عبد الله بن فيصل الأهدل
الخميس 11/3/1442هـ
مازال ماكرون أحمق فرنسا وحكومته يمارسون سفاهاتهم في فتح المجال لنشر الرسوم المسيئة لرسول الله صـلى الله عليه وسلم، وأضافوا لذلك تنكيلًا واسعًا بكلِّ ما هو إسلامي، حتى وصل الشحن -كما علمنا من المواقع الإخبارية- إلى طعن امرأتين مسلمتين محجبتين دون جريرة منهما إلَّا الإسلام، ولم نسمع تنديدًا بهذا الفعل..
وبزعم الحرية يتمادى الفرنسيون، وقد أحسن رسام الكاريكاتير الموريتاني خالد ولد مولاي إدريس حيث قام بنشر رسوم كاريكاتورية تسخر من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ردًّا على إصرار الرئيس ماكرون على الدفاع عن الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة لنبي الإسلام في فرنسا -كما ذكرت وسائل إعلام موريتانية منها موقع "موريتانيا اليوم"-، فما كان رد فعل أدعياء الحرية والتحضر؟
قامت السفارة الفرنسية في نواكشوط على الفور بإنهاء عقد عمل رسام الكاريكاتير الموريتاني واعتبرت رسمه الكاريكاتيري عن الرئيس الفرنسي "مسيئًا".
وقد ذكرنا من قبل كيف قامت صحيفة شارلي إيبدو الفاجرة التي نشرت الرسوم المسيئة لنبينا صلى الله عليه وسلم؛ فقد قامت هذه الصحيفة بفصل الكاتب موريس سينيه أحد محرري صحيفتهم البارزين؛ وذلك بتهمة معاداة السامية لمجرد أنَّه لـمَّح وغمز ابن الرئيس السابق لفرنسا نيكولاي ساركوزي بأن تنبأ له بمستقبل مالي مشرق بعد زواجه من يهودية.. في إشارة ضمنية لتحكم اليهود في الاقتصاد العالمي..
ومن قبل حكمت المحاكم الفرنسية على المفكر الفرنسي الكبير "رجا جارودي" بالسجن لمدة سنة لا لشيء إلَّا لأنَّه ندَّد بمذابح صبرا وشاتيلا، واعتبرت المحاكم الفرنسية هذا التنديد معاداة للسامية..
ويتبين من هذا أنَّ اليهود بقذارتهم وحقدهم التاريخي على الإنسانية معصومون لدى القوانين الفرنسية، ولا يدخل ذلك في حرية الرأي؛ بينما المسلمون ومقدساتهم كلأ مباح؛ بل هم المستهدف الأول في حرب لا تعرف مبادئ ولا قيمًا..
لم يصبر عموم المسلمين طويلًا على تلك الاعتداءات المتواصلة، فانتشرت في الأمة الإسلامية روح مقاطعة فرنسا المعتدية اقتصاديًّا على الأقل؛ لكون المقاطعة السياسية لا تملكها الشعوب المغلوب على أمرها اليوم..
وأصل هذه المقاطة هو لزجر هؤلاء الكفار عن التمادي في غيِّهم في حق نبينا صـلى الله عليه وسلم وعموم المسلمين في فرنسا وغيرها..
وهي تدخل في عموم الجهاد بالمال المأمور به في التنزيل، وقال صـلى الله عليه وسلم: «جاهدوا المشركين: بأموالكم، وأنفسكم، وألسنتكم». [رواه أبو داود، وقال الألباني في صحيح أبي داود (2262): إسناده صحيح على شرط مسلم، وكذلك قال الحاكم، ووافقه الذهبي، وصححه ابن حبان].
ولخصوص المقاطعة الاقتصاديَّة أصل في ديننا؛ فقد ثبت عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟» فَقَالَ: عِنْدِي خَيْرٌ يَا مُحَمَّدُ؛ إِنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ. فَتُرِكَ حَتَّى كَانَ الْغَدُ ثُمَّ قَالَ لَهُ: «مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟» قَالَ: مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ. فَتَرَكَهُ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ فَقَالَ: «مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟» فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ. فَقَالَ: «أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ». فَانْطَلَقَ إِلَى نَجْلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَيَّ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَمَاذَا تَرَى؟ فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ. فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ: صَبَوْتَ؟! قَالَ: لَا، وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [رواه البخاري (4372) ومسلم (1764)].
