لك الله أيها المسحور!
قضايا عالِقة، نزاعات متكرِّرة، مصير مجهول، وعقول حائرة، حياة تنقلب من حال إلى حال، مِن حبٍّ إلى كُره، ومن غنًى إلى فقر، ومن صحة إلى علة؛ بسبب سحرِ ساحر.
أين أنت من الله يا مخادع؟! وكيف لك بالنوم والاطمئنان والمعذبون يَشكونَك للواحد الأحد؟! حسبنا اللهُ ونِعم الوكيل في فعلك الشنيع.
فلو كان موتًا محققًا لاستراح الجسدُ والروح معًا، لكنه العذاب وما بعده العذاب، ولا لذة لمضرور يشكوك إلى الله أن: "حسبه الله، ونِعم الوكيل" فيك يا ظالم، حسدته لجمال ربما، أو لعلم رزقه الله إياه، أو لزواج أراد منه الشابُّ أو الشابة عفة ومستقرًّا نفسيًّا، حثنا عليه الله ورسولُنا الكريم.
من أيِّ سلالة انحدرتَ أيها المجرم؟ على أيِّ كوكب تعلمتَ الخبث وتركيب العُقد وتمريض الأنفس؟!
الله وكيلك أيها المخادع مهما طال زمنك، ومهما فررتَ إلى أرض أخرى تبغي لك مفرًّا أو حماية، أين أنت مِن عقاب الله غدًا حينما فرَّقتَ الشمل، وأتعبت القوى، وضيعت أحلام الوافدين؛ طمعًا في إنجازات المستقبل؟
مساوئك فاقت كل التخمينات، ولهذا صُنِّف فِعلك من الكبائر؛ لما فيه خراب ومحن وصعوبات، بل عذاب.
حرام عليك، من بزوغ الفجر إلى غروب الشمس والملائكةُ تلعنُك أشد اللعن؛ لما أنت فيه من فساد للعباد والممتلكات، وتحطيم أَوثق عُرَى السعادة.
هل ظننتَ أنك غيرت قدرًا كان مقدرًا؟ هل ظننت أنك انتصرتَ لما أحدثت الطلاقَ والمرض والخلاف والمشاكل والكساد في التجارة وفي الصحة، وفي استيعاب بنود الحياة البريئة بهذه الأفعال؟! هل ظننت أن عين الله نائمة؟! هل ظننت أن دعوة المسحور دُفنت في التراب؟! وهل ظننت أن جهنم لم تُنصب لك ولأمثالك؟! أين أنت من وقفة الحساب، ثم أين أنت من دعوات المساكين والضعفاء والمتألمين من فعلك؟!
صحيح ما أصابهم كان سحرًا بعد أن التزموا الرقية الشرعية وبعد استيعاب كامل للأعراض، ولذلك كان الفهم الجيد للعقلاء أن السِّحر لن يضر لمن وُضع له إلا بإذن الله، والله يبتلي من يحب؛ لأنه يحبُّ سماع صوته ومناجاته.
إذًا المسحور في نعيم في الدنيا بقربه من الله ليلاً ونهارًا، فقد ازداد بسبب هذا الداء وصالاً وحبًّا ويقينًا من أن الله يحبُّه وسيفرِّج كربته في الوقت المقرر لذلك بأمره تعالى، فهلا قلت لي ماذا جنيتَ أيُّها الماكر والمخادع؟!
هذا في خلاصة الداء في الدنيا، أما في الآخرة فهناك حسابٌ آخر، ليس ينتهي حتى يقتص المسحورُ منك حقه، أوَتعيش أنتَ في دنياك كما رسمتَ لحياتك في أعمال الشرِّ والذين يتأذون منك هم في قفص الأَلم، ربما إلى أن تُقبض أرواحهم إِن كتب الله لهم ذلك ليضحوا من الشهداء الكرام، لقد زرعتَ اليأس لكَسر كل طموح في الحياة، وقد تبوأتَ مقعدَك من النار، فهو لك محتجز.
فإلى كل من أصابه السِّحر أقول لهم: هنيئًا لكم أن اختاركم اللهُ لهذا الابتلاء الأعظم، وثقوا أنه سيتحول إلى منحة ما صبَرتم وأكثرتم الاستغفار ودعاء ذي النون، فالله بالغ أمره، ومنزل رحمته، وشافٍ عبده، هي دارُ ابتلاء ودار امتحان ليس إلا، فلا داعي للتفكير الكثير في هذا الداء؛ لأن الله كتبَه عليك، وما عليك إلا أن تستقبل الابتلاءَ بفرح ورضًا وخضوع لأمره سبحانه وتعالى، أوَلاَ تريد أيها المسحور أن تنال درجةً رفيعة في الآخرة؟ إذًا اصبر وتوكل على الله، وازدد منه قربًا ويقينًا أنه الفارج والمخلِّص لك من دائك مهما طال الزمن، ومهما اشتد الألم، ومهما كثر خصومك وتفرق عنك محبُّوك وتشتتَ شملك، فلستَ أفضل من سيدنا أيوب عليه السلام، ولستَ أفضل من سيدنا يوسف، ولست أفضل من سيدنا إبراهيم عليهم السلام، ثم تذكر أنك نلت اسمًا رفيع المستوى؛ أن كنت من الأمثَل فالأمثل ما اتبعتَ طريق الله والتزمتَ سنة نبيه، وثق في العلاج الشافي؛ وهو الحجامة والرُّقية الشرعية، وقراءة الأذكار، وصدقة السرِّ، وصلة الرحم، فهي كلُّها مفاتيح لعلاج الداء، فلِمَ اليأس والقنوط من رحمة وسعتكَ ووسعَت أمثالك؟! لا، لا تُثر فيَّ شجونًا أنا الأخرى؛ لأني أشعر بما أنت فيه من عذاب، وإني أُساند صبرك بحروف ينقشها قلمٌ صريح يعرف رنة الألم والضعف، ويقرأ تجاعيد الدُّموع المستمرة على خديك الملتهبين حسرةً وأسًى.
كفاك حزنًا ويأسًا، أنت كبير، ولهذا أنا فخور بصبرك وتفانيك في الكفاح حتى تَلقى اللهَ عز وجل وهو راضٍ عنك.
اصبر، واكتب تقارير عن عذابِك، واحتفِظ لنفسك بصراحة تدلِي بدَلوها لمن تُحب لما خدعوك، ولكنك لن تجد بابًا مفتوحًا على مصراعيه مثل باب السماء، فقط انهض في ليلك الهادئ، وصلِّ لك صلاةً تبغي منها رحمةً ومعافاة، ثق أنه بدوامك على وصالك بربك سترى الفرجَ يسطع نوره، وستفهم أن ما أصابك لم يكن ليخطئكَ؛ بل ما كان مقدَّرًا لك كلُّه خير، فأحسن الظن بالله ولا تجزع، ولا تنس أنك مؤمن، والمؤمن القويُّ خير وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، هنيئًا لك الابتلاء، وهنيئًا لك الثواب والأجر في جنة النعيم بإذن الله تعالى.