بقلم: مها المحمدي- خاص الوفاق
لم يكن رسول الله صلى عليه وسلم في تعاطيه مع الحياة يؤمن بلف الحبل حول الأعناق ، بل كان عليه السلام يرفض الإفلاس ؛ فالعلم عنده بالتعلم والحلم بالتحلم ، والخنادق النفسية مردومة بالحلول والدروس الخفية لذا عمل على تسليح صحابته الكرام رضوان الله عليهم بكل ما هو إيجابي حتى في أحلك الظروف .
كان يعلم أن للنفس حديثاً تمارسه صحوة ومنام فرفض أقنعته وغموضه وأوهامه وتناقضاته وما أقام له في حياة الناس ميزان ، ولا رضي أن يُعممه الزمن ، رفض أن يُؤخذ الناس بطقسه فيقودهم بشكل مخاتل وغير محسوس إلى السرحان الذهني فيتيهون في وسط عتمته الخفية .
إن لحظات لكلمات مؤنسة كان يلقيها عليهم بين الحين والآخر لهي رسائل إيجابية أمدية لها من العمق والسرور ما يجعل أحدهم كمرتشف كأسه جرعة بعد جرعة فدار بهم حول الشمس ودارت بهم الشمس في عالم الأملاك .
محكيات معتادة تؤكد بأن الحياة ليست سوى مجرد حلم يعززه العقل بالتعميم ، محكيات كيدِ مودع حبيب كلما لوحت برفق أشعلت جرعات لوعة الحنين فيتحول المكان إلى لغز والوداع إلى رموز تتحول إلى خلود لا ينازعه زوال .
يحب النبي - صلى الله عليه وسلم - زاهر البدوي الدميم الفقير فيحتضنه من خلفه وهو لا يبصره ويقول : من يشتري هذا العبد ؟ فإذا بالمتفلت من يدي من لا يرى يقول :
إذا تجدني والله يا رسول الله كاسداً .
فيقول : لكن عند الله لست بكاسد ، أنت عند الله غال !
وعبدالله بن عباس - رضي الله عنه - يرى في منامه أنه يُساق إلى النار فينزعج ويطلب التأويل وهو الصغير المقبل على الدنيا بنفوس الكبار العظماء فيقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :
" نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّى مِنَ اللَّيْلِ " فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بَعْدَ ذَلِكَ لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلاَّ القليل
ويُعدد أبواب الجنة التي يدخل منها المؤمنون ، باب الصلاة وباب الجهاد والصدقة والريان للصائمين ، فيسأله أبوبكر : فهل يُدعى أحد من تلك الأبواب كلها ؟
فيجيب عليه - الصلاة والسلام - : نعم وأرجو أن تكون منهم .
" وما رآك الشيطان يا ابن الخطاب سالكاً فجاً إلا سلك غير فجك "
" ولكل نبي حواري ، وحواري الزبير "
" ولأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله " فيبرأ الأرمد ويفتح الله عليه !
ويغض طرفه عثمان حين يتشاطر معه الحياء " ألا أستحي من رجل تستحي من الملائكة ؟ !
وحمزة أسد الله وأسد رسوله وخالد بن الوليد سيف الله المسلول وحذيفة بن اليمان كاتم سره وأبو عبيدة عامر بن الجراح أمين هذه الأمة .
ويصف أبا بكر وعمر بأنهما وزيراه ..
أقدار تقود إلى الحياة بعلو أشم مسيطر ومقيم بلا عبور ، مراقي النفس تعالي وتسامي في عالم لا يقع خارج الذوات بل له الكمون في أعمق موضع من الصفة والقلب .
وحنين خالد ساكن بين جوانح النفس الإنسانية تتأرجح فيه حواضر الذات الخَيرة فتنعكس على مرآة بداهته - صلى الله عليه وسلم - فيعزز أصحابه ويفسح للحلم الجميل فإذا بالكينونة الإنسانية متسربة من بهو كلماته العِذاب - صلى الله عليه وسلم - كتفلت الماء من بين فرجات الأصابع فتتسرب الألفة والتقارب ليس من قبيل الصدفة وإنما من تقاطع مشارف الحس الإنساني النبوي بقرارة النفوس .