د. يوسف مكي
منذ ما يزيد على عقد من الزمن، والمفاوضات الماراثونية مستمرة، حول الملف النووي الإيراني. تتصاعد أحياناً، وتقترب من حافة الحرب، ثم ما تلبث أن تخبو، من غير تحقيق أية نتائج. فما الجديد وراء حماس الإدارة الأمريكية، للعودة إلى طاولة المفاوضات؟ وما المتوقع منها؟
ليس من شك في أن أمريكا تملك قوة تدميرية، لا تملكها دولة أخرى. ومع ذلك ظلت عاجزة عن مواجهة الموقف الإيراني، رغم الضغوط الشديدة التي مارسها حليفها الاستراتيجي بالمنطقة، الكيان الصهيوني. وأيضاً رغم ما يعنيه امتلاك إيران للسلاح النووي، من تهديد لأمن الخليج العربي واستقراره، بما يعنيه من تهديد لمصالحها الحيوية في هذا الجزء من العالم.
جغرافيا إيران، وليس نظامها السياسي، هي كلمة السر. فإيران هي المعبر البري، من غرب آسيا إلى مشرقها. وهي المكمل للقوس المطوق لروسيا. وكان هذا القوس، هو الركن الأساس في استراتيجية مواجهة السوفييت سابقاً، وروسيا بوتين حالياً. والأهم من ذلك، هو موقعها كمنطقة عازلة بين طموحات روسيا، وبين المياه الدافئة في الخليج. وهذه النقطة تحديداً، هي التي توضح دوافع الحماس الأمريكي، في العودة إلى طاولة المفاوضات في هذه اللحظة بالذات.
الهدف الرئيس للتحرك الأمريكي صوب طهران، ليس هو الملف النووي الإيراني، بل العمل على عودة مناخات الحرب الباردة. وقد شبه التحرك الأمريكي الجديد تجاه طهران، بالخطوة الأمريكية تجاه الصين الشعبية في نهاية الستينات من القرن المنصرم، حين تمكنت إدارة الرئيس نيكسون من مد جسور قوية مع الصين الشيوعية، على حساب علاقة الأخيرة مع الاتحاد السوفييتي.
إن الإدارة الأمريكية، من وجهة نظر بعض المحليين السياسيين تستعيد روح ذلك السيناريو. يشجعها على ذلك، إلى جانب العامل الاستراتيجي، عوامل أخرى. هذه العوامل ترتبط بالأزمة السورية، وبإعادة ترتيب أوضاعها في العراق، ورغبة طموحة في المشاركة في مشاريع استثمارية في إيران، بعد رفع الحصار عنها.
بالنسبة إلى الأزمة السورية، أصبح واضحاً أممياً استبعاد الحل العسكري، لأنه سيغرق سوريا في فوضى شاملة، ويجعل منها مركزاً للإرهاب الدولي. لقد طرحت مبادرات جديدة من قبل المبعوث الأممي دي ميستورا لوقف تدرجي لإطلاق النار، وروسيا تطرح مبادرات سلمية جدية لحل الأزمة، والإدارة الأمريكية ليست على استعداد لخسارة كافة أوراقها في سوريا، ما بعد الحرب.
ثم إن استمرار تفرد روسيا، بالتحالف مع الحكومة السورية، بعد وقف إطلاق النار، وعودة الاستقرار في سوريا، سيمنح قوة إضافية، للرئيس بوتين، العدو اللدود لأمريكا. فسوف تفتح الأبواب للإمبراطور ليشيد أساطيله الجوية والبحرية. إن العلاقة مع إيران، ستفتح لأمريكا بوابات سوريا، لكن مع القيادة السورية، وليس مع معارضتها. وبالقدر الذي تكسب أمريكا من هذه العلاقة.
