مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/11/27 23:16
آداب النصح          بقلم الأستاذ حشاني زغيدي
      تعلمنا من ديننا أن النصيحة  دين نتعبد به ، ودين  نتقرب به للمولى عز و جل . و قد حفظنا حديثا عظيما  رواه مسلم في الصحيح من حديث تميم الداري وله شواهد عند غير مسلم، يقول صلى الله عليه وسلم "  الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم  " و تقوم النصيحة على أداب  و  ذوقيات  ، إذا اختفت  هذه الآداب و الذوقيات   فقدت النصيحة روحها ،  و انعدم ربحها ،  و فقدت أثرها في صناعة  التغيير فالنصيحة لها أثر في نفس الناصح و المنصوح  ،  إن  لها أثر  كأثر الملح في الطعام فالطعام ،  يحتاج تركيز  محدد ،   فإذا زاد عن حده  أو نقص فقد الطعام شهيته ، و أمسكت النفس  لتقبله  و كذلك النصيحة  .

          و للنصيحة  آداب ،  فإن لم يزنها  الإخلاص لله  فيكون النصح  القصد به وجهه تعالى ،  لا حظ  النفس ، و حظوظ  النفس كثيرة  .  و أما الأدب الثاني   أن يسلك الناصح سبيل   اللين و الرفق ،  و أحسب أن هذا الأدب قد غاب  في زمنا هذا  خلافا  لهدي الحبيب   محمدا صلى الله عليه و سلم  في  الاقتداء و التآسي .  و من الجماليات التي تأسر المنصوح أن تكون النصيحة سرا  خالية من التعريض و الفضح و التشهير ،  فأخلاق المسلم تستعلي على الفجور و الاستعلاء و الكبر ،  فالمسلم راق بخلقه ، ميال للستر في كل أحواله .

           فمن المؤسف أننا أصبحنا نقلد الإعلام  الهابط  الذي  لا هدف له  سوى  نشر الغسيل ،  و نشر الفضائح  و الترويج لسمومه  بهتك أعراض البشر ، و المسلم يتحرى  نبل المقصد  .  فليتنا نتأسى بأخلاق سلفنا الصالح في النصيحة    فقد كانوا   - رضوان الله عليهم - يَحرصون على النُّصح سرًّا؛ قال بعضهم:  "من وعَظ أخاه فيما بينه وبينه، فهي نصيحة، ومَن وعظه على رؤوس الناس فإنَّما وبَّخَه  ".   أما من يتخذ من منابر الإعلام و صفحات الصحف  منبرا لنصح إخوانه  و التعريض على مواقفهم ،  حتى  يصل الحال  للتشفي و الشعور بالغبطة لهزات مصائبهم ،  فهذا من المحال الغير مستساغ  عقلا و دينا  .

             و من الذوقيات الراقية في النصيحة ،  أن الناصح عليه أن  يتحرى الزمان و المكان و الأحوال  .  و من السوابق التي تهز الكيان ، أن يصدر من الصديق ، أو من رجل يحسب لنصيحته  نصائح  شاردة ،  تضر بإخوانه   في أمور قابلة للاختلاف لتعدد  الاجتهاد فيها ، فإن تقفز النصيحة  على مآسي الأمة و آلامها ،  و أن ينصح المجلود  و المغتصبة حقوقه  و المهدورة كرامته  فكيف  نشعر بالارتياح  و الرضى  و البشر،  لما حل بإخواننا  .

           أحسب أن الناصح يحتاج لمراجعة حساباته ، فقد أخطأ الرمي  و التسديد ،  و أن  ميزان بوصلته  يحتاج لإعادة  الضبط .  ثم كيف أسوغ لنفسي النصح لإخواني  التفريط في الحقوق  الشرعية المكتسبة  بدعوى عدم استكمال  عناصر التمكين  كأن غيرها من التجارب  قد استكملت شروط التمكين و امتلكت أهلية قيادة  أنظمة و حكومات   و كيف لناصح يصف المنصوح بضحالة الفكر  و قلة التجربة  و الجمود الفكري ، و   التسلط   الفكري  لو كنت مكان المنصوح   لرفضت اسداء النصيحة لخروجها عن الجماليات  و الذوقيات  فأين القول اللين في النصيحة  ؟   قال الله تعالى: ﴿ فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً ﴾ (طـه: من الآية44)        
     
    و الله أكبر و لله الحمد                 الجزائر  في  27     / 11    / 2016 

 

أضافة تعليق