اضطراب مناهج التربية في العصر الحديث
سميرة بيطام
تحرص غالبية دول العالم العربي و الاسلامي شرقا و غربا على الحفاظ على مقومات مجتمعاتها و مبادئ التربية و مناهجها في مؤسساتها التعليمية على اختلاف درجات و اطوار التعليم على مستوياتها..و كذا في الأسر خاصة.سميرة بيطام
فاذا نظرنا الى التصور الاسلامي بعين مبصرة للحق و العدل سنلاحظ أن فيه نوع من الصراع الداخلي و المبطن بغلاف التعديلات التدريجية التي تطال البرامج و المناهج في كل سنة اعدادية لدخول اجتماعي جديد ، و السؤال الذي قد يطرح نفسه كإشكالية في تقويم المستوى التعليمي هو عن أساسيات التربية و مقوماتها ان ما زالت تحتفظ بذاك المستوى الفعال من تلقي النصح و المبادئ و السلوكات الصحيحة في الأسرة قبل الانتقال الى طور التعليم بمختلف أشكاله ، و الجواب أن المقومات و الأساسيات لا تزال تحتفظ بذاك القدر الجيد من الصرامة و الحرص على التربية السليمة للنجاح في الحياة بمستوى التكيف المنطقي و العقلاني مع شتى الظروف التي قد تصادف الفرد المتلقي للتربية و التعليم فيما بعد ، خلافا لما يروج له الآن عن فساد في القيم و أساليب التربية و التي يرجعها البعض الى مؤثرات العولمة و استقالة الوالدين عن الأداء الفعال و الجيد لتلقين التربية كما كان الآباء السابقون يفعلونه في تعاملهم مع أولادهم ، و الفرق هو اختلاف ظروف الحياة و تدخل الأساليب التكنولوجية التي تزينها وتدعمها التقنية لتبدو أكثر تأثيرا على أساليب التربية فتغير الطريقة و المنهج ، لينتج عن ذلك نوع من الصراع و عدم التقبل من الأولاد للأساليب التقليدية التي يرونها رجعية و غير مفيدة و لا تناسب عصرهم و لا طريقة تفكيرهم و لا نظرتهم للمستقبل ، و هذا ما يخلق مشكلة اجتماعية و تربوية قد لا يبذل المفكرون و علماء الاجتماع و علم النفس و القانونيين كل في مجاله جهده الكافي لحصر ظاهرة الانفلات و التمرد ان صح التعبير الملاحظين على جيل هذا العصر و صعوبة التحكم في رغبته الجامحة في أسلوب جديد للحياة و الاقبال على مختلف الأنشطة بوتيرتهم الخاصة رافضين بذلك النصح و التوجيه مبدين بذلك استعدادهم لتحمل المسؤولية مبكرا ، ما يشكل خوفا من الأولياء على مستقبل أولادهم لأن نظرتهم تختلف جذريا عن نظرة أولادهم فلذات أكبادهم التي يرونها قطعا منهم تمشي على الأرض.
فهذا الفصام النكد بين طريق التربية التقليدية و طريق التربية الحديثة من جهة و بين العمل للدنيا و العمل للآخرة لهما لب هذ الفصام الذي هو في حقيقته ليس أقدارا من الحتمية بقدر ما هو نتائج لتصورات و أفعال تجسدها قناعات بشرية بمختلف فئات المقبلين على العيش في حياة عصرية بكل نواحيها و متطلباتها الضاغطة على العقل و القلب معا فينعكس ذلك على مدى صحة التجاوب مع الغير عبر تعاملات يومية تخفي الكثير من الهوس و التوتر النفسي سواء للأولاد أو الشباب و الأولياء بالدرجة الأولى لأنهم معنيون بنجاح عملية التربية مهما كانت الرهانات..
هي قلق و حيرة و شقاء و بلبلة خاطر ،اذ هم يحاولون الاحتفاظ بعقيدة اسلامية في مزاولة حياة بصورة العالمية من خلال نظرة حديثة للأمور بما يحدد نظامها كله ويصونها بتصورات جديدة غير مجربة من قبل و هنا يقع التصادم ، فما تعانيه البشرية الآن انما هو نتاج تصادم أصبح واضحا و جليا و لا يمكن اخفائه أو التنكر له ،و الحل الأمثل هو الرجوع الى كتاب الله و سنة نبيه صلى الله عليه و سلم ،فالدين لله و الحياة للناس و أكثر شرحا لذلك ، الدين يرتبط بالعقيدة و الشعور و العبادة و الاخلاق ، و الحياة هي نظام و قانون و انتاج و عمل و على البشرية العربية و المسلمة أن لا تغرق في ويلات الصراع ما بين ما هو مطلوب و ما بين ما هو واجب القيام به مع الحرص كل الحرص على الحفاظ على القيم و المبادئ لأنها ان ضاعت فسدت مجتمعات و ليس فساد أفرادا فقط ، و ليتذكر ولاة الأمور مهما كانت درجة ولايتهم ووصايتهم أن القاعدة الاولى و الركيزة في التربية و الاصلاح هي الايمان و التقوى و تحقيق المنهج الرباني في الحياة الواقعية و هذا يتضمن في ثناياه العمل و الانتاج و الترقية و حسن الخلق من حلم و عفو و تسامح و رقي في الفكر لتحقيق المراد من التربية ،فضلا على أن الصلة بالله لها مذاقها الذي يختلف عن كل مذاق و كل طعوم الحياة لأنه يقوم موازينها من حيث أن كل شيء فيها يجيء تبعا و منبثقا منه و معتمدا عليه حتى يتم تمام الأمر كله في الدنيا و الآخرة في تناسق و اتساق ، و هو ما يحقق مقومات و أساسيات التربية السليمة في عصر تعالت فيه صيحات الانفتاح و التحضر و العصرنة و لكن على نسق الغرب و ليس على تقاليد و هوية انتمائنا الديني و هذا ما يجب محاربته بآليات تليق بوتيرة سرعة هذا العصر حتى لا تكون فيه خسارة كبيرة للعقول النيرة و التي يجب الحفاظ عليها بعيدا عن التبعية و التأثر بلمعان عولمة بارقة خاطفة للأخلاق..
فليحذر الآباء و الأمهات في تربية أولادهم على النحو الذي يحفظ الأخلاق في قالب من قيم بامتلاك آلية الثقافة العصرية المتزنة و المتشبعة بالقيم ليتم تطبيقها بأسلوب يوافق ميولات الأولاد و لكن لا يؤثر على الأخلاق و هذا هو المطلوب .