مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2021/07/13 19:20
د.عبد الرقيب عبد الله عبّاد يكتب عن شيخه العلامة :مُحَمَّدُ بْنُ إِسْماعيلَ العَمْرانيُّ رحمه الله.
                                                     بسم الله الرحمن الرحيم
رَحَلَ الوالِدُ العَلَمُ الرَّبَّانيُّ المُجْتَهِدُ المُسْنِدُ الفَقيهُ الأُصوليُّ , بَقيَّةُ السَّلَفِ, رَمْزُ التَّواضُعِ, فَضيلَةُ القَاضِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْماعيلَ العَمْرانيُّ.

 رَحَلَ بَعْدَ حَياةٍ حافِلَةٍ بِالعَطاءِ العِلْميِّ المُنْقَطِعِ النَّضيرِ فِي خِدْمَةِ الكِتابِ والسُّنَّةِ مَا يَزيدُ عَلَى اَلْمائَةِ عَامٍ ,عَطاءً وَزُهْدًا وَعِبادَةً , عَرَفَتْهُ حَلَقاتُ العِلْمِ فَأَلِفَتْ فِيه وَتَدَها الدّائِمَ الثّابِتَ , وَعَرَفَتْهُ كَراسيُّ العِلْمِ فِي المَعاهِدِ وَالجَامِعَاتِ.
 وَلَقَد عَرَفتُهُ عالِمًا لَا يَنْضُبُ مَعِينُهُ, سَهْلًا مُيَسِّرًا وَشَهْمًا كَرِيمًا , لَا تُفارِقُ الِابْتِسامَةُ مُحَيّاهُ الطّاهِرَ, أَنيقٌ فِي مَلْبَسِهِ وَمِشْيَتِهِ وَكَلامِهِ , مَا عَرَفتُ أَجَلَّ مِنْهُ قَدْرًا وَلا أَعْلَى مِنْهُ هِمَّةً وَلا أَغْزَرَ مِنْهُ عِلْمًا.
 نَهْمَتُهُ فِي القِراءَةِ لَا تُضَاهِيهَا هِمَّةٌ, فلقد خَرَجتُ مَعَهُ بَعْدَ زيارَةٍ لِلْوَالِدِ الشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُسَينِ الأَحْمَرِ بَعْدَمَا أَهْدَاه كِتابَ مُذَكِّرَاتِهِ فَأَخْبَرَني أَنَّهُ قَرَأَهُ فِي لَيْلَةٍ واحدِةٍ, كَيْفَ لَا وَهُوَ اَلَّذِي كَانَ فِي صِغَرِهِ يَذْهَبُ لِاسْتِعارَةِ الكُتُبِ مِنْ أَصْحابِها لِشِحَّةِ نُسَخِها فَيَنكَبُّ عَلَيْهَا وَيَقْرَؤها وَهِيَ اَلْمُجَلَّداتُ اَلْضِّخَامُ, فكَانَ الكِتابُ لَا يُفارِقُ أَنامِلَهُ وَبَصَرَهُ كُلَّ حَياتِهِ, فلقد أَحَبَّ الكِتابَ والكِتابُ أحْبَّهُ.

