مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/04/16 22:29
سنونوتي.. لا تفارقيني

سنونوتي.. لا تفارقيني

 

رأيتك من نافذة بيتي - وإن كان بيت الدنيا ليس بيتَ الدوام؛ لأنه في الحقيقة لا بيت دائم - فرحتُ أستَرِقُ النظر إليك "سنونوتي" في إطلالة بريئة مني فيها الكثير من الارتياح والثقة براحة ضمير هادئ، وبتوقَّد بصيرة تبحث عن الطمأنينة في كل مكان، فلم تجدها إلا وهي تُسبِّح لله الواحد الأحد بإقرارية كياني في أن الملاذ إليه، والقناعة في أن أشكره مهما امتدَّ بي الخَطب ليخطف مني ساعات الرِّضا، ولو خِلتُها سويعات.

 

لكَمْ كان في طيرانك حكاية مع الطبيعة في أنك تجوبين السماء في سرعة؛ لأنها إحدى مميزاتك التي جبَلك الله عليها، لكن هذه السرعة زادتني إعجابًا بكِ وآنت تُلحِّنين ألحان التسابيح مع انسجام حركات جناحَيك بانسياب مُزدوج التمايُل يَمنةً ويَسرة.

 

فرحتُ في انسيابك أراجع معه آية من آيات الله؛ ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ ﴾ [الملك: 19].

 

هو تخصيص إلهي في غاية الإتقان، فكان لك سنونوتي أبهة في تماوُج طيرانك.

 

تأمُّلي لك سنونوتي بعد أن نسبتُك لي في مشهد التمتُّع؛ كوني أرقبك من نافذتي في مشهد متكرِّر لم يكن بالواحد؛ لأني أتعمد كل صباح أن أخصَّ نفسي بإطلالة تملأ عينيَّ سكينة، وتبعَث في نفسي حيوية الارتماء في خوض أحداث اليوم الذي شاهدتُك فيه بكل ما فيه من مُتغيِّرات وتذبذبات الوصال مع حركية جوارحي في أني أبحَث عن كل ما هو جميل وهادئ وطيِّب.

 

أُحاكيك سنونوتي عما أتعبَني في تحصيل الحاصل من حياة فيها الكثير من الكدر في هذا الزمان، لكنها مشيئة الله في أن نكدَّ ونجتهد أكثر من أي وقت مضى؛ لنُحافظ على سلاسَة الفِكر الراقي، والخُلق المتجاوِب مع مكنونات الطبيعة؛ لأن هذا التجاوب هو ما يُهوِّن عنا مرارة العيش.

 

قد أهمِس بصوت خافت حتى لا يَسمعني أحد، وقد أُطلِق نبرات الحنين لزمن العيش الرغيد وقتَما كنا نَثِق في بعضنا البعض كبشَر، ونَحكي أسرارنا بداخل بَوتقة الثقة دونما حسابات تأهبية لأي خيانة؛ لأننا ببساطة كنا لا نؤمن أن هناك تقلبات في المشاعر، فرُحْنا نحبُّ في الله ونبغض في الله، فكانت النهاية مسكًا، ولو بخسارة الأحباب؛ لأننا نحتفظ بذكريات جميلة، فيها الكثير من المتعة والأُخوَّة الصادقة في لحظات غير قابلة للتكرار.

 

لذلك؛ قصصت لك سنونوتي على مشاهد النور الوضيء بشمس الإشراق ما مرَّ عليَّ من مِحَن وصِعاب، فرحتُ أشقُّ الطريق لوحدي وكلي توكُّل على الله، حتى إذا جنَّ الليل أنزوي إلى ركن بيتي الدُّنيوي لأعدَّ عدة بيتي الحقيقي حال مَوتي؛ لأني أدركتُ أنه لا شيء يَدوم ما عَدا سجل الصالحات، فرحتُ أُكثِر من الاستغفار عن خطايا اليوم ليتجدَّد العهد في يوم موال، لا أعرف إن كان لي فيه بقيَّة في العُمر؛ فالأعمار بيد الله.

 

لكني أتفاجأ وأنا أحكي لك قصصًا أثارتها شجوني من عمق الأحزان من أنك تغادرين إلى بعيد.. هي إشارة منك أن أقطع آلامي حتى لا تأخذني في عمق الأحزان فيضيع الوقت الذي لا يعود، نعم، أفهم إشارتك؛ لأني لا أحب أن يضيع وقتي.

 

فقط لا تفارقيني سنونوتي؛ لأني وثقت بك، فكان في امتداد بصري لك امتداد في عزلة عمَّن آذوني دهرًا من الزمن، فراح العتاب يؤنب ضمائرهم، فرحتُ أكتفي بإطلالة على جمالك، فانقطع أحبابي عن لقائي، وإذ منحتك ألفَة النظر إليك.. لا تفارقيني.

 



أضافة تعليق