رافضاً ما خرج به رأس النظام من تمسكه بالسلطة واستمراره فى المنصب حتى نهاية فترته فى سبتمبر 2011. ورافضاً طلبه بفرصة ستة أشهر ليقوم بالإصلاح. معتبراً أنه يستحيل تصديق رجل قد فشل طيلة ثلاثين عامًا مع زمرته فى عمل هذا الإصلاح، فكيف له إتمام هذا فى ستة أشهر. قائلاً بأن الشعب يرفض كل الإجراءات الجزئية التى طرحها رأس النظام فى خطابه فى الأول من فبراير. مكرراً رفض التفاوض معه؛ خاصةً بعد أن قام فى الثانى من فبراير بتدبير ما سمى بمعركة الجمل. بتحريك المئات من البلطجية ورجال أمنه، للاعتداء على المتظاهرين سلميًّا فى ميدان التحرير وفى المحافظات. مهيباً بالجيش بأن يظل منحازًا لمطالب الشعب، وأن يمنع الاعتداء الآثم على المتظاهرين. رافضاً طريقة النظام فى مراهنته على عامل الوقت للانصراف عن الانتفاضة المباركة. غير عابئ بالمظاهرات الهزيلة المصنوعة التى يسيرها فلول النظام، فى الوقت الذى لا يسمعون فيه هدير الجماهير التى تنادى بسقوطه.. وهذا البيان أقفل كل الأبواب التى حاول مبارك فتحها مع المتظاهرين.. وحينما سدت كل الطرق قام فى الثانى من فبراير بإرجاع خدمة الإنترنت والفيس بوك، بعد انقطاع دام ستة أيام منذ يوم 28 يناير.

وحينما أصدر الإخوان بياناً مهماً فى 3 فبراير، يشيرون فيه بأنهم لا يتطلعون للحكم، لكنهم لا يقبلون أن يصم المسئولون آذانهم عن هدير صوت الشعب الذى أظهر رغبته العارمة فى حلِّ البرلمان، وأن يترك الرئيس موقع الرئاسة وفورًا دون أية ضغوطٍ خارجية.. وأنهم مع الرغبة الشعبية الواضحة فى أن تكون مصر دولةً مدنيةً ديمقراطية ذات مرجعية إسلامية، وأنهم لا يرفضون حوارًا جادًّا يبتغى المصلحة العليا للوطن؛ شريطةَ أن يتم فى مناخٍ طبيعى ولا يحمل لغة التهديد والوعيد، انعكس هذا فى نتيجتين رئيسيتين: الأولى، تصريحات مبارك لشبكة إيه بى سى التليفزيزنية الأمريكية بأنه مل من الحكم، وأنه يريد الرحيل لكنه يخاف الفوضى. وحًمل مسئولية ما يحدث فى ميدان التحرير لجماعة الإخوان المسلمين، محذراً من استلامهم للسلطة فى حالة تنحيه. الثانية، تطمين الداخل والخارج على زهدهم فى الحكم، وبالتالى ضمان مزيد من الضغط على مبارك ومعاونيه.. وأنهم يقبلون الحوار فى غير وجود مبارك فى السلطة.

أما بيان 4 فبراير فقد اعتز الإخوان بالتضحيات التى قدمها الشعب المصرى منذ خروجه يوم الثلاثاء 25/1/2011 حتى يوم الجمعة العظيم التى صدر فيها البيان، معتبراً إياه أنه ذروة الأيام المشهودة. حيث خرج ما يزيد على 7 ملايين مصرى ومصرية فى القاهرة والمحافظات، ينادون بتغيير النظام وتنحى رئيسه؛ فيما يعد استفتاءً شعبيًّا مباشرًا. وأعلن بأن الإخوان المسلمين ليسوا طلاب سلطة ولن يرشحوا أحدًا منهم للرئاسة، ولن يزاحموا أحدًا، وإنما هم هيئة إسلامية جامعة تعمل على تحقيق الإصلاح الشامل فى جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بكل وسائل التغيير السلمى الشعبى المتدرج.

وفى الخامس من فبراير أصدر الإخوان بياناً يعلنون فيه نتيجة جولة الحوار التى خاضوها للتعرف على جدية المسئولين إزاء مطالب الشعب، ووقف الحملات الإعلامية الحكومية التى ترمى لتشويه ثورة الشعب، وإتاحة فرص متكافئة فى جميع وسائل الإعلام القومية، والإفراج الفورى عن المسجونين السياسيين والمعتقلين خلال المظاهرات.. هذا فى الوقت الذى أكدوا فيه إصرارهم على التمسك بمطالب الشعب، والتى أعلنها الملايين فى مظاهراتهم العديدة المستمرة فى مصر والعالم أجمع.. وعلى رأسها تنحى رئيس الدولة، ومحاكمة المسئولين عن إراقة الدماء فى المظاهرات السلمية، وحل المجالس النيابية المزوَّرة، والإلغاء الفورى لحالة الطوارئ، وتشكيل حكومة وطنية انتقالية تتولَّى السلطة التنفيذية، وضرورة الفصل التام بين السلطات، وإطلاق حرية تشكيل الأحزاب السياسية، وضمان حرية الإعلام. مطالبين بأن يسمع المحاورون نداءهم، وأن يضعوا مطالبهم، التى أجمعت عليها الأمة؛ قيد التنفيذ.

