د/ محمد مبارك البندارى
في يوم المخطوط العربيّ ، والذي يوافق الرابع من إبريل من كل عام ، تأمّلت بعض كتب القراءات ،ورسم المصحف ، وتراجم القراء ؛ فوجدتُها تحمل أسماء محققين من الغرب ، ننعتهم بالمستشرقين ، فتألمتُ كثيرًا : كيف يُحقق كتب علم القراءات وهو علم بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها معزوا لناقله – كما ذكر ابن الجزري – أمثال هؤلاء المستشرقين الذين يحيدون – أحيانًا – عن المنهج العلميّ ، ويكسوهم التعصب ونزعة العداء والحقد والبغض بدرجات متفاوتة . وإنا لنعجب كل العجب من البقاء على هذا التصرف كالذي يعطي الجزار السكين الحادة ليذبح بها صيده ، وواجبنا نحن الباحثين أن نكشف باطل المستشرقين وزيفهم ، ونعيد تحقيق تراثنا التليد وفق معطيات فن التحقيق .
نعم إن المستشرقين قد اصطنعوا وسائل علمية جيدة في نشر التراث ، وتيسير الاستفادة منه كجمع نسخ الكتاب المخطوطة ، واختيار النسخة الأمّ وصنع الفهارس الفنية ، وهذا كله مأخوذ مما صنعه علماؤنا الأوائل ؛ من حيث المفاضلة بين النسخ على أساس كون بعضها بخط مؤلفها أو أن النسخة عليها إجازة من مؤلفها أو سماع عليه أو إجازة ، وأكثر ما ترى ذلك في كتب القراءات ؛ حيث العناية بذكر السند واتصاله كما نرى في ” النشر ” لابن الجزري (751- 833هـــ ) .
وينبغي علينا في مجال المقارنة بين جهود المستشرقين في نشر كتب القراءات وعلومها في هذا المقال ، وجهود العلماء العرب ؛ ألا نغفل أمرًا مهما يتصل بحال القوم وحالنا نحن فيما يعملون وفيما نعمل ، وهو أمر نذكره كارهين له مضطرين إليه – ونرجو أن يصرفه الله عنا – ، ذلك أن المستشرق الذي يقوم على نشر التراث عمومًا يعمل داخل نظام عام يحترمه ويعرف له جلاله وخطره ، ويهيء له ما يعينه على المضي فيه وإتمامه هادئا مطمئنا، فيسافر الواحد منهم ليطلع على مخطوطة ما ، ويتكلف العناء الشديد ، أما عندنا – فبعض الباحثين ينقصهم الصبر ، لأنه يلاقي المتاعب والمصاعب في تحصيل المادة المعينة على تحقيق الكتاب ، فإذا أتمه واجهته مشكلة النشر وطبع الكتاب ، وبالطبع الناشر يبحث عن الكتاب الذي يروج في السوق التجاري .
