مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
أربع مهام صعبة أمام الرئيس الصومالي الجديد
أربع مهام صعبة أمام الرئيس الصومالي الجديد

سر شيخ شريف.. الصوفية والإخوان والمحاكم!

عبد القادر عثمان

شيخ شريف شيخ أحمد
أحيا انتخاب شيخ شريف شيخ أحمد رئيسا للصومال، آمال الكثيرين بخصوص إمكانية تحقق المصالحة الصومالية، وإنهاء ما يقرب من 18 عاما من الحرب الأهلية؛ فشيخ شريف يعتبر من الشخصيات الصومالية البارزة التي وضعت بصمتها على الحياة السياسية في الصومال، حيث استطاع في مدة قصيرة -وخلال قيادته للمحاكم الإسلامية- إقصاء نحو 15 من أمراء الحرب، كما تمكن من نزع سلاح الميليشيات المسلحة في جنوب الصومال.
حياة حافلة

مرت حياة الرئيس الصومالي الجديد شيخ شريف شيخ أحمد، طبقا للسيرة الذاتية التي تم توزيعها على أعضاء البرلمان الصومالي قبيل انتخابه والتي جاءت تحت عنوان ’’محطات من حياة شيخ شريف’’، بمراحل متعددة.

فقد ولد شيخ في عام 1966 في منطقة مهداي في محافظة شبيلي الوسطى (120 كم شمال العاصمة مقديشو)، وحفظ القرآن الكريم وهو في التاسعة من عمره، وأتم دراسته الابتدائية في مدينة جوهر (90 كم شمال مقديشو)، ثم التحق بمدرسة ’’شيخ صوفي’’ الأزهرية في مقديشو، والتي أتم فيها دراسته الثانوية عام 1988.

غير أن الحرب الأهلية، التي اندلعت في الصومال عقب سقوط نظام الرئيس سياد بري عام 1991، قد حالت دون إكمال شيخ شريف لدراسته الجامعية في الصومال، ومن ثم سافر إلى السودان، والتحق بقسم الجغرافيا بكلية التربية بجامعة كردفان في الخرطوم، كما سافر بعد ذلك إلى ليبيا وتخرج من كلية القانون في الجامعة المفتوحة.

وعقب عودته إلى الصومال في عام 2000، حاول شيخ شريف الدخول في عالم التجارة، ولكن الحظ لم يحالفه، وانخرط بعد ذلك في النشاط الاجتماعي والتثقيفي، فأسس في العام نفسه كلا من ’’هيئة الشروق للثقافة’’ و’’رابطة الشباب الصومالي’’.

وإلى جانب ذلك، اتجه شيخ شريف إلى التدريس، فعين أستاذا في مدرسة جوبا الثانوية في الفترة من 2002 إلى 2004، كما أنه شارك في تأسيس ’’مؤتمر الخريجين الصوماليين’’، وأصبح أول رئيس له في الفترة من 2003 إلى 2005.

المحاكم جسر للسياسة

كانت الأوضاع الأمنية المتردية في الصومال هي التي حدت بشيخ شريف إلى الدخول في عالم السياسة، حيث قام بتأسيس أول محكمة إسلامية لإحلال الأمن والقضاء على الفوضى التي سببها أمراء الحرب، وهو ما يشير إليه عبد الحكيم فري، أحد قيادات مؤتمر الخريجين، في حوار له مع إسلام أون لاين، بالقول: ’’عملت مع شيخ شريف حينما كان رئيسا لمؤتمر الخريجين، وأذكر أنه في صيف عام 2004 كانت المشكلة الأمنية في منطقة (سي سي) تؤرق العاصمة كلها، فقد كانت تلك المنطقة وكرا للجريمة، حيث انتشر فيها نهب السيارات وخطف الأطفال والتجار، مطالبة بفدية لإطلاق سراحهم’’.

هذه الفوضى الأمنية، كما يقول فري، دفعت بشيخ شريف إلى المبادرة بالتنسيق مع وجهاء العشائر في المنطقة، وتأسيس محكمة إسلامية للحد من أعمال النهب وخطف الأبرياء، مضيفا أن ’’تأسيس محكمة إسلامية في (سي سي) لم يأخذ وقتا طويلا، حيث كانت المنطقة بأمس الحاجة إلى مثل هذه المحكمة، ما دفع العاصمة برمتها إلى مساندة جهود شيخ شريف، فنجح في تشكيل المحكمة’’.

