مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
2014/08/17 20:10
كفكف دموعك إنها لا تُرجعُ

لقد أكبرتُ في فصائل المقاومة الباسلة عزمةً حملوا بها عبء الجهاد الثقيل؛ إذ يمسكون سلاحهم بكف و يمدون بالأخرى إلى سماء المجد؛ ذلك أنهم لم يجدوا أشهى من رضى الله مطلباً.
و ما أروع أن تكون راسخاً كالجبل يجابه أعاصير الزمن فلا تخر عزيمتك أو تخسر رباطة جأشك، وهكذا الأمم الحية لا ترمي السلاح مطلقاً و لا تٓرهب أعداءها و لا تزيدها المصائب إلا قوة و عزماً و إقداماً، و أما من خارت قواه و دب اليأس إلى نفسه و عجز عن النضال و استسلم فلسوف تطويه الحياة و من بقي منهم يبكي على حاله تقول له:
هذه الدموع أراك تذرفها سدىً ..... كفكف دموعك إنها لا تُرجعُ
و ها هو الشهيد ’’ يوسف العظمة ’’ يزيدنا بقوله: ( ما مات مجاهد في سبيل وطنه و ما قضى منافحٌ عن الحرية و الكرامة، ليس عاراً أن تطأ قدم الدخيل الأرض الطيبة، إنما العار كل العار في تركها تستقر، العار كل العار أن تصرع القدمُ الرجالٓ و هم يتهافتون على تقبيلها، العار كل العار أن يتسرب الخور إلى العزائم و يستحوذ اليأس على النفوس و يستحيل الرجال الشجعان إلى مسوخ أذلاء جبناء ).

من أجل ذلك لبت فصائل المقاومة نداء الواجب و أعلنتها داوية مدوية: أن المقاومة عصية على الكسر، و أن على الكيان الصهيوني المحتل أن يرفع إلينا فاتورة رحيله و نحن - بإذن الله - مستعدون لسدادها.
فأبشروا رفاق الكفاح، فقد آذنت شمس التغطرس بالغروب، و قد قيل: إن الألم صانع للعظماء و موجد العبقريات و أن أصلب الأمم عوداً أصلحها للبقاء.
وهذا ما أقر به كثير من علماء الحضارة مثل توينبي القائل بأن التحدي والاستفزاز هو سبب مهم في الاستجابة للنهوض الحضاري وهو الذي يقضى على العناصر الشائخة ويستفز الأمة لتنهض كي تواجه ظروفها وأعداءها، وإن فترات التحدي هي فترات خير للأمة لأنها تعيد إليها شبابها ونضوجها.
و إن من أعظم الدروس التي تعلمناها من المقاومة الفلسطينية الباسلة:
1- الإيمان العميق بالله و العمل التواصل الدوؤب، إذ لم تتوقف المقاومة يوماً، فهي تتعلم و تربي و تطور و لم تفقد الأمل لحظة من ليل أو نهار في تحقيق تقارب ميزان الردع و المقاومة فوق أو تحت الأرض.
2- العمل بقول رسول الله _ صلى الله عليه و سلم _ :( استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان )؛ مما جعل المقاومة أعلى كعباً في المناورة و تنفيذ عمليات نوعية خلف خطوط العدو، و مما ساهم في نجاح التحركات _ كذلك _ القضاء على شبكة العملاء داخل القطاع.
3- أن تدرك الشعوب العربية أن الطغاة والفاسدين والظالمين إن هم إلا بشر مثلنا وتجري عليهم سنن الهزيمة والنصر والخوف والشجاعة واليأس والأمل، كما أنهم لا يفترقون عنا كثيرا سوى في المظهر المادي الذي يتدرع بالسلاح والرصاص في مقابل سلميتنا المبدعة المتطورة ؛ إذ بها وباستمرار فعالياتنا تتحول حياة الظالمين إلى قلق دائم وتوجس مما يفقدهم حلاوة النصر وتستحيل الجنة التي حلموا بها إلى جحيم لا يطاق، وهذا ما يجب أن يكون.
4- أن تتحول لحظة القهر والشدة إلى مناخ تسوده العزة والأمل؛ باعتبارها أروع اللحظات التي تولد المبادرات الفردية وتحفز روح الإبداع عند الأفراد؛ حتى يؤمن الجميع بأن لحظة الشدة من ذلك المفهوم قد تكون فترة زمنية من مجموع تلك الفترات التي تحدث عنها منظرو الحركة الإسلامية بأنها من الفرص والسوانح التي إن لم تستغل وتوظف نكون قد فوتنا لحظة إبداع قد لا نستطيع استدراكها.
ومن نماذجها:

0 ما يراه العدو الصهيوني على يد المقاومة في غزة الأبية و ينقله الإعلام حصرياً.
• ومن قبل كان مناخ يوم الأحزاب بكل مفرداته التي ذكرت في القرآن، هو الدافع والمولد لفكرة الخندق غير المسبوقة في تاريخ العرب.
• و اليوم الأول من أيام القادسية يعرف بأنه اليوم الأسود؛ ذلك لأن الجيش الإسلامي خسر حوالي خمسمائة شهيد وذلك لما أحدثته حيلة الفيلة من زعزعة في معسكر المسلمين إذ كان أسلوبا قتاليا غير معروف للعرب، وفي ظلال تلك الشدة والبلاء كانت المبادرة الفردية المخرجة من هذه المحنة وبفكرة جديدة ابتكارية لم تستخدم من قبل، ألا وهي برقعة الإبل بسرابيل سود.
• وفي مناخ تلك اللحظة كانت فكرة محمد الفاتح يوم فتح القسطنطينية بتسيير السفن على اليابسة.
• بل إن معظم من يحلل الجوانب الإيجابية في تاريخ الحرب العالمية الثانية ـ على ما فيها من مآسٍ إنسانية ـ يؤكد على أن الإنسانية قد حصلت من خلال تلك المآسي على كمٍ من الاختراعات والإنجازات التي لم تكن لتخرج إلى الوجود إلا من رحم المعاناة والحاجة.
وصدق أبو القاسم الشابي :
أبارك في الناس أهل الطموح...وألعن من لا يماشي القدر
ومن لا يحب صعود الجبال ... يعش أبد الدهر بين الحفر

فلا الأفق يحضن ميت الطيور ... ولا النحل يلثم ميت الزهر

وإذا الشعب يوماً أراد الحياة ... فلا بد أن يستجيب القدر
*ينابيع
أضافة تعليق