لكننا نجد بعض المستشرقين في تحقيقهم لكتب القراءات ينحرف عن الجادة ،والدقة المطلوبة في أداء النص إلى إثبات المُصَحّف أو المزال عن جهته ، أو إثارة الشكوك حول القرآن والقراءات ، فأخطاؤهم العلمية المبنية على عدم فهم القرآن واللهجات العربية وتوجيه القراءات كثيرة جدّا ، وكذا أخطاؤهم الشنيعة التي استهدفت القرآن الكريم والطعن في القراءات القرآنية بغيًا متسترًا بالبحث العلميّ والدرس الموضوعيّ، كالذي نراه في كتاب المستشرق اليهوديّ المجري جولدزيهر ( ت 1921م ) – ويكتب بالسين أيضا – ” مذاهب التفسير الإسلامي ” ، طبعه لأول مرة في لندن 1920 م ، وقد تُرجم إلى العربية مرتان ، الأولى للدكتور على حسن عبد القادر باسم المذاهب الإسلامية في تفسير القرآن 1944م ، وجاءت ناقصة استوعب فيها نصف الكتاب ، والثانية د /عبدالحليم النجار باسم مذاهب التفسير الإسلامي 1955م ، وهي ترجمة كاملة اعتمد في الجزء الأول على الترجمة السابقة ، ويعتبر هذا الكتاب آخر ما أصدره جولدزيهر وتوّج به حياته العلمية، وتحدث فيه عن المراحل الأولى للتفسير واختلاف القراءات والأحرف السبعة ومصحف عثمان – _ رضي الله عنه _ والمشكل النحوية . وقد ردّ عليه الشيخ عبدالفتاح القاضي ( ت 1982م ) شيخ معهد القراءات آنذاك – رحمه الله – في كتيبه القيم ” القراءات في نظر المستشرقين والملحدين ” . ومن كتب القراءات وعلومها التي حقَّقها ونشرها المستشرقون ، وتحمل أسماءهم إلى يومنا هذا ، وبعضها أُعيد تحقيقه مرة أخرى :
1 – كتاب ” المصاحف ” لأبي بكر عبدالله بن داود ت 316 هــ ( ابن صاحب السنن المعروف )، حققه المستشرق آرثر جفري ( ت 1959 م ) ، وهو استرالي الأصل عمل أستاذا في الجامعة الأمريكية بالقاهرة ، ثم في جامعة كولومبيا ونشره – أول مرة – 1936م . كتب المستشرق آرثر جفري مقدمة للكتاب في حوالي اثنتي عشرة صفحة ؛ لكنها مملوءة بالكذب والبهتان ، وبانتقاد خبيث لمنهج المسلمين في تأريخ القرآن ، وموازنة بين هذا المنهج ومنهج المستشرقين . وهو بالطبع يريد إحياء فتنة أخمدها الخليفة عثمان بن عفان حين جمع المسلمين على المصحف الامام . وفضلا عن ذلك فإن المستشرق ألحق بكتاب المصاحف – ملحقًا – أكبر من الكتاب ذاته نشره عام 1937م بليدن ؛ ليسجّل فيه الاختلافات في قراءات القرآن الشاذة ، أو تلك الروايات التفسيرية ، أو ما يرجع إلى الاختلاف في الضبط والشكل ، وقد تصوّر أن قرآننا قد مر بمراحل تطورية كما مرّ الإنجيل وكذا التوراة من قبل ، وكما ذكر هو في المقدمة . لقد انتقد آرثر جفري منهج البحث عند المسلمين وتمحيصهم للمرويات وأصحابها وعدّها تخيلات . وقد حققه في رسالة علمية د . محب الدين عبد السبحان واعظ ، في جامعة أم القرى بمكة المكرمة ( قسم الكتاب والسنة في كلية الدعوة وأصول الدين ) ، وطبعه في مجلدين 1416هـ = 1995م ، ونقد عمل المستشرق في مقدمة التحقيق نقدًا علميًّا.
2 – وأما كتاب : التَّيسير في القراءاتِ السَّبْع لأبي عمرو الدَّاني ت 444هـ ، الذي نظمه الشَّاطبي( القاسم بن فيرّه ت 590هــ) في لاميته المعروفة بـــ : حرز الأماني ووجه التهاني ، فقد حققه المستشرق الألماني أوتوبرتزل ت 1941م ، وطبعه لأول مرة في مطبعة الدولة – إستانبول 192م 0 نشر : المعهد الألماني للأبحاث الشرقية لكنه لم يخدمه جيدا ، ولم يقدم للكتاب بمقدمة مستفيضة عن القراءات وتاريخها في المشرق والمغرب ، ومنهج الداني في الكتاب . ورغم أنه اعتمد على في نشره للكتاب على خمس نسخ خطية ، ونسخة سادسة للتحبير أى تحبير التيسير لابن الجزري إلا أنه وقع في أخطاء في المتن أحيانا ، وأشار إلى الصواب في الحاشية أحيانًا أخرى ، والكتاب مليء في طبعته التي ما زالت متداولة عن طريق إعادة طبعها كما هي بالتصحيفات والتحريفات ، والقراءات غير الصحيحة ، بل وتغيير في النص أحيانًا . وقد حققه د . حاتم صالح الضامن وطبعه في مصر 1429=2008 م قبل وفاته ، وبالطبع ضمَّن المقدمة بعض الملاحظات والمآخذ على طبعة المستشرق الألماني أوبرتزل ، وبلغ عدد الملاحظات 908 .
