مستقبل العلاقة بين الإسلاميين والأنظمة
خديجة الزغيمي
الحركات الإسلامية قادت الشارع أثناء الحرب
ليس ثمة جدال في أن الإسلاميين كان لهم دور بارزً إن لم يكن الأبرز في الأحداث والفعاليات والمواقف التي صاحبت العدوان الإسرائيلي على غزة. فعلى المستوى الميداني في قلب المواجهة الميدانية في مركز الحدث شكلت القوى المقاومة الإسلامية ممثلة في حركتي حماس والجهاد الذراع الضاربة والقوة المرابطة التي اغتنت بصمود الشعب الفلسطيني في التصدي للعدوان الإسرائيلي ومنعه من تحقيقه أهدافه.
وعلى المستوى الجماهيري استطاعت الحركات والأحزاب الإسلامية في العالمين العربي والإسلامي أن تقود الحركات الاحتجاجية والمطالبية وحملات الدعم للشعب الفلسطيني، وقد بدا واضحا في هذا السياق ما لدى الإسلاميين من قدرة على التعبئة والتحشيد.
هذا الحضور للإسلاميين فتح الباب للتساؤلات حول دلالات هذا الحضور وتأثيراته المستقبلية، خاصة لجهة علاقة الإسلاميين بالأنظمة الحاكمة، والمد الجماهيري الذي تحصل، وهل سيضاعف ويكبر في قابل الأيام.
مزيد من التأزم؟
يرى د. إبراهيم غانم رئيس قسم الرأي العام في المركز القومي للبحوث الاجتماعية في مصر أن المواجهة الأخير في غزة أثبتت حقيقة أساسية، هي أن قيادة المقاومة في مواجهة الصهيونية، وفي مواجهة القوى الاستعمارية آلت إلى يد التيار الإسلامي، وبقية التيارات التي تشارك في المقاومة إما محدودة التأثير أو قليلة العدد. وأنه يمكن الانطلاق من هذه الحقيقة إلى معرفة في أي الاتجاهات ستؤثر الحرب على غزة في العلاقة بين الحركات الإسلامية والأنظمة الحاكمة في العالم العربي والإسلامي.
ويعتقد غانم أن الاتجاه الأساسي سيكون احتمال زيادة التوتر بين مختلف الحركات الإسلامية والقوى الأجنبية أولا، وبالتالي بينها وبين الأنظمة الحاكمة؛ إذ إن جوهر عملية المقاومة هو التغيير، تغيير وضع الاحتلال بإزالته، وأغلب الأنظمة القائمة في المنطقة ترفض التغيير وتسعى إلى المحافظة على الاستقرار، وبالتالي سينشأ التوتر من هذا التناقض بين قوى راغبة في التغيير واستطاعت تحقيق إنجازات كما فعلت المقاومة في فلسطين ولبنان، وبين قوى أخرى لا تريد التغيير.
لكن د. محمد ضريف أستاذ العلوم السياسية في جامعة الحسن الثاني بالمغرب له رأي مختلف، فهو يرى أن المواقف المتخذة بخصوص القضايا القومية في شكل عام مثل العراق والقضية الفلسطينية يكون لها بعض الخصوصيات بخلاف القضايا المتعلقة بالسياسات الداخلية.
إذ عندما تتخذ الجماعات الإسلامية مواقف تتعلق بالسياسات الداخلية يؤثر ذلك إيجابا على شعبيتها، فيما تنظر الأنظمة بحذر تجاه هذه المواقف. ولكن فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وبالتظاهرات والتحركات الشعبية أثناء العدوان على غزة، فيرى د. ضريف أن الأمر ينظر إليه من زاوية مختلفة، فمعظم الأنظمة العربية وإن كانت مواقفها غير المعلنة لا تسير في اتجاه دعم حماس، كانت تعلن دعمها للقضية الفلسطينية، والموقف الرسمي العربي وإن لم يتحدث عن دعم حماس لكنه تحدث عن دعم الشعب الفلسطيني، وعن اتخاذه إجراءات في هذا الخصوص، كما أشاد بانتصار الشعب الفلسطيني وقدرته على الصمود.