وكانت هذه الخطوة هي البداية التي أوصلت شيخ شريف إلى منصب الرئاسة، فمع نجاح هذه التجربة، تكونت محاكم أخرى لمواجهة أمراء الحرب في أنحاء أخرى من الصومال، وتم توحيد المحاكم بقيادة شريف، ولم يلبث اتحاد المحاكم أن ضم مجموعات أخرى مسلحة حاربت أمراء الحرب حتى تمكنت من السيطرة على معظم أراضي الصومال في العام 2006. وأتاحت له بعد ذلك الوصول لمقعد الرئاسة.

ويقول فري: ’’أظن أنه لم يكن يخطر ببال شيخ شريف ما ستصل إليه تلك المحاولة من تبوئه اليوم لأكبر منصب في الصومال، وهو رئاسة الدولة، فقد كان ينوي الرجوع إلى قيادة مؤتمر الخريجين إذا تحقق الأمن في المنطقة، ولكنه مشى بخطوات كتبت عليه’’. ويعلل ذلك بالقول: إن شيخ شريف ’’كان طموحا يريد تغيير الوضع في الصومال، وشجاعا، كما كان نشيطا ومؤثرا طيلة ترأسه لمؤتمر الخريجين، وكانت خطاباته باللغة الصومالية مؤثرة للغاية، ولعل هذا ما دفع قيادات المحاكم الإسلامية لاختياره رئيسا لاتحادهم في عام 2005’’.

سر النجاح

ويذهب بعض المحللين الصوماليين إلى أن سر نجاح شيخ شريف يتمثل في مزيج من ثلاثة عناصر: تربيته الصوفية التي أكسبته التواضع، وانتماؤه لإحدى الجماعات الإسلامية الإخوانية في الصومال التي أكسبته قدرة التنظيم والقيادة، وانضمامه للمحاكم الإسلامية التي أكسبته القوة الضرورية للتطلع إلى حل المشاكل الصومال والوصول إلى كرسي الرئاسة.

فقد كشفت مصادر مقربة من شيخ شريف، فضلت عدم ذكر اسمها، لـ’’إسلام أون لاين’’، أن ’’شيخ شريف ينتمي لأسرة صوفية من أتباع طريقة الأحمدية التي أسسها الشيخ أحمد الفاسي المغربي، كما أن جده من أقطاب الطريقة وله مزار في محافظة شبيلي الوسطى’’.

وأضافت المصادر أن شيخ شريف ’’قد انتمي، في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي، إلى حركة التجمع الإسلامي- الإخوان المسلمون سابقا- والتي أسسها الشيخ محمد معلم العالم الأزهري، والذي يعتبر الأب الروحي للصحوة الإسلامية في الصومال، وهي جماعة محلية مرجعيتها التراث الإخواني ولا تتبع التنظيم الدولي مثل حركة الإصلاح’’.

وتتميز هذه الجماعة، حسبما تذكر المصادر، بقلة قيودها الحركية حيث إن الانتماء إليها يعتبر أمرا رمزيا. كما اشتهرت الجماعة بمحاولاتها المستمرة للمساهمة في تحقيق استقرار الصومال منذ انهيار الحكومة المركزية، ’’وذلك عن طريق إنشاء محاكم إسلامية، وهو ما ساهم في وصول أعضائها إلى أعلى مراتب القيادة سواء في المحاكم الإسلامية أو تحالف إعادة تحرير الصومال’’.

من إنجازاته

تتعدد إنجازات شيخ شريف شيخ أحمد، حسبما يشير عبد الله بلاك، رئيس تحرير صحيفة الأيام الصومالية في حوار مع ’’إسلام أون لاين’’. وتتمثل هذه الإنجازات، من وجهة نظر بلاك، في نجاح شيخ شريف في أن ’’يوقف نهائيا عمليات خطف أبناء الأغنياء التي كانت منتشرة في الصومال، كما أنه استطاع في النصف الأول من عام 2006، إلحاق هزيمة تاريخية بما يقرب من 15 من أمراء الحرب، وهم من أعتى وأقوى زعماء الفصائل الصوماليين، حيث تمكن من إخراجهم من العاصمة والمحافظات الجنوبية’’.

