عبد العزيز كحيل
عُرف اللاعنف في العصر الحديث في مقاومة الهند للاحتلال الانجليزي من أجل الاستقلال ، حيث اعتمده الزعيم الهندي غاندي كإستراتيجية سياسية وفلسفة أخلاقية تنبذ استخدام العنف والصدام المسلّح وتفضّل الوسائل السلمية للكفاح الشعبي مثل العصيان المدني مع الدعوة إلى الحوار ، وبعد غاندي ارتبط اللاعنف باسم الزعيم الإفريقي منديلا الذي تبنّاه منهجا لمقاومة نظام التمييز العنصري الذي انتهجه الأوربيون في جمهورية جنوب إفريقيا وانتهى بعد زمن طويل من النضال إلى إحقاق حقّ السود في بلدهم ، مثلما انتهت مسيرة غاندي باستقلال الهند .
وظهر هذا المصطلح وهذه الفكرة في الفضاء العربي الإسلامي منذ أواسط ستّينيّات القرن العشرين على يد المفكّر السوري الأستاذ جودت سعيد ، وأيّده فيه صهره الدكتور خالص جلبي الذي خصّص له جلّ إنتاجه الفكري .
والذي جعل كثيرا من الكتّاب يتناولون هذه الفكرة بالنقد ، وجعلني أدلو بدلوي في الموضوع ، صدورها عن رجليْن يؤصّلان لها تأصيلا إسلاميّا ، لا أعلم أنّ أحدا سبقهما إلى ذلك ، فالنقد لا ينصبّ في هذا المقال على فكرة اللاعنف بذاتها بل على التأصيل الشرعي لها.
· اللاعنف هو الحلّ : من يقرأ كتابات جودت وخالص يجدها تبشّر بعالم ليس فيه عنف ولا قتال ، يسوده سلام شامل بفضل نبذ المسلمين لوسائل العنف وتجنّبهم الصدام في جميع الأحوال واعتمادهم التنازل من جانب واحد أمام الأعداء والخصوم كثقافة ومنهج حياة يبدأ منذ الصغر في العلاقة مع الزملاء والجيران ويجنح دائما إلى الحوار والمسالمة ويتنازل من جانب واحد عن حقّ الدفاع عن النفس ، وهذا ما ينبغي أن تأخذ به الأمة كلّها لتفادي ما ينغّص حياتها من عنف و إرهاب.
بدأ الأستاذ جودت سعيد طرح فكرته هذه في كتيّب عنوانه ’’ مذهب ابن آدم الأوّل – مشكلة العنف في العمل الاسلامي ’’ نشره في 1966 وانتقد فيه الجنوح إلى الفعل العنيف عند المسلمين والحرات الاسلامية بوجه خاص ، وهذا ما لا يخالفه فيه عالم متبحّر و لا داعية بصير ، وأصّل لذلك بقصّة ابني آدم كما وردت في سورة المائدة ، لكنّه حمّل القصّة تأويلات بعيدة بل مستبعدة ، وتعامل مع ثمراتها التربوية بالتعميم والإطلاق حتى خرج عن المناط وانتهى إلى أنّ موقف المسالمة والتنازل عن الردّ على الاعتداء هو المنهج الوحيد الذي يحكم حركة المسلمين أفرادا وجماعات وأمة ، في جميع الأحوال ومع جميع الخصوم ، ومازال الكاتب إلى اليوم يتبنّى هذه الفكرة ويدافع عنها بكلّ قوّة ، ورأيته يتفادى الاعتراضات الموجّهة لها والقفز عليها والاستمرار في طرحه الأحادي ، فعل ذلك في كتاباته ومناظراته التلفزيونية وغيرها ، وبالغ في نهجه حتى كاد يقول بإلغاء الحدود الشرعية ، واعتبر عقوبة الردّة مهاترة تصادم الدين والعقل وتُلغي الحرية الانسانية.