وبالنسبة إلى العراق، فإن الإدارة الأمريكية ترى أن انتعاش الدور الروسي مجدداً، يقتضي من جانبها، تفعيل المعاهدة الأمنية التي تتيح لها وجود قواعد عسكرية، بقوة ضاربة، لتشكل استكمالا للقوس المطوق لروسيا. وإيران من جانبها، لن تمانع في ذلك، كونه سيزج بالقدرات العسكرية الأمريكية، في الحرب على الإرهاب في العراق. وسيعفيها من ذلك، ويجعلها تتفرغ لقضايا أخرى، بما يضمن هيمنتها إلى ما لا نهاية على هذا البلد العريق.
بالتأكيد لا يمكن تشييد علاقة استراتيجية أمريكية - إيرانية، من غير معالجة الملفات العالقة بين البلدين، وعلى رأسها الملف النووي الإيراني. لكن هناك فرق بين أن تكون غاية المفاوضات هي الحد من الطموحات النووية الإيرانية، وبين أن تكون معبراً لمرحلة جديدة، من الصداقة والعلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
في الحالة الأولى، ستستخدم أمريكا كل الأوراق لمنع إيران، من تحقيق طموحاتها النووية. أما في الحالة الثانية، فإنها ستجري مقايضات تقبل بها إيران. وعلى رأس المقايضات رفع الحصار، مقابل إبداء إيران حسن النية، في موضوع الملف النووي الإيراني، وتقديم تنازلات محسوبة.
طهران من جانبها، تحرص على استثمار أوراقها، بأقصى ما تستطيع. فهي تدرك أولاً حجم الضغوط السياسية التي يتعرض لها الرئيس الأمريكي أوباما، جراء سياساته العاجزة، عن لجم طموحاتها النووية، لدرجة وصفه بالجبن من قبل معارضيه. وتدرك أيضاً ما يتعرض له من ضغوط "إسرائيلية"، ومن اللوبي الصهيوني، في الداخل الأمريكي، لوقف البرنامج النووي. لكنها أيضاً، تدرك قيمة أوراقها، وتعي بشكل جيد، أسباب التحرك الأمريكي، في هذه المرحلة بالذات.
لن تغامر إيران بمصالحها مع روسيا، مقابل رفع العصا الأمريكية. لكنها ليست بالغباء، الذي يجعلها ترفض بالمطلق الصفقة الجديدة، فترفض اليد التي تمتد إليها.
بات مؤكداً أن المفاوضات الأمريكية مع إيران، وصلت إلى طريق مسدود. لكل هذه النتيجة ليست نهاية المطاف، طالما أن الطرف الأمريكي، قرر التوصل إلى صيغة اتفاق، وإن تكن جزئية حول الملف النووي. فلقد اعتبر ذلك تمديداً وليس فشلاً.
تراهن السيناريوهات المطروحة على عدة احتمالات: من بينها أن الحصار المفروض على إيران، قد ترك آثاراً مدمرة على أوضاع إيران الاقتصادية. وأنها ستستثمر هذه الفرصة، لتتراجع عن طموحاتها النووية مقابل فك الحصار. والاحتمال الآخر، أن ترفض الاستجابة للضغط الأمريكي، والدولي، معولة على علاقاتها الصاعدة بدول "البريكس" ومنظومة شنغهاي، وفي المقدمة من هذه الدول روسيا الاتحادية والصين الشعبية. الاحتمال الأقرب، أن تزاوج إيران بين السيناريوهين، فتقدم تنازلات صغيرة، ومحسوبة، فيما يتعلق بالطرد النووي، وفتح الأبواب للمفتشين الدوليين ليمارسوا رقابتهم على المفاعلات النووية الإيرانية.
أمريكا ترى أن الخطر القادم ليس من إيران، بل من روسيا الاتحادية والصين الشعبية، اللذين يمكن في القريب المنظور أن يشكلا قوة اقتصادية وعسكرية هائلة، تهدد مستقبل الإمبراطورية الأمريكية. ولذلك ستقبل أنصاف الحلول مع إيران.
الأيام المقبلة حبلى بالمفاجآت، فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، وليس علينا سوى الانتظار.