فالأنظمة العربية تدرك أهمية القضية الفلسطينية للشارع العربي، وبالتالي لم ترغب في السباحة ضد التيار، بل إن بعض الأنظمة في العالم العربي وقفت وراء تنظيم مظاهرات داعمة للقضية الفلسطينية؛ لذلك يعتقد ضريف أنه لا يمكن الحديث عن موقف متفرد للحركات الإسلامية في هذه الأزمة ومصادم للأنظمة، مما يستدعي زيادة في التوتر بينهما، إذ كما شاهدنا فإن الأنظمة اتخذت هي الأخرى مواقف داعمة للقضية الفلسطينية.
تأثير حماس
ويرى د. عبد الغني عماد الباحث في شئون الحركات الإسلامية والأستاذ في الجامعة اللبنانية أن الأنظمة العربية لا تشعر بالراحة لنمو التيارات الإسلامية عموما، وتنظر بحذر لهذه الحركات وتخشى من نموها، حتى إن كان بعضها يظهر التعاطف مع حماس كحركة مقاومة. ويشير عماد هنا إلى أن أكثر الأنظمة العربية تعاطفا مع حماس هو أكثرها قمعا للحركات الإسلامية في بلده، وهو النظام السوري الذي يجعل عقوبة مجرد الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين الإعدام. وما حدث في غزة من وجهة نظر عماد سيؤدي إلى المزيد من حذر الأنظمة، وحتى تلك التي أيدت المقاومة لن تتساهل مع الحركات الإسلامية ضمن حدودها.
فيما يتحدث د. حسن أبو هنية الباحث المتخصص في الحركات الإسلامية عن العلاقة بين الحكومة الأردنية وحركة الإخوان المسلمين التي تنشط سياسيا من خلال جبهة العمل الإسلامي، إذ يعتقد أن ما حدث في غزة سيؤثر بشكل كبير على العلاقة بين النظام وبين الإخوان وسيزيد من تدهور هذه العلاقة الذي كان قد تبلور منذ عام 1999 عندما تم إخراج قادة حماس من الأردن وتفاقم بعد فوز حماس في الانتخابات.
ويقول أبو هنية إنه منذ ذلك الحين وملف الإخوان في الأردن أصبح ملفا أمنيا لا سياسيا، وصدرت العديد من القوانين التي تهدف إلى التضييق عليهم ومحاصرتهم، بالإضافة إلى استهدافهم بالاعتقال في بعض الأحيان، وأصبح هناك تخوف من كلا الجانبين تجاه الآخر، ولم يعد هناك مجال للثقة بينهما، وبالتالي أصبح ينظر للإخوان في الأردن كخطر وكتهديد حقيقي للسلطة، ولم يعد ينظر لهم كجماعة يمكن التعامل معها، ويرى أبو هنية أنه على الرغم من قيام الأردن في المرحلة الأخيرة بفتح حوار مع حركة الإخوان ومع حماس فإن مآلات هذا الحوار لا تزال غير معروفة والاحتمالات مفتوحة، ويعتقد أن الاحتمال الأرجح هو مزيد من المواجهة والتضييق وعدم الثقة.
وعلى عكس عماد الذي يعتقد بانفصال موقف الأنظمة من حماس عن موقفها من الحركات الإسلامية على أراضيها، يعتقد أبو هنية بترابط الموقفين، ويرى أن التطورات التي ستحدث في موقف حماس هي التي ستحدد طبيعة علاقة الأنظمة بالجماعات الموجودة في بلدانها، وبالتالي يقول إن العلاقة بين الأنظمة والحركات الإسلامية ستتجه لمزيد من التضييق إلا إذا أثبتت حماس فعاليتها بشكل قوي، وقامت بكسر الحصار المفروض عليها، وهو ما يستبعده.
