في جوان 2004، كنت متوجهة إلي الجمهورية الإسلامية الإيرانية طهران بالتحديد لحضور طوال أسبوع فعاليات أحد المؤتمرات.
كان علي أن أتوقف في إسطنبول كمحطة عبور لساعات طوال. حينما جاء وقت الإلتحاق بقاعة الإنتظار، ذهبت إلي هناك و جلست، كانت القاعة فارغة إلا من مسافر واحد.
أخرجت رواية بعنوان " البيت الإيرلندي" و غصت فيها لحوالي عشرين دقيقة بإعتبار كان علي أن أنتظر ساعة و نصف أخري لإقلاع طائرتي نحو طهران.
في لحظة ما رفعت عيناي علي اللوحة الإلكترونية لأنظر كم تبقي لدينا من وقت، فجأة و أنا انزل عيناي إلتقت عيناي بعيني شاب أنجلو ساكسوني كان جالسا علي الأرض مع مجموعة من أصدقاءه كانت أعمارهم تتراوح بين 18 و 22 سنة و كان عددهم سبعة.
فاجأتني نظرته كان ينظر إلي بتركيز. قمت سريعا بإنزال عيناي علي كتابي و أستمريت في قراءة الرواية و نسيت الأمر. ربع ساعة أخري، شيئا ما جعلني أرفع مرة أخري عيناي، فأنتبهت إلي أن رفاق ذلك الشاب الأنجلو ساكسوني كانوا ينظروا لي بدورهم.
و الذي حيرني أن قائدهم كان يحدث رفاقه بصوت غير مسموع و و وعيت بأنه كان يقصدني بكلامه الخفي معهم.
بدأت اقلق، ما الذي يجري لماذا من كل المسافرين التي إمتلأت بهم القاعة هؤلاء الفتيان السبعة يتابعوني بإهتمام شديد بنظراتهم ؟
عدت مرة أخري للرواية و التي كان موضوعها ثورة أحرار إيرلندا علي الإحتلال البريطاني لجزيرة إيرلندا في نفس الوقت كنت أفكر في أمر الفتية أمامي.
باغتتني حركة من مسافرة تركية كانت جالسة غير بعيدة عني، أشارت لي بيدها نظرت لها، ففهمت أنها هي الأخري لاحظت إهتمام أولئك الفتية الغرباء بي لكن خانتها اللغة و أما أنا حاولت أن اظهر لها بأنني كنت غير مبالية بهم.
فأنصرفت عن الأمر.
إلا ان رئيس أولئك الفتية كان أكثرهم تركيزا بعيناه علي. فتذكرت انني ككاتبة تعلمت مهارة قراءة ملامح الوجوه. فنظرت له نظرة خاطفة لأقرأ وجهه، و أدركت فورا بأنه كان يريد ان يبلغني شيئا ما، لم يكونوا ينظرون إلي أنا السيدة المسلمة المحجبة بغضب أو حقد بل كانت الدهشة تحدوهم.
عجبا تمتمت بين نفسي، و بشكل غير متوقع قادني حدسي لتفصيل مهم جدا نسيته تماما و هو الكتاب الذي كان بين يداي، كان غلافه اخضر و يظهر قصر من قصور قوم قبيلة السلت الإيرلنديين فأبتسمت لا شعوريا و أخيرا فهمت.
إحتار الفتية الأنجلو ساكسونيين و علي الأغلب هم فتية إيرلنديين من أنني كنت جالسة في قاعة إنتظار أقرأ رواية عن ثورة أحرار إيرلندا و انني علي خلاف كل نساء القاعة المسافرات لم أكن أنظر لأحد أو أعبأ بأحد بل إستغرقني الكتاب إستغراق.
يعلم الله وحده مكانة إيرلندا في عقلي و قلبي، وحده الله يعرف مدي إحترامي الشديد لشعب إيرلندا الأبي. و ليس هناك شعب مسيحي أكن له كل هذا الإحترام مثل الشعب الإيرلندي الحر.
عندئذ قررت تجاهل الفتية الإيرلنديين و نظراتهم، جاء وقت ركوب الطائرة ركبت، جلست في مقعدي و تأخرت الطائرة عن الإقلاع لتأخر وصول راكب غربي.
بعد ثلاث ساعات و نصف حطت طائرتنا في مطار طهران و نزلت مع المسافرين و قبل مروري علي شرطة الحدود الإيرانيين سبقني الراكب الغربي المتأخر، كان شابا أشقر وقف أمامي و نظر إلي مبتسما ثم خاطبني باللغة الإنجليزية، كأنه يعرفني و يعرفني معرفة جيدة.
وقفت بدوري مشدوهة ثم أردت تجاوزه فخاطبني بلكنة إنجليزية واضحة :
"أخبرك بأنك أنت واحدة منا."
و أطال النظر إلي ثم إستدار و أبتعد عني ليقدم جواز سفره بدوره.
يشهد الله قراءي الكرام بقيت للحظات مصدومة لا أفهم شيء و لا أعقل شيء لكنني إستجمعت نفسي و تقدمت عارضة جواز سفري علي الضابط الإيراني لأخرج كي أنتظر الشخص الذي كان أحد موظفي رئاسة الجمهورية الإيرانية ليكون مرشدي طوال إقامتي بطهران....
لن أضيف كلمة أخري...