منذ ما يزيد على عقد من الزمن، والمفاوضات الماراثونية مستمرة، حول الملف النووي الإيراني. تتصاعد أحياناً، وتقترب من حافة الحرب، ثم ما تلبث أن تخبو، من غير تحقيق أية نتائج. فما الجديد وراء حماس الإدارة الأمريكية، للعودة إلى طاولة المفاوضات؟ وما المتوقع منها؟
ليس من شك في أن أمريكا تملك قوة تدميرية، لا تملكها دولة أخرى. ومع ذلك ظلت عاجزة عن مواجهة الموقف الإيراني، رغم الضغوط الشديدة التي مارسها حليفها الاستراتيجي بالمنطقة، الكيان الصهيوني. وأيضاً رغم ما يعنيه امتلاك إيران للسلاح النووي، من تهديد لأمن الخليج العربي واستقراره، بما يعنيه من تهديد لمصالحها الحيوية في هذا الجزء من العالم.
جغرافيا إيران، وليس نظامها السياسي، هي كلمة السر. فإيران هي المعبر البري، من غرب آسيا إلى مشرقها. وهي المكمل للقوس المطوق لروسيا. وكان هذا القوس، هو الركن الأساس في استراتيجية مواجهة السوفييت سابقاً، وروسيا بوتين حالياً. والأهم من ذلك، هو موقعها كمنطقة عازلة بين طموحات روسيا، وبين المياه الدافئة في الخليج. وهذه النقطة تحديداً، هي التي توضح دوافع الحماس الأمريكي، في العودة إلى طاولة المفاوضات في هذه اللحظة بالذات.
الهدف الرئيس للتحرك الأمريكي صوب طهران، ليس هو الملف النووي الإيراني، بل العمل على عودة مناخات الحرب الباردة. وقد شبه التحرك الأمريكي الجديد تجاه طهران، بالخطوة الأمريكية تجاه الصين الشعبية في نهاية الستينات من القرن المنصرم، حين تمكنت إدارة الرئيس نيكسون من مد جسور قوية مع الصين الشيوعية، على حساب علاقة الأخيرة مع الاتحاد السوفييتي.
إن الإدارة الأمريكية، من وجهة نظر بعض المحليين السياسيين تستعيد روح ذلك السيناريو. يشجعها على ذلك، إلى جانب العامل الاستراتيجي، عوامل أخرى. هذه العوامل ترتبط بالأزمة السورية، وبإعادة ترتيب أوضاعها في العراق، ورغبة طموحة في المشاركة في مشاريع استثمارية في إيران، بعد رفع الحصار عنها.
بالنسبة إلى الأزمة السورية، أصبح واضحاً أممياً استبعاد الحل العسكري، لأنه سيغرق سوريا في فوضى شاملة، ويجعل منها مركزاً للإرهاب الدولي. لقد طرحت مبادرات جديدة من قبل المبعوث الأممي دي ميستورا لوقف تدرجي لإطلاق النار، وروسيا تطرح مبادرات سلمية جدية لحل الأزمة، والإدارة الأمريكية ليست على استعداد لخسارة كافة أوراقها في سوريا، ما بعد الحرب.
ثم إن استمرار تفرد روسيا، بالتحالف مع الحكومة السورية، بعد وقف إطلاق النار، وعودة الاستقرار في سوريا، سيمنح قوة إضافية، للرئيس بوتين، العدو اللدود لأمريكا. فسوف تفتح الأبواب للإمبراطور ليشيد أساطيله الجوية والبحرية. إن العلاقة مع إيران، ستفتح لأمريكا بوابات سوريا، لكن مع القيادة السورية، وليس مع معارضتها. وبالقدر الذي تكسب أمريكا من هذه العلاقة.