شعبية الإسلاميين بعد غزة
تصدر الحركات الإسلامية للعديد من الفعاليات التي نظمت للتضامن مع غزة، والتي شهدت تجاوبا شعبيا كبيرا يثير التساؤل حول ما إذا كان هذا التجاوب سيترجم إلى زيادة في حجم وفعالية هذه الحركات وسيؤدي إلى توسيع قاعدتهم الجماهيرية؟
يشير د. إبراهيم غانم في هذا السياق إلى أن الهبة الجماهيرية والتحركات الشعبية التي شهدتها الشوارع العربية تجاه العدوان كانت في أغلبها تحمل شعارات المقاومة وما تمثله من قيم وأفكار وخيارات إستراتيجية تجاه العدو، وكانت أغلب هذه التحركات بقيادة التيارات الإسلامية، مما يعني في نظره ضخ المزيد من القوة في أوصال هذه الحركات وجذب مزيد من التأييد الجماهيري، ومزيد من المصداقية لها.
لكنه يطرح احتمال أن تبالغ الحركات الإسلامية في حساب قوتها وجماهيريتها تأثرا بالمشاركة الشعبية الكبيرة في الفعاليات التي نظمتها للاحتجاج على العدوان على غزة، وذلك إذا لم تقم هذه الحركات بتحليل النتائج التي أسفرت عنها المواجهة وفهم مغزى التحرك الشعبي الذي لم يكن سياسيا، وإنما عاطفيا وإنسانيا وكان يحتاج لاستثماره وتحويله لتحرك سياسي أكثر وعيا وتأثيرا، سواء على صعيد القضية الفلسطينية أو داخليا مع الأنظمة الحاكمة.
ويرى غانم أنه ما لم تقم الحركة الإسلامية بالمراجعة والنقد الذاتي والتأمل العميق في دلالات ما حدث واستنباط رؤى جديدة، وتغيير كثير من المقولات التي تبنتها سابقا، وحتى رؤيتها للأنظمة الحاكمة، فسيكون هناك خطر تضخيم الذات وتصور أن هذه الجماهير كلها تقف وراءها، في حين أنه لا يوجد دليل على أن هذا سيستمر حتى في المدى القريب، وهناك الكثير من الشواهد على أن هذا الالتفاف الجماهيري سيتبدد بسرعة ما لم تستثمره كل الأطراف، وليس فقط الحركات الإسلامية، بل أيضا الحكومات والقوى السياسية الأخرى.
ويبدي د.عبد الغني عماد رأيا مشابها ويرى أن ردود الفعل على ما حدث في غزة تدخل في إطار الانقسام العربي عموما، فعلى الصعيد الشعبي حدث تعميق قوي لحالة الفرز، مما أعطى للحركات الإسلامية أبعادا شعبية أكثر عمقا، ولكنها ظلت دون المستوى المتصور.
ويعتقد أنه كان من المتوقع عند المراقبين والإسلاميين أن الهبة الإسلامية والانتفاضة الشعبية المناصرة للمقاومة الإسلامية في غزة ستكون أكثر شدة وأكثر تأثيرا وضغطا على الأنظمة، لكنها لم تصل للمستوى المتوقع، مما سيترتب عليه ضرورة أن تعيد الحركات الإسلامية التي راهنت على هذا السيناريو حساباتها.
إذن يبدو أن هناك اتفاقا بين المحللين على أن حرب غزة ستكون لها تأثيرات متعددة على الحركات الإسلامية في المنطقة، فمن ناحية قد تتجه العلاقة بين الأنظمة الحاكمة في الدول العربية وبين الحركات الإسلامية إلى مزيد من التأزم على خلفية الحرب، سواء بسبب المواقف التي اتخذها الإسلاميون أثناء الأزمة أو بسبب صمود حماس واستمرارها كحركة إسلامية مقاومة وحاكمة.
في حين يبدو تأثير أزمة غزة على زيادة القاعدة الشعبية لهذه الحركات غير واضح؛ نتيجة لاحتمال كون الالتفاف الشعبي حولها كان نابعا من تأييد هذه الجماهير للقضية الفلسطينية، ولا يعبر عن تبني هذه الجماهير لمواقف هذه الحركات.
