مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/12/11 06:35
ذكرى مولد مُعلم البشرية أسمىّ معاني الحُرية واليوم العالمي لحقوق الإنسان

 د. محمـد عبدالـرحمـن عريـف*
 
يوم حقوق الإنسان هو مناسبة يحتفل العالم بها في 10 كانون الأول/ديسمبر من كل عام. ويرمز هذا اليوم لليوم الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة في عام 1948 الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وفي عام 1950، اعتمدت الجمعية العامة القرار 423 (د – 5) الذي دعت فيه جميع الدول والمنظمات المعنية للاحتفال بـ10 كانون الأول/ديسمبر سنويًا بوصفه يوم حقوق الإنسان.
الجديد هذا العام أن يأتي يوم حقوق الانسان مع ذكرى مولد الرسول محمد عليه الصلاة والسلام.. لنتذكر بداية من أرسى مبادئ العدل وحقوق الانسان بمعان جديدة لم تعرفها الشعوب إلا بعد انتشار حضارة الإسلام ومبادئها العريقة، لتخرج الناس من ظلمات الاستبداد إلى أنوار الحق والعدل. نتذكر من نجح فى إرساء العدل الذى يعنى التفاعل الإيجابى مع أبناء الأمة، وتحقيق العدالة الاجتماعية التى تهدف إلى توجيه مصادر الثروة الاقتصادية لإشباع الحاجات العامة، وخاصة للفقراء والمساكين وغير القادرين. فلم يكن (صل الله عليه وسلم) كما تشهد له الحقائق التاريخية ملكًا من ملوك الدنيا ولا مصلحًا اجتماعًا ولا صاحب مطامع دنيوية ولا باحثًا عن جاه أو متع زائفة أو داعيًا الناس إلى تقديسه ورفعه فوق مستوى البشر أو داعيهم إلى عبادته وتأليهه، وإنما كان صاحب أعظم رسالة سماوية علمت الإنسانية توحيد الله.
علمنا كل معانى الخير والحب والتسامح والإخاء والرحمة والمساواة والعدل والطهر والإخلاص وأضاء الدنيا كلها بالتوجيهات الإلهية التى من شأنها أن تحقق صلاح الناس فى دينهم ودنياهم وتقربهم من الله واستطاع أن يغير معالم الدنيا فى عصره ويقضى على الحروب والصراعات التى راح ضحيتها الكثير والكثير، كما استطاع أن يقضى على مفهوم الغاب الذى كان سائدًا ومنتشرًا فى الجزيرة العربية عبر قرون مديدة، ويحول ساكنيها من البدو الغلاظ إلى أمة تقود الدنيا نحو الخير وتؤسس أعظم حضارة عرفتها الإنسانية. ورسول الله محمد (صل الله عليه وسلم) كان مثالا فى كل شىء.. كان مثالًا فى أخلاقه.. وكان مثالًا فى أقواله.. وكان مثالًا فى أفعاله.. وكان مثالًا فى رحمته.. وكان مثالًا فى تربيته الصحابة.. وكان مثالًا فى عطفه على الصغير والمسكين والمحتاج.. وكان صل الله عليه وسلم مثالًا فى تواضعه ورحمته مع زوجاته وأهل بيته..
الله سبحانه وتعالى أعطى النبى الكريم (عليه الصلاة والسلام) قلبًا رحيمًا، مليء بالخير والحب لكل الناس، وبلغ من رحمته أن شملت كل الناس مسلمهم وغير مسلمهم، بل شملت كل مفردات الكون. ولقد رسخ النبى قيم الرحمة والصبر وتفريج كروب الناس فى الدنيا حتى يسترهم الله يوم القيامة، ودعى إلى قيم الستر وعدم إفشاء أسرار الناس، وإشاعة العدالة والسعى فى حاجات الناس وتفقد حاجات الفقراء واليتامى والمساكين والأرامل وأصحاب العاهات.
إن الرسول الكريم جعل دور الدولة يقوم على مبدأ الرعاية وليس الوصاية، وعلى مبدأ التوجيه والإرشاد وليس التحكم والإجبار، على أسس إنسانية، بحيث تضمن لفقيرهم حد الكفاية، مما يدل على عظمته وإنسانيته فى شتى المجالات .
إن إنسانية الرسول فى الحروب تتجلى أولا فى أن الحرب فى المنظور الإسلامى ليست أصلًا من أصول الدين، بل يلجأ إليها فى الضرورة فقط، وكانت إنسانية الرسول (صل الله عليه وسلم) فى الحروب تتجلى فى أنه كان فى كل غزواته وسرياه ليس بادئا بالعدوان، ولا ساعيًا لمغنم مادى، وإنما كان يسعى دائمًا لتحقيق الحرية الدينية للناس كافة.
تفجرت إنسانية رسول الله (صل الله عليه وسلم) فى التعامل مع أسر الشهداء، قبل الشهادة وأثناء الشهادة وبعدها، حيث ضرب رسول الله المثل الأعلى فى رعاية أسر الشهداء والاهتمام بهم، ليشعر أبناء الشهيد بأنهم ليسوا أيتاما، وأن أباهم هو الذى منح العزة والكرامة للوطن والمواطنين.
أن القرآن الكريم أعطى سيدنا محمد صفتين من صفات الله سبحانه وتعالى وهما (الرأفة والرحمة) وهما من أعظم الصفات التى أعطيت لرسول الله, لافتًا إلى أن تجليات هاتين الصفتين وغيرهما ظهرت فى مواساته (صل الله عليه وسلم) حتى لأهل قتلى المشركين.
إن الوقت المناسب هو الآن. “نحن الشعوب” يمكن أن نتخذ موقفا للحقوق.. يمكننا ومعًا أن نتخذ موقفًا للبشرية جمعاء.. أن يبدأ مع كل شخص منا. لذا قم بخطوة إلى الأمام ودافع عن حقوق شخص لاجئ أو مهاجر، أو أحد الأشخاص من ذوي الإعاقة، أو أحد الأشخاص من المظلومين، أو لحق إمرأة، أو طفل، أو لحقوق الشعوب الأصلية، أو أقلية، أو أي شخص آخر يعاني من التمييز أو العنف.. تعلموا من مُعلم البشرية اسمى معاني الحرية.. في ذكرى مولده.. محمد (صل الله عليه وسلم).
*

كاتب وباحــث في تاريخ العرب الحديث والمعاصر

أضافة تعليق