لقد أولى الإسلام عناية كبيرة لغرس العقيدة السليمة في قلب الفرد المسلم ، عقيدة تصوغ الحياة برباط اسمه الإيمان ، خلصته تلك الآية الكريمة في وضوح ما بعده وضوح ، هذه الآية:الكريمة ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [سورة الأنعام الآية: 162] فنكون حياتنا كلها لله تعالى ، و تأمل معي ، ماذا تحمله الحياة من مسالك ، و دروب و نزوات و شهوات ، و من اقبال و إدبار ، فتكون حياتنا أيها المسلم رهن هذه العقيدة .
فرق كبير و بون شاسع فيما يقدمه الإتباع اليوم في تناول جوانب هذه العقيدة السليمة الواضحة السهلة ، فقد وجدتها عند هؤلاء عصية صعبة التحصيل يلزمني لحملها تحصيل أعلى الشهادات لبلوغ تلك العتيدة ، فكم يلزمني من الحواشي و شرح الحواشي ، و كم يلزمني من السنوات لتحصيل تلك المعاني ، و حين عدت للمنبع الصافي ، و مصدر الهداية ، ظهرت لي المعاني سهلة لا غموض فيها و لا تعقيد ، فيكفي الصحابي يومها أن ينطق بالشهادتين ، لينطلق بعدها في عالم الحياة و في دروب الحياة يصنع الروائع .
إن الصور التي وردت إلينا من سلفنا الصالح ، صور عملية لتلقي الإيمان ، قال ابن إسحاق : وكان من حديث [ ص: 345 ] الأسود الراعي ، فيما بلغني : أنه أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو محاصر لبعض حصون خيبر ، ومعه غنم له ، كان فيها أجيرا لرجل من يهود ، فقال : يا رسول الله ، اعرض علي الإسلام ، فعرضه عليه ، فأسلم - وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يحقر أحدا أن يدعوه إلى الإسلام ، ويعرضه عليه - فلما أسلم قال : يا رسول الله ، إني كنت أجيرا لصاحب هذه الغنم وهي أمانة عندي ، فكيف أصنع بها ؟ قال : اضرب في وجوهها ، فإنها سترجع إلى ربها - أو كما قال - فقال الأسود ، فأخذ حفنة من الحصى ، فرمى بها في وجوهها ، وقال : ارجعي إلى صاحبك ، فو الله لا أصحبك أبدا ، فخرجت مجتمعة ، كأن سائقا يسوقها حتى دخلت الحصن .
حين نقف عند صور الإيمان في حياة المسلم ، نلتمسه من حياة الصحابة عليهم الرضوان ، فقد كانوا أمثلة عملية لصدق الإيمان ، فالإيمان يدفع الطفل الفتى يفدي رسول الله ، فينام علي كرم الله وجهه في فراش رسول الله معرضا نفسه للأذى نظير فداء رسول الله . و هذا الصديق بتصدق بكل ماله في وجوه الخير ، و من فضائله كثيرة ، فقد كان كثير الصيام ، و يتبع الجنائز ، و يطعم المسكين ، و يعود المريض ، فكان أتبث الناس عند وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و كان أكثر الصحابة نصرة للإسلام في حروب الردة .
إن حياة الصحابة كانت عطاء مستمرا ، فمن يجهز جيش العسرة غير عثمان رضي الله عنه ، و من يشتري بئر رومة غيره ، و من يوسع المسجد النبوي توسعة كبيرة ، ثم يتحمل مشاق جمع المصحف الشريف ، إن الصور كثيرة لا نستطيع حصرها ، فصحابة رسول الله كانوا فرسانا في النهار، و رهبانا في الليل ، فهي صور ناطقة لعقيدة تفعل الوجدان و المشاعر وتصنع الحركة ، فهي ليست عقيدة ترف ، و حشو معرفي ، بل هي عقيدة تصوغ الحياة ، عقيدة سليمة، و عبادة صحيحة ، كما هي خلق متين
و الله أكبر و لله الحمد الجزائر في 06 / 02 / 2017