مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2015/03/17 23:46
الأخوة منحة ربانية لحماية الصف



الأخوة في الله هي منحة قدسية وإشراقة ربانية ونعمة إلهية يقذفها الله عزَّ وجل في قلوب المخلصين من عباده الأصفياء من  الأخوة-الإيمانية أوليائه والأتقياء من خلقه، قال تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.

إنَّ الأخوَّة في الله هي طريق إسعاد الفرد والمجتمع، لذلك لا يتصوَّر للجماعة المسلمة أن تقوم أو يشتد عودها بدونها: فبالأخوة يصبح أفراد الجماعة المسلمة كأغصان الشجرة الواحدة لا تكاد تؤثر فيها عواصف الأعداء أو رياح الأهواء.

والأخوة لكي تؤدي ثمارها المرجوة لابد أن تنطلق من الإيمان بالله بل هما ركيزتان متلازمان لا يستغني أحدهما عن الآخر. إن نعمة الأخوة هي أثمن منحة ربانية للعبد من بعد نعمة الإسلام قال تعالى: {وذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم}، ويقول الفاروق عمر رضي الله عنه: ((ما أُعطي عبد بعد الإسلام خيراً من أخٍ صالح، فإذا رأى أحدكم ودّاً من أخيه فليتمسك به)).

وقد حرص سلفنا الصالح علي انتقاء الإخوان لتصاب الذخيرة الحقة وعددوا صفاتهم ليعينوا من بعدهم علي الاختيار، فمن هذه الصفات: طِيبة القول، ورفع التكليف، وترك حضيض الدرهم والدينار والسمو إلى العلا، ومذاكرة الآخرة، وبذل النصح لبعضهم.

 

معنى الأخوة..

قال الإمام المؤسس حسن البنا رحمه الله: (وأريد بالأخوة: أن ترتبط القلوبُ والأرواحُ برباط العقيدة، والعقيدة أوثق الروابطِ وأغلاها، والأخوَّة أخت الإيمان، والتفرُّقُ أخو الكفر، وأول القوة قوة الوحدة، ولا وِحْدَةَ بغير حب، وأقل الحب سلامة الصدر، وأعلاه مرتبة الإيثار {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ}، (الحشر: 9).

والأخُ الصادقُ يرى إخوانَه أوْلى بنفسِه من نفسه؛ لأنه إن لم يكن بهم فلن يكونَ بغيرهم، وهم إن لم يكونوا به كانوا بغيره، و((إِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنَ الْغَنَمِ الْقَاصِيَةَ)). (أبو داود وصححه ابن حبان والحاكم) و((الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا))، (متفق عليه). وقال الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}، [التوبة: 71]. وهكذا يجب أن نكون).

من سبل تحقيق الأخوة

 يقول الإمام حسن البنا رحمه الله: فاحرص على سلامة صدرك نحو إخوانك، وجاهد نفسك لتصل ومن معك إلى مرتبة الإيثار، والتفريط في هذا الركن أو النكث فيه كالنكث في ركن الجهاد يؤدّي إلى أوخم العواقب، فلو هبط الأفراد عن أدنى مراتب الأخوة فستبدأ الفرقة، ويسود التنازع، وهذا يؤدي إلى الهزيمة، قال تعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}.

ولقد بيَّن الشارع الحكيم سبحانه وتعالى الوسائل التي تعين على تحقيق الأخوة بين المؤمنين، ومنها:

1- إفشاء السلام لقوله صلَّى الله عليه وسلم: ((لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أأدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم)).

2- وأن يتواضع الأخ لأخيه لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله أوحى إليَّ أن تواضعوا حتّى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحدٌ على أحد)).

3- وأن يخالق إخوانه بخلق حسن، قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: ((إنَّ المرء ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار)).

4- السكوت عن ذكر المعايب، والمماراة والجدل المذموم معه وعدم سؤاله فيما يحرجه، وكتمان سره وأن لا يقدح فيه، أو في أهله وأحبائه.

5- الوفاء والإخلاص والثبات علي الحب إلي الموت والإحسان لأهله وأصدقائه بعد الموت.

6- السكوت عن كل ما يكرهه، فالمؤمن يطلب المعاذير والمنافق يطلب الزلات مع ترك إساءة الظن وستر العيوب والتغافل عنها.

 في الأخوة سرّ القوّة ..

 

إنَّ هذه الأخوةَ التي نذكِّر بحقوقها هي الصخرةُ التي تتكسَّر عليها موجاتُ المكرِ ومحاولاتُ النَّيْلِ من دعوتنا المباركة، وهي أول أسباب النصر {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِين}، (الأنفال: 62-64).

فلنستمسك بهذه الأخوَّة الخالدة التي تزول الدنيا ولا تزول، وتفنى الأيام وهي أبقى من الزمن، ولنحرص على أداء حقوقها، واستشعار قيمتها، ولنحافظ على ورد الرابطة اليومي، والله معكم ولن يتركم أعمالكم.


ـــــــــــــــــــــ

المصدر : بصائر تربوية
أضافة تعليق