3- كتاب : المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار عمرو الداني ، حقّقه – أيضًا – أوتوبرتزل ونشره في إستانبول 1932 م . وقد حققه د . حاتم الضامن وبين الخلط الذي صنعه المستشرق في النص ، والأخطاء العلمية التي وقع فيها . وحققته – أيضا – في رسالة علمية في المملكة العربية السعودية / نورة بنت حسن بن فهد المحيمد ، وطبعته جمعية تبيان في ثوب قشيب.
4 – وأما كتاب ” غاية النِّهاية في طبقات القرّاء ” لابن الجزري ت 833هـــ فقد نشره برجشتراسر ، وكتاب : غاية النهاية في أسماء رجال القراءات أولي الرواية والدراية ” مختصر من كتاب للمؤلف نفسه سماه : نهاية الدرايات في أسماء رجال القراءات ” وهو عبارة عن جمع بين كتابي الحافظين أبي عمرو الداني وأبي عبدالله الذهبي وزاد من عنده نحو الضعف ، وقد مات المستشرق قبل إتمامه فأكمله تلميذه المستشرق برتزل ، وطبع بمطبعة السعادة بالقاهرة سنة 1352هـ = 1933م بمعاونة مكتبة الخانجي ، وقد حققه بعض الباحثين في جامعة أم القرى بمكة المكرمة – حرسها الله وشرفها – من فترة وجيزة .
5 – وحقق كذلك كتاب : مختصر في شواذ القرآن من كتاب البديع لابن خالويه ت 370هـــ، وعني بنشره برجشتراسر 1886- 1933م بإستبول ، وفيه تصحيف منكر ، كتصحيفه لكلمة أبي عمرو بن العلاء : ” فقد تربع في لحنه ” وجعلها فقد تربع في الجنة ” مع أن المقام مقام ذم ” ، وقد نقد عمله د . إبراهيم الصعيدي – في رسالته العلمية للدكتوراة التى حقق فيها الكتاب وتقدم بها لجامعة الأزهر بمصر 1995م ، ود . محمد سيد نصر الدين في رسالته للدكتوراة ” كتاب مختصر فى شواذ القرآن من كتاب البديع لابن خالويه دراسة نحوية وصرفية دلالية ، جامعة جنوب الوادي ، كلية الآداب بقنا 1998م . وقد نشر الكتاب من المستشرقين – أيضًا – تلميذه أوتوبرتزل سنة 1933 ، وآرثر جفري سنة 1934م .
6 – المُحتسب في تبين شواذ القراءات والإيضاح عنها لابن جني ت 392هـ ، حققه ونشره برجشتراسر نشره سنة 1933م ، وبالطبع يتناول ما فوق السبعة لابن مجاهد ، وقد حقق الكتاب تحقيقا علميا ونشر في المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بمصر في جزأين ، حققه الأساتيذ : على النجدي ناصف ، وعبدالحليم النجار ، وعبدالفتاح شلبي .
