مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/04/24 18:29
لا تحرمني لذة العيش

لا تحرمني لذة العيش

 

عذرًا؛ كنت في رحلة التِّيه والضعفِ، اللَّتين اتفقتا على أن أنقطع عن وِصال الانتظام! قلت: عذرًا لست أبغي طريقكما، قالتا لي: وهل أنتِ في حقيقة عيشك تهنئين بعيش العوافي في أرض ارتجَّت، وتمخَّض منها وفي قلبها مخاض التناقض؟ قلت: عفوًا، لست أبغي شراكةً معكما؛ لأني في رحاب الأرض الواسعة أسيرُ بخطًى تنتهي بي إلى حيث أرى المراد أحيانًا لامعًا، وأحيانًا حيث أكفُّ عني ضيقَ الخاطر من تعب القلم، والفكر والناس، ولكن التعبَ الأخيرَ فيه حلاوةٌ ما بعدها طلاوةٌ، فعذرًا؛ لأني سأرقب فيكما مضمون الهدف وأنقطع عن وصالكما، ولو أنه من المـُحال فهم القضايا العالقة من غير الدخول إلى مغارة الأحداث والحديث مع حراس المخفي من الأمر...

 

قيل لي: بالمرة كفي عنك إبداعًا يحتاج للكثير من تراتيب الخواطر.

 

قلتُ: شتَّان بين أن أحيا بصيغة الحاضر على بُطء الارتماء في أحضان الطبيعة الخلاَّبة، وبين أن أرقب بإبداعي تغيرًا في العباد والمواقف!

 

مهلاً، ففي الكلام علامات استفهام كثيرة، لكن لنصحِّح معًا ما أردناه من نية التغيير الرائع من غير تعصب في لحن الإبداع، فشاكلة التنقيط ستكون واحدةً، فأرجو ألا تحرمني لذة العيش في تجاوبي مع الواقع؛ لأنه عليَّ بالتغني وقت الألم والظلم والفشل على مرة، لا تحسبه تناقضًا في مسعاي، لكنه الحلُّ الأنسب لأوجاع الضمير، فلا تسكب رحيقَ الزهر في وادٍ ينسيه مسكَ الفيح في كل مكان، كان من المفروض أن ينتشر فيه، فقط صبرًا على مرحلة التشييد، فليست تبدأ بفوضى الفكر، بقدر ما تنطلق من مسامحة الكل حتى يصفى الذهن للإبداع وفقط، فقد تتطفَّل على الفكر شوائبُ تمنع عنه التركيز في صراحة المنطق، في حين الكل في نعيم الرضا ينعَمُ بمكنونات الصفح الجميل، ولو أنهم يبغونه تسامحًا من جانب واحد لخيلاء في مشيتهم، أو تكبُّرًا في نياتهم، ليس يَهمُّنا ذلك؛ فما يستلهم الهدف منا أن التماس الأصول والمنابع ليست تمتص منا مقاس الأفكار، طالما ليس يحدوها خوف ولا تردد.

 

لقد اتصلت مفاهيمي بواجبات الفكر البنَّاء، فأرجو ألا نخاف من مواجهة الرداءة فيما لو طَفَت على سطح القيم، فالكشف عن مصطلحات الأخطاء يحتاج للإعراب الجديد والدقيق، وليس لنا دخل فيمن يريد منافسة الطرح الجميل؛ لأن المنافسة شريفة، وهي مفتوحة للكل دونما استثناء، فقواعد مقاييسنا أننا نعيش في ضوء الإسلام، وعلى ضوء مقاييسنا نكشف بهاءَ عقيدةٍ سمَتْ ولا زالت تسمو بغم الجاحدين.

 

أرجو ألا تخلط أمور الماضي بالحاضر؛ حتى لا يتشتَّتَ الشَّمْل من التعبير، فالإسلام لم يترُكْ شاردةً إلا أحصاها، فاهتزت له الأرض اهتزازًا، ولاقى بذلك ترحيبًا وقبولاً، فدينُنا لا يتَّصِفُ بالانعزال عن أحد؛ لذلك فتوحاتُ النصر ليست تُحصى لها الأبواب والمنافذ.

 

وبما أن الكون منتظم لا فوضى فيه - بغير فوضى أخطاء البشر - فلنرقب فينا ومنا أخطاءً ستنفعنا في تصحيح خلل البناء حيثما ظهر لأعيننا، ولنا في البصيرة مجهرٌ لما لم تكشفه لنا الأعين، وسنكون في استمتاع أثناء وضع تراتيب البناء ورسم هياكل القواعد المتينة، صدقًا إنها متعة في زمن إلقاء الضوء على التغريب، بالمرة نفكُّ ألغاز الحيرة في عقولنا، وبالمرة نجيب عن تساؤلات كثيرة، فقط لنعمل بمبادئ الأخلاق حتى لا نُحرَمَ لذَّةَ العيش، فبغير سؤدد الالتزام لسنا نمسِكُ بلجام الثبات، وإذا ما لاحظت تعثُّرًا مني فأرجو أن تقيل عَثرتي؛ لأني لتَوِّي استيقظت من سيطرة عقلي وضعف وقتي وقلته، ولو أن الإنسان ليصارع لكتابة حرف الدقة والتميز على صفحات اكتظاظ الواجبات والالتزامات، أما لذة العيش الهنـِيِّ، فهي في إحياء سنةِ حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ لذلك ذكرني ما نسيت، وعلمني ما جهلت؛ فإني أتوقُ للذة العيش الهَنيِّ بمواصفات الصرامة والعمل الجاد، واللامبالاة للمثبِّطين، وما أكثرَهم!

 



أضافة تعليق