*إسلام أون لاين
خديجة الزغيمي
الحركات الإسلامية قادت الشارع أثناء الحرب
ليس ثمة جدال في أن الإسلاميين كان لهم دور بارزً إن لم يكن الأبرز في الأحداث والفعاليات والمواقف التي صاحبت العدوان الإسرائيلي على غزة. فعلى المستوى الميداني في قلب المواجهة الميدانية في مركز الحدث شكلت القوى المقاومة الإسلامية ممثلة في حركتي حماس والجهاد الذراع الضاربة والقوة المرابطة التي اغتنت بصمود الشعب الفلسطيني في التصدي للعدوان الإسرائيلي ومنعه من تحقيقه أهدافه.
وعلى المستوى الجماهيري استطاعت الحركات والأحزاب الإسلامية في العالمين العربي والإسلامي أن تقود الحركات الاحتجاجية والمطالبية وحملات الدعم للشعب الفلسطيني، وقد بدا واضحا في هذا السياق ما لدى الإسلاميين من قدرة على التعبئة والتحشيد.
هذا الحضور للإسلاميين فتح الباب للتساؤلات حول دلالات هذا الحضور وتأثيراته المستقبلية، خاصة لجهة علاقة الإسلاميين بالأنظمة الحاكمة، والمد الجماهيري الذي تحصل، وهل سيضاعف ويكبر في قابل الأيام.
مزيد من التأزم؟
يرى د. إبراهيم غانم رئيس قسم الرأي العام في المركز القومي للبحوث الاجتماعية في مصر أن المواجهة الأخير في غزة أثبتت حقيقة أساسية، هي أن قيادة المقاومة في مواجهة الصهيونية، وفي مواجهة القوى الاستعمارية آلت إلى يد التيار الإسلامي، وبقية التيارات التي تشارك في المقاومة إما محدودة التأثير أو قليلة العدد. وأنه يمكن الانطلاق من هذه الحقيقة إلى معرفة في أي الاتجاهات ستؤثر الحرب على غزة في العلاقة بين الحركات الإسلامية والأنظمة الحاكمة في العالم العربي والإسلامي.
ويعتقد غانم أن الاتجاه الأساسي سيكون احتمال زيادة التوتر بين مختلف الحركات الإسلامية والقوى الأجنبية أولا، وبالتالي بينها وبين الأنظمة الحاكمة؛ إذ إن جوهر عملية المقاومة هو التغيير، تغيير وضع الاحتلال بإزالته، وأغلب الأنظمة القائمة في المنطقة ترفض التغيير وتسعى إلى المحافظة على الاستقرار، وبالتالي سينشأ التوتر من هذا التناقض بين قوى راغبة في التغيير واستطاعت تحقيق إنجازات كما فعلت المقاومة في فلسطين ولبنان، وبين قوى أخرى لا تريد التغيير.
لكن د. محمد ضريف أستاذ العلوم السياسية في جامعة الحسن الثاني بالمغرب له رأي مختلف، فهو يرى أن المواقف المتخذة بخصوص القضايا القومية في شكل عام مثل العراق والقضية الفلسطينية يكون لها بعض الخصوصيات بخلاف القضايا المتعلقة بالسياسات الداخلية.
إذ عندما تتخذ الجماعات الإسلامية مواقف تتعلق بالسياسات الداخلية يؤثر ذلك إيجابا على شعبيتها، فيما تنظر الأنظمة بحذر تجاه هذه المواقف. ولكن فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وبالتظاهرات والتحركات الشعبية أثناء العدوان على غزة، فيرى د. ضريف أن الأمر ينظر إليه من زاوية مختلفة، فمعظم الأنظمة العربية وإن كانت مواقفها غير المعلنة لا تسير في اتجاه دعم حماس، كانت تعلن دعمها للقضية الفلسطينية، والموقف الرسمي العربي وإن لم يتحدث عن دعم حماس لكنه تحدث عن دعم الشعب الفلسطيني، وعن اتخاذه إجراءات في هذا الخصوص، كما أشاد بانتصار الشعب الفلسطيني وقدرته على الصمود.