رَحَلَ القَاضِي العَمْراني بَعْدَمَا رَحَلَ رَفيقُهُ فَضيلَةُ الدُّكْتورِ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ لُطْفٍ الدَّيْلَمي, وَلَعَمْرِي أَنَّهُمَا عَيْنَا اليَمَنِ, شَمْسُها وَقَمَرُها اَلْنَّيِّرَانِ, لَكِ اللَّهُ يَا يَمَنَ الفِقْهِ والْإيمانِ فِي فَقدِ عَيْنَيكِ الْمُبْصِرَتَينِ.رَحَلَ القَاضِي العَمْراني بَعْدَمَا أَحْيَا اللَّهُ بِهِ فِقْهَ الشَّوْكانيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِكْرَهُ وَطَريقَتَهُ.
ذَهَبْنَا مَعًا يَوْمًا لِزِيَارَةِ البَيْتِ اَلَّذِي وُلِدَ فِيه عَلامَةُ اليَمَنِ الشَّوْكاني, فَلَمَّا وَصَلْنَا إلى المَكانِ قَالَ لِي: اُنْظُرْ! هَذَا البَيْتُ اَلَّذِي وُلِدَ فِيه الشَّوْكاني, ثُمَّ اتَّجَهَ إِلَى قَرْيَةِ اَلْهَبَلِ وَقَالَ: وَهَذِهِ القَرْيَةُ التي وُلِدُ فِيهَا الشّاعِرُ اَلْهَبَلُ, صاحِبُ دِيوَانِ اَلْهَبَلِ, وَلِلَّهِ كَمْ هوَ الفَرْقُ بَيْنَ الشَّوْكانيِّ اَلَّذِي انْتَشَرَتْ كُتُبُهُ فِي أَصْقَاعِ الأَرْضِ؛ وَبَيْنَ اَلْهَبَلِ اَلَّذِي لَمْ يَنْتَشِرْ شِعْرُهُ رَغْمَ فُحولَةِ صاحِبِهِ، أَتَدْرِي لِمَاذَا؟ قُلتُ: لِمَاذَا ؟ قَالَ: لِأَنَّ الشَّوْكانيَّ ابْتَعَدَ عَنْ اَلتَّعَصُّبِ وَاَلْهَبَلَ عَلَى خِلافِهِ .
نَعَمْ إِنَّهُ الوالِدُ العَمْرانيُّ اَلَّذِي تَعَلَّمَتُ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ والِدِي وَلِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ سَنَةً مِنْهَا ثَمانيَ عَشرَةَ سَنَةً مُلازَمَةً لَهُ , كُنْتُ تِلْميذَهُ وَخَادِمَهُ وَسائِقَهُ,, زُرْتَ مَعَهُ العَلامَةَ عَبْدَ القادِرِ بنَ عَبْدِ اللَّهِ شَرَفَ الدّينِ اَلَّذِي هوَ شَيْخُهُ وَشَيْخِي فَقَدْ أَخَذتُ عَنْهُ البُخاريَّ وَالتِّرْمِذِيَّ كامِلَيْنِ قَبْلَ وَفاتِهِ , فَقَالَ لَهُ: لَقَدْ جِئتُ أَنَا وَتِلْميذِي نَزورُكَ؛ بِهَذَا التَّواضُعِ اَلَّذِي أَدْهَشَ الجَميعَ صَارَ العَمْرانيُّ وَعَاشَ.
كَانَ يُحِبُّ جَبْرَ الخَواطِرِ وَيُقَدِّرُ الرِّجالَ وَيُعِينُ النّاسَ كُلَّ النّاسِ, وَفِي المُقَابِلِ لَا يُحِبُّ أن يُعْطيَهُ أَحَدٌ شَيْئًا, وَأَذْكُرُ أَنِّي حَمَلتُ لَهُ خَبَرَ مَنحِهِ سَيّارَةً جَديدَةً مِنْ أَحَدِ رِجالِ الأَعْمالِ فَرَفْضَها مُعْتَذِرًا بِقَوْلِهِ : سَيّارَتِي القَديمَةُ خَيْرٌ لِي وَأَحَبُّ, وَهَذِهِ السَّيّارَةُ الجَديدَةُ لَا أُريدُها, فَرِجْلَاي واحِدَةٌ فِي القَبْرِ والثّانيَةُ مَازَالَتْ هُنَا فِي الدُّنْيَا .
رَحِمَكَ اللَّهُ يَا شَيْخِي وَتاجَ رَأسِي وَمُؤَدِّبِي وَمُعَلِّمي وَوَالِدِي, أَنْعيِكَ لِأُمَّةِ اَلْإِسْلامِ قَاطِبَةً. أَنْعِي العَلَمَ النِّحْريرَ, والْمُجْتَهِدَ المُطْلَقَ, وَاَلْزاهِدَ الوَرِعَ, وَاَلْمُتَواضِعَ الفَذَّ.

أَنْعِي الْوالِدَ الحَنونَ وَرَجُلَ الخَيْرِ اَلَّذِي تَعَلَّمتُ مِنْهُ حُبَّ الخَيْرِ, وَهَذَا جانِبٌ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهُ الكَثيرُ مِنْ طُلّابِهِ فَقَدْ كَانَتْ لَهُ صَوَلاتٌ وَجَوَلَاتٌ فِي كَفالَةِ الأَيْتامِ وَتَزْويجِ الشَّبابِ وَرِعايَةِ الأَرامِلِ .رَحِمَكَ اللَّهُ يَاقِرَةَ عَيْني , وَياعَيْنِيَ اَلَّتِي تُبْصِرُ وَيَالِيتَ شَعْري مَنْ مِنْ الوَرَى سَيَسُدُّ مَسَدَّكَ وَيَعْمَلُ عَمَلَكَ وَيُدَرِّسُ تَدْريسَكَ .
أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَى الأُمَّةِ بِخَيْرٍ.
كَتَبَهُ تِلمِيذُهُ: عبدُ الرقيب عبد الله عُباد

 
أضافة تعليق