وفى بيانهم الصادر فى 6 فبراير تكرر إعلان قبولهم الدخول فى جولة الحوار رغبة فى توصيل مطالب الشعب مباشرة للمسئولين الجدد لاختبار جديتهم فى الاستجابة لها، ولتجنيب الشعب والوطن مزيدًا من الخسائر، فى الوقت الذى أيدوا فيه استمرار الثورة لضمان تحقيق المطالب. مؤكدين عدم وجود أجندة خاصة لهم، وأنهم لا يريدون ركوب الموجة كما ادعى عليهم البعض، مكررين أنهم ليسوا طلاب سلطة.

لكن البيان أشار لشىء فى غاية الأهمية بتصريحه عن حدوث خلاف فى الرأى حول بقية مطالب الشعب، وأن الإخوان يتمسكون بمطالب الجماهير.. لأنهم دخلوا فى الحوار من مركز متكافئ مع الطرف الآخر، ووفق إرادة حرة، وأن استجابة النظام للمطالب الشعبية هى التى ستحدد إلى متى سيستمر الحوار، وأنهم دخلوا الحوار والتظاهر السلمى المليونى مستمر لتحقيق تلك المطالب.. ومن ثم حدث ما ذكرناه سابقا وهو أنهم رموا الكرة فى جعبة النظام، وضمنوا وقوف الجماهير معهم.. وربما كان هذا الانحياز لصالح الشعب، قد التقطته الولايات المتحدة الأمريكية فى ذات اللحظة، فحدث تغير فى سياستها فى السادس من فبراير، أى فى اليوم الثالث عشر للثورة، فقد عبروا بأن الرئيس مبارك هو الوحيد الذى يمكنه إجراء التعديلات المطلوبة، وأن الإخوان المسلمين ليس لديهم القدرة لأن يلعبوا دورا فى الحكومة القادمة رغم تنظيمهم، وأن بعضهم يعادى أمريكا.. وهذا يشى بأن الخارج قد التقط تربع الإسلاميين فى مختلف ميادين الثورة، وحاول أن ينقذ مبارك، لا حبا فيه، بل كراهية لهؤلاء الذين يسيطرون على الشارع، لكن جاء تدخلها فى الوقت الذى كان فيه النظام قد تهاوى بالفعل.

لكن فى المقابل هناك قوى استغلت دخول الإخوان فى ساحة الحوار، فراحت تشوه صورتهم. لهذا راحوا فى بيانهم الصادر فى 7 فبراير يدرءون عنهم الشبهات التى ألصقت بهم، من خلال تصعيد لغة الخطاب ضد مبارك بصورة وصلت لذروتها. فأعلنوا بوضوح بأن الثورة الشعبية أسقطت النظام ومن ثم لا بد أن يرحل، ويتنحى رئيس الجمهورية، وهو المطلب الأول والأكبر الذى تنادى به الجماهير. وأنهم لا يقبلون مطلقًا أن تتم التضحية بمصلحة الشعب من أجل فرد، وإذا كانت هناك معضلات دستورية، وضعها ترزية الدساتير والقوانين، فعلى فقهاء القانون الدستورى إيجاد مخرج منها، دون التعلل بالحفاظ على كرامة الرجل على حساب كرامة الشعب التى ديست طيلة ثلاثين عامًا.

ويعبر بيان 8 فبراير من البيانات الهامة للغاية يعترض على مشهد الرئيس المستفز، وهو فى اجتماع مع بعض معاونيه، وبعضهم من ذوى الوجوه الكريهة للشعب، ليثبت أن الأمر لا يزال بيده، وأنه يمارس السلطة ويباشر الحكم، الأمر الذى دفع المتظاهرين الثائرين إلى تصعيد جديد وأكثر شده. واعترضوا على قيام الصحف الحكومية بنشر تقديمه واجب العزاء لأسر الشهداء. معترضين على تشكيله لجنة قانونية لاقتراح تعديلات دستورية، لكونه فاقداً للشرعية.. وأنه لا يزال يلتف على إرادة الجماهير، وكسب الوقت للتشبث بالسلطة، مكتفيا بإقالة بعض مسئولى الحزب الوطنى، الذين أفسدوا الحياة السياسية والاقتصادية.

لكن الخطوة التى اتخذها مبارك فى 8 فبراير بتشكيله لجنة ثلاثية لإجراء تعديلات دستورية، جعل الإخوان يتمسكون بمطلب رحيل مبارك عن الحكم.. بل دفعوا بمتظاهرين ليحاصروا مقار مجلس الوزراء، ومجلسى الشعب والشورى، ووزارة الداخلية.. وهو الأمر الذى فجر موجات من الاعتصامات الفئوية فى كل المحافظات المصرية تقريبا.. وهو الأمر الذى أفقد النظام السيطرة على مقاليد الحكم تمامًا، وشعر الجميع حينها بأن ساعاته فى الحكم قد أصبحت معدودة.