ولنا مع برجشتراسر وقفة متأنية حيث كان أبوه من القساوسة البروتستانت في مدينة بلون بألمانيا ، وأخذ العربية عن فيشر وزار مصر ،وألقى محاضرات في التطور النحوي ، وقواعد نشر النصوص العربية ، وتوفي مترديا من قمة جبال الألب في أثناء رحلة رياضية ، وطبعه في المطبعة الرحمانية بمصر 1934هــ ، وعنى برجشتراسر بالقراءات فكان له نشاط ملحوظ ، فرسالته للأستاذية بعنوان معجم قراء القرآن وتراجمهم ، وله بحث متميز عن القراءات الشاذة في المحتسَب لابن جنيّ ، وقد وجهه إلى هذا العمل المجمع العلمي البافاري ، ويقال إنه حينما كان في مصر ذهب الى مقرئ مشهور واستمع الى قراءته ودون طريقة أدائه ونغماته على النوتة الموسيقية – كما ذكر صاحب كتاب المستشرقون – . وما أجدرنا – نحن الباحثين العرب القَوَمة على الثقافة العربيّة – أن ننهض بعبء إعادة تحقيق كتب القراءات ونشرها ، ليكون ذلك وفاء لعلمائنا ومشايخنا ، ووفاء لأنفسنا وأبنائنا .
وإنه مما يثلج الصدر أن تتجه بعض جامعاتنا العربية في أقسام القراءات واللغة العربية ، اتجاها فريدا إزاء طلابها المتقدمين للإجازات العلمية الفائقة ؛ إذ وجهتهم إلى أن يقدموا مع رسالاتهم العلمية تحقيقا لمخطوط يمتّ بصلة إلى موضوع الرسالة وتخصصه الدقيق ، وبالطبع القراءات القرآنية وعلومها كرسم المصحف ، والفواصل ، وتوجيه القراءات .
وفي الختام أرى لزامًا على كل صاحب قلم مخلص أن يشترك بجهده وعلمه في إعادة تحقيق هذه المصنفات وغيرها ، ويفند دعاوى المستشرقين حول القراءات وعلومها ، بالردّ على تحقيق كتاب ، أو بدحض فكرة في بحث أو مقال تضمن انتقاصًا وطعنًا في كتاب الله – عز وجل – .
في يوم المخطوط العربيّ ، والذي يوافق الرابع من إبريل من كل عام ، تأمّلت بعض كتب القراءات ،ورسم المصحف ، وتراجم القراء ؛ فوجدتُها تحمل أسماء محققين من الغرب ، ننعتهم بالمستشرقين ، فتألمتُ كثيرًا : كيف يُحقق كتب علم القراءات وهو علم بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها معزوا لناقله – كما ذكر ابن الجزري – أمثال هؤلاء المستشرقين الذين يحيدون – أحيانًا – عن المنهج العلميّ ، ويكسوهم التعصب ونزعة العداء والحقد والبغض بدرجات متفاوتة . وإنا لنعجب كل العجب من البقاء على هذا التصرف كالذي يعطي الجزار السكين الحادة ليذبح بها صيده ، وواجبنا نحن الباحثين أن نكشف باطل المستشرقين وزيفهم ، ونعيد تحقيق تراثنا التليد وفق معطيات فن التحقيق .
نعم إن المستشرقين قد اصطنعوا وسائل علمية جيدة في نشر التراث ، وتيسير الاستفادة منه كجمع نسخ الكتاب المخطوطة ، واختيار النسخة الأمّ وصنع الفهارس الفنية ، وهذا كله مأخوذ مما صنعه علماؤنا الأوائل ؛ من حيث المفاضلة بين النسخ على أساس كون بعضها بخط مؤلفها أو أن النسخة عليها إجازة من مؤلفها أو سماع عليه أو إجازة ، وأكثر ما ترى ذلك في كتب القراءات ؛ حيث العناية بذكر السند واتصاله كما نرى في ” النشر ” لابن الجزري (751- 833هـــ ) .
