مارس 2014
من الفقر إلى التمكين
بروجيكت سنديكيت
ترجمة/الجريدة الكويتية
سوبير غوكارن و انو مادغافكار
بينما تستعد الهند لانتخاباتها العامة في الشهر المقبل، يبدو أنها لديها من الأسباب ما يدعوها إلى الاحتفال: فالفقر المدقع أصبح في انحسار أخيراً، ففي عام 2012- بعد مرور عشرين عاماً منذ أطلقت الحكومة سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية الرامية إلى فتح الاقتصاد- بلغ معدل الفقر الرسمي 22%، أقل من نصف المعدل الذي كان عليه في عام 1994، ولكن الوقت حان الآن لكي ترفع الهند سقف طموحاتها، فالإفلات من براثن الفقر المدقع، وإن كان يمثل معلماً بالغ الأهمية على الطريق، فإنه ليس كمثل تحقيق مستوى لائق من المعيشة وتوفير الشعور بالأمن الاقتصادي، ولتحقيق هذه الغاية فإن الأمر لا يزال يتطلب الكثير من العمل.
الواقع أن جسامة هذه المهمة تنعكس في تقرير جديد صادر عن معهد ماكينزي العالمي بعنوان ’’من الفقر إلى التمكين’’، والذي يستخدم إطاراً تحليلياً مبدعاً، أو ’’خط التمكين’’، لتقدير التكلفة التي يتحملها المواطن العادي لتلبية ثمانية احتياجات أساسية: الغذاء والطاقة والمسكن ومياه الشرب والصرف الصحي والرعاية الصحية والتعليم والضمان الاجتماعي. ووفقاً لهذا المقياس فإن نحو 56% من الهنود في عام 2012 كانوا ’’يفتقرون إلى الوسائل اللازمة لتلبية احتياجات أساسية’’.
ومن اللافت للانتباه أن هذا الرقم ضعف عدد الأشخاص الذين ما زالوا يعيشون تحت خط الفقر في الهند بمرتين ونصف ويزيد، والأمر الأكثر لفتاً للنظر هو أن ’’فجوة التمكين’’- أو الاستهلاك الإضافي المطلوب لرفع 680 مليون شخص إلى خط التمكين- أكبر بسبع مرات من تكلفة القضاء على الفقر المدقع.
علاوة على ذلك، فعلى الرغم من أن خط التمكين يُعَد مقياساً للاستهلاك الفردي، فإن قدرة أي أسرة على الإنفاق أو استعدادها للإنفاق لا يكفي لضمان حياة كريمة، فالناس يحتاجون أيضاً إلى القدرة على الوصول إلى البنية الأساسية على مستوى المجتمع المحلي مثل العيادات الصحية والمدارس وشبكات الطاقة والصرف الصحي، ولكن الأسرة الهندية المتوسطة تفتقد القدرة إلى الوصول إلى نحو 46% من الخدمات الأساسية، مع تراوح شدة التفاوت إلى حد كبير بين مختلف المناطق.
ولكن ماذا تستطيع الحكومة الهندية أن تفعل لكي توفر لمواطنيها ما يستحقونه من كرامة وراحة وأمن؟ وبالنظر إلى أن ما يقرب من نصف الإنفاق العام الحالي على البرامج الاجتماعية يفشل في تقديم نتائج أفضل للفقراء، فمن غير المرجح أن ينجح توجيه المزيد من الأموال ببساطة عبر القنوات القائمة في إحداث تأثير كبير.
وبدلاً من ذلك، ينبغي لصناع السياسات أن يركزوا على دعم تشغيل العمالة ومكاسب الإنتاجية- التي تشكل تاريخياً أسلحة فعّالة ضد الفقر، وبطبيعة الحال، لن يكون هذا سهلاً يسيراً، فقد تباطأ اقتصاد الهند في الأعوام الأخيرة، وإذا ظل النمو الاقتصادي على مساره الحالي، وفي غياب أي إصلاحات كبرى، فسوف يظل أكثر من ثلث سكان الهند تحت خط التمكين بحلول عام 2022، وسوف يظل الفقر المدقع يحاصر 12% منهم.
ولتجنب هذه النتيجة، ينبغي للحكومة الهندية أن تسعى جاهدة إلى تنفيذ مجموعة من الإصلاحات الجريئة الكفيلة بتعزيز النمو من خلال تشجيع الشركات على الاستثمار والتوسع واستئجار العمالة. ولابد أن تكون أجندة الإصلاح قائمة على أربع أولويات أساسية:
• إضافة 115 مليون وظيفة غير زراعية على مدى العقد المقبل لاستيعاب العدد المتزايد من العمال والتعجيل بالتحول نحو صناعات أكثر حداثة.
• مضاعفة نمو الإنتاجية الزراعية من أجل زيادة غلة المحاصيل الزراعية في الهند إلى المستويات التي تحققها بلدان أخرى ناشئة في آسيا.
• مضاعفة الإنفاق العام الحقيقي (المعدل تبعاً للتضخم) على الخدمات الاجتماعية على مدى عشر سنوات، مع تخصيص قسم كبير من هذه الزيادة لسد الثغرات في الرعاية الصحية وتوفير مياه شرب نظيفة وشبكات صرف صحي لائقة.
• الإصلاح الشامل لأنظمة تسليم الخدمات الاجتماعية.
وبالاستعانة بالمجموعة السليمة من التدابير يصبح من الممكن الدفع بأكثر من نصف مليار مواطن هندي لعبور عتبة الاستهلاك اللازمة لحياة تتسم بالتمكين الاقتصادي، وبوسع الهنود أن يكتسبوا القدرة على الوصول إلى أكثر من 80% من الخدمات الأساسية التي يحتاجون إليها بحلول عام 2022. ومن الممكن أن يساهم نمو الوظائف والإنتاجية بنحو 75% من المكاسب المحتملة، في حين قد تساهم زيادة الإنفاق العام وحدها من دون اتخاذ التدابير اللازمة في تحسين فعاليته بأقل من 10%.
ولتحقيق هذه الإمكانية، يتعين على صناع السياسات أن يعملوا على القضاء على القواعد التنظيمية الملغزة التي تكبل الشركات؛ وتسريع وتيرة تنفيذ مشاريع البنية الأساسية؛ وجعل أسواق العمل أكثر مرونة؛ وإزالة تشوهات السوق؛ وتوسيع نطاق التدريب المهني للفقراء وغير المتعلمين. ومن ناحية أخرى، ينبغي لهم أن يعملوا على رفع كفاءة كل الإنفاق العام إلى مستوى لا يقل عن أفضل ولايات الهند أداء.
وكل هذا يتطلب التزاماً قوياً بحكم أفضل والتركيز المستمر على النتائج، والواقع أن الاستراتيجيات التي تتسم بالحس السليم- مثل تحسين التنسيق بين عدد كبير من الوزارات والإدارات التي تتألف منها البيروقراطية، وإنشاء وكالات قابلة للمساءلة والتمكين من أجل تسليم النتائج في المناطق ذات الأولوية العالية- من الممكن أن تقطع شوطاً طويلاً نحو تلبية هذا المطلب. وعلاوة على ذلك، يمكن استخدام التكنولوجيا لتيسير وتبسيط الخدمات الحكومية وجعلها أكثر شفافية.
وأخيراً، من الممكن أن يساعد التعاون الوثيق مع الجهات الفاعلة في القطاع الخاص الاجتماعي والمجتمعات المحلية في زيادة الكفاءة، وفي الوقت نفسه الحد من العبء المفروض على القطاع العام.
إن شباب سكان الهند وديناميكيته ثروة يتطلب الحفاظ عليها توفير نوعية حياة أفضل، ومن خلال الإرادة السياسية القوية المستدامة والسياسات الموجهة نحو تحقيق النتائج، تستطيع الهند أن توفرها.