وبالنسبة إلى العراق، فإن الإدارة الأمريكية ترى أن انتعاش الدور الروسي مجدداً، يقتضي من جانبها، تفعيل المعاهدة الأمنية التي تتيح لها وجود قواعد عسكرية، بقوة ضاربة، لتشكل استكمالا للقوس المطوق لروسيا. وإيران من جانبها، لن تمانع في ذلك، كونه سيزج بالقدرات العسكرية الأمريكية، في الحرب على الإرهاب في العراق. وسيعفيها من ذلك، ويجعلها تتفرغ لقضايا أخرى، بما يضمن هيمنتها إلى ما لا نهاية على هذا البلد العريق.
بالتأكيد لا يمكن تشييد علاقة استراتيجية أمريكية - إيرانية، من غير معالجة الملفات العالقة بين البلدين، وعلى رأسها الملف النووي الإيراني. لكن هناك فرق بين أن تكون غاية المفاوضات هي الحد من الطموحات النووية الإيرانية، وبين أن تكون معبراً لمرحلة جديدة، من الصداقة والعلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
في الحالة الأولى، ستستخدم أمريكا كل الأوراق لمنع إيران، من تحقيق طموحاتها النووية. أما في الحالة الثانية، فإنها ستجري مقايضات تقبل بها إيران. وعلى رأس المقايضات رفع الحصار، مقابل إبداء إيران حسن النية، في موضوع الملف النووي الإيراني، وتقديم تنازلات محسوبة.
طهران من جانبها، تحرص على استثمار أوراقها، بأقصى ما تستطيع. فهي تدرك أولاً حجم الضغوط السياسية التي يتعرض لها الرئيس الأمريكي أوباما، جراء سياساته العاجزة، عن لجم طموحاتها النووية، لدرجة وصفه بالجبن من قبل معارضيه. وتدرك أيضاً ما يتعرض له من ضغوط "إسرائيلية"، ومن اللوبي الصهيوني، في الداخل الأمريكي، لوقف البرنامج النووي. لكنها أيضاً، تدرك قيمة أوراقها، وتعي بشكل جيد، أسباب التحرك الأمريكي، في هذه المرحلة بالذات.
لن تغامر إيران بمصالحها مع روسيا، مقابل رفع العصا الأمريكية. لكنها ليست بالغباء، الذي يجعلها ترفض بالمطلق الصفقة الجديدة، فترفض اليد التي تمتد إليها.
بات مؤكداً أن المفاوضات الأمريكية مع إيران، وصلت إلى طريق مسدود. لكل هذه النتيجة ليست نهاية المطاف، طالما أن الطرف الأمريكي، قرر التوصل إلى صيغة اتفاق، وإن تكن جزئية حول الملف النووي. فلقد اعتبر ذلك تمديداً وليس فشلاً.
تراهن السيناريوهات المطروحة على عدة احتمالات: من بينها أن الحصار المفروض على إيران، قد ترك آثاراً مدمرة على أوضاع إيران الاقتصادية. وأنها ستستثمر هذه الفرصة، لتتراجع عن طموحاتها النووية مقابل فك الحصار. والاحتمال الآخر، أن ترفض الاستجابة للضغط الأمريكي، والدولي، معولة على علاقاتها الصاعدة بدول "البريكس" ومنظومة شنغهاي، وفي المقدمة من هذه الدول روسيا الاتحادية والصين الشعبية. الاحتمال الأقرب، أن تزاوج إيران بين السيناريوهين، فتقدم تنازلات صغيرة، ومحسوبة، فيما يتعلق بالطرد النووي، وفتح الأبواب للمفتشين الدوليين ليمارسوا رقابتهم على المفاعلات النووية الإيرانية.
أمريكا ترى أن الخطر القادم ليس من إيران، بل من روسيا الاتحادية والصين الشعبية، اللذين يمكن في القريب المنظور أن يشكلا قوة اقتصادية وعسكرية هائلة، تهدد مستقبل الإمبراطورية الأمريكية. ولذلك ستقبل أنصاف الحلول مع إيران.
الأيام المقبلة حبلى بالمفاجآت، فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، وليس علينا سوى الانتظار.