وسلك د.خالص جلبي نفس السبيل متجاهلا هو الآخر بديهيات القرآن والسنة والتاريخ والواقع الانساني ، وليس أحد في حاجة إلى الاستشهاد بآيات الجهاد والدفاع عن النفس ولا بتطبيقها من طرف الرسول القدوة صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم ، وأكتفي بذكر اثنتين محكمتين :
- ’’ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ’’ – سورة البقرة 194
- ’’ قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة ’’ – سورة التوبة 123
· المبالغة هي المشكلة : اللاعنف وصفة جميلة لكنها خيالية طوباوية تمامّا مثل جمهورية أفلاطون ، ويبدو أنها استهوت ببساطتها الأستاذيْن جودت وخالص فأصابتها آفة المبالغة حتى تخطّيا المنهج الموضوعي وغاصا في القراءة الانتقائية للقرآن والسنة وفي تجاهل الأسئلة البديهية الكبرى التي تهدم القضية من أساسها ، والمبالغة تؤدّي حتما إلى التأويلات الغريبة ، وقد رأينا د.خالص يعنّف من يؤوّل النصوص الشرعية لتوافق مذهبه لكنّه يبيح ذلك لنفسه ، خاصة عند تناول آية ابني آدم ، وقد حمّلها – كما فعل الاستاذ جودت – ما لا تحتمل من التأويلات والنتائج والتعميم.
لكنّ المبالغة الأكبر تكمن في تضخيم الأستاذ جودت للعامل الذاتي في مشكلات المسلمين وأخذهم بأسلوب العنف ونفيه للعوامل الخارجية نفيا يكاد يكون تامّا ، وكذلك تضخيم د. خالص لقضية النقد الذاتي إلى حدّ المازوشية – بعبير علماء النفس - ، وبهذا يتجاهل الباحثان عناصر كبرى في وضعنا المتأزّم مثل الاستعمار والغزو الثقافي والهجمة التغريبية والاستفزاز المستمرّ من ’’ الرجل الأبيض ’’ الذي يطال الأرض والسياسة والاقتصاد والشخصية العربية الاسلامية ، كلّ هذا لا يلتفت إليه دعاة اللاعنف بل نجد الباحثيْن يحمّلان الضحية المسؤولية كاملة فيما يصيبها ويلتمسان لها الظروف المشدِّدة ، وفي نفس الوقت يبرّئان – بطريقة أو بأخرى – المعتدي ويلتمسان له الأعذار أو لا يشيران إلى عدوانه أصلا ، وهذه المبالغات تسيء من غير شكّ إلى ما يتمتّع به الباحثان من عمق في التحليل وذكاء في الطرح.
يتّفق كلّ منصف مع المفكّريْن في ضرورة النقد الصارم للذات ورفض الصمَم الثقافي الذي تتبنّاه بعض الأطراف باسم الدين والتراث ، لكن ليس إلى حدّ الإسراف الذي يقود حتما إلى اليأس من الإصلاح ومن إمكانية النهوض والعطاء ، ومن غير إهمال العوامل الخارجية التي لها نصيبها الوافر في الانحراف الذي تعانيه الأمة ، وهذا منهج قرآني أصيل لا يحابي النفس ولا يتجاهل العدوّ :
- ’’ قل هو من عند أنفسكم ’’ – سورة آل عمران 165
- ’’ هم العدوّ فاحذرهم ’’ – سورة المنافقون 4
· اللاعنف والإسلام والواقع : أحسن كلّ من الأستاذ جودت والدكتور خالص وصف مشكلة العنف في العمل الاسلامي وفي تحليلها نفسيا واجتماعيا وتاريخيا – مع المبالغة التي ذكرناها – لكنّهما يقترحان حلولا تخالف سنن النفس والاجتماع والتاريخ ، وأكبر أخطائهما – فيما أظنّ – الاعتقاد أن التدافع بين الناس خطأ في ’’ الميكانيزم ’’ ذاته بينما هو سنّة ثابتة في الكون وفي خلق الله جميعا : ’’ ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض’’ – سورة البقرة 251
