مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/03/26 00:18
راودتني فكرة

راودتني فكرة

 

فكَّرْتُ أنْ أغضب غضبًا كثيرًا في مَوْجة من الكبرياء منِّي حينما اهتز كِيَاني لإيذاء الغير، ثم قرَّرْتُ أنْ أتمرد على قوانين التناسي واللامبالاة.. راجعت نفسي عن تبعات قراري، فقد أحدث كارثة، ولست أنتبه أو أخدش إحساسًا، ولست أحترس، أو أُسقط دمعة، ولست أتراجع..

 

راودتني فكرة أن أنعزل عن الناس؛ حتى لا أستقبل الأذى والكلام الجارح، ثم راودتني فكرة أخرى أن أرُدَّ بالمِثل؛ لأضع النقاط على الحروف، ولأدافع عن كِياني المظلوم... سافرت في مُخيِّلتي أين يرقد المرضى مع ضعفهم، فهدأت من روعي لقطة إشفاق عليهم.. ثم سافرت مع نبض قلبي إلى مَن نَشَدُوا الحقيقة لكنهم لم يحصلوا على مجرد عنوانها.. قلَّبت في سجل الذكريات أين كانت لي مواقف متنوعة اضطررت فيها لأنْ أَسْبَحَ في الدفء والحنان والهناء لأنزوي إلى ركن الإبداع المنبثق من تقاليد الشيء المعتاد الذي لم يكن معتادًا بالمرة بقدر ما كان في لائحة الاعتياد..

 

وفي لحظة استسلام منِّي راجعت قائمة المغضوب عليهم منِّي حينما اشتد عنادهم معي، فلم أجد لي زِيًّا واحدًا أرتديه لأتستر به على أخطاء الحمقى.. وَصَفْتُهُمْ هكذا لأني لم أجد دواءً لدائهم، ولَعَمْرِي لن أجده إلا أن أتقبَّل حماقاتهم بنوع من غض البصر؛ حتى لا أتوتر.. فَكَمْ أكره التوتر، وأنا بعد هادئة في طبعي.. فإبداعي يحتاج لكثير من الصبر الجميل وصفاء المُخيلة، وليس هدوء البال؛ لأن البال ليس يرتاح إلا والروح تُلغي كل صفقة كره.. فما جُبِلَتْ عليه الفطرة ليس يبدله حدث عابر أو مقولة خرجت على شاكلة زلة لسان لتؤذي وتسبِّب ألمًا ليس مغادرًا إلا أن يفك الأسير قيدَه وبيده..

 

فكرت مرة أخرى وأنا أتناول فنجان القهوة التي أصبحت أكره السواد فيها؛ لأنها ملاذي الوحيد لأستغرق في تذوق نكهة الندم.. ولو أن الندم لا أحبه أن يستغرقني حتى لا أشعر أني كنت وقتها في الماضي القريب ضعيفة الشخصية..

 

راودتني فكرة حينما أشفقت على نفسي من دموع الليالي الطوال.. وأسكنتني فكرة في سجن الأسى الذي أزعج نومي، حتى بالكاد استيقظت وفي جعبتي وابل من النقد المدافع عني..

 

راودتني فكرة حينما كتبت لمن جرحني رسائل مطولة وفي نفس الوقت لم أكن أضيع -إطلاقًا- وقتي، فأنا وقت، والوقت أنا، ولا أحد يفصلني عن قاعدة التحكم في زِمام أموري وبوصلة توجهي واتجاهي.. فتوجهي نحو الله في السراء والضراء واجب مؤكد، واتجاهي للاستغفار حل مآله التحقيق مع الوقت.. إذًا لماذا أحيانًا تراودني فكرة أن أرد على خَصمي؟! هل لأن الظلم ينزع مني رداء السكوت ولا يترك لي متَّسعًا من الوقت لأهدأ؟! أو أن الاحتقار يسحب مني وصفة الائتمان وعن قرب؟! لا لا، لم أكن هكذا قبل أن تراودني هذه الفكرة، وبما أنها قد راودتني فإني أملك السيطرة على نفسي حتى لا أرتكب حماقة أنا الأخرى ويصبح القلم في عطلة مدفوعة المداد لحين أهدأ، ومن يدري أني سأهدأ!! ربما يطول التحسر..

 

وحتى أُنهي هذه القضية التي أخذت مني حيزًا من الاهتمام والقلق انتفضْتُ تقبلًا وقناعة حينما راودتني فكرة أن أطرق باب من ظلمني وأُلقي عليه السلام؛ لأني فهمت في الأخير أن صبري بعث في قلبه الندم الكثير، وأن حِلمي شكَّل في قلبه حبًّا جديدًا، ولأني دفعت بالتي هي أحسن فأصبح وليًّا حميمًا.. وأحمد الله أن هداني للخير؛ لأنه لولا فضل الله لما اهتديت، ولولا وصالي مع الله لما اخترت أن أطبق فكرة راودتني بعد الاستغفار والاستعاذة من الشيطان الرجيم.. فتكافؤ فرص التقوى ليست واحدة، ودرجات الإيمان ليست متساوية، وفكرة الصفح الجميل ليست في متناول الجميع، ولقطة الذهاب للظالم ليست سهلة التحقيق إلا عند من راودته فكرة فيها الكثير من الرحمة ونسيان الماضي الأليم.. وهذا الفضل لا يُؤْتَى إلا لذوي القلوب الطيبة، وذوي الشخصيات القوية والفاضلة.. لك الحمد يا رب بَدءًا وأخيرًا أن جعلتني ممَّن يخطئون فيستغفرون، وممَّن يتطاول عليهم الناس فيتجاوزون، وممن يُلقون السلام وهم مطمئنون.


أضافة تعليق