فالأنظمة العربية تدرك أهمية القضية الفلسطينية للشارع العربي، وبالتالي لم ترغب في السباحة ضد التيار، بل إن بعض الأنظمة في العالم العربي وقفت وراء تنظيم مظاهرات داعمة للقضية الفلسطينية؛ لذلك يعتقد ضريف أنه لا يمكن الحديث عن موقف متفرد للحركات الإسلامية في هذه الأزمة ومصادم للأنظمة، مما يستدعي زيادة في التوتر بينهما، إذ كما شاهدنا فإن الأنظمة اتخذت هي الأخرى مواقف داعمة للقضية الفلسطينية.
تأثير حماس
ويرى د. عبد الغني عماد الباحث في شئون الحركات الإسلامية والأستاذ في الجامعة اللبنانية أن الأنظمة العربية لا تشعر بالراحة لنمو التيارات الإسلامية عموما، وتنظر بحذر لهذه الحركات وتخشى من نموها، حتى إن كان بعضها يظهر التعاطف مع حماس كحركة مقاومة. ويشير عماد هنا إلى أن أكثر الأنظمة العربية تعاطفا مع حماس هو أكثرها قمعا للحركات الإسلامية في بلده، وهو النظام السوري الذي يجعل عقوبة مجرد الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين الإعدام. وما حدث في غزة من وجهة نظر عماد سيؤدي إلى المزيد من حذر الأنظمة، وحتى تلك التي أيدت المقاومة لن تتساهل مع الحركات الإسلامية ضمن حدودها.
فيما يتحدث د. حسن أبو هنية الباحث المتخصص في الحركات الإسلامية عن العلاقة بين الحكومة الأردنية وحركة الإخوان المسلمين التي تنشط سياسيا من خلال جبهة العمل الإسلامي، إذ يعتقد أن ما حدث في غزة سيؤثر بشكل كبير على العلاقة بين النظام وبين الإخوان وسيزيد من تدهور هذه العلاقة الذي كان قد تبلور منذ عام 1999 عندما تم إخراج قادة حماس من الأردن وتفاقم بعد فوز حماس في الانتخابات.
ويقول أبو هنية إنه منذ ذلك الحين وملف الإخوان في الأردن أصبح ملفا أمنيا لا سياسيا، وصدرت العديد من القوانين التي تهدف إلى التضييق عليهم ومحاصرتهم، بالإضافة إلى استهدافهم بالاعتقال في بعض الأحيان، وأصبح هناك تخوف من كلا الجانبين تجاه الآخر، ولم يعد هناك مجال للثقة بينهما، وبالتالي أصبح ينظر للإخوان في الأردن كخطر وكتهديد حقيقي للسلطة، ولم يعد ينظر لهم كجماعة يمكن التعامل معها، ويرى أبو هنية أنه على الرغم من قيام الأردن في المرحلة الأخيرة بفتح حوار مع حركة الإخوان ومع حماس فإن مآلات هذا الحوار لا تزال غير معروفة والاحتمالات مفتوحة، ويعتقد أن الاحتمال الأرجح هو مزيد من المواجهة والتضييق وعدم الثقة.
وعلى عكس عماد الذي يعتقد بانفصال موقف الأنظمة من حماس عن موقفها من الحركات الإسلامية على أراضيها، يعتقد أبو هنية بترابط الموقفين، ويرى أن التطورات التي ستحدث في موقف حماس هي التي ستحدد طبيعة علاقة الأنظمة بالجماعات الموجودة في بلدانها، وبالتالي يقول إن العلاقة بين الأنظمة والحركات الإسلامية ستتجه لمزيد من التضييق إلا إذا أثبتت حماس فعاليتها بشكل قوي، وقامت بكسر الحصار المفروض عليها، وهو ما يستبعده.
