مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/04/05 20:51
كيف تنجح بعد فشلك (2)

كيف تنجح بعد فشلك؟ (2)

 

 

تكلمنا في المرة السابقة عن الفشل ومعانيه وأسبابه، وأهم مراحل السير لتحقيق النجاح بعد الفشل، الآن سنتحدث عن العبرة من الفشل وأهداف النجاح؛ ليكون الموضوع متكاملاً ومرتبطًا بعضه ببعض، يؤدي وظيفة المعرفة والسعي نحو التغيير وإصلاح النفس وتقويم اعوجاج الفكر والإرادة؛ لصياغة الشخصية المتوازنة والطموحة الساعية لمرضاة الله بَدءًا، ولتحقيق الكِيان الآدمي الكفء في أن يكون عنصرًا فاعلاً في الأسرة والمجتمع، فالثاني يتوقف نجاح التفاعل فيه على توافق الآراء والإرادات نحو الهدف الموسوم بتكافؤ أفراد العائلة في عملية ترابطية فيها الأخذ والرد، على طريقة يرتبط كل فرد بعضه ببعض، ويحقق بآليات متينة مطالب العيش الهني، والاستقرار النفسي، والتآزر الاجتماعي؛ لأنه من غير هذه المقومات العملُ الفردي ليس يؤتي ثماره كاملة أو موسعة لتخدم الغير وفق ما ترتقي له طلباتهم ورغباتهم المشروعة، والتي جعل الله عز وجل حاجة البعض عند البعض الآخر عنوانًا للترابط والتواصي بالحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ففي ذلك مؤهلات لتفادي مثبطات الفشل، خاصة حينما لا تكون الأرضية مهيأة كما ينبغي، كأن يحدث شرخ في الأسرة بمشاكل عائلية متكررة الحدوث، فهذا من شأنه أن يربك طموح الفرد المتميز فيها والمتطلع إلى مستقبل زاهر، فالدعم المعنوي مهم جدًّا لاختزال الإحباط والتشاؤم واليأس، والتي هي أهم عدو للنجاح، فلو التقى مظهر واحد من هذه المظاهر في برنامج العمل الطموح، حتمًا سيربكه ويترك أثر التردد والخوف وعدم التقدم خطوات نحو الأمام.

 

إن المجتمع المسلم في قوامة السلوك التي نظمتها العقيدة فيها الكثير من الدروس والعبر والحلول، فالبناء لا يستقيم بمواد هشة وخطة غير محكمة في غياب إرادة أكيدة لتحقيق الهدف، ثم ليس النجاح يتحقق بمجرد التمني والتفكير الملي في مظاهره البراقة، النجاح الحقيقي لا يؤتي أُكُله إلا بعد تعب وكد وصبر وسهر لليالي، وتوظيف المهارات والقدرات، وتجنب الأخطاء ما أمكن ذلك، والنجاح الحقيقي ليس في تلك الشهادة العلمية المتحصل عليها أو المشروع الاستثماري الذي توسع وكبر؛ إنما النجاح الحقيقي هو في قدرتك على تخطي الأزمات التي تعترضك في طريقك أثناء أدائك لمهمة الكفاح، النجاح الحقيقي هو مقدار صبرك وتحملك للأتعاب والمشقات وحتى المضرة التي تتبعك في صحتك وجسدك؛ لأن الأداء يتطلب بذل جهد وتفكير وتوظيف المعنويات؛ للشعور دائمًا بنفسية مرتاحة تُخوِّل لك التقدم والنزول للميدان ومجابهة العراقيل والمشاكل، وإن كنت أرى في مصطلح المشاكل أن له معنى آخر، وهو أنها لا تعتبر مشاكل حقيقية في المعنى والخلفية، بل هي في حقيقتها أسباب تجعلك تفكر وتسعى وتغير الإستراتيجية ما تطلب الأمر ذلك، وإلافكيف ستعرف سبيلك الصحيح وأنت لم تتعرض لهذه الأسباب المغلطة والمراوغة لك؟! بمعنى أنه من غير المشاكل - كما ذكرت في السابق كما يحلو للبعض تسميتها - لن تعرف أنك مطالب ببذل عناية وسعي حثيث ودراسة معمقة للهدف المنشود، وأرى أنه حري أن يوضع كل مصطلح في مكانه المناسب، أو يوظف التوظيف الأمثل والمناسب له بحسب حقيقة التفاعل مع ما يحيط بنا من تموجات الإقبال على الحياة بكدرها وسرورها، بمسهلاتها ومصعباتها، بتوافقاتها وتناقضاتها...

 

لنتذكر معًا: حسن التوكل على الله، والعودة إليه وقت الشعور بالضعف، وكثرة الاستغفار وقيام الليل وصدقة السر والإحسان لمن أساء إليك، وصلة الرحم ومساعدة الفقراء ومواساة المرضى والمعاملة الحسنى للناس بخلق إسلامي صحيح من غير نقص أو خلل، هي كلها عوامل ما إن أخذت بها حققت نصرًا، وزرعت حبًّا، وجنيت خيرًا، ودخلت قلوبًا صماء لم تعرف الحب إلا وقد تعلمته منك، وتكون بذلك قدوة يقتدى بها، ويصل نجاحك للغير؛ لأنك ستقدمه عربون وفاء، بَدءًا بالشكر لربك الذي وفَّقك وأيدك بنصره، ولوالديك اللذين رعياك بالدعوة الصالحة، ودعاء الإخوان لك عن ظهر الغيب ... أوَلست الآن ترتدي تاج الوقار والتواضع والجمال والمحبة في حلة من التواضع وكرم الخلق؟ إنها بركة الله ما تمسكت بحبله المتين، وإياك ثم إياك أن تفتح أبواب الشيطان، فيتسلل الغرور إلى قلبك، وتترفع عمن عرَفت، وتتكبر عليهم، فيضيع المتحصل عليه في ومضة بصر، ثم إياك أن تغلق على نجاحك لنفسك، فتزداد أنانية وإفراطًا في تعزيز ذاتك، فينعدم فيك الإخاء وتعيش عيش المتغطرسين، وضع في الحسبان أنه لن يهنأ لك عيش في مثل وضع كهذا.

 

في الختام تذكر قوله تعالى: ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [الأنعام: 59]، دمت متألقًا بنجاحك.




أضافة تعليق