وفى اليوم السادس عشر للثورة، 9 فبراير، رفضت جماعة الإخوان المسلمين إخلاء ميدان التحرير حسب دعوة نائب الرئيس عمر سليمان.. مؤكدين أن تلك الاحتجاجات هدفها التغيير السلمى، وأنه لا شرعية فوق الشرعية الثورية التى يمثلها الشارع المصرى.. بل أصدروا بياناً حاسمًا فى ذات اليوم، امتدحوا فيه المظاهرات التى تمت يوم 8 فبراير، واشتركت فيها فئات جديدة، مثل أساتذة الجامعات والمهندسين والمحامين والصحفيين وبعض الإعلاميين الحكوميين الشرفاء فى التليفزيون المصرى.. كما أكدوا فيه بأن الثورة فى ازدياد مطرد بمرور الزمن وتصلب النظام وعناده.. وأنهم لا يفهمون عدم استجابة النظام لخروج ثمانية ملايين، وأنهم يتساءلون: هل المطلوب أن يخرج الشعب كله عن بكرة أبيه حتى يفهم النظام. وأن الجماهير لن ترهبها تلك التصريحات التى تهدد بالانقلاب العسكرى، تحت حجة أن الشعب غير جاهز للديمقراطية، وأن المتظاهرين يحركهم التيار الإسلامى، وأن أفكارهم واردة من الخارج.

وجاء بيان 11 فبراير مناسبًا لما تحقق على أرض الواقع فقد احتفل البيان بالنصر الذى تحقق، وطالب الجماهير الصامدة بالتضحية والفداء، وحياها فردًا فردًا، رجلاً وامرأةً، شابًّا وفتاةً، مسلمين ومسيحيين، وشد على أيديهم وقبل جباههم، وحمد الله أنه أزاح عن صدورهم جميعًا كابوسًا خانقًا، وطاغيةً مستبدًّا، مهنئا لهم بتلك اللحظات الكريمة المباركة التى كانت ثمرة عظيمة لثورة مباركة.

وأما آخر بيان صدر عنهم فقد كان فى 13 فبراير وأشاد بالثورة الشعبية العظيمة التى قام بها الشعب المصرى البطل لتغيير حياته وأحواله تغييرًا جذريًّا، تلك التى فتحت الباب على مصراعيه للإصلاح والبناء، وللوحدة والترابط، والتقدم والنهوض، وأن الوقت يستوجب المشاركة الوطنية بين كل الفئات لرسم طريق السير إلى المستقبل الزاهر. ووضع برنامج زمنى للخطوات التى أعلنها الجيش فى الإعلان الدستورى الذى صدر فى 13 فبراير 2011 . ومن ثم فإن بيانات الإخوان المسلمين تلخص بالفعل كل أحداث الثورة وتفاعلاتها، ولحظات اليأس والانتصار التى سادت فتراتها. وهى لا تعد مصدرا لتأريخ سيرة الإخوان فقط، بل ترسم جزءاً مهماً من تاريخ مصر خلال فترة الثورة.

تباينات داخل الحالة السلفية

حينما نتحدث عن موقف السلفيين من الاستجابة لدعوات التظاهر يوم 25 يناير، نلاحظ تباينا فى مواقفهم بشكل كبير. فقطاع كبير منهم لم يرحب بالثورة، بل دعا إلى الحوار ووقف التظاهرات وعدم الانجرار إلى الفتنة؛ وإلى ما وصفوه بالتغيير الآمن، مقابل التغيير الفورى الذى رفعه الثوار.. وهذا الاتجاه تبنته مدرسة الإسكندرية بقيادة الدكتور ياسر برهامى. فى حين قبلت حركة حفص، الحركة السلفية من أجل الإصلاح، الاشتراك فى التظاهرات.

ويوجد العديد من الفيديوهات المبثوثة على موقع أنا السلفى، بتاريخ 31 يناير، تشير إلى الدور الذى قام به شباب الدعوة السلفية فى إزالة أكوام القمامة خلال فترة الثورة.. كما أن هناك صوراً لسلفيين كثيرين شاركوا فى الثورة.. بل بلغ بهم الأمر حينما استفزهم البعض بموقفهم المضاد للثورة، أو بالمشاركة المتأخرة فيها، أن راح كثير من شبابهم يوثق تلك المشاركة ويبثها فى شتى الأوجه والصور.. لدرجة أدت بأحد شيوخهم الشباب لأن يصرح بأن وائل غنيم مفجر الثورة نفسه، كان فى بداية أيامه سلفياً.. وأنه أسس موقع طريق الإسلام بجهد فردى منه، حينما كان فى السنة الأولى أو الثانية بكلية الهندسة جامعة القاهرة. وأنه لا يعرف إن كان بعد عشر سنوات من انقطاع الصلة بينهما من أيام الكلية، لا يزال سلفيا أم تغيرت أفكاره.. وأن هناك أسماء سلفية كثيرة من قادة الثورة فى القاهرة والإسكندرية يعرفها شخصياً.. ومع أن فصيل السلفيين يعتبرون بأن الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية كان لهم قدم السبق فى التمهيد للثورة والتحريض عليها، ويعترفون بدور الشباب فيها، إلا أنهم يعتبرون توارد الشعب عليها ومساندة الجيش لها هى أسباب رئيسية لنجاحها.