ويضيف بلاك أن شيخ شريف ’’تمكن من توفير الأمن والاستقرار للعاصمة والمحافظات الجنوبية، وهو أمر لم يشهد له الصومال مثيلا طيلة الحرب الأهلية’’.

ولم تحل الإطاحة بالمحاكم الإسلامية على يد الاحتلال الإثيوبي عام 2006، دون تحقيق شيخ شريف لطموحاته، حيث لجأ إلى الخارج وقام بتأسيس تحالف إعادة تحرير الصومال، في يونيو 2007، وضم إليه عناصر من الإسلاميين والبرلمانيين الذين انشقوا عن البرلمان الصومالي فضلا عن بعض قيادات المجتمع المدني وصوماليي المهجر’’.

ورغم أن دخول شيخ شريف في مفاوضات مع الحكومة الصومالية وتوقيعه لاتفاق سلام معها في جيبوتي، في العام الماضي، قد أربك صفوف التحالف، فإن شيخ شريف تمسك بالاتفاق، بل ونجح في تحقيق العديد من المكاسب.

وتمثلت هذه المكاسب، طبقا لبلاك، في ’’خروج القوات الإثيوبية من الصومال، والإطاحة برئيس الصومالي السابق عبد الله يوسف، وكسب المجتمع الدولي، وإقناع بعض الدول العربية بالتواصل مع التحالف، وأخيرا، وهو أمر لم يكن أيضا متوقعا في الماضي، فوز شيخ شريف بانتخابات الرئاسة من خلال برلمان أغلبيته كانوا معادين للمحاكم، ون ثم أصبح أول رئيس صومالي إسلامي معتدل يصل إلى كرسي الرئاسة’’.

مستقبل صعب.. ولكن

تواجه شيخ شريف العديد من التحديات، يلخصها محمد الأمين، الخبير في الشئون الإستراتيجية، في أربعة تحديات رئيسية، حيث يقول ’’أمام الرئيس شيخ شريف أربع مهام صعبة؛ هي:

أولا: إعادة الاستقرار إلى الصومال ومن ضمنها التصالح مع كل من تحالف إعادة تحرير الصومال جناح أسمرة، وحركة شباب المجاهدين، أو حسم أمرهما عسكريا.

ثانيا: جمع السلاح من المليشيات القبيلية وتحويل المقاومة الإسلامية إلى قوات نظامية.

ثالثا: مراعاة التوازن في علاقاته مع الأطراف الإقليمية والدولية ذات المصالح المتضاربة، مثل الولايات المتحدة وإيطاليا وإثيوبيا ومصر وبريطانيا.

رابعا: إعادة بناء الاقتصاد الذي تعرض للانهيار على مدار 18 عاما، علاوة على إقامة مشروعات البنية التحتية مثل الكباري والطرق وغيرها، والتي تعرضت هي الأخرى للتدمير التام’’.

ويرى الأمين أن حكومة شريف لن يكتب لها النجاح إذا لم تجد الدعم الكافي، وذلك رغم وجود بعض قوات المقاومة الموالية لشريف، ’’فالبرلمان الحالي، (550 عضوا)، لن يتردد في إقالة الرئيس وحكومته، في حالة عدم نجاحهم في معالجة تدهور الأحوال الأمنية أو الاقتصادية’’.

ويضيف الأمين إلى ما سبق عقبة أخرى أمام الرئيس الجديد، وهي حركة شباب المجاهدين وبعض فصائل المقاومة المسلحة، والتي تعتبر ’’مكمن خطر آخر’’ على الرئيس.

ولا يستبعد الأمين دخول الرئيس وحكومته في مواجهات عسكرية وخاصة مع شباب المجاهدين’’ إلا أنه يؤكد على أنه رغم هذه الصعاب، فإن شيخ شريف ’’هو الوحيد في الساحة القادر على إخراج الصومال من الفوضى’’.

* صحفي خبير بشؤون القرن الإفريقي
* إسلام اون لاين


أضافة تعليق