وينبغي علينا في مجال المقارنة بين جهود المستشرقين في نشر كتب القراءات وعلومها في هذا المقال ، وجهود العلماء العرب ؛ ألا نغفل أمرًا مهما يتصل بحال القوم وحالنا نحن فيما يعملون وفيما نعمل ، وهو أمر نذكره كارهين له مضطرين إليه – ونرجو أن يصرفه الله عنا – ، ذلك أن المستشرق الذي يقوم على نشر التراث عمومًا يعمل داخل نظام عام يحترمه ويعرف له جلاله وخطره ، ويهيء له ما يعينه على المضي فيه وإتمامه هادئا مطمئنا، فيسافر الواحد منهم ليطلع على مخطوطة ما ، ويتكلف العناء الشديد ، أما عندنا – فبعض الباحثين ينقصهم الصبر ، لأنه يلاقي المتاعب والمصاعب في تحصيل المادة المعينة على تحقيق الكتاب ، فإذا أتمه واجهته مشكلة النشر وطبع الكتاب ، وبالطبع الناشر يبحث عن الكتاب الذي يروج في السوق التجاري .
لكننا نجد بعض المستشرقين في تحقيقهم لكتب القراءات ينحرف عن الجادة ،والدقة المطلوبة في أداء النص إلى إثبات المُصَحّف أو المزال عن جهته ، أو إثارة الشكوك حول القرآن والقراءات ، فأخطاؤهم العلمية المبنية على عدم فهم القرآن واللهجات العربية وتوجيه القراءات كثيرة جدّا ، وكذا أخطاؤهم الشنيعة التي استهدفت القرآن الكريم والطعن في القراءات القرآنية بغيًا متسترًا بالبحث العلميّ والدرس الموضوعيّ، كالذي نراه في كتاب المستشرق اليهوديّ المجري جولدزيهر ( ت 1921م ) – ويكتب بالسين أيضا – ” مذاهب التفسير الإسلامي ” ، طبعه لأول مرة في لندن 1920 م ، وقد تُرجم إلى العربية مرتان ، الأولى للدكتور على حسن عبد القادر باسم المذاهب الإسلامية في تفسير القرآن 1944م ، وجاءت ناقصة استوعب فيها نصف الكتاب ، والثانية د /عبدالحليم النجار باسم مذاهب التفسير الإسلامي 1955م ، وهي ترجمة كاملة اعتمد في الجزء الأول على الترجمة السابقة ، ويعتبر هذا الكتاب آخر ما أصدره جولدزيهر وتوّج به حياته العلمية، وتحدث فيه عن المراحل الأولى للتفسير واختلاف القراءات والأحرف السبعة ومصحف عثمان – _ رضي الله عنه _ والمشكل النحوية . وقد ردّ عليه الشيخ عبدالفتاح القاضي ( ت 1982م ) شيخ معهد القراءات آنذاك – رحمه الله – في كتيبه القيم ” القراءات في نظر المستشرقين والملحدين ” . ومن كتب القراءات وعلومها التي حقَّقها ونشرها المستشرقون ، وتحمل أسماءهم إلى يومنا هذا ، وبعضها أُعيد تحقيقه مرة أخرى :
1 – كتاب ” المصاحف ” لأبي بكر عبدالله بن داود ت 316 هــ ( ابن صاحب السنن المعروف )، حققه المستشرق آرثر جفري ( ت 1959 م ) ، وهو استرالي الأصل عمل أستاذا في الجامعة الأمريكية بالقاهرة ، ثم في جامعة كولومبيا ونشره – أول مرة – 1936م . كتب المستشرق آرثر جفري مقدمة للكتاب في حوالي اثنتي عشرة صفحة ؛ لكنها مملوءة بالكذب والبهتان ، وبانتقاد خبيث لمنهج المسلمين في تأريخ القرآن ، وموازنة بين هذا المنهج ومنهج المستشرقين . وهو بالطبع يريد إحياء فتنة أخمدها الخليفة عثمان بن عفان حين جمع المسلمين على المصحف الامام . وفضلا عن ذلك فإن المستشرق ألحق بكتاب المصاحف – ملحقًا – أكبر من الكتاب ذاته نشره عام 1937م بليدن ؛ ليسجّل فيه الاختلافات في قراءات القرآن الشاذة ، أو تلك الروايات التفسيرية ، أو ما يرجع إلى الاختلاف في الضبط والشكل ، وقد تصوّر أن قرآننا قد مر بمراحل تطورية كما مرّ الإنجيل وكذا التوراة من قبل ، وكما ذكر هو في المقدمة . لقد انتقد آرثر جفري منهج البحث عند المسلمين وتمحيصهم للمرويات وأصحابها وعدّها تخيلات . وقد حققه في رسالة علمية د . محب الدين عبد السبحان واعظ ، في جامعة أم القرى بمكة المكرمة ( قسم الكتاب والسنة في كلية الدعوة وأصول الدين ) ، وطبعه في مجلدين 1416هـ = 1995م ، ونقد عمل المستشرق في مقدمة التحقيق نقدًا علميًّا.