وتتراوح جماعات التيار السلفى فى مصر بين جماعات دعوية خالصة، ظلت رافضة للانخراط فى العمل السياسى، كالدعوة السلفية فى الإسكندرية وجماعة التبليغ والدعوة.. وأخرى تخلط بين المجال الدعوى والانشغال بالهم السياسى، كجماعة الشيخ نشأت أحمد إبراهيم وحركة ’’حفص’’.. وبين جمعيات رسمية مهتمة بالجوانب الخيرية والإغاثية إلى جانب الشأن الدعوى، كجمعية أنصار السنة والجمعية الشرعية.. هذا إلى جانب عدد كبير من الدعاة السلفيين المستقلين، الذين تتباين توجهاتهم وتختلف بعضها عن بعض، طبقاً لمكونات الحركة السلفية فى عدد من القضايا؛ أبرزها الموقف من الحاكم، والعمل السياسى والحزبى، ووسائل تغيير المجتمع، فضلاً عن عدد من المسائل الفقهية والعقدية. وهذا التباين جعل مهمة الحضور السلفى بشكل تنظيمى فى المشهد الاحتجاجى فى 25 يناير مهمة شبه مستحيلة.. لهذا كان وجودهم فى تلك التظاهرات أقرب إلى الوجود الفردى، أملاً فى التخلص من نظام مبارك، الذى شن على مدار ثلاثين عاما حرباً عليهم.

وهذا التباين هو الذى أوجد ما سمى بسلفية أولى الأمر أو السلفية المدخلية، ومن أبرز رموزها الشيخ أسامة القوصى، والشيخ محمود لطفى عامر، والشيخ محمد سعيد رسلان، والدكتور طلعت زهران.. فهذا الفصيل السلفى يعتقد أن الحاكم المتغلب تجب طاعته ما دام متغلباً، ولو كان فاسقاً ولو لم يكن يحكم بشرع الله. ومن ثم اتخذت تلك الفئة موقفاً مضاداً من القوى والجماعات الإسلامية التى شاركت فى مظاهرات 25 يناير.. فراحت تصفها بالحزبية وعدتها بمثابة خوارج على النظام.. وهذه الجماعة الأخيرة لم تغير فيها الثورة كثيرًا أو قليلا.

كما تتواجد حركات سلفية كثيرة فى القاهرة.. ومن بين الحركات السلفية تميزت الحركة السلفية من أجل الإصلاح ’’حركة حفص’’، ومعظم أتباعها يتركزون فى حى شبرا بالقاهرة، بموقفها الواضح من الثورة التى شاركت فيها بقوة. ولعل بياناتها التى صدرت فى 18 و25 و26 و26 يناير 2011 تقطع بأنها كانت أحد الداعين للمشاركة فى احتجاجات 25 يناير، وأن البيانات الأربعة التى أصدرتها خلال تلك الفترة تشرح تطور موقفها من الدعوة للمشاركة فى التظاهرات إلى المطالبة بعزل مبارك.. بل إن بيانها الخامس الذى صدر فى الأول من فبراير يبين متابعتها الدقيقة والعميقة لتطورات الثورة خلال أسبوع من التظاهرات.

ورغم هذه المشاركة فى الثورة فقد تباينت مواقف السلفيين منها؛ فمنهم من اشترك فيها، ومنهم من تحفظ عليها. وتعد مدرسة الإسكندرية خير مثال لهؤلاء المتحفظين على المشاركة. فقد عبرت قبل انطلاق الاحتجاجات بأيام، عن عدم مشاركة فى تظاهرات الخامس والعشرين من يناير حرصًا على مصلحة العباد والبلاد فى هذه الفترة العصيبة.. لكنها أظهرت رضاها المبطن بها، بدا هذا فى حرصها على التأكيد بعدم رضاها عن أى مظلمة، صغيرة أو كبيرة، أصابت الناس وأنها لا تحرم المظاهرات.. بل لم تستمر فى موقفها الرافض للاشتراك فى المظاهرات على طول الخط. ففى أعقاب ما أسفرت عنه المظاهرات من نتائج، أقرت بهذه الإيجابيات، وامتدح شيوخها فى أكثر من مكان المتظاهرين، أشهرها عبر المؤتمر الحاشد الذى عقدوه يوم الثلاثاء 8 فبراير، للتحذير من المساس بهوية مصر الإسلامية. فقد أثنى شيوخهم على جهود الشباب المتظاهرين فى كل أنحاء مصر، وعلى التغيير الذى أحدثوه. وكذبوا ما أشيع عنهم بأنهم أخرجوا سيارات تجوب شوارع الإسكندرية لإثناء الناس عن الخروج فى الاحتجاجات وحرمة المظاهرات. مبرزين فيها ما قاموا به من جهد فى حماية ممتلكات الأقباط، وسط الغياب الكامل لسُلطة الدَّولة والأمن. وعلى إظهارهم الاستنفار من أجل إغاثة المتضررين والمحتاجين.

ومن بين كل التيارات والشيوخ السلفيين، نختار الشيخ محمد حسان كنموذج لموقف السلفيين من الثورة. وقد جاء اختيارنا هذا لأربعة أسباب رئيسية: أولها، مشاركته الواضحة والصريحة فى الثورة منذ يوم 29 يناير وحتى نهايتها بتنحى مبارك عن السلطة.. ثانيها، دعوته الصريحة بتنحى مبارك، والاستمرار فى الثورة والحفاظ على الممتلكات والمرافق العامة.. ثالثها، أنه كان أكثر المشايخ بروزًا خلال الثورة عبر وسائل الإعلام المختلفة وفى ميدان التحرير محرضًا وداعما للثورة والثوار.. رابعها، الطعن والغمز واللمز فى مشاركته فى الثورة وأنه رجل السلطة ملمحين تارة بأنه مع النظام، وتارة أخرى بموقفه المضاد للثورة مستشهدين بفيديوهات وخطب سابقة على الثورة، رغم وجود عشرات الفيديوهات والأحاديث واللقاءات التى تكذب هذا الطعن وتثبت بأن الرجل كان قلبا وقالبا مع الثورة.