وأقره النبي صـلى الله عليه وسلم على منع الحنطة. وقوله: صَبَوْتَ، أراد: خرجت من الدين الحق إلى الدين الباطل. وأصله في اللغة الخروج من دين إلى دين، من قولهم: صبأ النجم والناب، إذا خرج.
فلعل تلك السخرية والاستهزاء بدين ثمامة بن أثال هي التي أحفزته ليمنع القمح عن قريش..
فيمكننا أن نقول: إنَّه يحق لكل مسلم يستهزئ الكفار بدينه أن يقاطع أولئك المستهزئين، ويمنع عنهم كل خير يمكنه منعه ليزجرهم بذلك.. وقد بينت بعض الروايات أنَّ ثمامة خرج إلى اليمامة فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئًا فكتبوا إلى النبي صـلى الله عليه وسلم: إنَّك تأمر بصلة الرحم. فكتب إلى ثمامة أن يخلى بينهم وبين الحمل إليهم. [انظر فتح الباري (8/88)].
وتأثير المقاطعة في الزمن النبوي لا يمكن أن يشابه تأثيرها في زماننا هذا؛ ففي زماننا هذا تكاثرت الشركات الكبيرة المنتجة والمصدرة وهي تدفع الضرائب الضخمة وغيرها من الرسوم التي تدعم الدول والحكومات والرؤساء؛ فتأثير المقاطعة الاقتصاديَّة أعظم بكثير ونكايتها بأعداء الله تعالى هائلة، ولذلك عدَّ جماعة من علماء المسلمين في زماننا هذه المقاطعة نوعًا من الجهاد في سبيل الله تعالى؛ يقول العلامة عبد الرحمن بن ناصر بن سعدي -رحمه الله تعالى- في فتواه المتعلقة بالمقاطعة الاقتصاديَّة تحت عنوان: بيان في فضل الجهاد في سبيل الله وأنَّ المقاطعة الاقتصاديَّة ركن من أركان الجهاد:
... إخواني:
اعلموا أنَّ الجهاد يتطور بتطور الأحوال، وكل سعي وكل عمل فيه صلاح المسلمين وفيه نفعهم وفيه عزهم فهو من الجهاد، وكل سعي وعمل فيه دفع لضرر على المسلمين وإيقاع الضرر بالأعداء الكافرين فهو من الجهاد، وكل مساعدة للمجاهدين ماليًّا فإنَّها من الجهاد.. فمن جهَّز غازيًا فقد غزى، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزى، وإنَّ الله يُدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة: صانعه يحتسب فيه الأجر، والذي يساعد به المجاهدين، والذي يباشر به الجهاد.
ومن أعظم الجهاد وأنفعه السعي في تسهيل اقتصاديَّات المسلمين والتوسعة عليهم في غذائيَّاتهم الضرورية والكمالية، وتوسيع مكاسبهم وتجاراتهم وأعمالهم وعمالهم، كما أنَّ من أنفع الجهاد وأعظمه مقاطعة الأعداء في الصادرات والواردات فلا يسمح لوارداتهم وتجاراتهم، ولا تفتح لها أسواق المسلمين ولا يمكنون من جلبها على بلاد المسلمين.. بل يستغني المسلمون بما عندهم من منتوج بلادهم، ويورِّدون ما يحتاجونه من البلاد المسالمة. وكذلك لا تصدر لهم منتوجات بلاد المسلمين ولا بضائعهم وخصوصًا ما فيه تقوية للأعداء: كالبترول، فإنَّه يتعين منع تصديره إليهم.. وكيف يُصدَّر لهم من بلاد المسلمين ما به يستعينون على قتالهم؟؟! فإنَّ تصديره إلى المعتدين ضرر كبير، ومنعه من أكبر الجهاد ونفعه عظيم.
