مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
2014/08/17 20:10
كنوز أدبية
د. حنان أبو لبدة

كم من مقولة تقرأها في كتب الأدب والتراث ، يرنّ صداها في أذنيك ، وتترك في نفسك وقعًا لا يمّحي أبدًا ، ويدفعك التأثر بها إلى السؤال عن قائلها ؛ لتشهد له بالإبداع .
ومن الجميل أنّ نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم -اعتنى بهذا الموضوع ، وكان له في نفسه الشريفة صدى ، من ذلك ما قاله حين سمع بيتًا للشاعر الجاهلي عنترة ، وقال فيه ، ما أحببت أن ألتقي أعرابيًا ، مثلما أحببت أن ألتقي عنترة ؛ لأنّه قال :
وأغضّ طرفي ما بدت لي جارتي حتّى يواريَ جارتي مأواها
فما أجمل العفّة التي ألزم عنترة نفسه بها ! ، في هذا البيت ، وأعجب بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
وتحضرني فكرة هنا ، وهي أنّ نبينا الكريم أعجب بالمعنى الأخلاقي الوارد في البيت ، وأعجب لذلك بصاحبه ، رغم أنّه جاهلي لم يدرك الإسلام ، ولم يلتفت إلى المذهب أو الدين الذي ينتمي إليه القائل ، واعتنى بما قدّمه شعره من خلق ، يتفق وديننا الحنيف .
وهذا الحرص على تحلي المسلمين بمكارم الأخلاق دفع عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- ، ليقول : علّموا أولادكم لاميّة العرب ، فإنّها تعلّم مكارم الأخلاق ، رغم أنّ لاميّة العرب – وهي قصيدة طويلة - ، لشاعر جاهليّ من شعراء الصعاليك ، يدعى الشنفرى ، لم يدرك الإسلام ، ومنها قوله :
وإن مدّت الأيدي إلى الزاد لم أكن بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجلُ
مفاد ذلك أنّ علينا كمسلمين أن نأخذ من الأدب والشعر ما يتفق وديننا ، دون النظر إلى عقيدة القائل ، وقد يقول الشاعر مسلمًا كان أو غير مسلم ، ما يتفق وديننا ، وقد يقول ما لا يتفق ، فنأخذ بدورنا ما يتفق معه ، ونعرض عمّا لا يتفق .
وتمتدّ هذه النظرة على كلّ ما يمكن أن نأخذه من الأمم الأخرى ، من علوم وتكنولوجيا وثقافات ، فنحرص على أخذ ما يفيدنا ، وينطلق من ديننا الحنيف ، ونطرح منه ما لا يفيدنا ، فيكون انفتاحنا على الأمم مدروسًا وموجّهًا ، متّخذا ديننا منارته ، ومصدر إلهامه ، لا ينبني على تقليد للآخرين ، ينقصه التحكيم والتمحيص .


د. حنان أبو لبدة
كليتا الآداب والتربية بأبها / جامعة الملك خالد
مقالات اخرى
أضافة تعليق