مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
يوجعنا أن يسقط بعض من نحب بين أنياب من نكره!!
يوجعنا أن يسقط بعض من نحب بين أنياب من نكره!!

عدنان سليم أبو هليل

صحيفة الشرق القطرية

لم تكن المعركة مع الاحتلال الصهيوني أوضح (ولا أفضح) مما هي عليه الآن، ولم تقم الحجة علينا كما هي اليوم، فالعدو في هذه المعركة هو اليهود القتلة الصهاينة المحتلون؛ فمن لم يناصر المقاومة لأنها تواجه اليهود الذين يجرون جرياً في تهويد الأرض وإهانة كل الأديان فأين دينه؟ ومن لم يناصر الشعب الفلسطيني لأنه يقاوم الصهاينة المحتلين فأين وطنيته وأين قوميته؟ ومن لم يحدد موقفه من قتلة الأطفال وإرهابيي العصر فأين إنسانيته وأين ضميره؟ أما المقاومة في فلسطين - ومثلها في العراق وأفغانستان ولبنان..- فهي أولاً لم تعط أحداً ذريعة التخلي عنها أو التآمر عليها كما فعلت كثيراً منظمة التحرير الفلسطينية التي غرقت في الصراعات والخلافات العربية العربية وانحازت مع فلان أو ضد علان وغرقت في الدماء وأجّرت البندقية ثم كسرتها فوفرت بذلك الذرائع والغطاءات لكل من يتآمر على قضيتها وشعبها.. المقاومة الإسلامية في فلسطين لم تتورط في شيء من ذلك لأنها إسلامية أولاً والإسلام لا يباع ولا يشترى ولأنها استفادت من التجارب المريرة التي تورطت فيها المنظمة وورطت فيها شعبها ثانياً، ولأن القضية بالنسبة لقياداتها أكبر من ذواتهم ومصالحهم وعلاقاتهم وأكبر من أية مجاملات ثالثاً.. لذا وجدناها تقبل كل الوساطات التي تقدمت بها كل الأطراف عربية أو إقليمية ودون النظر للفوارق الطائفية أو القومية أو المصلحية أو العلاقات الخاصة معها كحركة.. قبلت تدخلات مصر التي انحازت لأعدائها وسوريا التي تواليها واليمن التي تقف بين البينين، وصبرت على المر وأمر منه وهو ما لم يفهمه البعض فظنوها تفعل ذلك تكتيكا أو ضرورة أو طمعاً..

والمقاومة بقدرتها على مواجهة الاحتلال وجدارة ما تقوم به في رده وردعه قد أقامت الحجة على أولئك المهزومين الذين يئسوا من روح الله وقنطوا من رحمته وظنوا أن الممكن هو فقط الاستسلام وإعطاء الدنية تحت مبررات ما يدّعون من واقعية البكاء واللطم أو تحت شعارات سحب الذرائع واليد التي لا تناطح المخرز ومراعاة الرأي العام العالمي.. وهي بإسلاميتها وسنّيّتها المحضة (ومع احترامنا للمذهب الشيعي وتقديرنا لمقاومة حزب الله) أقامت الحجة على الذين ركبوا حمار الطائفية في صيف 2006 وتخلوا عن المقاومة اللبنانية وأدانوها وحرّضوا عليها بتلك الذريعة.. وما هي إلا تخريجات ولافتات لشيء واحد فقط هو استغفال ضيقي الأفق من الطائفيين في الجهة الأخرى والتزلف لاكتساب شرعية ما لديهم ومحاولة للتستر على دعم العدوان بموقف تبريري..

والإعلام كذلك أقام الحجة فقد طفحت الشاشات والجرائد بصور الدم والهدم والنار والأجسام المقطعة والجثث المتفحمة واخترقت مشاهد الفوسفور الأبيض وقنابل الدايم ومناشدات الأطفال.. جدار الصمت فأنطقت من به بكم وأرت من به عمىً وأسمعت من به صمم.. فتحركت شعوب في مظاهرات ومسيرات مليونية في جهات الدنيا الأربع وتحركت هيئات ومنظمات أهلية وحقوقية ونقابية وثقافية.. صحيح أن بعض الجهات الإعلامية قامت بدور سيئ ومشبوه وحاولت أن تسوّق البكاء بدل الصبر واليأس بدل الأمل وقدمت قراءات وتحليلات إما غير موضوعية أو مجزوءة أو مخرجة عن سياقها أو بلسان أعداء المقاومة باتجاه إدانتها وشيطنتها وكيل الاتهامات ضدها كجزء من الحرب النفسية المرافقة للعدوان.. ولكنها كانت معروفة ومكشوفة ولم يكن متوقعاً منها إلا أحسن من ذلك.. ولم تنطل أكاذيبها وترويجاتها إلا على من أراد هو أن تنطلي عليه وبالتالي فلا يمكن الاستشهاد بها أو أخذ ما جاءت به على مأخذ الجد لإنكار الحقائق أو التغطية على الحجة البالغة والشمس الساطعة..

