كيف تنجح بعد فشلك؟ (1)
نزولاً عند رغبة أحد القراء الأفاضل، الذي راسلني وطلب مني أن أكتب عن النجاح بعد الفشل، وفي حقيقة الأمر مصطلح الفشل له أبعاد ومعانٍ ودلائل مختلفة، فلنبدأ على بركة الله:
إن مسيرة الحياة لدى كل واحد منا حافلة بثوابت المواقف ومتغيراتها، فالثوابت ما نخططه للمستقبل وما نترقبه من نتائج، أما المتغيرات فهي ما يبدل لنا نسق المسيرة، فربما نتعرض لهزات وعراقيل ومشاق في تحصيل ما تم التخطيط له، وهنا لا بد من إعادة قراءة الرؤية الجيدة لتلك المواقف، فلا نأخذها دائمًا على محمل من فشل حينما لا نوفق في الحصول على المراد؛ لأنه أولاً وأخيرًا هو مراد الله وتوفيقه، وما علينا إلا الأخذ بالأسباب، فإن نجحت فاعلم أن ذاك رزق ونصيب ونتيجة حتمية لطائل الجهد الذي بذلته، أما إن لم تصب الهدف فمعناه أن موعد الظفر بالنتائج لم يحن وقته بعد، أو ربما كان لزامًا عليك مراجعة مؤهلات العمل وإستراتيجية التخطيطالتي لم تكن توافق ما تطمح إليه، فربما ما تصبو إليه أكبر من مؤهلاتك وإمكانياتك، أو أن العراقيل التي اعترضتك كانت تتطلب منك قراءة جيدة لأسبابها، والأخذ بالمؤهلات الملائمة لتخطيها، وهي في مجملها لمَّا يتغير نسق حياتك من جيد لأسوأ - مثلاً - فاعلم أنه ابتلاء، وهنا بالذات عليك التفريق بين الابتلاء والبلاء، فلا بد من وقفة صريحة أمام الله وأمام النفس لمحاربتها إن كان ثمة تجاوزات مع غيرك ممن عرَفت، فربما حصل الأذى معهم باللسان، أو المنع عن معروف هو واجب معهم، أو إجحاف في مكتسب هو حق وتم اغتصابه فيبيت المظلوم في دعائه يرجو قصاصًا من الله، فيحبط العمل بسبب تلك المظلمة، ويظن الساعي أنها مجرد لقطة فشل عابرة وسيكون النجاح حليفه بتكرار المحاولة، لكن إن كان ثمة دعوة للمظلوم فربما كان بلاءً في ذاك النجاح الذي يسعى إليه الظالم وهو متناسٍ ذاك التجاوز، وعليه لبلوغ المراد أن يطلب العفو والسماح من المظلوم؛ حتى ييسر الله أمره.
هذا جانب في سبب الفشل، وكلٌّ بحسب المواقف التي عاشها الشخص في مسيرته، فهو تذكير فقط بخلفية الفشل هنا، وأعتبره فشلاً بمعنى الكلمة حينما لا يكتب التوفيق للساعي للنجاح بعد ظلمه للغير، فالله عز وجل عادل ويوفق الساعي للنجاح ليكون له بداية المشاكل، وليتذوق طعم الظلم وعلى نفس الوتيرة التي أذى بها الغير، مصداقًا لقوله عز وجل: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ﴾ [الأنبياء: 35].
وإذا كان ما أصاب المؤمن من بلاء ومحن بسبب مظالمه، فإن عليه أن يسعى لمواجهة تلك المحنة بأن يتخلص مما اقترفت يداه، وبذلك يستحق تغيير الله تعالى له، كما قال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11].
هذا جانب، وهناك من مسببات الفشل ما يكون بسبب عوامل خارجة عن إرادة مَن أصابه هذا الخور والضعف، كأن تكون له مكايد من ذوي النفوس الضعيفة، وما أكثر أساليبها! وأهمها حسد من نفس مريضة؛ ليفسد مساعي النجاح ويعطلها، ويوقع صاحبها في أمراض روحية، تجعله يدخل في دوامة من الصراع والمعاناة، ولا يفهم سببها الحقيقي إلا بالعودة الصادقة لكتاب الله في رقية شرعية تزيل هموم الغم، وضباب العين الحاسدة، فيشعر المتضرر ببداية التحسن، وتغير مجرى حياته للأحسن، وسَعة في صدره، وإقباله على الحياة بنسق أكثر تفاعلاً وقابلية للتواصل الاجتماعي، مقارنة بذي قبل من مظاهر الركود والعزلة وكراهية ما له علاقة بالمستقبل العملي والشخصي والاجتماعي، وعلى الساعي لمكسب النجاح أن يتحصن بالأذكار، ويتوكل على الله دائمًا في مسعاه، ويتخذ أسباب النجاح، ومن بينها قضاء الحاجات بالسر والكتمان مثلما أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي نفس السياق يجب ألا ينظر للإخفاق على أنه دائمًا يؤول سببه إلى عين، وهذا أمر جد مهم؛ حتى لا يتغلغل الوسواس لصدر المرء فيضيق الخناق على نفسه، فيفقد الثقة ويركن لهواجس لا معنى لها في حقيقة الأمر.