ولعل خطبته للجمعة فى 22 يناير 2011 من مجمع أهل السنة بدموه دكرنس، محافظة الدقهلية، حول أحداث تونس وحديثه حول تزايد أعداد المنتحرين فى مصر، مكررين تجربة الشاب التونسى، وبأن الجوع والفقر لا يعالج بالانتحار، كانت تعبيرا عن انشغاله الكبير بالهم والشأن العام.. لكن لم يصدر عن الشيخ أية تصريحات أو بيانات تؤيد أو تعارض مظاهرات 25 يناير حتى 30 يناير.. حينما أعلن بوضوح عن مشاركته فيها يوم 29 يناير، بنزوله ميدان التحرير.

فقد تحدث الشيخ حسان على قناة المجد الفضائية حديثا مباشرا يوم 30 يناير عن الثورة المصرية قائلاً: بأن الذين خرجوا فى المظاهرات، قد خرجوا بغرض الإصلاح.. وأنه نزل ميدان التحرير يوم 29 يناير، وأنه ظل مع الشباب حول الدائرة التى تحيط بمنزله فى السادس من أكتوبر بمحافظة الجيزة من بعد صلاة العشاء إلى الفجر يؤمن مكان إقامته. وتحدث مشيداً باللجان الشعبية.. موجهاً كلمته لشباب التحرير بألا يسمحوا للمخربين بأن يدمروا المؤسسات ويسيئوا للثورة. محيياً القوات المسلحة على حماية الثورة وتأمين المؤسسات والأقاليم، محرماً عليها إطلاق أى رصاصة على المتظاهرين.

ومنذ يوم 29 يناير جعل الشيخ حسان همه فى الثورة، ومتابعة أرشيفه الإلكترونى خلال الثورة يعد خير دليل على هذا الأمر.. فهاهى قناة العربية تجرى فى الأول من فبراير حديثاً معه من داخل الميدان، استغله فى توعية الشباب للمحافظة على مكتسباتهم. ثم يخطب فى جموعهم من داخل الميدان يوم 4 فبراير مبشراً إياهم بأن رياح التغيير قد هلت.. ولعل نزوله شبه الدائم للميدان، واستجابة الجماهير لكلامه وتفاعلها مع أحاديثه، يشير بأن جهد الشيخ كان جهداً مميزا عن بقية الشيوخ.. وأنه كان داعماً للثورة على طول الخط.

ولعل لقاءه المباشر على قناة المحور فى برنامج 48 ساعة مع سيد على وهناء سمرى يوم الخميس الموافق 3 فبراير 2011 يلخص هذا الحماس والوعى السياسى للشيخ.. فقد تحدث بأنه موجود فى الميدان منذ السبت 29 يناير.. قائلاً إن من دبروا واقعة الجمل من الخونة قد أساءوا إلى الرئيس نفسه وإلى الدين وإلى الأمة.. وحذر من قتل الشباب، وبكى حين سمع بالدماء التى تسيل، قائلاً من الذى يقاتل؟ ومن الذى يقتل؟ وطالب بالتضحية بالمناصب، وبأن مصر ليست ملكاً لفرد.

وخلاصة الأمر من هذا نتائج ثلاث: الأولى، أن الشيخ حسان يعد من أوائل المشايخ السلفيين الذين نزلوا الميدان بأنفسهم، وأن جهده من داخل الميدان وعلى القنوات الفضائيات وخطبه صبت جميعها فى الثورة وتشجيع الثوار.. الثانية، أنه أول المشايخ السلفيين الذين طالبوا الرئيس بالتخلى عن منصبه، وأن بطانته الفاسدة هى التى نهبت البلد وخانت الله والدين والوطن. الثالثة، أن تحذيره من عدم اندفاع الشباب نحو القصر الرئاسى كان خشية من قتلهم وحدوث مذابح لهم، ولا يصب فى مصلحة النظام، وأن تدخله لم يكن ضبطاً للثورة بقدر ما هو تأجيج وتنشيط لها.

وتكررت لقاءات الشيخ محمد حسان التى يطالب فيها الرئيس مبارك بالتنحى عبر الفضائيات ومن داخل الميدان.. ونختار من بينها لقاءه حول ثورة 25 يناير مع الشيخ خالد الجندى على قناة أزهرى والرحمة يوم 8 فبراير 2011، فقد ذكر بأن الثورة وقعت بقدر الله، ووفق إرادة الله نصرة منه لهذا الشعب الأبى الذكى، الذى صبر وعانى، وبفضل دعوات المظلومين. وحيا شباب مصر الذى حول بجدارة مجرى التاريخ ليس فى مصر وحدها بل فى العالم كله.

الجماعة الإسلامية مشاركة فى الثورة رغم الحصار

إذا كانت الحركة الإسلامية فى مجملها اليوم تحتج على المدعين بركوبها الثورة بأنه أكثر من عارض نظام مبارك وأكثر من وقع عليه الأذى والبلاء، فإن الجماعة الإسلامية هى صاحبة التاريخ الأوفر داخل الحركة الإسلامية فى معارضة نظام مبارك منذ السنوات الأولى له فقد عارضت الجماعة التجديد الرئاسى لمبارك عام 1987، وأصدر قادتها حينها من سجن ليمان طره شريطًا صوتيًا بعنوان ’’لا لمبارك’’.