2 – وأما كتاب : التَّيسير في القراءاتِ السَّبْع لأبي عمرو الدَّاني ت 444هـ ، الذي نظمه الشَّاطبي( القاسم بن فيرّه ت 590هــ) في لاميته المعروفة بـــ : حرز الأماني ووجه التهاني ، فقد حققه المستشرق الألماني أوتوبرتزل ت 1941م ، وطبعه لأول مرة في مطبعة الدولة – إستانبول 192م 0 نشر : المعهد الألماني للأبحاث الشرقية لكنه لم يخدمه جيدا ، ولم يقدم للكتاب بمقدمة مستفيضة عن القراءات وتاريخها في المشرق والمغرب ، ومنهج الداني في الكتاب . ورغم أنه اعتمد على في نشره للكتاب على خمس نسخ خطية ، ونسخة سادسة للتحبير أى تحبير التيسير لابن الجزري إلا أنه وقع في أخطاء في المتن أحيانا ، وأشار إلى الصواب في الحاشية أحيانًا أخرى ، والكتاب مليء في طبعته التي ما زالت متداولة عن طريق إعادة طبعها كما هي بالتصحيفات والتحريفات ، والقراءات غير الصحيحة ، بل وتغيير في النص أحيانًا . وقد حققه د . حاتم صالح الضامن وطبعه في مصر 1429=2008 م قبل وفاته ، وبالطبع ضمَّن المقدمة بعض الملاحظات والمآخذ على طبعة المستشرق الألماني أوبرتزل ، وبلغ عدد الملاحظات 908 .
3- كتاب : المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار عمرو الداني ، حقّقه – أيضًا – أوتوبرتزل ونشره في إستانبول 1932 م . وقد حققه د . حاتم الضامن وبين الخلط الذي صنعه المستشرق في النص ، والأخطاء العلمية التي وقع فيها . وحققته – أيضا – في رسالة علمية في المملكة العربية السعودية / نورة بنت حسن بن فهد المحيمد ، وطبعته جمعية تبيان في ثوب قشيب.
4 – وأما كتاب ” غاية النِّهاية في طبقات القرّاء ” لابن الجزري ت 833هـــ فقد نشره برجشتراسر ، وكتاب : غاية النهاية في أسماء رجال القراءات أولي الرواية والدراية ” مختصر من كتاب للمؤلف نفسه سماه : نهاية الدرايات في أسماء رجال القراءات ” وهو عبارة عن جمع بين كتابي الحافظين أبي عمرو الداني وأبي عبدالله الذهبي وزاد من عنده نحو الضعف ، وقد مات المستشرق قبل إتمامه فأكمله تلميذه المستشرق برتزل ، وطبع بمطبعة السعادة بالقاهرة سنة 1352هـ = 1933م بمعاونة مكتبة الخانجي ، وقد حققه بعض الباحثين في جامعة أم القرى بمكة المكرمة – حرسها الله وشرفها – من فترة وجيزة .