إن ظاهرة الفشل ظاهرة مألوفة لدى عامة الناس ممن جربوا فرص التغيير والتألق نحو الأفضل، لكنهم لم يصلوا إلى مرادهم، فهذا ليس معناه خذلانًا حقيقيًّا بقدر ما هو فرصة لاستجماع القوى وإعادة المحاولة مرة أخرى؛ إذ معظم الأعمال الناجحة كانت بعد تجارب فاشلة، ولنا في سير العلماء والمخترعين أمثلة بل أدلة على ذلك، فعلى المرء ألا يضعف من أول فشل، بل عليه اتباع الخطوات التالية حينما يهم بأمر ما:
1- استخارة الله عز وجل في العمل الذي يريد التقدم له، سواء كانت مسابقة أو فرصة عمل أو مشاركة في إحدى التظاهرات العلمية أو مشروع تجارة أو زواج أو أي عمل يدر على صاحبه ربحًا ماديًّا أو معنويًّا، ومن شأن هذا المشروع أن يغير مجرى حياته، فالاستخارة محببة، فلربما كان الأمر شرًّا ويظن به خيرًا، وربما يظن به خيرًا وهو شر، ووحده الله من يعلم مكامن الخير وبواطن الشر التي غالبًا ما لا تبدو ظاهريًّا، كأن يأتي الأمر في غاية التيسير والابتهاج ومحافل الاستقبال للخوض فيه، في حين يخفي معه الكثير من المشقة والحزن والمضرة.
2- الأخذ بأسباب السعي من مكسب الحلال إن كان مشروعًا تجاريًّا، أو السعي لتحصيل العلم الصحيح بالجهد والمثابرة إن كانت مسابقة علمية أو لنيل درجة عالية في العلم، والسؤال عن الأصل والنسب إن كان مشروع زواج - مثلاً - قبل الإقبال على الأمر بدون دراسة حكيمة ونظرة موزونة.
3- إشراك من يهمه أمر نجاحك في المشورة كالوالدين أو الإخوة؛ لإبداء آراء قد تفتح لك مجالات أخرى من الرؤية وسلوك المنهج الميسر والناجح والذي كان غائبًا أو مغيبًا لديك في بداية الأمر، أو كان ضبابيًّا في الفكرة وطريقة صياغتها في العقل والوجدان الباطن، فالمشورة مهمة قبل اتخاذ القرار النهائي.
4- حينما تتخذ أسباب التحصيل لهدفك ولم يكتب لك النجاح، فلا تقابل الأمر بسخط وتذمر، بل ارضَ بما قسمه الله لك، وسيعوضك خيرًا مما كنت تظن فيه الخير، أو ربما هي فرصتك لإعادة دراسة الإستراتيجية والطريقة التي سلكتها ولم تفِ لك بالغرض، ثم ليس النجاح دائمًا من أول فرصة اختبار، وليس الفشل معناه نهاية العالم، بل فشلك هو بداية نجاحك لتعرف أين تضع قدميك وقوفًا للتطلع إلى غد أفضل بحول الله، وإن كان هذا الغد هو من الغيبيات وليس لك فيه علم، فلست تدري إن كنت من أهل ذاك اليوم أو لا، فدائمًا قل: إن شاء الله، عبارة تبعث في نفسك الطمأنينة وحسن الظن والتوكل على الله.
5- أن يكون لفشلك أمور دخيلة؛ كأن يتسبب لك الغير في الإقصاء من النجاح عن تعمد، فاعلم أن ذاك الأمر مقدر لك - أيضًا - وما عليك إلا الاحتساب لله عز وجل؛ لأنه أعلم بما تسره السرائر، وما تكيد له الأنفس الخبيثة التي يؤلمها نجاح الغير، وهذا بسبب الشعور بمركب النقص وحب الذات وعدم تمني الخير للغير، وصاحب هذه النفس هو مريض وقلبه فيه علة بسبب نقص الإيمان وعدم قناعته بما قسمه الله له، فهو لا يدري من أنعم الله عليه بتلك النعم - أي: النعم التي حرم منها - فالله نزل كل شيء بقدر، فلا يجب النظر فيما بين أيدي الغير، بل لا بد من النظر دائمًا إلى من هم دونك في الكسب والرزق والصحة والدرجة الاجتماعية؛ حتى تتواضع وتحمد الله على ما أنت فيه من خير ونعمة، وتشكره لتدوم النعم ويدوم الفضل عليك، فالنعم تزداد بالشكر، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].
وتذكر أن كل تأخير في النجاح لا يؤول إلى فشل دائمًا، وإنما فرصة الظفر بالنتيجة لم تحن بعد، والله أدرى بأوانها، فلا تستعجل في أمورك، وتريَّث وفكر ثم انطلق، فإن أصبت فذاك نصر، وإن لم توفق فهي الخطوة الأولى للظفر بالنصر، فقط نظم نفسك ووسائل تحصيل النجاح وانطلق من جديد، وأما إن كنت تعاني من ظروف نفسية أو عائلية أو مشاكل اجتماعية أخرى، فعليك بالعودة إلى الله، وتوثيق العلاقة مع رابط ليس ينقطع حبله أبدًا، وألقِ بحملك وأمانيك في دعاء مستمر دونما يأس، وإن كانت العودة إلى الله هي في الأمور كلها؛ في السراء والضراء، فالخير فيما اختاره الله، وتعلم من إخفاقاتك لتوظفها في المرة القادمة، وتتجنب بذلك أسباب الفشل، وتربح الوقت والفرصة والجهد.
يتبع،،