الحجة قامت والمحجة بانت ولكن محاولات اعتراض الحقائق وترويج الأكاذيب لم تنته ولا يتوقع أن تنتهي وبالذات ممن حددوا خياراتهم مع الاحتلال منذ البداية توافقاً أو خوفاً أو جرياً مع مصالح لهم شخصية أو حزبية قدموها على كل الثوابت والمقدسات.. هؤلاء لا يجوز أن يتوقع أحد أن يحولوا مواقفهم وهجرتهم تحولاً كبيراً لصالح المقاومة مهما قدمت من بينات ومهما حققت من إنجازات.. هم الأعداء على نفس الخط وبنفس المقاس وإن تسموا بأسمائنا وتكلموا بألسنتنا واشتهروا فينا بعلم أو منصب أو زعموا لأنفسهم ثورية أو وطنية.. النظر هنا يجب أن يكون مركزاً على حقائق مواقفهم لا على ظواهر أقوالهم وعلى حصائلهم السياسية وليس على أجزاء مواقفهم.. مثل هذا الصف (الطابور الخامس) موجود في كل الأزمان وحتى في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم الذين أسماهم الله تعالى المنافقون وحذر منهم بقوله (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسنّدة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون) – المنافقون 4 - هؤلاء هم وهذه مواقفهم وهم يرون المعجزات ويسمعون الآيات تتنزل وتكشف ما في قلوبهم.. فهل يرتجى منهم بعد ذلك توبة وعن الباطل أوبة؟ وانظر لقوله تعالى يحسبون كل صيحة عليهم.. فموقفهم إذن عاطفي لا عقلانياً ولا موضوعياً وخطيئتهم في الولاء والبراء والعقيدة لا في نقص في المعلومات والمعارف.. وإذن فمناقشتهم لا تكون فقط بمقارعة الحجة بالحجة وإعادتهم للصف الوطني - إن كان مطموعاً فيه - لا يتوقف بالضرورة على إقناعهم.

هؤلاء كانوا دائماً مشكلة كل الثورات الوطنية القديمة والحديثة وهم جزء من مشكلة صفنا الداخلي تاريخياً كما أشرنا وهي ليست مشكلة خاصة بزماننا ولا بمحور القضية الفلسطينية وتفاعلاتها.. إلا أنها أخذت عندنا في أيامنا هذه أبعاداً خطيرة وأصبحت مشكلة كبيرة لسببين في نظري؛ أحدهما: أنهم وصلوا في بعض بلادنا إلى مواقع القرار الرسمي وقيادة الأمة والرأي العام وأصبح صوتهم مسموعاً وفسادهم وخيانتهم محصنة عن النقد والرفض بخلاف ما كانوا عليه في أزمان مضت فصاروا يستطيعون تحويل هزيمتهم المعنوية واهترائهم العقدي والفكري والخلقي إلى سياسات وبرامج وحقائق مؤثرة وثقافة عامة وأصبحوا تسير بسيرهم شعوب وتقعد بقعودهم فنتج عن ذلك السبب الآخر لتعاظم خطرهم وهو أنه صار يدور في فلكهم فئات من الناس منهم علماء (رسميون) ومنهم عبّاد صادقون ومخلصون وهؤلاء وهؤلاء ربما لا تنقصهم العواطف الدينية بقدر ما ينقصهم الوعي العام وفهم كليات القضايا ورصد مآلات المواقف.. لهذا رأينا الأمة وسنراها عند كل أزمة تفترق إلى فريقين ومحورين كما هو حادث الآن على خلفية العدوان على غزة.

البعض قد يستهين بهذا الافتراق وقد يراه مجرد خلاف في تحليلات السياسة وزوايا التشخيص، وربما تأخذنا نشوة الانتصار وكثرة الأنصار إلى أن لا نأبه بالتيار الفكري والسياسي الناتج عن هذا الافتراق.. ولكن إذا نظرنا لهذه القضية من زاوية أثرها على دين هؤلاء وعقيدتهم وتذكرنا أنهم جزء منا وأن حالهم ومآلهم يعنينا.. فإننا سنرى المشكلة أكبر وأشد خطراً حتى لو كان هذا المفترِق شخصاً واحداً فقط؛ وأما أن يقال إنها قضية اختلاف في الرأي وتباين في السياسة وليست قضية دين وعقيدة وولاء.. فليس ذلك بصحيح فالصلاة والزكاة والحج والصيام لا تفترق أي منها عن أحكام الجهاد والقضاء ونظام الحكم وأحكام التعامل مع اليهود والنصارى والمنافقين والكافرين وآيات العقيدة والسنن الكونية والولاء والبراء ولا تفترق عن تلك الناظمة للمجتمع والأخلاق والحقوق المدنية.. وإلا فأين نضع قول الله تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) أم أننا سنأخذ بعض الكتاب ونكفر ببعض كما فعلت يهود وسجله الله تعالى عليهم وتوعدهم عليه (.. أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردّون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون، أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون) - البقرة 85، 86 - فهل يقبل بعد ذلك وتحت أي مبرر التعاون مع الأعداء ومناصرتهم وتحريضهم على دماء المسلمين والهزء بالمقاومة وتحقيرها والشماتة بدماء المسلمين وأعراضهم ومحاصرة الشعب الفلسطيني ومنع السلاح بل والطعام والشراب والدواء عنه ومحاولة كسر إرادته وتطويعه؟ أو هل يقبل الدفاع عن ذلك وتبريره أو مجرد الرضا النفسي عنه من القاعدين الخالفين الكاسين الطاعمين؟ وهل يبقى مثقال ذرة من إيمان في قلب من يسقط في هذا المنكر؛ وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم؟

آخر القول: المقاومة أقامت الحجة وأبانت المحجة والناس اليوم إما إلى هؤلاء أو إلى هؤلاء.. والقضية عقدية من الدرجة الأولى.. يوجعنا أن يسقط بعض من نحب بين أنياب من نكره ولكن الصراع مغالبة ومصابرة بلا هوادة ولا مجاملة (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة).
*الشرق الأوسط القطرية
أضافة تعليق