5 – وحقق كذلك كتاب : مختصر في شواذ القرآن من كتاب البديع لابن خالويه ت 370هـــ، وعني بنشره برجشتراسر 1886- 1933م بإستبول ، وفيه تصحيف منكر ، كتصحيفه لكلمة أبي عمرو بن العلاء : ” فقد تربع في لحنه ” وجعلها فقد تربع في الجنة ” مع أن المقام مقام ذم ” ، وقد نقد عمله د . إبراهيم الصعيدي – في رسالته العلمية للدكتوراة التى حقق فيها الكتاب وتقدم بها لجامعة الأزهر بمصر 1995م ، ود . محمد سيد نصر الدين في رسالته للدكتوراة ” كتاب مختصر فى شواذ القرآن من كتاب البديع لابن خالويه دراسة نحوية وصرفية دلالية ، جامعة جنوب الوادي ، كلية الآداب بقنا 1998م . وقد نشر الكتاب من المستشرقين – أيضًا – تلميذه أوتوبرتزل سنة 1933 ، وآرثر جفري سنة 1934م .
6 – المُحتسب في تبين شواذ القراءات والإيضاح عنها لابن جني ت 392هـ ، حققه ونشره برجشتراسر نشره سنة 1933م ، وبالطبع يتناول ما فوق السبعة لابن مجاهد ، وقد حقق الكتاب تحقيقا علميا ونشر في المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بمصر في جزأين ، حققه الأساتيذ : على النجدي ناصف ، وعبدالحليم النجار ، وعبدالفتاح شلبي .
ولنا مع برجشتراسر وقفة متأنية حيث كان أبوه من القساوسة البروتستانت في مدينة بلون بألمانيا ، وأخذ العربية عن فيشر وزار مصر ،وألقى محاضرات في التطور النحوي ، وقواعد نشر النصوص العربية ، وتوفي مترديا من قمة جبال الألب في أثناء رحلة رياضية ، وطبعه في المطبعة الرحمانية بمصر 1934هــ ، وعنى برجشتراسر بالقراءات فكان له نشاط ملحوظ ، فرسالته للأستاذية بعنوان معجم قراء القرآن وتراجمهم ، وله بحث متميز عن القراءات الشاذة في المحتسَب لابن جنيّ ، وقد وجهه إلى هذا العمل المجمع العلمي البافاري ، ويقال إنه حينما كان في مصر ذهب الى مقرئ مشهور واستمع الى قراءته ودون طريقة أدائه ونغماته على النوتة الموسيقية – كما ذكر صاحب كتاب المستشرقون – . وما أجدرنا – نحن الباحثين العرب القَوَمة على الثقافة العربيّة – أن ننهض بعبء إعادة تحقيق كتب القراءات ونشرها ، ليكون ذلك وفاء لعلمائنا ومشايخنا ، ووفاء لأنفسنا وأبنائنا .
وإنه مما يثلج الصدر أن تتجه بعض جامعاتنا العربية في أقسام القراءات واللغة العربية ، اتجاها فريدا إزاء طلابها المتقدمين للإجازات العلمية الفائقة ؛ إذ وجهتهم إلى أن يقدموا مع رسالاتهم العلمية تحقيقا لمخطوط يمتّ بصلة إلى موضوع الرسالة وتخصصه الدقيق ، وبالطبع القراءات القرآنية وعلومها كرسم المصحف ، والفواصل ، وتوجيه القراءات .
وفي الختام أرى لزامًا على كل صاحب قلم مخلص أن يشترك بجهده وعلمه في إعادة تحقيق هذه المصنفات وغيرها ، ويفند دعاوى المستشرقين حول القراءات وعلومها ، بالردّ على تحقيق كتاب ، أو بدحض فكرة في بحث أو مقال تضمن انتقاصًا وطعنًا في كتاب الله – عز وجل – .