اليوم ( 14 ) :
هذا هو اليوم الرابع عشر
من شهر رمضان لسنة 1441 هجرية ..
إن الجنة والله نور يتلألأ, وريحانة تهتز، وقصر مشيد ونهر مطرد وفاكهة نضيجة .. وحلل كثيرة في مقام أبداً, في حبرة ونضرة,في دور عالية سليمة بهية تتراءى لأهلها كما يتراءى الكوكب الدري الغائر في الأفق .. قال صلى الله علية وسلم- قال تعالى : ( أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت, ولا أذن سمعت, ولا خطر على قلب بشر ) (البخاري)، واقرؤوا إن شئتم: (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون )[السجدة 17]
من غفل عن الجنة والشوق إليها ساءت أعماله وفسدت أخلاقه وكثرت همومه وزاد طمعه وارتكب الذنوب والمعاصي وخالف الدين والقيم وسقط من عين الله وختم له بسوء أعمالهم ..
يا طالب الدنيا الدنية إنــها
شرك الردى وقرارة الأقذار
دار متى ما أضحكت في يومها
أبكــت غداً تبا ًلها من دار
لذلك كان صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم رمضان وبأن أبواب الجنة مفتحة لا يغلق منها باب وان ابواب النار مغلقة لا يفتح منها باب وان لله عتقاء كل ليلة، كان ذلك بمثابة التحفيز والاستعداد والعمل، وحتى لا ينسى المسلم مصيره وعاقبته، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله ﷺ يُبَشِّر أصحابه بقدوم رمضان يقول: قد جاءكم شهر رمضان شهرٌ مبارك ،
كتب الله عليكم صيامه ،
فيه تفتح أبواب الجنة
وتغلق فيه أبواب الجحيم،
وتغل فيه الشياطين،
فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر،
من حُرِمَ خيرها فقد حُرِم.
▪صححه الألباني..صحيح الترغيب 1/490 .
الشوق للجنة والحنين إليها والعمل من أجل منهج السالكين وقرة عين الموحدين، وسبيل المؤمنيين.
يأتي عمرو بن الجموح يوم غزوة أحد يريد الجهاد وهو رجل أعرج ، قد رفع الله عنه الجهاد يأتي للنبي صلى الله عليه وسلم يقول له: دعني اخرج للجهاد فقال له النبي: لا يا عمرو قد رفع الله عليك القتال فقال: يا رسول الله أريد أن أطأ الجنة بعرجتي هذه ، فنظر إليه النبي ووجد شوقه وتلهفه للجنة فقال له: اذهب يا عمرو لعل الله يرزقك الشهادة، فرح عمرو لأن النبي أذن له بالجهاد فيجري بعرجته ويقول : شوقا الى الجنة، شوقا الى الجنة. فلما وصل الى ميدان المعركة نظر الى المدينة فقال: اللهم لا ترجعني إليها، وبدأ يرفع يديه ويقول: يا رب ارزقني الشهادة اليوم فمرت نسمة ريح حينها فشمها وقال : واه لريح الجنة وقاتل وقتل فمات شهيدا فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: أرى الآن عمرو بن الجموح يطأ الجنة بعرجته..) ..
و روى البخاري عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال : جاءت امرأة إليه صلى الله عليه وسلم تلتمس منه أن يغير مجرى حياتها فقد تعذبت فيها أشد العذاب ..لا أحد يتزوجها .. ولا يجلس معها .. الناس يخافون منها .. والأطفال يضحكون منها .. تصرع بين الناس في أسواقهم .. وفي بيوتهم .. وفي مجالسهم .. حتى استوحشوا من مخالطتها .. ملت من هذه الحياة فجاءت إلى الرحيم الشفيق .. ثم صرخت من حرّ ما تجد : إني أصرع .. فادع الله تعالى أن يشفيني .. فلما انتهى النبي صلى الله عليه وسلم من كلامه .. نظرت المرأة وتأملت في حالها ومرضها .. ورددت كلامه صلى الله عليه وسلم في عقلها .. فإذا هو يخيرها بين المتعة في دنيا فانية يمرض ساكنها ، ويجوع طاعمها ، ويبأس مسرورها ، وبين دار ليس فيها ما يشينها ، ولا يزول عزها وتمكينها ، دار قد أشرقت حِلاها ، وعزت علاها ، دار جلَّ من بناها ، وطاب للأبرار سكناها ، وتبلغ النفوس فيها مناها فقالت الأمة المريضة يا رسول الله : بل أصبر .. أصبر يا رسول الله .. وصبرت حتى ماتت .. وليتعب جسدها ..ولتحزن نفسها ..ما دام أن الجنة جزاؤها .. كيف لا يكون كذلك وهي جنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ..
لنصبر على طاعة الرحمن ، لنقم بواجباتنا، لنصم عن الحرام ، حتى يكون الفطر في الجنة .
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل .