لم يعد العرب وحدهم هم الذين يتابعون حال التوحش الصهيوني وتجلياته في غزة أولاً وفي الأقطار العربية المجاورة لأرض فلسطين ثانياً، فقد انشدّت إلى هذا التوحش ملايين العيون في أنحاء كثيرة من العالم . ولهذا التصاعد أسبابه، ومنها:
* أولاً: التفُّتت العربي وما تعانيه معظم الأقطار العربية من صراعات سياسية ، ومن حروب واقتتال داخلي.
* ثانياً: الدعم غير المحدود الذي يتلقاه الكيان الصهيوني من الولايات المتحدة الأمريكية ومن الرئيس دونالد ترامب خاصة، وما اتخذه من إجراءات ومواقف لصالح هذا الكيان.
وفي مناخ كهذا ، دعم خارجي غير محدود للكيان الصهيوني يقابله ضعف عربي غير مسبوق صار في إمكان هذا الكيان أن يتوسع في عدوانه، وأن يصل توحشه إلى الذروة وأن يستمر في إلتهام الأرض وفي السطو على البشر ولا مجال لأية مواجهة فاعلة أو رد حاسم .
ومن يتابع ما يحدث في غزة يومياً ويتابع أرقام الضحايا يدرك حجم المأساة التي يعاني منها الشعب العربي الفلسطيني وخطورة الموقف المتفرج من العالم ومن المنظمات الدولية وفي المقدمة الهيئة العامة للأمم المتحدة التي صارت شكلاً مفرغاً من محتواه الإنساني ، والذي ثبت أنها تحولت إلى مكتب تابع للولايات المتحدة ولوزارة خارجيتها بالتحديد حيث تصدر التعاليم والتوجيهات . وهو الأمر الذي دفع ببعض الدول المحتفظة بقدر من استقلاليتها إلى مواصلة الدعوة لنقل مقر الهيئة الدولية إلى خارج الولايات المتحدة وإلى سويسرا بالذات الدولة التي ثبت حيادها المطلق في القضايا السياسية لشعوب العالم .
لقد افتقد الوطن العربي قدرته على التأثير ، وقدرته على التصدي للمواقف المعادية بعد أن أدخلته المؤامرات الدولية والإقليمية في نفق الخلافات الثانوية التي صارت أكثر من أساسية . وافتقدت معها أقطار بعينها وحدتها الوطنية وشعورها القومي وصارت تحتمي ببعض القوى الإقليمية مما جعل أبوابها مفتوحة لتدخلات إقليمية وأجنبية أنهت ما كان قد تبقى لها من سيادة شكلية وقيادة وطنية متوهمة ، وتحقق للكيان الصهيوني بهذه الأوضاع العربية ما كان يتمناه وما ظل يحلم به منذ إنشائه في قلب المنطقة ليكون الكيان المهيمن ذات النفوذ الأوسع في المنطقة.
وبالرغم من أن هذه حالة مؤقتة واستثنائية لن تدوم إلاَّ أنها سوف تترك في الواقع العربي الراهن شروخاً وجروحاً لن تندمل في وقت قريب .