فجهاد الأعداء بالمقاطعة التامَّة لهم من أعظم الجهاد في هذه الأوقات، ولملوك المسلمين ورؤسائهم -ولله الحمد- من هذا الحظ الأوفر والنصيب الأكمل، وقد نفع الله بهذه المقاطعة لهم نفعًا كبيرًا.. وأضرت الأعداء وأجحفت باقتصاديَّاتهم، وصاروا من هذه الجهة محصورين مضطرين إلى إعطاء المسلمين كثيرًا من الحقوق التي لولا هذه المقاطعة لمنعوها، وحفظ الله بذلك ما حفظ من عز المسلمين وكرامتهم.
ومن أعظم الخيانات وأبلغ المعاداة للمسلمين تهريبُ أولي الجشع والطمع الذين لا يهمهم الدين ولا عز المسلمين ولا تقوية الأعداء نقودَ البلاد أو بضائعها أو منتوجاتها إلى بلاد الأعداء..! وهذا من أكبر الجنايات وأفظع الخيانات، وصاحب هذا العمل ليس له عند الله نصيب ولا خلاق.
فواجب الولاة الضرب على أيدي هؤلاء الخونة، والتنكيل بهم، فإنَّهم ساعدوا أعداء الإسلام مساعدة ظاهرة، وسعوا في ضرار المسلمين ونفع أعدائهم الكافرين.. فهؤلاء مفسدون في الأرض يستحقون أن ينزل بهم أعظم العقوبات.
والمقصود أنَّ مقاطعة الأعداء بالاقتصاديَّات والتجارات والأعمال وغيرها ركن عظيم من أركان الجهاد وله النفع الأكبر وهو جهاد سلمي وجهاد حربي.
وفق الله المسلمين لكل خير وجمع كلمتهم وألَّف بين قلوبهم وجعلهم إخوانًا متحابين ومتناصرين، وأيَّدهم بعونه وتوفيقه، وساعدهم بمدده وتسديده إنَّه جواد كريم رؤوف رحيم..
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
قال ذلك وكتبه:
عبد الرحمن بن ناصر بن سعدي -رحمه الله-. اهـ
[انظر موسوعة الدفاع عن رسول الله صـلى الله عليه وسلم، جمعها وقدَّم لها ورتبها الباحث في القرآن والسنة: علي بن نايف الشحود (11/117-119)].
وقد أفتى بمشروعية المقاطعة جموع من علماء المسلمين في العصر الحديث مثل:
الألباني، وابن جبرين، وعبد الرحمن البراك، وعبد الله السعد، وغيرهم كثير..
ومقاطعة فرنسا هدفها الأساسي -الذي ينبغي ألَّا يغيب عن أذهاننا- هو:
1. كفُّ رئيس فرنسا المعتدي عن تشجيعه للاستهزاء برسول الله صـلى الله عليه وسلم، والتضييق والإيذاء على المسلمين في فرنسا.
2. ردع من يرغب في السير على نهج فرنسا في نصرة المستهزئين بنبينا صـلى الله عليه وسلم وتوابع ذلك.
3. بيان قدرة المسلمين في كافة أنحاء الأرض على التوحُّد رغم تفريقهم بحدود مصطنعة وحكومات علمانيَّة هزيلة تابعة للشرق والغرب..
4. بيان أنَّ الغضبة عامَّة في كل مسلم، وأنَّ أفراد الجماعات الإسلامية ليسوا وحدهم من ينصرون نبيهم صـلى الله عليه وسلم..
5. خذلان العلمانيين ومناصري دولة فرنسا من بني جلدتنا؛ الذي سارعوا لإغاثة الاقتصاد الفرنسي، ووصم المقاطعين -رغم كثرتهم وتعدُّد مشاربهم- بالتطرُّف والإرهاب.
6. تعويد النفس على ترك المنتجات التي تنتجها الدول الكافرة المحاربة التي تعادي الإسلام والمسلمين مهما كانت من الجودة والإتقان..
7. فتح المجال لمنتجات الدول الإسلامية للعمل على سدِّ ثغرات فقدان المنتجات الفرنسية -وإن كانت أقلَّ جودة-، وفي ذلك تقوية لاقتصاد المسلمين..