كما نادت بيانات الجماعة برفض نظام مبارك والدعوة إلى خلعه والخروج عليه وحاولت الجماعة تبنى المطالب الاجتماعية والاقتصادية للشعب المصرى فوقفت ضد قرار رفع سعر رغيف الخبز عام 1988 وأصدر أميرها العام د./ عمر عبد الرحمن العديد من البيانات التى تهاجم نظام مبارك ويدعو أطياف الشعب المصرى إلى الثورة عليه ولعل أبرزها بيانه ’’قولوا للظلم لا’’.

كما كانت الجماعة الإسلامية أول من تحدث عن فساد مبارك المالى وكيف أنه صار زعيما لمجموعة من اللصوص فأصدرت عام 1990 بيانا شديد اللهجة بعنوان ’’مبارك زعيم دولة اللصوص’’.

كل هذا وغيره يؤكد لنا أن الجماعة الإسلامية لعبت دورا كبيرا فى معارضة النظام السابق معارضة شرسة فى وقت التزم فيه الجميع الصمت حياله وهو ما دفعت ثمنه غاليا حيث اختصتها نظام مبارك بحملات اعتقال متتالية ومفتوحة وتعرضت منازل أعضائها للدهم المتواصل ووصل الأمر إلى التصفية الجسدية لأعضائها كما حدث فى أسيوط وعين شمس بالقاهرة.

إلا أن الخطأ الاستراتيجى القاتل الذى وقعت فيه الجماعة هو اندفاعها نحو الصدام المسلح مع الدولة، مما أدى إلى اتخاذ مبارك ونظامه إجراءات أكثر صرامة ضدها وصلت إلى اعتقال الآلاف من أعضائها وإصدار العشرات من أحكام الإعدام بحق منتسبيها من قبل محاكم استثنائية سواء كانت عسكرية أو طوارئ أمن الدولة عليا.

ولم تبدأ أزمتها فى الانفراج إلا عندما أصدر قادتها التاريخيون مبادرتهم الشهيرة من سجن ليمان طره عام 97 والقاضية بوقف فورى ومن جانب وحيد لجميع الأعمال القتالية دون قيد أو شرط ثم أتبعتها بالمراجعات الفقهية لمجمل أفكارها القديمة مما حدا بأجهزة الأمن إلى البدء بالإفراج عن أعضائها حتى اكتمل خروجهم عام 2006 عدا المحكوم عليهم بالإعدام والسجن المؤبد.

مما سبق يتضح أن الجماعة الإسلامية فوجئت بالثورة المصرية ولم تتعاف بعد من جراحاتها ولم تلملم شملها إضافة إلى الحصار الأمنى الشديد الذى ضرب على أعضائها المفرج عنهم ومنعهم من التواصل مع العالم الخارجى إلا عبر البوابة الإلكترونية على فضاء الإنترنت.

وقد أدى الحصار الأمنى إلى عجز الجماعة عن الالتئام فى وعاء دعوى عبر المساجد وغيرها لذا لم نلحظ موقفا جماعيا تجاه الثورة مما أدى إلى كثرة الانتقادات التى وجهت للجماعة لعدم دعوتها أفرادها إلى الالتحام بالمباشر بالثورة منذ 25 يناير، ولكن هذه الانتقادات تتغافل شيئين مهمين:

الأول: أن الجماعة لم يكن فى استطاعتها دعوة أبنائها للخروج الجماعى فى الثورة لأنها تعلم أنها ستكون أول الضحايا حال فشل الثورة، كما أنها تعلم أن ضريبة الفشل قد يدفعها أعضاؤها المحكوم عليهم بالإعدام والذين قد يتعرضون لانتقام نظام مبارك بتنفيذ أحكام الإعدام على الفور وهذا ما صرح به د./ ناجح إبراهيم المتحدث الرسمى آنذاك باسمها، والذى قال إنه استشار د./ سليم العوا، والذى نصحه بعدم إصدار تصريح رسمى بالاشتراك فى الثورة.

الثانى: أن عدم تصريح الجماعة الرسمى بالاشتراك فى الثورة لا يعنى أنها منعت أبناءها من الالتحاق بقطار الثورة فقد تركت الباب مفتوحا لهم للانضمام للثورة، وهذا ما ظهر جليا فى وجود أعداد كبيرة من أبناء الجماعة الإسلامية فى الصفوف الأولى للثوار فى المحافظات كالإسماعيلية وميدان التحرير، بل إنهم شاركوا بدور كبير فى التصدى لجموع البلطجية فى أحداث موقعة الجمل الشهيرة، مما أدى إلى إصابة العديد منهم بإصابات مؤثرة.

حزب العمل الإسلامى ومواقف أكثر تشددًا



تفاعل حزب العمل الإسلامى المصرى مع دعوات التظاهر يوم 25 يناير المنشورة على الفيس بوك وغيرها.. ففى 24 يناير 2011 عقدت اللجنة التنفيذية للحزب اجتماعاً حضره المستشار محفوظ عزام، رئيس الحزب، وعضو المكتب السياسى الدكتور أحمد المهدى، ومحمد السخاوى، أمين التنظيم، وبقية أعضاء اللجنة التنفيذية والمكتبين السياسى والتنفيذى.. وحث هذا الاجتماع الشعب المصرى ’’بكل فئاته للخروج يوم 25 يناير للتعبير السلمى عن الغضب من الممارسات التى يعتمدها النظام الحاكم فى البلاد. ومن ثم فإن الحزب أعلن بوضوح عن اشتراكه فى مظاهرات 25 يناير. لكن يبقى السؤال لماذا هى تلك الصراحة فى الإعلان عن المشاركة؟ الإجابة تقول بأن الخروج فى المظاهرات ربما كان وراءه الاعتراض على استمرار النظام فى حبس مجدى حسين، أمين عام حزب العمل الإسلامى، ومنسق عام حركة كفاية وأبرز مؤسسيها، رغم مرور ثلاثة أرباع مدة حبسه أسوة بشتى أنواع المجرمين.. مع أنه كان يتعين على وزارة الداخلية أن تفرج عنه فى 2 أغسطس 2010، بل صدر حكم القضاء الإدارى النهائى واجب النفاذ بالإفراج عنه يوم 18 يناير 2011. ومن ثم شارك الحزب وأتباعه فى التظاهرات ومجدى حسين داخل السجن.. حيث أُعلن عن استبقائه حتى 2 فبراير، لكن الضغوط التى فرضوها على النظام خلال الثورة، جعلته يفرج عنه يوم 29 يناير. وربما كانت مشاركة الحزب فى التظاهرات قد جاءت باعتباره حركة راديكالية مهمتها التصعيد للذروة ضد النظام، وشعوره بأن الفرصة قد حانت للانتقام من كل أخطائه.

وتفاعل حزب العمل الإسلامى مع مظاهرات 25 يناير سريعاً. ورغم أن البيان الأول الذى أصدره فى 27 يناير2011عبر عن تأييده لها، وسعادته بنزول الشعب المصرى إلى الميدان لمواجهة الطغيان، وتحول يوم 25 يناير 2011 إلى يوم تاريخى فى حياة مصر، إلا أن الحزب لم يكن ليضيع الفرصة، كأحد التيارات التى انتظرت هذا اليوم، دون تحويل الأمر إلى ثورة شعبية. فدعا الشباب والقوى الوطنية الحية بمواصلة الانتفاضة المباركة حتى إسقاط حكم مبارك ونظامه. ويتضح من اللغة التى خرج بها البيان أنه كتب بلغة مليئة بالثورة والتحدى لإسقاط مبارك ونظامه.. ولهذا يعد الحزب أول الحركات الإسلامية التى صعدت باتجاه تنحية مبارك وعزله عن الحكم فى اليوم الثالث للثورة، يوم 27 يناير. مختلفة فى هذا عن بقية الحركات التى طالبت بهذا الأمر فيما بعد.

ولم يصدر الحزب أية بيانات طيلة الفترة من 27 يناير حتى 2 فبراير. لكن بخروج مجدى حسين يوم 29 يناير من السجن لميدان التحرير واعتصامه هناك، تصاعدت لغة التحدى. ففى الثانى من فبراير أصدر بياناً مهمًا، أعلن فيه اعتراضه على خطاب مبارك فى الأول من فبراير، وعلى تشبثه بالحكم حتى النفس الأخير.

أما بيان الحزب فى 4 فبراير فقد أعلن عن سقوط ورقة مبارك الأخيرة، فيما سمى بمعركة الجمل، معلناً بأن الشعب لم يعد يصدقه. وأن الأمة مجتمعة على مطلب واحد، وهو إزاحته وإسقاطه عن الحكم، وأنهم لا يريدون إثارة أى موضوع حتى تحقيق هذا الهدف.. وأن الاختيار الذى يفرضه مبارك، إما هو أو الفوضى، لا يمكن الاستسلام له. وأن الحرية لها ثمن، والخسائر لا تزال أقل من خسائر العبارة وقطار الصعيد.

وفى 5 فبراير أصدر الحزب بياناً أعلن فيه بأن مظاهرات جمعة الرحيل فى 4 فبراير أثبتت أن الجماهير عازمة على مواصلة الثورة حتى إسقاط الطاغية حسنى مبارك. وأن الثورة تتقدم ولا تتراجع، وأن محاولات مبارك ونظامه للالتفاف عليها ستفشل، ولا هدف الآن إلا عزل مبارك ومحاكمته على جرائمه على مدار 30 سنة.

وفى 6 فبراير صدر بيان الحزب السادس رافضاً حديث نظام مبارك عن انتقال السلطة عبر آليات دستورية. وأن هؤلاء لا يصدقون أنهم بصدد ثورة شعبية لا مثيل لها فى تاريخ البلاد، وأن كل ثورة تؤسس لمشروعية جديدة ودستور جديد. وأن على نظام مبارك أن يحمل عصاه ويرحل. وأن مجلس الحكم الانتقالى، الذى سيتم إقراره فى ميدان التحرير، سيتولى السلطة بحد أدنى لستة شهور وبحد أقصى لمدة سنة. وأن من يدخل فى هذا المجلس لا يحق له الترشح لموقع رئاسة الجمهورية بعد المرحلة الانتقالية، على الأقل لمدة دورة أو دورتين.