وهذه السنة أو القانون الاجتماعي لن تغيّرها أية نظرية مهما كانت ولن يبدّلها أيّ تحليل مهما وُصف بالعلمي : ’’ ولن تجد لسنة الله تبديلا ، ولن تجد لسنة الله تحويلا ’’ – سورة فاطر 43 ، أما تجربة غاندي ومنديلا فهي تجربة محمودة عملت على حققن الدماء باعتماد المقاومة السلمية ، لكنّها كانت تجارب ظرفية قلّلت من سفك الدماء غير أنها عجزت عن حقنها ، وتعميمُها على الزمان والمكان والأحوال غير موضوعي ، ولنا ان نتصوّر حال الجزائر – على سبيل المثال – لو لم يخض شعبها حرب التحرير ، إذن لقرّت عين فرنسا بذلك و لأصبحت هذه الأرض العربية المسلمة مقاطعة فرنسية ، تماما كما يريد الاستعمار ، وقد جرّبت الحركة الوطنية هناك فكرة اللاعنف ردحا من الزمن فلم يُجدِ ذلك نفعًا وزادت من مخاطر ذوبان الشخصية الجزائرية في المخطّط الفرنسي الاستيطاني ، فنماذج غاندي ومنديلا جديرة بالدراسة والاحترام لكن أين فلسفة الاسلام ونموذج الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ المؤسف أنّ الباحثيْن يُجهدان نفسيهما في استنطاق النصوص الدينية لتقوية فكرة اللاعنف فيقعان في ليّ الآيات والأحاديث وتجاوز المحكم منها فضلا عن المتشابه .
· كلمة أخيرة : إن الاسلام يؤمن بالسلم المسلّح الذي يحمي حمى الدين والأرض والأنفس والممتلكات ويردع من يستهويه الاعتداء عليها ، والعنف المشروع لا يعني بالضرورة إلغاء الآخر إنما هو إجراء احترازي تأخذ به كلّ الأمم ، ويُلاحظ في تنظير جودت وخالص المبالغة في نقد الذات إلى حدّ جلدها ، وهذا عائق ضخم أمام إثبات هذه الذات وإطلاق قدراتها ووضعها على الطريق الصحيح ، وقد جعلتهما المبالغة ينتهيان إلى عدم إبصار أيّة إيجابية للمسلم تماما ، وهذا بناءً على تحليل ...إسلامي.
عُرف اللاعنف في العصر الحديث في مقاومة الهند للاحتلال الانجليزي من أجل الاستقلال ، حيث اعتمده الزعيم الهندي غاندي كإستراتيجية سياسية وفلسفة أخلاقية تنبذ استخدام العنف والصدام المسلّح وتفضّل الوسائل السلمية للكفاح الشعبي مثل العصيان المدني مع الدعوة إلى الحوار ، وبعد غاندي ارتبط اللاعنف باسم الزعيم الإفريقي منديلا الذي تبنّاه منهجا لمقاومة نظام التمييز العنصري الذي انتهجه الأوربيون في جمهورية جنوب إفريقيا وانتهى بعد زمن طويل من النضال إلى إحقاق حقّ السود في بلدهم ، مثلما انتهت مسيرة غاندي باستقلال الهند .
وظهر هذا المصطلح وهذه الفكرة في الفضاء العربي الإسلامي منذ أواسط ستّينيّات القرن العشرين على يد المفكّر السوري الأستاذ جودت سعيد ، وأيّده فيه صهره الدكتور خالص جلبي الذي خصّص له جلّ إنتاجه الفكري .
والذي جعل كثيرا من الكتّاب يتناولون هذه الفكرة بالنقد ، وجعلني أدلو بدلوي في الموضوع ، صدورها عن رجليْن يؤصّلان لها تأصيلا إسلاميّا ، لا أعلم أنّ أحدا سبقهما إلى ذلك ، فالنقد لا ينصبّ في هذا المقال على فكرة اللاعنف بذاتها بل على التأصيل الشرعي لها.
· اللاعنف هو الحلّ : من يقرأ كتابات جودت وخالص يجدها تبشّر بعالم ليس فيه عنف ولا قتال ، يسوده سلام شامل بفضل نبذ المسلمين لوسائل العنف وتجنّبهم الصدام في جميع الأحوال واعتمادهم التنازل من جانب واحد أمام الأعداء والخصوم كثقافة ومنهج حياة يبدأ منذ الصغر في العلاقة مع الزملاء والجيران ويجنح دائما إلى الحوار والمسالمة ويتنازل من جانب واحد عن حقّ الدفاع عن النفس ، وهذا ما ينبغي أن تأخذ به الأمة كلّها لتفادي ما ينغّص حياتها من عنف و إرهاب.
