الثلاثاء, 09 سبتمبر 2014 21:36
د. عبدالعزيز المقالح
كنت وملايين لا تحصى من البشر في الشرق والغرب والشمال والجنوب يتمنون نجاح باراك أوباما وفوزه برئاسة الولايات المتحدة، لأنه كما صوّرت لنا الأحلام سيكون رئيساً مختلفاً، وبعيداً عن منظومة الرؤساء المعدّين سلفاً.
لكنني صرت نادماً وربما تكون ملايين من البشر في أنحاء العالم قد ندموا أيضاً على تمنياتهم، وصاروا يتمنون لو أن أوباما لم ينجح، فقد فشل في رئاسته وقدم خلالها نموذجاً باهتاً على مستوى الداخل الأمريكي والخارج العالمي، ولم يتمكن من حسم قضية واحدة من القضايا الكبيرة التي تسلمها من سلفه المخبول جورج دبليو بوش. وكأنه حريص على أن يسلم هذه القضايا لخلفه، كما هي من دون أن تمس ملفاتها. ولا ينكر أحد أنه ظهر بعد فوزه بالرئاسة مثيراً للإعجاب، كما استطاع من خلال خطاباته المعدّة بذكاء أن يداعب أحلام الشعوب والأفراد في الداخل والخارج، إلاّ أن ذلك البريق الذي صاحب ظهوره الأول قد انطفأ تدريجياً، ويبدو لي أن أحداً لم يعد يتذكر شيئاً من ذلك البريق ولا يتوقف عند كلمة واحدة من كلمات تلك الخطابات البديعة.
لقد مرت سنوات الولاية الأولى من دون أن يحدث أي تغيير ملموس أو ملحوظ في حياة الأمريكيين، أو في واقع القضايا الدولية المعلقة والمثيرة للقلق. وكان بعض المتفائلين يقولون إن كثيراً من رؤساء الولايات المتحدة لا ينجزون شيئاً مهماً في ولاياتهم الأولى وهم يترددون خلالها في اتخاذ المواقف الجريئة والجادة حتى لا يخسرون الولاية الثانية، وهاهي ذي الولاية الثانية للرئيس أوباما تقترب من النهاية، ولم ينجز فيها شيئاً يُذكر له في سجل التاريخ، سيما وقد انتهت الضغوط الانتخابية وأصبح حراً في اتخاذ المواقف التي بشر بها وأحرز بسببها فوزاً كاسحاً غير مسبوق في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
واللافت أكثر من أي شيء أن شخصيته التي بدأت متوهجة قد تآكلت وبدت خامدة منطفئة، وأخشى أن أقول إنه يبدو في تصرفاته ومواقفه كواحد من رؤساء العالم الثالث، وأن التردد والإحباط من أبرز السمات التي تعطيها المؤشرات الحالية لإدارته الحالية الباهتة.
لقد أربك بسياساته المترددة العالم كله، وأوجد ما يمكن النظر إليه انشقاقاً جديداً بين الشرق والغرب، وبات يتعامل مع الأحداث الساخنة في الوطن العربي خاصة ومنطقة الشرق الأوسط عامة، بقدر من اللامبالاة والشعور بالملل، وبالأخص قضية الصراع العربي الصهيوني. والمؤلم في هذه القضية بالذات أنه أظهر انحيازاً غير مسبوق نحو الكيان الصهيوني وتولى الدفاع عنه وتبرير كل جريمة يرتكبها هذا العدو في حق الفلسطينيين، وكان آخر هذا النوع الفاضح من الانحياز قد تجلىّ في الحرب الأخيرة التي أرادها الكيان حرب إبادة واستخدم فيها كل ما في حوزته من أسلحة الدمار، وظل البيت الأبيض صامتاً إلا من تصريحات تساند العدوان وأخرى شاحبة تشير إلى التهدئة، وهو ما أفقد هذا الرئيس آخر سطر في قائمة الوفاء بوعوده تجاه هذه القضية، وما كان ينتظره العرب والعالم منه بعد وثوبه إلى البيت الأبيض.
وقد يرى بعضهم أن تفاقم الأوضاع الاقتصادية في الولايات المتحدة قد حدّ من نشاط أوباما وأفقده القدرة على النظر في القضايا الخارجية، ولو كان ذلك صحيحاً، لما واصل الاقتصاد تدهوره وإيقاظ الدولة العظمى في رأس قائمة الدول المستدينة، وذلك ما يؤكد ما قرأناه عن حقائق العلاقة الوثيقة بين السياسي والاقتصادي ودور المواقف المتوازنة بينهما في الحفاظ على المستوى الطبيعي في النمو، وتدارك الاختلالات المتتابعة والحد من اتساعها، ولهذا فإن الرئيس باراك أوباما - من منظور داخلي أمريكي، ومن منظور خارجي عالمي- بات يشكّل أهم نقطة ضعف في حياة الولايات المتحدة والعالم، يزيد من ذلك الضعف اختياره رجال إدارته ممن هم على شاكلته جهلاً بالإدارة وبمشكلات العالم يستوي في ذلك المدنيون منهم والعسكريون. ولهذه المعطيات جميعاً يتجسد التعبير الواقعي عن الذبول الكبير الذي ينتظر الدولة العظمى بعد زمن قصير من الزعامة والانفراد بالقطبية الواحدة.
