مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/04/20 18:39
عودة بريئة و دعاء صادق

عودة بريئة ودعاء صادق

 

لَكَمِ انكسر الشوق في حِضني، ليس ليكفيني مطلبًا أني لم أظلم، ولم أرتكب جرمًا، لكم انسكب الدمع يلوم فيَّ استمراري في البحث عن حقيقة ما ينبض في قلوب لا تفقه ولا تبصر بالإحساس، لكم يئست، ثم مللت، ثم اكتفيت أن لا كلام بعد اليوم، فابتعد كابوس اليأس عني لأيام منذ أن أخبتُّ إلى ربي أني أتيت إليك طائعة وساكتة في أني بالكاد أنطق، ما الداعي لاغتيال طموح كان بالأمس يزين علاقاتي مع من فرحت كثيرًا معهم، ولكن في لحظة غَدْر فقدتُ كل شيء، فحضرت إليك يا ربِّ طائعة.

 

يا ذا النعم، لا أحد يفهم عمق جرحي سواك، بالأخص حينما زاد الظلام على سواد الليل؛ حتى لا أرفض حقيقة الخيانة، لكني قبلت عرض الظلام؛ لأني أصلاً لست أرى نور الصدق بعد أن صفعني من ناشد كذبًا أنه نعم القريب، ونعم المُعين، من لم أشك أن يديه ليستا ملوثتين بحرفة يقال لها: التنكر، لكني دريت بإحساسي، فكنت أُخفيه عن ظاهر قلبي؛ حتى لا أصطدم به في أسرع وقت، لكنه كان هو الحقيقة في ذاتها، فازداد الحذر لي تنبيهًا أنْ كُفِّي عنك أمانًا وتصديقًا وسذاجة لرطب الكلام، الذي كان يزين لك دروب الخطى نحو العلا بأماني لم تكن صادقة.

 

بعد أن توقفت في منتصف العلا، كنت قد أحسست بتعب ليس يمدني بإرادة الرغبة في تكملة المسير، فلزمت مرقدي لشهور، بل ربما لعام، ولم أحسبه كذلك، فتشت في زادي فوجدته قليلًا، فسألت الرحمن أن دُلني على رحمة ألف بها خفة روحي التي مرضت من شدة تحملي لما لم أكتفِ به بالمرة، ناديت أن يا رب، إني طامعة في الكرم منك، فارحم فيَّ انكسارًا يزيدني عذابًا يومًا عن يوم، حينما مررت في دروب الضياع، رفضت الانصياع لما لا يوافق كرامتي.

 

وهأنذا عدت إليك يا مليك، حينما غاب عني النوم، بل امتنعت عن النوم، فلم أجد بدًّا لوحدتي سوى أن أطلب أن تضمني في حماك، فمن لقلبي سواك؟! نعم، بتكرار الرجاء أقول: ضمني يا رحمن، فمن لي سواك يا إله الوجود، ينتشلني من قهر لم أدرِ ما الداعي إليه؟! لكني أتشبث بحبلك المتين بعد أن خانتني أركان حسبتها ليست تخون.

 

إن جسر الذنوب ليس فيه لعوب، وإن دمع الغريب ليس فيه لطف من القريب، فيا رب يا ودود، يا إله الوجود، ارحمني، واحمني، وعوضني خيرًا ترضاه لي، يا رب.

 

طالبة أنا لرضاك، فمَن لروحي سواك، يلقي بطيف الهناء على قلبي الذي ينبض حبًّا قويًّا لك؟! فدلني يا جليل نحو خير الدروب، قد أتيت مقبلة إليك، فاعْفُ عني يا مداوي القلوب، يا قاضي الحاجات، اغفر لي سيئاتي قبل موتي ونهاية الأمل من أيامي، طامعة في الكرم منك يا ذا النعم، فوثبت أتوب إليك بصدق الدمع والأسى، لقد كان في دربي ملامح ضياع أين كنت أموج مع موج الضعف؟ لكني كنت أرفض الانصياع في متاهات الدنيا؛ لذلك أنا عائدة إليك يا مليك في تعب شديد أشعر به، يتملكني في قوامة كياني، فلا تحرمني فيض الكرم منك يا إله العالمين والكون والكائنات، إني في سجودي أطيل السؤال، ولست أرفع رأسي إلا بعد انتهاء دمع الخجل منك.

 

يرتسم منظر الكعبة أمام مقلتيَّ، وأرحل مع حمام السفر، حينما يقترب موعد الرحيل إلى المدينة، أن بلغ سلامي على حبيبي محمد صلى الله عليه وسلم، لَكَمْ أشتاق لمنظر أني في مسار المدينة تحت أنوار الضياء، حيث لا شأن لي بأحد، ما لي وما للعباد حينما أبغي وقفة في الروضة؛ لأصلي وأسلم على حبيبي رسول الله! ولي في سؤالي عن زمزم والمقام حنين آخر، فيا تُرى، متى أرحل إلى حيث شفائي؟! إني في حنين ليس ينتهي، حينما يرفض دمعي أن يكف عن التدفق كحبات تتساقط على أرض اعتدت المسير عليها بخطى الغربة، والشعور أن أرض مكة ستحضن فيَّ ما عانيته من أتعاب العباد والظروف، فيا رب، أسكني في رحلة أنسى فيها ماضيًا يرفض أن يطلق العنان مني بعد أن اعتاد الألم، والضعف، والظلم، ولم أكن بَعْدُ قد فهمت ما حصل، غير أنه كان ابتلاء، فيا رب، الطف وارحم عبدك في أن يرتاح؛ لأن الجسم منهك، والإيمان قد انخفض في درجاته، والروح تريد لها سكنًا طيبًا تسترجع فيه راحة البال والضمير معًا.

 

لست أبغي طبيبًا ولا دواءً غير شربة من زمزم تطفئ لهيب الحرقة لما آل إليه حالي، والشكر والحمد عنوان سؤالي ومطلبي، لست أبغي فسحة في عالم التجوال مع زخم التقدم والكماليات، لكني أبغي ملمسًا لجدار الكعبة، والطواف حولها؛ لأزداد قوة ما بعدها قوة، ولست أبغي سفرًا مبهجًا إلى دول الحبور والسرور، لكني أبغي بيتك الكريم أجول وأتجول فيه عبر مداخل أبوابه العديدة، التي تستقبل العائد إليك بانفتاح الخير على مصراعي الترحاب، فيا رب، كانت هي عودتي، فتقبل مني دعائي، واكتب لي خطوات إلى بيتك الحرام؛ لأن بي تعبًا لست أجد له دواءً، ولن أجده إلا وأنا أنزل في رحاب مكة والمدينة، اللهم تقبل دعائي، واغفر ذنوبي، واكتب لي زيارة إلى بيتك تشفيني من مرض كان سببه الغربة؛ غربة الأهل والأحباب، ولو أني أُصبِّر نفسي بأن الدنيا ليست تدوم لأحد.

 



أضافة تعليق