بدأ الأستاذ جودت سعيد طرح فكرته هذه في كتيّب عنوانه ’’ مذهب ابن آدم الأوّل – مشكلة العنف في العمل الاسلامي ’’ نشره في 1966 وانتقد فيه الجنوح إلى الفعل العنيف عند المسلمين والحرات الاسلامية بوجه خاص ، وهذا ما لا يخالفه فيه عالم متبحّر و لا داعية بصير ، وأصّل لذلك بقصّة ابني آدم كما وردت في سورة المائدة ، لكنّه حمّل القصّة تأويلات بعيدة بل مستبعدة ، وتعامل مع ثمراتها التربوية بالتعميم والإطلاق حتى خرج عن المناط وانتهى إلى أنّ موقف المسالمة والتنازل عن الردّ على الاعتداء هو المنهج الوحيد الذي يحكم حركة المسلمين أفرادا وجماعات وأمة ، في جميع الأحوال ومع جميع الخصوم ، ومازال الكاتب إلى اليوم يتبنّى هذه الفكرة ويدافع عنها بكلّ قوّة ، ورأيته يتفادى الاعتراضات الموجّهة لها والقفز عليها والاستمرار في طرحه الأحادي ، فعل ذلك في كتاباته ومناظراته التلفزيونية وغيرها ، وبالغ في نهجه حتى كاد يقول بإلغاء الحدود الشرعية ، واعتبر عقوبة الردّة مهاترة تصادم الدين والعقل وتُلغي الحرية الانسانية.
وسلك د.خالص جلبي نفس السبيل متجاهلا هو الآخر بديهيات القرآن والسنة والتاريخ والواقع الانساني ، وليس أحد في حاجة إلى الاستشهاد بآيات الجهاد والدفاع عن النفس ولا بتطبيقها من طرف الرسول القدوة صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم ، وأكتفي بذكر اثنتين محكمتين :
- ’’ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ’’ – سورة البقرة 194
- ’’ قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة ’’ – سورة التوبة 123
· المبالغة هي المشكلة : اللاعنف وصفة جميلة لكنها خيالية طوباوية تمامّا مثل جمهورية أفلاطون ، ويبدو أنها استهوت ببساطتها الأستاذيْن جودت وخالص فأصابتها آفة المبالغة حتى تخطّيا المنهج الموضوعي وغاصا في القراءة الانتقائية للقرآن والسنة وفي تجاهل الأسئلة البديهية الكبرى التي تهدم القضية من أساسها ، والمبالغة تؤدّي حتما إلى التأويلات الغريبة ، وقد رأينا د.خالص يعنّف من يؤوّل النصوص الشرعية لتوافق مذهبه لكنّه يبيح ذلك لنفسه ، خاصة عند تناول آية ابني آدم ، وقد حمّلها – كما فعل الاستاذ جودت – ما لا تحتمل من التأويلات والنتائج والتعميم.
لكنّ المبالغة الأكبر تكمن في تضخيم الأستاذ جودت للعامل الذاتي في مشكلات المسلمين وأخذهم بأسلوب العنف ونفيه للعوامل الخارجية نفيا يكاد يكون تامّا ، وكذلك تضخيم د. خالص لقضية النقد الذاتي إلى حدّ المازوشية – بعبير علماء النفس - ، وبهذا يتجاهل الباحثان عناصر كبرى في وضعنا المتأزّم مثل الاستعمار والغزو الثقافي والهجمة التغريبية والاستفزاز المستمرّ من ’’ الرجل الأبيض ’’ الذي يطال الأرض والسياسة والاقتصاد والشخصية العربية الاسلامية ، كلّ هذا لا يلتفت إليه دعاة اللاعنف بل نجد الباحثيْن يحمّلان الضحية المسؤولية كاملة فيما يصيبها ويلتمسان لها الظروف المشدِّدة ، وفي نفس الوقت يبرّئان – بطريقة أو بأخرى – المعتدي ويلتمسان له الأعذار أو لا يشيران إلى عدوانه أصلا ، وهذه المبالغات تسيء من غير شكّ إلى ما يتمتّع به الباحثان من عمق في التحليل وذكاء في الطرح.