وفى 7 فبراير صدر بيان الحزب معلناً بأن شعار الإطاحة بمبارك هو الشعار المركزى الذى أجمعت عليه الأمة، وأنه هو الشعار الوحيد الصائب الذى يتعين الإمساك به بإصرار، وعدم الدخول فى أى دروب جانبية أخرى. معدداً أسباب رفض الحوار مع مبارك؛ لكونه رأس الفتنة، وصاحب السلطات السياسية المستبدة، وصاحب قرارات قتل الشباب المصرى باستخدام الشرطة، وصاحب قرارات تزوير الانتخابات، ورئيس حزب اللصوص فى الحزب الوطنى وخارجه، وناهب ثروات الشعب (70 مليار دولار)، وأنه هو الذى خرب مصر وأفقر شعبها. وأن إسقاطه يعنى إسقاط أهم أركان النظام. وأن ثورة شعبية بكل هذا العمق والشمول لا يمكن أن تتفاوض مع الطاغية أو أركان نظامه، وأنه ما كان لقيادة الإخوان المسلمين أن تشارك فى هذا التفاوض المهزلة، الذى لا يستهدف إلا صرف أنظار الثورة عن هدفها الرئيسى، المتمثل فى عزل مبارك. ومن هذا المنطلق دعا البيان قيادة الإخوان المسلمين إلى الانسحاب الفورى من هذا الحوار المزعوم، وأن يلتزموا بموقف الجماهير الإجماعى، بعدم التفاوض إلا بعد سقوط مبارك.

وفى بيان 9 فبراير تحدث عن مظاهرات الثلاثاء 8 فبراير وأنها تمثل يوماً مشهوداً فى تاريخ الثورة المصرية، حيث دخلت قطاعات وشرائح جديدة من الشعب فى الثورة وبثقل أكبر، كالمهنيين والموظفين والعمال. وبلغت الحشود المليونية رقماً قياسياً غير مسبوق فى القاهرة وفى شتى المحافظات.. وأن ذلك قد أدى إلى تمدد اعتصام ميدان التحرير إلى مجلسى الشعب والشورى ومجلس الوزراء، بما يعد تطور نوعى فى العصيان السلمى، والدخول فى مرحلة الحسم. واستلهاما من هذه المبادرة الشعبية غير المرتبة دعا البيان إلى تمدد وانتشار الاعتصام من ميدان التحرير إلى القصور الرئاسية.. وأنهم يتركون تنفيذ هذا لمبادرات الجماهير وإبداعها. خصوصاً بعدما تحدى الطاغية مبارك على لسان نائبه عمر سليمان بأنه باق فى السلطة، حاملاً معه تهديداً صريحاً باستخدام العنف ضد الشعب.. معلنين تحذيرهم لمبارك وأعوانه بأن الأمر سيزداد اشتعالا، وهذا يعد خطوة أكثر استباقية من قبل الحزب لتشديد الضغوط على مبارك وأعوانه. وأنه هو الحركة الإسلامية الوحيدة التى طالبت الجماهير بالخروج ومحاصرة القصور الرئاسية.

أما البيان رقم 9 الصادر فى 10 فبراير فقد تحدث عن تحدى مبارك للشعب بالبقاء فى السلطة مع تفويض عمر سليمان.. وأنه لم يبق أمام الشعب من بديل إلا الزحف للقصر الجمهورى بمصر الجديدة المجاور لميدان روكسى.. طالباً من الجماهير المصرية العظيمة التوجه والاحتشاد والاعتصام حول القصر حتى عزل مبارك وسليمان نهائياً.

ويبدو أن البيان العاشر الذى أصدره الحزب فى 11 فبراير قد جاء معترضاً على البيان الثانى للقوات المسلحة، كونه قد التزم بما جاء فى خطابى مبارك وسليمان. ذاكراً بأن الثورة الشعبية قامت من أجل إقامة حكم مدنى وشعبى منتخب، وليس لإقامة حكم عسكرى.. وأن الثورة لن تتراجع عن الإقالة الصريحة لمبارك وعمر سليمان، وتسليم السلطة لمجلس حكم مدنى انتقالى يعنى بتشكيل حكومة تكنوقراط لتصريف الأعمال خلال الفترة الانتقالية.. وأن مهمة القوات المسلحة الدفاع عن الوطن من أى اعتداء خارجى وليس حكم البلاد.. وآخر بيان نستعين به فى هذا المقام هو ذلك الذى صدر فى 13 فبراير، والذى تضمن تهنئة للشعب المصرى العظيم على إصراره وعزيمته للإطاحة بحسنى مبارك بعد ثورة لا مثيل لها فى تاريخ مصر. محييا القوات المسلحة على دورها المشرف مع الثورة، وضرورة وجود آلية مشتركة بين ممثلى الثورة والجيش للعمل على الانتقال السلمى للسلطة فى أقصر وقت ممكن.

ونخلص مما سبق بثلاث نتائج هامة: أولها، أن حزب العمل الإسلامى المصرى هو أكثر التنظيمات الإسلامية التى اتجهت نحو التصعيد والراديكالية ضد مبارك ونظامه. ثانيها، أن عدد البيانات التى أصدرها 12 بياناً تقريباً، أوردنا ثلاثة عشر بياناً، مضيفين إلى تلك البيانات البيان رقم 21 فى سلسلة بياناته قبل بدء التظاهرات فى 25 يناير، باعتباره البيان الأول الذى دعا للمشاركة والدخول فى تظاهرات 25 يناير. ثالثها، أن خروج مجدى حسين من معتقله يوم 29 يناير، وتوجهه ببدلة السجن إلى ميدان التحرير، وإعلان اعتصامه فيه حتى رحيل مبارك، قد أجج موجة التصعيد التى انتهجها الحزب ضد مبارك ونظامه.
*المصريون بتصرف يسير
أضافة تعليق