*التجديد
د. عبدالعزيز المقالح
كنت وملايين لا تحصى من البشر في الشرق والغرب والشمال والجنوب يتمنون نجاح باراك أوباما وفوزه برئاسة الولايات المتحدة، لأنه كما صوّرت لنا الأحلام سيكون رئيساً مختلفاً، وبعيداً عن منظومة الرؤساء المعدّين سلفاً.
لكنني صرت نادماً وربما تكون ملايين من البشر في أنحاء العالم قد ندموا أيضاً على تمنياتهم، وصاروا يتمنون لو أن أوباما لم ينجح، فقد فشل في رئاسته وقدم خلالها نموذجاً باهتاً على مستوى الداخل الأمريكي والخارج العالمي، ولم يتمكن من حسم قضية واحدة من القضايا الكبيرة التي تسلمها من سلفه المخبول جورج دبليو بوش. وكأنه حريص على أن يسلم هذه القضايا لخلفه، كما هي من دون أن تمس ملفاتها. ولا ينكر أحد أنه ظهر بعد فوزه بالرئاسة مثيراً للإعجاب، كما استطاع من خلال خطاباته المعدّة بذكاء أن يداعب أحلام الشعوب والأفراد في الداخل والخارج، إلاّ أن ذلك البريق الذي صاحب ظهوره الأول قد انطفأ تدريجياً، ويبدو لي أن أحداً لم يعد يتذكر شيئاً من ذلك البريق ولا يتوقف عند كلمة واحدة من كلمات تلك الخطابات البديعة.
لقد مرت سنوات الولاية الأولى من دون أن يحدث أي تغيير ملموس أو ملحوظ في حياة الأمريكيين، أو في واقع القضايا الدولية المعلقة والمثيرة للقلق. وكان بعض المتفائلين يقولون إن كثيراً من رؤساء الولايات المتحدة لا ينجزون شيئاً مهماً في ولاياتهم الأولى وهم يترددون خلالها في اتخاذ المواقف الجريئة والجادة حتى لا يخسرون الولاية الثانية، وهاهي ذي الولاية الثانية للرئيس أوباما تقترب من النهاية، ولم ينجز فيها شيئاً يُذكر له في سجل التاريخ، سيما وقد انتهت الضغوط الانتخابية وأصبح حراً في اتخاذ المواقف التي بشر بها وأحرز بسببها فوزاً كاسحاً غير مسبوق في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
واللافت أكثر من أي شيء أن شخصيته التي بدأت متوهجة قد تآكلت وبدت خامدة منطفئة، وأخشى أن أقول إنه يبدو في تصرفاته ومواقفه كواحد من رؤساء العالم الثالث، وأن التردد والإحباط من أبرز السمات التي تعطيها المؤشرات الحالية لإدارته الحالية الباهتة.
لقد أربك بسياساته المترددة العالم كله، وأوجد ما يمكن النظر إليه انشقاقاً جديداً بين الشرق والغرب، وبات يتعامل مع الأحداث الساخنة في الوطن العربي خاصة ومنطقة الشرق الأوسط عامة، بقدر من اللامبالاة والشعور بالملل، وبالأخص قضية الصراع العربي الصهيوني. والمؤلم في هذه القضية بالذات أنه أظهر انحيازاً غير مسبوق نحو الكيان الصهيوني وتولى الدفاع عنه وتبرير كل جريمة يرتكبها هذا العدو في حق الفلسطينيين، وكان آخر هذا النوع الفاضح من الانحياز قد تجلىّ في الحرب الأخيرة التي أرادها الكيان حرب إبادة واستخدم فيها كل ما في حوزته من أسلحة الدمار، وظل البيت الأبيض صامتاً إلا من تصريحات تساند العدوان وأخرى شاحبة تشير إلى التهدئة، وهو ما أفقد هذا الرئيس آخر سطر في قائمة الوفاء بوعوده تجاه هذه القضية، وما كان ينتظره العرب والعالم منه بعد وثوبه إلى البيت الأبيض.
وقد يرى بعضهم أن تفاقم الأوضاع الاقتصادية في الولايات المتحدة قد حدّ من نشاط أوباما وأفقده القدرة على النظر في القضايا الخارجية، ولو كان ذلك صحيحاً، لما واصل الاقتصاد تدهوره وإيقاظ الدولة العظمى في رأس قائمة الدول المستدينة، وذلك ما يؤكد ما قرأناه عن حقائق العلاقة الوثيقة بين السياسي والاقتصادي ودور المواقف المتوازنة بينهما في الحفاظ على المستوى الطبيعي في النمو، وتدارك الاختلالات المتتابعة والحد من اتساعها، ولهذا فإن الرئيس باراك أوباما - من منظور داخلي أمريكي، ومن منظور خارجي عالمي- بات يشكّل أهم نقطة ضعف في حياة الولايات المتحدة والعالم، يزيد من ذلك الضعف اختياره رجال إدارته ممن هم على شاكلته جهلاً بالإدارة وبمشكلات العالم يستوي في ذلك المدنيون منهم والعسكريون. ولهذه المعطيات جميعاً يتجسد التعبير الواقعي عن الذبول الكبير الذي ينتظر الدولة العظمى بعد زمن قصير من الزعامة والانفراد بالقطبية الواحدة.
*التجديد