يتّفق كلّ منصف مع المفكّريْن في ضرورة النقد الصارم للذات ورفض الصمَم الثقافي الذي تتبنّاه بعض الأطراف باسم الدين والتراث ، لكن ليس إلى حدّ الإسراف الذي يقود حتما إلى اليأس من الإصلاح ومن إمكانية النهوض والعطاء ، ومن غير إهمال العوامل الخارجية التي لها نصيبها الوافر في الانحراف الذي تعانيه الأمة ، وهذا منهج قرآني أصيل لا يحابي النفس ولا يتجاهل العدوّ :
- ’’ قل هو من عند أنفسكم ’’ – سورة آل عمران 165
- ’’ هم العدوّ فاحذرهم ’’ – سورة المنافقون 4
· اللاعنف والإسلام والواقع : أحسن كلّ من الأستاذ جودت والدكتور خالص وصف مشكلة العنف في العمل الاسلامي وفي تحليلها نفسيا واجتماعيا وتاريخيا – مع المبالغة التي ذكرناها – لكنّهما يقترحان حلولا تخالف سنن النفس والاجتماع والتاريخ ، وأكبر أخطائهما – فيما أظنّ – الاعتقاد أن التدافع بين الناس خطأ في ’’ الميكانيزم ’’ ذاته بينما هو سنّة ثابتة في الكون وفي خلق الله جميعا : ’’ ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض’’ – سورة البقرة 251
وهذه السنة أو القانون الاجتماعي لن تغيّرها أية نظرية مهما كانت ولن يبدّلها أيّ تحليل مهما وُصف بالعلمي : ’’ ولن تجد لسنة الله تبديلا ، ولن تجد لسنة الله تحويلا ’’ – سورة فاطر 43 ، أما تجربة غاندي ومنديلا فهي تجربة محمودة عملت على حققن الدماء باعتماد المقاومة السلمية ، لكنّها كانت تجارب ظرفية قلّلت من سفك الدماء غير أنها عجزت عن حقنها ، وتعميمُها على الزمان والمكان والأحوال غير موضوعي ، ولنا ان نتصوّر حال الجزائر – على سبيل المثال – لو لم يخض شعبها حرب التحرير ، إذن لقرّت عين فرنسا بذلك و لأصبحت هذه الأرض العربية المسلمة مقاطعة فرنسية ، تماما كما يريد الاستعمار ، وقد جرّبت الحركة الوطنية هناك فكرة اللاعنف ردحا من الزمن فلم يُجدِ ذلك نفعًا وزادت من مخاطر ذوبان الشخصية الجزائرية في المخطّط الفرنسي الاستيطاني ، فنماذج غاندي ومنديلا جديرة بالدراسة والاحترام لكن أين فلسفة الاسلام ونموذج الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ المؤسف أنّ الباحثيْن يُجهدان نفسيهما في استنطاق النصوص الدينية لتقوية فكرة اللاعنف فيقعان في ليّ الآيات والأحاديث وتجاوز المحكم منها فضلا عن المتشابه .
· كلمة أخيرة : إن الاسلام يؤمن بالسلم المسلّح الذي يحمي حمى الدين والأرض والأنفس والممتلكات ويردع من يستهويه الاعتداء عليها ، والعنف المشروع لا يعني بالضرورة إلغاء الآخر إنما هو إجراء احترازي تأخذ به كلّ الأمم ، ويُلاحظ في تنظير جودت وخالص المبالغة في نقد الذات إلى حدّ جلدها ، وهذا عائق ضخم أمام إثبات هذه الذات وإطلاق قدراتها ووضعها على الطريق الصحيح ، وقد جعلتهما المبالغة ينتهيان إلى عدم إبصار أيّة إيجابية للمسلم تماما ، وهذا بناءً على تحليل ...إسلامي.