’’بروجيكت سنديكيت’’ عن ’’الجريدة الكويتية’’
من الفقر إلى التمكين
بروجيكت سنديكيت
ترجمة/الجريدة الكويتية
سوبير غوكارن و انو مادغافكار
بينما تستعد الهند لانتخاباتها العامة في الشهر المقبل، يبدو أنها لديها من الأسباب ما يدعوها إلى الاحتفال: فالفقر المدقع أصبح في انحسار أخيراً، ففي عام 2012- بعد مرور عشرين عاماً منذ أطلقت الحكومة سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية الرامية إلى فتح الاقتصاد- بلغ معدل الفقر الرسمي 22%، أقل من نصف المعدل الذي كان عليه في عام 1994، ولكن الوقت حان الآن لكي ترفع الهند سقف طموحاتها، فالإفلات من براثن الفقر المدقع، وإن كان يمثل معلماً بالغ الأهمية على الطريق، فإنه ليس كمثل تحقيق مستوى لائق من المعيشة وتوفير الشعور بالأمن الاقتصادي، ولتحقيق هذه الغاية فإن الأمر لا يزال يتطلب الكثير من العمل.
الواقع أن جسامة هذه المهمة تنعكس في تقرير جديد صادر عن معهد ماكينزي العالمي بعنوان ’’من الفقر إلى التمكين’’، والذي يستخدم إطاراً تحليلياً مبدعاً، أو ’’خط التمكين’’، لتقدير التكلفة التي يتحملها المواطن العادي لتلبية ثمانية احتياجات أساسية: الغذاء والطاقة والمسكن ومياه الشرب والصرف الصحي والرعاية الصحية والتعليم والضمان الاجتماعي. ووفقاً لهذا المقياس فإن نحو 56% من الهنود في عام 2012 كانوا ’’يفتقرون إلى الوسائل اللازمة لتلبية احتياجات أساسية’’.
ومن اللافت للانتباه أن هذا الرقم ضعف عدد الأشخاص الذين ما زالوا يعيشون تحت خط الفقر في الهند بمرتين ونصف ويزيد، والأمر الأكثر لفتاً للنظر هو أن ’’فجوة التمكين’’- أو الاستهلاك الإضافي المطلوب لرفع 680 مليون شخص إلى خط التمكين- أكبر بسبع مرات من تكلفة القضاء على الفقر المدقع.
علاوة على ذلك، فعلى الرغم من أن خط التمكين يُعَد مقياساً للاستهلاك الفردي، فإن قدرة أي أسرة على الإنفاق أو استعدادها للإنفاق لا يكفي لضمان حياة كريمة، فالناس يحتاجون أيضاً إلى القدرة على الوصول إلى البنية الأساسية على مستوى المجتمع المحلي مثل العيادات الصحية والمدارس وشبكات الطاقة والصرف الصحي، ولكن الأسرة الهندية المتوسطة تفتقد القدرة إلى الوصول إلى نحو 46% من الخدمات الأساسية، مع تراوح شدة التفاوت إلى حد كبير بين مختلف المناطق.
ولكن ماذا تستطيع الحكومة الهندية أن تفعل لكي توفر لمواطنيها ما يستحقونه من كرامة وراحة وأمن؟ وبالنظر إلى أن ما يقرب من نصف الإنفاق العام الحالي على البرامج الاجتماعية يفشل في تقديم نتائج أفضل للفقراء، فمن غير المرجح أن ينجح توجيه المزيد من الأموال ببساطة عبر القنوات القائمة في إحداث تأثير كبير.
وبدلاً من ذلك، ينبغي لصناع السياسات أن يركزوا على دعم تشغيل العمالة ومكاسب الإنتاجية- التي تشكل تاريخياً أسلحة فعّالة ضد الفقر، وبطبيعة الحال، لن يكون هذا سهلاً يسيراً، فقد تباطأ اقتصاد الهند في الأعوام الأخيرة، وإذا ظل النمو الاقتصادي على مساره الحالي، وفي غياب أي إصلاحات كبرى، فسوف يظل أكثر من ثلث سكان الهند تحت خط التمكين بحلول عام 2022، وسوف يظل الفقر المدقع يحاصر 12% منهم.
ولتجنب هذه النتيجة، ينبغي للحكومة الهندية أن تسعى جاهدة إلى تنفيذ مجموعة من الإصلاحات الجريئة الكفيلة بتعزيز النمو من خلال تشجيع الشركات على الاستثمار والتوسع واستئجار العمالة. ولابد أن تكون أجندة الإصلاح قائمة على أربع أولويات أساسية:
• إضافة 115 مليون وظيفة غير زراعية على مدى العقد المقبل لاستيعاب العدد المتزايد من العمال والتعجيل بالتحول نحو صناعات أكثر حداثة.
• مضاعفة نمو الإنتاجية الزراعية من أجل زيادة غلة المحاصيل الزراعية في الهند إلى المستويات التي تحققها بلدان أخرى ناشئة في آسيا.
• مضاعفة الإنفاق العام الحقيقي (المعدل تبعاً للتضخم) على الخدمات الاجتماعية على مدى عشر سنوات، مع تخصيص قسم كبير من هذه الزيادة لسد الثغرات في الرعاية الصحية وتوفير مياه شرب نظيفة وشبكات صرف صحي لائقة.
• الإصلاح الشامل لأنظمة تسليم الخدمات الاجتماعية.
وبالاستعانة بالمجموعة السليمة من التدابير يصبح من الممكن الدفع بأكثر من نصف مليار مواطن هندي لعبور عتبة الاستهلاك اللازمة لحياة تتسم بالتمكين الاقتصادي، وبوسع الهنود أن يكتسبوا القدرة على الوصول إلى أكثر من 80% من الخدمات الأساسية التي يحتاجون إليها بحلول عام 2022. ومن الممكن أن يساهم نمو الوظائف والإنتاجية بنحو 75% من المكاسب المحتملة، في حين قد تساهم زيادة الإنفاق العام وحدها من دون اتخاذ التدابير اللازمة في تحسين فعاليته بأقل من 10%.
ولتحقيق هذه الإمكانية، يتعين على صناع السياسات أن يعملوا على القضاء على القواعد التنظيمية الملغزة التي تكبل الشركات؛ وتسريع وتيرة تنفيذ مشاريع البنية الأساسية؛ وجعل أسواق العمل أكثر مرونة؛ وإزالة تشوهات السوق؛ وتوسيع نطاق التدريب المهني للفقراء وغير المتعلمين. ومن ناحية أخرى، ينبغي لهم أن يعملوا على رفع كفاءة كل الإنفاق العام إلى مستوى لا يقل عن أفضل ولايات الهند أداء.
وكل هذا يتطلب التزاماً قوياً بحكم أفضل والتركيز المستمر على النتائج، والواقع أن الاستراتيجيات التي تتسم بالحس السليم- مثل تحسين التنسيق بين عدد كبير من الوزارات والإدارات التي تتألف منها البيروقراطية، وإنشاء وكالات قابلة للمساءلة والتمكين من أجل تسليم النتائج في المناطق ذات الأولوية العالية- من الممكن أن تقطع شوطاً طويلاً نحو تلبية هذا المطلب. وعلاوة على ذلك، يمكن استخدام التكنولوجيا لتيسير وتبسيط الخدمات الحكومية وجعلها أكثر شفافية.
وأخيراً، من الممكن أن يساعد التعاون الوثيق مع الجهات الفاعلة في القطاع الخاص الاجتماعي والمجتمعات المحلية في زيادة الكفاءة، وفي الوقت نفسه الحد من العبء المفروض على القطاع العام.
إن شباب سكان الهند وديناميكيته ثروة يتطلب الحفاظ عليها توفير نوعية حياة أفضل، ومن خلال الإرادة السياسية القوية المستدامة والسياسات الموجهة نحو تحقيق النتائج، تستطيع الهند أن توفرها.
’’بروجيكت سنديكيت’’ عن ’’الجريدة الكويتية’’