شعبية الإسلاميين بعد غزة
تصدر الحركات الإسلامية للعديد من الفعاليات التي نظمت للتضامن مع غزة، والتي شهدت تجاوبا شعبيا كبيرا يثير التساؤل حول ما إذا كان هذا التجاوب سيترجم إلى زيادة في حجم وفعالية هذه الحركات وسيؤدي إلى توسيع قاعدتهم الجماهيرية؟
يشير د. إبراهيم غانم في هذا السياق إلى أن الهبة الجماهيرية والتحركات الشعبية التي شهدتها الشوارع العربية تجاه العدوان كانت في أغلبها تحمل شعارات المقاومة وما تمثله من قيم وأفكار وخيارات إستراتيجية تجاه العدو، وكانت أغلب هذه التحركات بقيادة التيارات الإسلامية، مما يعني في نظره ضخ المزيد من القوة في أوصال هذه الحركات وجذب مزيد من التأييد الجماهيري، ومزيد من المصداقية لها.
لكنه يطرح احتمال أن تبالغ الحركات الإسلامية في حساب قوتها وجماهيريتها تأثرا بالمشاركة الشعبية الكبيرة في الفعاليات التي نظمتها للاحتجاج على العدوان على غزة، وذلك إذا لم تقم هذه الحركات بتحليل النتائج التي أسفرت عنها المواجهة وفهم مغزى التحرك الشعبي الذي لم يكن سياسيا، وإنما عاطفيا وإنسانيا وكان يحتاج لاستثماره وتحويله لتحرك سياسي أكثر وعيا وتأثيرا، سواء على صعيد القضية الفلسطينية أو داخليا مع الأنظمة الحاكمة.
ويرى غانم أنه ما لم تقم الحركة الإسلامية بالمراجعة والنقد الذاتي والتأمل العميق في دلالات ما حدث واستنباط رؤى جديدة، وتغيير كثير من المقولات التي تبنتها سابقا، وحتى رؤيتها للأنظمة الحاكمة، فسيكون هناك خطر تضخيم الذات وتصور أن هذه الجماهير كلها تقف وراءها، في حين أنه لا يوجد دليل على أن هذا سيستمر حتى في المدى القريب، وهناك الكثير من الشواهد على أن هذا الالتفاف الجماهيري سيتبدد بسرعة ما لم تستثمره كل الأطراف، وليس فقط الحركات الإسلامية، بل أيضا الحكومات والقوى السياسية الأخرى.
ويبدي د.عبد الغني عماد رأيا مشابها ويرى أن ردود الفعل على ما حدث في غزة تدخل في إطار الانقسام العربي عموما، فعلى الصعيد الشعبي حدث تعميق قوي لحالة الفرز، مما أعطى للحركات الإسلامية أبعادا شعبية أكثر عمقا، ولكنها ظلت دون المستوى المتصور.
ويعتقد أنه كان من المتوقع عند المراقبين والإسلاميين أن الهبة الإسلامية والانتفاضة الشعبية المناصرة للمقاومة الإسلامية في غزة ستكون أكثر شدة وأكثر تأثيرا وضغطا على الأنظمة، لكنها لم تصل للمستوى المتوقع، مما سيترتب عليه ضرورة أن تعيد الحركات الإسلامية التي راهنت على هذا السيناريو حساباتها.
إذن يبدو أن هناك اتفاقا بين المحللين على أن حرب غزة ستكون لها تأثيرات متعددة على الحركات الإسلامية في المنطقة، فمن ناحية قد تتجه العلاقة بين الأنظمة الحاكمة في الدول العربية وبين الحركات الإسلامية إلى مزيد من التأزم على خلفية الحرب، سواء بسبب المواقف التي اتخذها الإسلاميون أثناء الأزمة أو بسبب صمود حماس واستمرارها كحركة إسلامية مقاومة وحاكمة.
في حين يبدو تأثير أزمة غزة على زيادة القاعدة الشعبية لهذه الحركات غير واضح؛ نتيجة لاحتمال كون الالتفاف الشعبي حولها كان نابعا من تأييد هذه الجماهير للقضية الفلسطينية، ولا يعبر عن تبني هذه الجماهير لمواقف هذه الحركات.
*إسلام أون لاين