8. إيقاف نزيف العملات المتدفق على فرنسا، وفيه -أيضًا- تقوية لاقتصاد المسلمين..
9. إحياء الشعور بالهوية الإسلامية الذي غيَّبته الحكومات العلمانية الفاجرة، وخاصَّة بعد الانكسار الذي أصاب بعضهم نتيجة الارتماء المتتابع في أحضان اليهود والتطبيع معهم من قِبَل بعض الأنظمة، وخذلان القضيَّة الفلسطينيَّة..
10. إظهار تكاتف الكفار ضدَّ المسلمين، وأنَّ الكفر ملَّة واحدة -فالكثير من المسلمين مازالوا يُحسنون الظنَّ بهم-؛ فها هي المفوضية الأوربية تعلن أنَّ مقاطعة البضائع الفرنسية ستبعد تركيا أكثر عن الإتحاد الأوروبي.. وإن كان لا يسرُّنا -أصلًا- انضمام تركيا للاتحاد الأوربي..
قال تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٍ﴾ في النُّصرة والإرث. فلا إرثَ بينَكم وبينهم ﴿إِلَّا تَفۡعَلُوهُ﴾ أي: تولِّي المسلمِين وقطعَ الكفَّار ﴿تَكُن فِتۡنَةٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَفَسَادٞ كَبِيرٞ﴾ بقوَّة الكفر وضعف الإسلام. ﴿وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقّٗاۚ لَّهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ﴾ في الجنَّة. ﴿وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنۢ بَعۡدُ﴾ أي: بعد السَّابقين إلى الإيمان والهجرة ﴿وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ مَعَكُمۡ فَأُوْلَٰٓئِكَ مِنكُمۡ﴾ أيُّها المهاجرون والأنصار. اهـ [تفسير الجلالين، سورة الأنفال (73-75)].
فيا كفَّار فرنسا مهما فعلتم وضيَّقتم على المسلمين الملتزمين بدينهم، ومهما أخرجتم من أضغان نفوسكم علينا؛ فإنَّ المسلمين سائرون على نهجه برعاية رَبَّانيَّة لا ينقطع مددها؛ فعن أبي عنبة الخولاني رضي الله عنـه -وكان قد صلَّى القبلتين مع رسول الله صـلى الله عليه وسلم- قال: سمعت رسول الله صلـى الله عليه وسلم يقول: «لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسًا يستعملهم في طاعته». [رواه ابن ماجه (8) وغيره، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (2442)].
وقد رأيتم من هذا الغرس الكثير من المسلمين الملتزمين دينًا وخلقًا وأمانةً وصدقًا، وسترون الكثير والكثير إنشاء الله تعالى..
ولئن كانت أمَّتنا منهزمة في زماننا هذا فإنَّ الغرس المذكور مازال موجودًا في كل زمان كما أخبر النبي صـلى الله عليه وسلم، وكما في حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنـه -وغيره- عن النبي صـلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَاتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ». [رواه البخاري (7311) ومسلم (1921)].
قال شيخ الإسلام -تعليقًا على هذين الحديثين-:
... فعلم بخبره الصدق أن لا بد أن يكون في أمته قوم متمسكين بهديه الذي هو دين الإسلام محضًا... اهـ [اقتضاء الصراط المستقيم (ص8)].
ولا شكَّ عندنا أنَّ مِن أولى مهام طواغيت الأرض في الشرق والغرب -وخاصَّة اليهود ومَن تبعهم مِن النصارى-: اجتثاث أو إضعاف قوة وإيمان ووعي الأجيال الصاعدة من الشباب المسلم الذي تُثبت الأحداث يومًا بعد يوم أنَّ الخير يزداد فيهم -ولله الحمد والمنَّة- ولا عجب فهم أمَّة محمد صـلى الله عليه وسلم الذين استقوا من منهل الكتاب والسنة..
ومهما استهدف الكفار شباب أمَّتنا بأيِّ وسيلة كانت فإنَّ النصر والتمكين للإسلام قادم بأيديهم..
اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم..