كم تعجبني قامتك أيها الطفل العربي!!!
سميرة بيطام
بلِّل وجهك بدموعك؛ فيداك شاهدة عليك، عما قريب أفضل الأيام لك، السماء دائمًا مفتوحة لك، الكون شاهد عليك ولصوتك المرتعد.
امشِ أيها الطفل الجميل، فالتاريخ شاهد عليك، رأيتك تُراجِع دروسك خلف المدافع، وتُركِّز جيدًا تحت صوت القذائف، ومن هناك من على حافة الوديان لَمحتُك تُنشِد وأنت جالس فوق صخرة الأكابر.
كنت نارًا أوقدها جمر الأعداء؛ مَن اغتصبوا بلدك، لا داعي أن تترجَّاني ببراءتك، فأنت في عيني بريء فوق العادة؛ لأنك صديق محمد الدرة، ولذلك أحببتُك كثيرًا منذ رأيتك، قامتك أيها الطفل صغيرة، ولم تكن في يوم من الأيام قصيرة، لكم أعجب وأبتسِم عندما تتسلَّق بقامتك مدافع ضخمة فأنحني تقديرًا لأُقبِّل يديك اللطيفتين، والأجمل من ذلك حينما أراك تحمِل مصحفًا، وتُبكيني عمدًا عندما تُرتِّل كلام الله.
فحينما يَمتزِج الصوت العذب مع إصرار القامة الصغيرة، أَظل أفتخر بك أيها العربي، إلى أن تغدو طبيبًا أو مهندسًا أو مؤذنًا أو مجاهدًا، فكل الوظائف تليق بقامتك، وإني لأختار من وقتي لأجالسك وأسمع أنشودتك عن بلدك وأنت تَصُفّ أمامي كالجندي مع رفاقك في وقفة الأبطال.
كم أزعجتَ بقامتك نومَ العدو، فاختار أن يُكبِّل يديك؛ حتى لا تحمل حجرًا أو قلمًا أو دفترًا، لكنك تمرَّدت عليهم في أن يُمسِك أحدٌ منهم ذراعك، لم تكن في يوم من الأيام سهلاً، ولم تكن نظرتك حانية؛ بل كانت متوعِّدة أن تَنتقِم لبلدك؛ لأنك رحت تَعصِف بغضبك حزنًا على أمك وأبيك وإخوتك وأهلك جميعًا عندما اغتالوهم أمام عينيك، اعرف جيدًا حقَّ وطنك عليك، فلكم كانت الحجارة كبيرة في قبضة يدك؛ لأنك ألِفت مداعبتَها منذ وُلِدت، قفزتك الجنونية من على سور بيتك كانت كالشرارة تُسابِق الرصاصة في سرعة البرق وأنت تَفِر من عدوك حين طارَدَك، مرة تُراوِغ بالاختباء، ومرة تُعاكِس الاتجاه بالمشي خِلْسة، فلكم حيَّرني ذكاؤك، وأنت بعدُ صغيرٌ، ربما لأنك عربي وتَحمِل في صدرك الكثير من الثأر لجرحك وأنت بعد صغير، كنت مزعجًا في الشارع ومن أمام عتبة بيتك؛ لأنك تقوم بأدوار بطولاتٍ يَعجِز عنها الكِبار، وهذا ما يَزيدني إعجابًا بقامتك الصغيرة، فأنت تدخل المنافذ من مداخل صغيرة، فلولا صغر قامتك لما ولجت مضايقَ ضيقة، فأنت تستطيع أن تكون مجرمًا في نظر العدو، ولكنْ فدائي في نظر أمك وأبيك وأبناء وطنك، لم تحتوك القوانين الدولية ولا الوطنية؛ لأنك غدوت متمرِّدًا وربما خارجًا عن القانون، وهذا في نظرهم، أما في نظر أبناء العروبة، فأنت بطل دوَّخت العالم ببطولاتك، فكنت القدوة والنموذج.
تَمرُّ من أمام أنقاض الدمار ولا تُبالي، وتجمع صدفًا لتلعب أنت ورفاقك، أو تمضي لتشيع جنازة أحد رفاقك ممن سقطوا في ميدان الشرف، تستطيع أن تحمل النعش مع رفاقك؛ لأنك تقويت على تحمل الآلام والصعاب وأنت بَعْدُ صغير، أتذكرك طفلاً حينما أراك تلعب، أما حينما يُطارِدك العدو، فأنت البطل حينما شغلت انتباه الكِبار في أن يُطارِدوك، لن تبكي أمام أمك حينما يُقصَف بلدك، ولكنك ستمسح دمعتها من أنك شهيد المستقبل، فتعطيها الوعد تِلو الآخر من أنك في سبيل الله ماضٍ حتى تستشهد، ما أروعك حينما تصبِّر أمَّك بكلام سيدخلك الجنة، وما يَزيدني لوعة بشجاعتك حينما يقتادك العدو للزنزانة ولا تستنجِد بأمِّك؛ لأنك ترى في الاستنجاد قلقًا لها، فرحت تمشي ولسانك يُكبِّر، وصوتك يعلو عاليًا فوق رشاشاتهم في أنك لا تخشى الرصاص ولا القنابل.
سأظل مُعجَبة بك ما دمت تعرف مَن هو عدوك الحقيقي، ومن يتغنَّى بالسلام ليخدعك، أَثِق فيك يا بطل أنك لا تأمَن سلام الخونة، هل فَهِمت الآن لمَ تُعجِبني قامتُك أيها الطفل العربي؟ ولتطمئن لإعجابي أهديك هذا المقال خِصِّيصَا في عيدك، عيد النصر الطفولي.