بشكل مباغت وبعد خلافات طويلة خرج أكبر زعيمين سياسيين "مسيحيين" في لبنان على الملأ وأعلنا في مؤتمر صحفي الاتفاق على تولي أحدهما الرئاسة بعد أكثر من عام على خلو منصب الرئيس في البلاد بسبب النزاعات السياسية والانقسامات...
قد يبدو الأمر للوهلة الأولى منطقيا وغير مستبعد ولا يسبب الكثير من الأزمات بل قد يحلها, ولكن المتتبع لحقيقة ما يجري في لبنان يجد أن الأمر يفتح الباب واسعا أمام وقوع لبنان رسميا في الفخ الإيراني..الرجل الأول الذي نتحدث عنه هو سمير جعجع قائد القوات اللبنانية وأحد حلفاء تيار المستقبل السني المناهض لنظام الأسد وللمحور الإيراني في لبنان والمعارض لسلاح حزب الله واشتهر بقوة خلال الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد من أواسط السبعينيات حتى بداية التسعينيات من القرن الماضي وانتهى به المطاف في السجن بعد ثبوت تورطه في جرائم حرب ولكنه خرج بعد سنوات بعفو عام وانضم للحقل العام حيث تخلت القوات اللبنانية عن سلاحها وتحولت لحزب سياسي يقوده جعجع..
أما الطرف الثاني فهو الجنرال ميشال عون قائد الجيش اللبناني السابق وأحد أكبر أعداء نظام الاسد قبل أن يتحول إلى أكبر أنصاره إثر دخوله في تحالف سياسي مشبوه مع تنظيم حزب الله الشيعي المدعوم من طهران...
وشهدت السنوات الأخيرة حربا عنيفة بين الفريقين على خلفية المواقف من نظام الأسد وتدخله في لبنان وسلاح حزب الله.. وبسبب هذه الخلافات في الرؤى ولطبيعة النظام اللبناني المبني على المحاصصة الطائفية ظل منصب الرئيس فارغا بعد ترشح عون وجعجع للرئاسة وعدم تمكن كل منهما من الحصول على موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب المقسم بالتساوي تقريبا بين الفريقين...
كان جعجع يعتمد على حلفائه في تيار المستقبل بينما يعتمد عون على حلفائه من حزب الله إلا أن سعد الحريري زعيم تيار المستقبل قرر فجأة ترشيح سليمان فرنجيه زعيم تيار المردة والصديق الصدوق لبشار الاسد ولحزب الله للرئاسة على حساب جعجع ودون استشارته مما أشعل الخلافات في جبهة 14 آذار التي تضم القوات اللبنانية والمستقبل..
هنا ينبغي التوقف عند موقف الحريري المفاجئ في دعم رجل مثل فرنجية للرئاسة رغم مواقفه المعروفة الموالية لنظام الأسد ولحزب الله وبالتالي لإيران والتخلي عن حليفه جعجع المناوئ لنظام الأسد والمتوافق معه ضد ممارسات حزب الله في لبنان...
تغير موقف جعجع من ترشح عون والتنازل عن ترشيحه للرئاسة, يمكن إرجاعه للوهلة الأولى للانتقام من الحريري الذي تخلى عنه دون تنسيق ولكن تاريخ الخلافات الطويل بين الرجلين يجعل هذا الاستنتاج لا يستقيم بل إن الأقرب أن جعجع بدأ يغير دفته في محاولة للاقتراب من الحصان الذي يراه رابحا بعد تزايد نفوذ حزب الله في لبنان ورفع العقوبات عن إيران مما سيقوي من دورها في مناطق نفوذها التقليدية, وبصرف النظر عن صحة هذه الاستنتاجات والتي ستتكشف حقيقتها عما قريب,فإن هذا الاتفاق ألقى لبنان داخل المحور الإيراني بقوة؛ فعندما يصل عون إلى الرئاسة ستصبح لبنان رسميا ضمن التحالف الشيعي في المنطقة وستقل داخلها ثقل القوى السياسية المناوئة للمشروع الطائفي وسيزداد أهل السنة فيها انعزالا مع تواضع دور تيار المستقبل وارتباكه السياسي وخروج الكثير من أهل السنة من عباءته بعد فشله في التعبير عن مصالحهم والدفاع عن همومهم.